خربشات الثقافية
آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Eniie10

خربشات الثقافية
آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Eniie10

خربشات الثقافية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
Kharbashatnetالبوابةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولتسجيل دخول الأعضاء

 

 آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير لـ ( عزيز نيسن )

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Empty
مُساهمةموضوع: آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير لـ ( عزيز نيسن )   آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Uhh104/4/2010, 3:26 pm

هذه اولى القصص من الادب الساخر العالمي لعملاق الادب الساخر الكاتب التركي عزيز نيسين التي اضعها في ( خربشـــــــات ) للتعريف بعمالقة هذا اللون من الادب , وسنحاول تباعا نشر قصص وكتابات لاعلام الادب الساخر العربي والعالمي قديما وحديثا .




[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]





آه منا نحن معشر الحمير

تأليف عزيز نيسن



كنا، نحن معشر الحمير، سابقاً نتحدث بلغة خاصة بنا، أسوة بكم معشر البشر، هذه اللغة كانت جميلة وغنية، ولها وقع موسيقي جذاب كنا نتكلم ونغني . لم نكن ننهق مثلما عليه الحال الآن. لأن النهيق بدأ عندنا فيما بعد، وتعلمون أن جميع حاجاتنا ورغباتنا وحتى عواطفنا، نعبر عنها الآن بالنهيق.
ولكن ما هو النهيق؟ هاق، هاق.
هو عبارة عن مقطعين صوتيين، أحدهما غليظ وثخين، والآخر رفيع، يصدران الواحد إثر الآخر.
هذا هو النهيق.. الذي بقي في لغتنا ، لغة الحمرنة، لكن كيف تغيرت هذه اللغة حتى أصبحت بهذا الشكل؟
ألا يهمك معرفة هذه الحكاية وكيف حدثت؟
حسناً إذاً ، بما أنكم تهتمون بذلك، سأرويها لكم باختصار، لجم الخوف ألسنتنا وذهب بعقولنا ، وبسبب الخوف نسبنا للغتنا الحميرية.
في غابر الزمان كان يلهو حمار هرم وحده في الغابة، يغني بعض الأغاني بلغة الحمير ويأكل الأعشاب الغضة الطرية، وبعد فترة من اللهو تناهت إلى منخريه رائحة ذئب قادم، من بعيد. رفع الحمار رأسه عالياً وعبّ الهواء ملء رئتيه وقال: لا يوجد رائحة ذئب، لا، لا ليست رائحة ذئب ، وتابع لهوه قافزاً من مكان إلى آخر، ولكن الرائحة أخذت تزداد كلما دنا الذئب أكثر. هذا يعني أن المنية تقترب.
- قد لا يكون ذئباً، قد لا يكون، ولذلك حاول الحمار الهرم أن يطمئن نفسه، إلا أن الرائحة كانت تزداد باطراد، فلما ازداد الذئب اقتراباً، كانت فرائص الحمار ترتعد رعباً، ومع ذلك كان يحاول إقناع نفسه بأن القادم ليس ذئباً.
- - إنه ليس ذئباً، إن شاء الله كذلك، ولم يكون كذلك؟ ومن أين سيأتي وماذا سيفعل؟ وهكذا ظل الحمار الهرم يخدع نفسه، حتى بات يسمع صوتاً غير مستحب، صوت دبيب الذئب القادم.
- إنه ليس ذئباً، لا ليس صوت ذئب، ولا يمكن أن يكون كذلك، وماذا سيعمل الذئب هنا، ولمَ سيأتي؟؟؟
ومع اقتراب الذئب أكثر فأكثر أخذ قلب الحمار يخفق وعيناه ترتجفان، وعندما حدّق عالياً صوب الجبل، رأى ذئباً مندفعاً مخلفاً وراءه سحباً من الغبار.
- آه آه.. آه إنه ذئب، وكنت أحلم بذلك؟ قد يكون خيّل إليّ أن ما أراه ذئب أو كنت أحلم بذلك.
وبعد فترة ليست طويلة رأى ذباً قادماً من بين الأشجار، مرة ثانية حاول أن يطمئن نفسه قائلاً:
- أتمنى أن لا يكون ما أراه ذئباً، إن شاء الله لن يكون كذلك، ألم يجد هذا اللعين مكاناً آخر غير هذا المكان؟ لقد أصاب الوهن عيني، لذلك أخذت أرى هذا الشيء ذئباً قادماً.
تقلصت المسافة بينه وبين الذئب حتى أصبحت خمسين متراً. أيضاً حاول طمأنة نفسه قائلاً:
- إن شاء الله أن يكون ما أراه ليس ذئباً، قد يكون حملاً أو فيلاً أو أي شيء آخر. ولكن لمَ أرى كلّ شيء بهيئة ذئب؟
- - أعرف تماماً أن ما أراه ليس ذئباً ، ولكن لمَ لا أبتعد قليلاً.
أخذ الحمار الهرم يبتعد قليلاً ناظراً إلى الوراء، أما الذئب فقد اقترب منه فاغراً فاه.
- حتى لو كان القادم ذئباً ماذا سيحصل... لا، لا لن يكون ذئباً، ولكن لم ترتعد فرائصي؟
جهد الحمار الهرم أن تكون خطواته أسرع، حتى بات يركض بأقصى سرعة أمام الذئب المندفع.
- آه كم أنا أحمق فقد صرت أظن القطّ ذئباً وأركض هكذا كالمعتوه، لا ليس ذئباً... زاد الحمار من سرعته حتى أخذت ساقاه ترتطمان ببطنه ومع ذلك استمر في خداع نفسه قائلاً:
- حتى لو كان الذي أراه ذئباً ، فهو ليس كذلك، إن شاء الله لن يكون كذلك.
نظر الحمار الهرم وراءه فرأى عيني الذئب تشعان وتطلقان سهاماً نارية، وتابع ركضه مطمئناً نفسه بقوله:
- لا ، لا يمكن أن يكون ذئباً.
نظر الحمار خلفه عندما شعر بأنف الذئب يلامس ظهره المبلل، فوجده فاغراً فمه فوق ظهره.
حاول الركض إلا أنه لم يستطع ذلك لأن قواه خانته، فأصبح عاجزاً عن الحراك تحت ثقل الذئب، ولكي لا يراه فقد عمد على إغلاق عينيه وقال:
- أعرف تماماً أنك لست ذئباً.
لا تدغدغ مؤخرتي إني لا أحب مزاح اليد.
غرز الذئب الجائع أسنانه في ظهر الحمار الهرم، ونهش منه قطعة كبيرة، ومن حلاوة الروح، كما يقولون، إرتبط لسان الحمار ونسي لغته.
- آه آه إنه ذئب آه، هو آه هو .....
تابع الذئب النهش من لحم الحمار الهرم ذي اللسان المربوط، حيث لا يصدر منه سوى آه هو ... هاق .... هاق.
منذ ذاك اليوم نسينا أيها السادة ، ولم نستطع التعبير عن رغباتنا وأفكارنا إلا بالنهيق.
ولو أن ذاك الحمار لم يخدع نفسه، لكنا نجيد الحديث بلغتنا إلى الآن. ولكن ماذا أقول آه منا نحن معشر الحمير.. هاق ... هاق ...


عدل سابقا من قبل ماهر حمصي في 7/4/2010, 10:45 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Empty
مُساهمةموضوع: من هو ؟   آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Uhh104/4/2010, 7:21 pm





عزيز نيسين (1915- 1995) اسمه الحقيقي محمد نصرت نيسين من مواليد تركيا عام 1915 في جزيرة قرب استانبول واستخدم اسم عزيز نيسين الذي عرف به فيما بعد كاسم مستعار كنوع من الحماية ضد مطاردات الأمن السياسي في تركيا ورغم ذلك فقد دخل السجون مرات عديدة يعتبر عزيز نيسن واحد من أفضل كتاب ما يعرف بالكوميديا السوداء في العالم أو ما تسمى بالقصص المضحكة المبكية و المضحك المبكي في حياته انه وبرغم شهرته الواسعة في كل ارجاء العالم كمبدع فذ الا ان بلده الأم تركيا لم تعطه من حقه سوى القليل توفي عزيز نيسين في تموز عام 1995.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Empty
مُساهمةموضوع: الحذاء الضيق   آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Uhh104/4/2010, 10:18 pm




الحذاء الضيّق


تأليف عزيـــز نيسن
انتعلوا حذاء ضيقاً عند ذهابكم لطلب يد فتاة. البسوا حذاء ضيقاً بعض النمر عندما ستلتقون للمرة الأولى بمن سيصبح حماكم في المستقبل.
تستطيعون الزواج من الفتاة التي تريدون عندما ترتدون حذاء ضيقاً. حتى لو رفضت تلك الفتاة فإن والديها سيجبرانها على ذلك و هذا مجرب لا محال.
لقد تعلمت تلك الحقيقة قبل سنوات طويلة.


عشق " سيرمت " فتاة حتى الجنون. و بسبب هذا العشق أهمل جميع أشغاله و أعماله. جميع أصدقائه كانوا يشفقون عليه و على حالته حتى أنني قلت له ذات مرة:
- أتحبك الفتاة أيضاً ؟
-- و أي حب !!..
- إذن تزوجا.
-- و كيف أتزوج يا أخي فأنا وحيد هنا في استنبول . أمي و أبي في ( أرضروم ) و لا أحد لي هنا. و من سيطلب الفتاة من أمها ؟.
- ياهوه..! تلك الأزمان ولت، اذهب مباشرة إلى والدها و قل له " توافقت و اتفقت مع ابنتكم لذلك أرجوكم أن تمدوا لي يد المساعدة للزواج بها ".
-- و أنا من أجل ذلك سأتزوج. والد الفتاة غني، و بغير هذه الوسيلة لا أستطيع ضمان حياتي. هيا لنذهب، والدا الفتاة في البيت اليوم.
- لا أستطيع يا عزيزي سرمت.
-- ياهوه..! إنها خدمة أخوية. و بفضلها ستنقذ حياتي.

وافقت لأنه كان على وشك البكاء. حذائي الذي انتعله مهترئ، أضحى مثل تمساح فاغر فمه، أيعقل أن نذهب إلى بيت الفتاة بهذا الحذاء. و لا نقود لدي لشراء حذاء جديد. طلبت سلفة من معلمي على الرغم من معرفتي ببخله و أنه يعتبر من أبخل من في ( ببيالي ). قال لي يومها:
- هاه، تذكرت، عليك عشر ليرات هل سددتها ؟

أما مديرنا الإداري فهو رجل طيب، أنقذني و أعطاني خمس عشرة ليرة على أن يحسم المبلغ من راتبي. اتجهنا أنا و سرمت مباشرة إلى سوق الأحذية المحلية، هناك تباع أرخص الأحذية.
تعتبر الأحذية ذات المقاسات دون السبعة و الثلاثين، أحذية ولادية و تباع بأربع عشرة ليرة و سبعين قرشاً، و ما فوق وحتى الستة وأربعين أحذية رجالية أغلى بعشر ليرات، مقاس قدمي ثمانية وثلاثين.
إن هذه المفارقة تعتبر من أكثرها ظلماً في هذه الحياة. أيعقل أن أدفع عشر ليرات زيادة بسبب نمرة واحدة ؟!. عدا عن ذلك من غير المعقول أن يكون سعر الحذاء ثمانية و ثلاثين بسعر الستة و أربعين. لم استطع شرح هذه المظلمة للبائع بأي شكل من الأشكال لذلك اتجهنا إلى المدير، أظهر تفهمه إلا أنه قال:
- ماذا نفعل إذا كانت الأنظمة السارية هكذا ؟
لم أستطع ضبط نفسي لذلك رحت ألقي كلمة قائلاً:
-- سحقاً لجميع أنواع الظلم في العالم.
- اصمت و إلا فتحنا محضراً بذلك.
جمعنا و لملمنا كل ما لدينا أنا و سرمت إلا أن ذاك لم يكف لشراء حذاء مقاسه ثمانية و ثلاثين.
قال لي سرمت:
-- خذ سبعة و ثلاثين.
- ضيق لا يناسب قدمي.
-- تنتعله من أجل خاطري.
- ياهوه..! أي خاطر و ماطر في الأحذية و الأقدام ؟
قلت بيني و بين نفسي ماذا أفعل ؟. من أجل خاطر الصداقة اشتريت الحذاء. أبرزت النوايا الحسنة لانتعال الحذاء، حقيقة حاول البائعان كثيراً مساعدتي، مسكين، سرمت، حبات العرق تنساب من جبينه، و أخيراً نجحا و ربطا رباط الحذاء و قالا:
- هيا قم.
قالا لي ذلك لأني كنت ملقى على الأرض. نهضت بعدما حملاني من تحت إبطي ، و حال نهوضي صرخت:
- أغيثوني.
أتمنى أن لا يحرم الله قدماً من حريتها، فحرية القدم لا تشبه حرية الصحافة و لا حرية الوجدان.
قال البائع:
- سيتوسع الحذاء عندما تسير عليه قليلاً.

أي مسير, فأنا لا أستطيع الحراك. خرجنا إلى الشارع و أنا أشعر أن شرايين مخي تنتفض لدرجة أن حبات العرق أخذت تنساب من أسفل ظهري، في هذه اللحظات قال لي سرمت:
-- هل حضرت قصصك الساخرة التي سترويها لوالد الفتاة ؟.
ركبنا القطار.
- رجاء يا سرمت أزل هذه البلاء من قدمي.
-- لا تخلعه سيتوسع بعد قليل.
على ما يبدو أنه لن يتوسع ، و بسبب الألم قلت له:
- سأخلعها وعندما ننزل من الترمواي انتعلها ثانية.
و أي حال وصلت إليها حتى أشفق على الركاب والمراقب و الجابي، لذلك هبوا جميعاً لمساعدتي في خلعها، حاولوا كثيراً إلا أنهم فشلوا. أحد الركاب قال:
- لنقصهما و ننقذه.
قلت له:
- لا !!.
كيف سيقصه و بألف يا ويلاه جمعنا ثمنه، لا سيما أن في أعماقي أملاً بتوسع الحذاء و انتعاله براحة.
نزلنا من الترمواي و أنا أصرخ متألماً، أتأوه و أتأخأخ و لم أدر كيف مشينا.
في الطريق سألني سرمت:
-- هل حفظت القصص الساخرة التي سترويها، رجاء قل له ما تشاء و أضحكه، لأنه عندما يضحك سيلين و سيزوجني ابنته. رجاء أرو له نكات جحا و لا تنس قصصاً أخرى.
عندما وصلنا إلى البيت لم أعرف كيف ألقيت بنفسي على الديوان و غطيت وجهي بيدي.
سألنا والد الفتاة:
- ما سبب زيارتكما ؟
راح سرمت يستغيث بنظرات حتى كاد أن يبكي. أما أنا فلم أستطع التفوه بحرف واحد. كنت أتصبب عرق الموت، و وجهي محمراً كالشوندر. و كل قطعة من جسدي تلتهب من الحمى.
لاحظ سرمت أن لا أمل مني بالمساعدة، لذلك انفكت عقدة لسانه و راح يثرثر و يروي الحكايات، بينما كنت أتصبب عرقاً.
سألتني والدة الفتاة:
- لم لا تتحدث ؟
أجابها سرمت:
-- إنه خجول جداً يا سيدي.
يداي بين فخذي، و أنا أتقلب من الألم، أثناء ذلك أحضرت محبوبة سرمت القهوة. من ينظر في وجه الفتاة يهرب إلى آخر الدنيا، جازاك الله يا سرمت أمن أجل هذه الفتاة كل هذا.
في النهاية نجح سرمت في رواية كل ما حفظ من قصص ساخرة كذلك نجح في إضحاك الرجل و زوجته حتى " طقت خواصرهما ".
وجهي متغضن من الألم، وفي عيني أشعر بشرارة تشبه البرق. أخيراً عرض سرمت رغبته في الزواج من ابنتهم. أجابه والدها:
- لنفكر بالأمر.
بينما قالت والدتها:
- خيراً إن شاء الله، إنها القسمة و النصيب.
بعد ذلك سألني هل أنت أعزب ؟
عندها أجبتها مطأطئاً رأسي:
- نعم.
كانت الكلمة الوحيدة التي تفوهت بها.
بعد خروجنا من عندهم تركني سرمت غاضبا بعدما أنبني قائلاً:
-- أي صديق أنت ؟. يا خسارة.
هكذا بقيت وحيداً وسط الزقاق، جلست على الرصيف، كنت سأمشي حافياً لو استطعت خلع حذائي. لكنه التصق بقدمي. فلم ينخلع و كأنه أصبح جزءاً من جسدي.
لا أدري كيف وصلت إلى مركز الجريدة. و ألقيت بنفسي على أريكتي متمدداً:
- أنقذوني يا أصدقاء!.
حاولوا كثيراً دون جدوى:
- قطعوه، قطعوه.
كل واحد منهم حمل سكيناً أو مشرطاً أو موس حلاقة.
اقترح أحد الأصدقاء قائلاً:
- هذا اختصاص، لا بد من عمل جراحي.
لقد التصق الحذاء بقدمي لدرجة أنهم قطعوه، ومع ذلك لم ينخلع، وأخيراً نجحوا بعدما قطعوه إرباً إرباً. وبذلك استطاعت قدميّ معانقة حريتهما. وأنتم تعرفون معنى ذلك.
ثلاثة أيام لم أستطع المشي بتاتاً. و كل ما حدث تم بعد ذلك.

سابقاً كنت أنتعل ثمانية و ثلاثين لكن بعد ذلك، حتى الأربعين بات ضيقاً على قدمي، فقد كبرت قدماي بعدما عانقتا حريتهما، ألسنا هكذا نحن بني البشر عندما نتحرر من أي احتجاز و مهما طال أمده نتضخم و لا نستطيع الدخول من باب البيت.
بعد أربعة أيام قدم إلي والد الفتاة التي طلبها سرمت، و بعدما تحدثنا بموضوعات شتى قال لي:
- قررنا، أنا و زوجتي، تزويجك ابنتنا.
ذهلت مما سمعت:
-- لم ؟ لم أفهم…
- لأننا أعجبنا بك كثيراً، لم نصادف طوال حياتنا شاباً خجولاً مثلك، لم نر شاباً ذا تربية عالية مثلك، يوم أتيت إلينا كنت تقطر عرقاً من شدة الخجل و وجهك مبقع حمرة، لم تتفوه بتاتاً و كنت مطأطئ الرأس، شرف لأي عائلة دخول صهر مؤدب إليها.
-- و ماذا عن صديقي.. ماذا سيحل به؟.
- أرجوك اتركه، فهو ثرثار أحمق، و قليل الحياء. تصرف بشكل غير عقلاني، حسب ظنه أنه كان يروي قصصاً و نكات . لا فتاة عندي كي أزوجه.
و هكذا أخذ الرجل يزورني كل يومين أو ثلاثة أيام ليتحدث ممتدحاً حيائي و تربيتي:
- لم أر شاباً ذا تربية عالية، و أخلاق.. وجهك مبقع حياء.. لا تعرف أين تضع يدك..
-- يا سيدي أنا لا أفكر بالزواج الآن.
- فكر بالأمر.. سآتي ثانية و نتحدث في الموضوع.

و ظل الرجل يزورني كل يومين أو ثلاثة أيام ليتحدث ممتدحاً حيائي و تربيتي..
و ذات يوم لم أستطع ضبط أعصابي، أخرجت من درج طاولتي قطع حذائي ذي السبعة و الثلاثين ملفوفة بجريدة و ألقيت بها أمامه و صرخت به:
ها هي الأخلاق و التربية و الخجل, خذه و زوجه ابنتك !.




تذكروا عندما تنوون الذهاب لطلب يد فتاة أن تنتعلوا حذاء ضيقاً.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Empty
مُساهمةموضوع: نكتة   آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Uhh104/4/2010, 10:22 pm








نشر عزيز نيسين قصة قصيرة جدا في نصف صفحة كتاب صغير الحجم اصبحت

نكتة شهيرة في العالم كله
..




لقد اصطاد رجل سمكة.. فسارع بها الى زوجته

طالبا منها ان تقليها.. لكن الزوجة اعتذرت لعدم وجود زيت.. فقال الرجل

لها: اشويها.. فاعتذرت الزوجة لعدم وجود ردة.. فطلب منها ان تسلقها..

فصرخت فيه الزوجة: لا نملك غازا.. فحمل الرجل السمك وراح الى البحر

وألقاها في الماء.. فهتفت السمكة: (تعيش الحكومة) .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Empty
مُساهمةموضوع: رسائل الحمار الميت   آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Uhh104/4/2010, 10:29 pm






الرسائل التي كتبها (الحمار الميت) الذي لا
يخاف الذئب، من الدار الآخرة إلى صديقته ذبابة
الحمار في الحياة.

الرسالة الأولى

(الحمار الميت يحكي كيف مات)

ذبابة الحمار الحبيبة

ستدهشين حتماً عندما ستستلمين هذه الرسالة. ستهلوسين قائلة: "علمنا أنه شبع موتاً منذ زمن، فمن أي اسطبل خرج لنا مجدداً" . لا تنفعلي. أنا أكتب لك من المقبرة. هنا ، كل الذين كانوا أحياءً في يوم ما من كبار ومشهورين وأعيان. إنه الوقت المناسب لكي تلطمي وتصرخي "آه لم نعرف قيمته في حياته. الآن فقط فهمت معنى المثل القائل "أعمى وعيونه لوزية" من خلال معرفتي بالذين لم نفهمهم في دنيانا الكذابة قبل أن يأتوا إلى مثواهم الأخير. بينما كنت أعمى عما هو أمام عيني سمعت عبارات المديح بعد موتي "عيون كحيلة". "نظرته مؤثره".

لا تحزني مطلقاً مما تعانيه من ضائقة في الحياة. عندما ستموتين ستكتب الجرائد "فقيدة كبيرة لا يُملأ مكانها". الأنانيون يملؤون أمكنة المحرومين والفقراء الأحياء ولا يتركون لنا حتى مكاننا في الحياة. ولا أدري كيف لا يستطيعون – ولا بأية وسيلة – تعبئة مكاننا بعد موتنا فيتركونه فارغاً!!

ستعيشين في قلوب الأحياء بعد موتك، ولكن عندها سيكون مكانك جهنم أيضاً. لقد حكى لي أحد الأخوة الحمير ممن لا مكان لهم في الحياة ولم يستطع أحد ملء الفراغ مكانهم بعد موتهم، هذه الحادثة التي وقعت له: "يوم شمسه حارةً جداً حزموا ظهره بحمل ثقيل، صادف الحمار الماشي (طحاً و نحاً) تحت وطأة حمله الثقيل طريقاً ساحلياً، وبينما كان يمر أمام (شاليه) وفي يده كأس مشروب من ذاك المتعرق خارجه لكثرة الثلج داخله.. يرتشف مشروبه وينفث دخان سيجارته. نظر الحمار من تحت الحمل وهو يكاد يغمى عليه لشدة الحر إلى الحمار الذي كان يتناول شرابه أمام الريح وقال:

- لِمَ نفختك هذه. كل ما هنالك أنك تعيش وأنا أيضاً أعيش.
قال حمار الشرفة للحمار الذي يطح وينح تحت وطأة حمله:
- نعم أنت تعيش وأنا أعيش ولكن أنت هكذا.. وأنا هكذا!!!

كل الأعمال في المقبرة تجري بسرعة وعلى ما يرام ذلك لعدم وجود أي دائرة حكومية أو موظف. وليست هنالك مؤسسات وجدت خصصياً لإخراج الناس عن طورهم – البريد مثلا- إذا أراد أحدنا إرسال رسالة من هنا إلى أحد الأحياء يتولد كل ما يريد كتابته في عقل المرسل إليه كما تتولد هذه الرسالة في عقلك الآن.

ذبابة الحمار الحبيبة سأشرح لك في رسالتي هذه كيف مت. لعله يفيدك في زمن تكونين فيه محاصرة إن لم يكن باستطاعتك الحياة.
إنني مُت، أي أنني ما بعد وجودي. لا كقول الذين يبتلعون العصير المجمد (أوخ ، مُت) قَولي أنا مت ليس كذلك. مت بجد.

ستقولين "ليس في الموت مزاح" ولكن عندما تمر حياتنا مهزلة فموتنا يصبح قبيحاً كل القبح.
اثنان سيبكيان من بعدي: أولهما واصل وثانيهما وداد. أنا دائن للأول بخمسمائة ليرة وللثاني بمائة ليرة فقط. من يعلم مقدار حزنهما لموتي قبل أن أدفع ديني.

كنت كلما نظرت في وجهيهما أُفضّل الموت سلفاً (أي دفعة واحدة) عليه تقسيطاً. ( أي أموت وأحيا وأموت وأحيا).

في البداية خططتُ للموت في البيت، فكرت كيف سيرى المارة سفالتي التي وصلت حتى الركب. سأصبح سخرية للناس، لذلك عزفت عن الموت في البيت، لم أستطع العيش في المصيف صيفاً واحداً ولا ففي المشتى شتاءً واحداً. لكي أعيش في مصيف لم أستطع أن أعيش فيه وأنا حي، سحبت نفسي مثل القطط الأصيلة التي لا تريد أحداً أن يرى جثتها، وذهبت إلى مكان بعيد مكشوف وجميل.

قبل أن أموت سألت نفسي:
ما هي رغبتك الأخيرة؟ قل لنر!
قال صوتٌ من داخلي:
- الحياة!!!
قلت:
تجاوز هذه . لنسألك ثانية "ما هي رغبتك الأخيرة "فهذا السؤال يُسأل أصولاً للذين سينفذ فيهم حكم الإعدام . فإذا كان لك طلب ناتج عن تفكير منطقي فقله.
صرخ الصوت عالياً:
- الحياة!..
طلبك هذا يعني "طلب تحكّم طبقة في بقية طبقات المجتمع" ومسجل في القانون على أنه من أكبر المعاصي.
- عِشتَ كل هذه السنين كذبابة في ذيل حصان. ماذا رأيت وماذا وجدت في هذه الدنيا... آ.. قواد!..
أغمضت عيني وانسحبت من "دار الفناء" إلى "دار البقاء" . فتمددت على طولي في ساقية على حافة الطريق. رفسني أحد المارة رفسة، رفستين. عندما لم يلحظ مني أية حركة فتشني!! وبينما كان يبحث في جيوبي الداخلية تدغدغت وكادت الضحكة تخرج من فمي، ولأنني ميت عليّ ألا أخرج أي صوت. لم يجد الرجل أية نقود في جيوبي، أو أي شيء مفيد، ساعة، قلم حبر، خاتم، موسى، قداحة،... تركني وبصق على وجهي. انه رجل صاحب ضمير كان بإمكانه أن يعمل شيئاً آخر غير البصاق.

نادى أحد المارة:
- في الطريق ميت لا يعد من الميتين!!..
أخبر الشرطة. بالرغم من أن الرجل الذي فتش جيوبي قال للشرطي:
- لا يوجد معه شيء. من المستحيل معرفة شخصيته.
هيه .. هيه.. أنا بلحظة أعرف من هو.
هل هذا صحيح بالرغم من عدم حمله الهوية؟!!
ضرب الشرطي بيده على رقمه المثبت في ياقته وعلى مسدسه، وقال:
- نحن لا نحمل هذه على الفاضي يا حباب. نحن نُخرج من الريح الماء ومن السيل الغذاء.
- ولكن كيف؟!
أجعلهُ يتكلم!!
- ميت.. وهل يتكلم الميت؟!!
- هذا سر المهنة.. كل شخص ممكن أن يجعل الحي يتكلم.. ولكني أجعل الميت يتكلم، وسترى أننا لا نجعل الأموات فقط يتكلمون، بل حتى شواهد القبور تتكلم حتى تظن أنها تنطق بالغزل في جلسة صفاء على شاطئ البوسفور..
- بعد بحث وتمحيص وتمشيط وجدوا في جيوبي أشعار الحب التي كتبتها للفتاة الفاتحية* أم عروق الرقبة البارزة. ولمعلمتي البورصية*. قال الشرطي عندما وجد الأشعار:
- الرجل شاعر. اذا بدأ أحد الشعراء بالكلام فلا يستطيع إسكاته شرطة سبع دول.

سأل أحد فاعلي الخير الشرطي عن سبب أخذ الشعر وتركي في الخندق.
قال الشرطي:
لا يُستطاع الخروج من داخل هذا الذي يسمى شعراً. ولأن هذا الشعر الحديث شيء (ملخبط) مثل الشيفرة فلا يفهمه قارئ ولا مستمع. لذا فشرطة الأمن السياسي، هم أكثر قراء هذا النوع من الشعر.. سآخذ هذه الأشعار إلى الشعبة السياسية ليدققوها لعلهم يجدون فيها مخالفة!!!
ذهبوا وبقيت في الخندق.

هكذا يا ذبابة الحمار الحبيبة، هكذا مُـت. ولكن لم أنته عند هذا. وهل تظنين أن الموت عمل سهل. أيـ..ن! صدقي عندما تموتين في يوم ما، إذ كنتِ ندمتِ على ولادتك مرة، ستندمين على موتك ألف مرة.

لقد أتينا إلى هذه الدنيا في زمان ومكان، إذا أردنا أن نعيش لا يُعاش وإذا أردنا الموت لا نستطيع. لا يدعونك تموتين أن تعيشين... سأحكي لك في الرسالة القادمة ما جرى لي بعد موتي. أبلغي سلامي لمن يسأل عني. قلت من يسأل عني، تذكرت، دخيل عيونك احذري أن تقولي "للديّانة" الذين لهم دين بذمتي عن مكاني. بينهم واحد – أنت لا تعرفينه- لا يتوانى عن عمل شيء من أجل أن يدّفعني نقوده. يموت ويتبعني إلى هنا، أي إلى مكان استراحتي الأبدية، لا تعطي عنواني لأحد، خشية أن يحدث شيء من هذا القبيل. أقبل إبرتك السامة.


الملخص لك
حمار ميت

يتبع....................

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Empty
مُساهمةموضوع: الرسالة الثانية   آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Uhh104/4/2010, 10:32 pm






الرسالة الثانية


(الحمار الميت يحكي كيف نُقل في سيارة الإسعاف)

ذبابة الحمار العزيزة والحبيبة

شرحت لك في رسالتي السابقة كيف مت، الأصح، كيف تمددت في ساقية على طرف طريق متماوتاً.. الصعوبة الحقيقية بدأت فيما بعد. اجتمع حولي كل من كان ماراً. صاح أحد المواطنين المتكومين فوق رأسي:
- أي جنس بشري نحن ياهوه..؟ يموت الرجل أمام أعيننا ولا تهتز لأحدنا شعرة.
قال آخر:
- صحيح. أكون سافلاً إذ كان قد بقي في هذا الوطن صاحب شي من إنسانية. هنا أشخاص كُثر ليس بينهم من يهب لتقديم المساعدة.
سأل أحد المزدحمين:
- لماذا لا تقدم المساعدة أنت؟ ألست إنساناً؟
- من الأفضل أن تسأل نفسك بدلاً من سؤالي؟
- أنا عندي شغل.. وإلا كنت رميت نفسي إلى الصيدلية وأخبرتهم هناك..
- عنده شغل. أي شغل وأنت تتفرج منذ نصف ساعة؟
تداخلت الأصوات على شكل ضوضاء.
- طبيب؟ طبيب؟ أليس من طبيب بين كل هؤلاء؟
- قرأت في الجريدة هذا الصباح عن هجرة العقول.. هاجر أطباؤنا إلى أمريكا وألمانيا.. يا أخي ما بقي ففي الوطن أطباء.
- بـ .. آه ألا تعرف شبكات الهاتف.. حتى تأتي حرارة الهاتف يكون الرجل قد فقد حرارته منذ زمن.
- لو انقضت بالموت نعمة.. لو انتظرت حتى إنجاز مخابرة تلفونية لما بقي من الرجل قطعة واحدة حيث تأكله الذئاب والطيور الجارحة. أتظن من السهل إجراء مكالمة هاتفية هذه الأيام.؟
- واخ واخ يموت الرجل أمام عيوننا!!!
- العدل.. لا يوجد عدل.
- ما الذي قاله الشاعر "عذبني آدم لم يبق عدل / أمي تبكي بين شجر اللوز المر"
قال شاب لآخر بجانبه:
- لا يمكن أن يحدث مثل هذا في أوربا أو في أمريكا، إنها دول حضارية.
- ماذا تعني، أتقصد أن دولتنا غير حضارية؟ إذا كنت رجلاً، كرر أمام هؤلاء الشهود.
- أنا لم أقصد هذا.
- ياهوه... اتركوا المجادلة واعملوا شيئاً. الرجل يموت.
- في أوروبا، لديهم مكاتب خدمات اجتماعية في حال حدوث شيء من هذا القبيل، لو سقط كلب متألماً وسط الطريق. يهبون بسرعة ويأخذونه إلى مشفى الحيوانات فوراً.
قفز الرجل الذي بجانبه.
- بلا خلط .. ليس هكذا .. في أوربا أو أمريكا، لا يتدخل أي شخص في شؤون الآخر. لكل شخص عمله حتى أنه إذا صرخ أحدهم بجانبك متوسلا "إني أموت، بَلعة ماء كرماً لله" لا أحد يعطيه ماء. فهمت؟
- سيدي، وهل ذهبتم إلى أوربا حتى تتكلموا هكذا؟
- شخصياً لم أذهب.
- إيه...
- إذا كنا لم نذهب ، فسمعنا ممن ذهب، فوق ذلك أنا أقرأ الصحف.. أذهبتم أنتم؟
- بالطبع. نظمت الرابطة النقابية في مؤسستنا السنة الماضية رحلة لمدة خمسة عشر يوماً في حوض البحر الأبيض. درنا كل من اليونان، إيطاليا ، إسبانيا طولاً وعرضاً وبعدها يا سيدي.. سيدي.. ذَكّرني ما اسمها.. المهم، كلها كل أوربا.
- وضع الإنسان الذي يتجول في أوربا شيء مختلف.
- في آخر رحلاتي إلى أوربا علمت أن...
- أليس من صاحب وجدان بينكم؟
- موجود، ما العمل؟
- جميل، اذهب خبّر الإسعاف.
- لا يتدخل أحد في أوربا أو في أمريكا في حي ولا في ميت. لماذا ؟ كونهم بلاد حضارية. لكل عمله . لانتشال الساقطين في الطريق، الساقطين في ساقية على طرف الطريق، الساقطين المتوفين، الساقطين غير المتوفين، منظمات مختلفة، لا يحدث كما هو عندنا هكذا. لا يقفون يتفرجون على موته وهو يلفظ أنفاسه ، يمرون دون أن يتوقفوا.
- يعني لم يبق عندهم إنسانية أيضاً، كيف يمر الإنسان دون أن يتوقف أو يعمل أي شيء، يلتفت على الأقل.
- هذا يعني، إلا من كان عمله. يأخذونه ويعملون به ما يريدون.
- لو فككت زنار وأزرار صدر المسكين.
- يا سيدي أفضل عمل في حالة كهذه التدليك. لو دلكه أحدنا لأنقذناه.
- لو حركوا أرجله وضغطوا على صدره قليلاً. يمكن أن يصحو.
- أي تدليك . يا أخي أي تدليك... آه.. مات الرجل وأنت بِمَ تتكلم.
- مات! واخ واخ.. أماه.
- لماذا استغربت.
- كان حياً قبل قليل.
- وما المدهش في هذا؟ بعدها مات. كل الأموات قبل أن يموتوا بقليل يكونوا أحياء.
- الروح مثل الطير، دقيقة موجودة ودقيقة لا.
- هذه نهايتنا جميعاً.
- نحن لا يمكن أن نكون بشراً يا أخي. وهل من الإنسانية أن يكون هذا الحشد فوق رأس الرجل ولا يساعده أحد.

عزيزتي ذبابة الحمار، في الحقيقة كنت معجباً جداً بحديث الناس المجتمعين فوق رأسي. لو كنت أعرف أن كل هذه المتعة لهذا الحدث لذهبت كلما ضجرت إلى إحدى الساحات المزدحمة ووقعت مؤدياً (مشهد) الموت.
لكن لحظتها لا يمكن لي أن أعمل ذلك المشهد لأنني وعدت بأنني سأموت. ولا يمكن لي أن أرجع في كلامي لأن كلمتي كانت أمام جمع غفير من الناس.
بعض العابرين، يقفون منذ نصف ساعة من الزمن يستفسرون، ويحصلون – حسب اعتقادهم – على بعض المعلومات عني، ويذهبون. والبعض يمل لسماع كثرة التفاصيل الدقيقة والمطولة فيولون. ولأن كل أربعة – خمسة أشخاص يحتلون مكان كل ذاهب، فالازدحام كان يكبر. يتدافعون لرؤية الميت.
صرخت امرأة بولد أمامها:
- ما عمل ولد يقف هنا أما رجل؟
بعدها قال رجل كان يحمي بين ذراعيه امراة من الزحام:
- لم يبق تربية. ومع هذا يقولون إنهم يربون الجيل الجديد للوطن "خرجت إلى الهضاب ، لأنه لم يبق عندي سوى صاحب الجناب".
- ومن هم الذين تجتمع فيهم الأبوة والأمومة في هذه الدنيا؟
قال واحد ممن يدقق في ألبستي، عيني، حاجبي...
- انظروا إلى ربطتي حذائه، إحداها سوداء والثانية بنية.
انفجر الجميع ضاحكين من هذا الكلام.

خجلت إلى حد. أردت أن أخفي إحدى قدمي تحتي حتى لا أبدو أنني استعملت ربطات حذاء مختلفة الألوان. ولأنني ميت فمن العيب أن أتحرك من ناحية، ومخالف للأعراف من ناحية أخرى. عندها أيقنت أنه على الواحد منا.. أن يفكر جيداً أو يستشير الآخرين قبل أن يعمل أي شيء. إذا كنت ستموتين فعليك أن تعرفي شكل استلقائك على الأرض. وعلى هذا الأساس ستحسبين سقوطك. أنا عندما مت تمددت في ساقية على حافة الطريق بشكل عشوائي، حتى إنني لم أفكر أن بعض النبهاء من المواطنين سيلاحظون أن ربطتي حذائي من لونين مختلفين.

قال أجد المدققين فيما كنت ألبس:
- أراهن على ان حذاءه رُقّعت نعلُه ما لا يقل عن ثلاث مرات. أكثر المتألمين عليّ كانت امرأة مسنة صباغها ودهونها طبقات.. طبقات. قالت:
- واخ واخ.. ما شاء الله رموشه طويلة ومقلّبة. يا حيف على شبابه.
ما هؤلاء الناس ليس بينهم أي شبه. منهم من هو صاحب مزاج بالشعر ومنهم بالرموش. من يخطر بباله أن هذه المرأة صاحبة مزاج بالرجال، ذوي الرموش الطويلة؟
- بنطاله عيون عيون.
- أكمام (جاكيته) مهترئة.
- بنطاله ذاب تماما عند الركبة.
- ما الذي تقولونه، ياهوه..
- ماذا سنفعل؟
- ليخبر أحدكم طبيباً.
- إنه يموت أمام أعيننا.
- لنر فيما إذا كان حياً.
- يا عزيزتي ليمت أو ليعش فما علينا نحن إلا أن نشهر إنسانيتا.
- كم عمره قولكم؟!
- أربعون.. خمسة وأربعون
- لا أظن ليس أكثر من ثلاثين
- أنا أعرف بالبشر. يكفي أن أنظر في وجه الإنسان لأعرف من أي طينة هو.. هذا الرجل موظف محدود الدخل مئة بالمئة.
- وأنا أقول أنه كذلك.. إنه من النوع الذي يعمل وهو يجلس إلى الطاولة بشكل دائم.
- من أين عرفتم هذا؟!
- انظر إلى كوع جاكيته لقد اهترأت تماماً.
- انه قصير القامة.
- لا يعرف عمره تماما.
- أتريد أن أقول لك شيئاً ؟ ليست الفرجة لمن يموت بأجَلِه هكذا أية قيمة. وليس لها أية بهجة. لينفذ الإعدام. عندها تصبح للفرجة متعة.

ذبابة الحمار الحبيبة، بقيت في تلك الساقية أكثر من ست ساعات على ما أظن لأن الشمس كانت على وشك المغيب، كان الناس يأتون فصائل فصائل ليتفرجوا عليّ. الجميع حزين ومتأثر، وتألموا لكوننا أناساً سيئين لا نساعد بعضنا. حتى أن البعض تمادى فشتم ودعا على من لا يمد يد المساعدة، وبينما كانوا على وشك رفعي، إذ بأحدهم يقول وهو معلم باعتقادي:
- لو كنت أعلم لأتيت بالتلاميذ ليتفرجوا كيف يموت الإنسان ونعمل درساً تطبيقياً.
صرخ أحد المواطنين محاولاً تفريق الزحام:
- ألم تروا في حياتكم ميتاً حتى تكومتم فوق رأسه.
حاول رجل آخر أن ينظم الجمع فقال:
- لنقف بالدور يا شباب، بالدور بلا تدفيش ولا مزاحمة.
بينما كانوا يضعونني في سيارة الإسعاف، شق أحد المواطنين الازدحام لرؤيتي قائلاً:
- دقيقة يا شباب.. لقد أتيت من مسافة بعيدة لرؤيته.
سألوا الرجل:
- أمن معارفكم؟ أم أقاربكم؟
قال:
- لا، علمت بالأمر فأتيت.
يا حرام، لم يتمكن كل المواطنين من رؤيتي.
انطلقت السيارة. تبعها ركضاً بعض الأولاد والشبان لدقائق، في النهاية فهموا على ما يبدو أن قوة الإنسان، لا يمكن أن تسبق قوة الآلهة.
ذبابة الحمار الحبيبة، في الرسالة القادمة أحكي لك حكاية رحلتي - نعم كانت رحلة – في سيارة الإسعاف.
تحياتي وقبلاتي لإبرتك وعيونك.


المخلص
حمار ميت

يتبع.........................
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Empty
مُساهمةموضوع: الرسالة الثالثة   آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Uhh104/4/2010, 10:34 pm





الرسالة الثالثة



(الحمار الميت يحكي عن رحلته في سيارة الإسعاف)


عزيزتي ذبابة الحمار

أبدأ بالسلام، والقبلات الحارة من إبرتك.
شرحت لك كيف تم موتي وإلقائي في سيارة الإسعاف بالهلهلة والصياح، والطبل والزمر. الآن اسمعي ما وقع لي بعدها. (إن رحلة عشرين ألف فرسخ في غواصة) لا تساوي شيئاً أمام رحلتي في سيارة الإسعاف.
مددوني على طولي في مؤخرة السيارة. فجأة صعقني الخوف ظناً مني أنني راكب في سيارة (تكسي)، وسيطلب السائق الأجرة. ثم ارتحت بعد أن تذكرت أنني ميت.
لم نسر في الطريق مسافة خمس مائة متر حتى خرج صوت محرك السيارة (زيك) ووقف، ولم يتحرك مرة أخرى. تقدم السائق نحو المحرك كسياسي ينفث النار على خصومه.شَتمهُ، هَزَهُ، خربطه، ولكن السيارة لم تتحرك ولا بأي شكل، تظنها صَبّة (بيتون) مثبتة في الأرض كإسفين. قال السائق للجمهرة التي طوقته:
- أمن غير الممكن ألا يزدحم الناس؟!! نحن لا نعيش إلا بشكل مزدحم. ما دمتم مجتمعين، يالله يا شباب لندفع العربة من الخلف! غيّر السائق طريقة لفظ كلماته، أعاد ترتيبها، كررها لمرات بتوسل، للمتجمهرين، عندها بدأ الزحام يخف. لحظتها قال لمعاونيه.
- أرأيت كيف فرقت الزحام؟ إذا اجتمع عليك مثل هؤلاء العاطلين وأردت تفريقهم فما عليك إلا طلب المساعدة. اطلب منهم شغلة صغيرة. عندها سترى الجميع يهربون.
توسل السائق لمن تبقى حول السيارة، المساعدة، قال بعض الكلمات المحملة بنوع من القداسة مثل وطن، شعب، ضمير، لكن المزاحمين كانوا يجرجرون أقدامهم متراجعين.
نصح أحد المنسحبين السائق الذي كان يحاول العبث بالمحرك:
- لا تلعب فيها على الفاضي، إذا خربت العربة يقال "أينما تقول تك، فهناك اترك.."
- أأنزل وأدفع السيارة من الخلف يامعلمي؟!
قال السائق:
- اجلس في مكانك، سترى كيف سأجعلهم يدفعون السيارة.
مط رأسه من النافذة وقال:
- الله يرضى عليكم ، من يحب الله فليدفع السيارة من الخلف.
بقوله "الله يرضى عليكم" اجتمع المتفرقون وكأنهم جمع نمل تهجم على قطعة سكر.
مسكوا السيارة من يمينها، يسارها، عجلاتها، غطاء عجلاتها، خلفها ، أمامها، جنبها.. مسكة، من الأصح أن نسميها لمسة. مثل تلك التي تلمسها سيدة من طبقة اجتماعية راقية ليد رجل من طبقة اجتماعية دنيا عندما تكون في موقف مضطرة فيه للسلام عليه.
أما من ناحية الصياح والصراخ، فكانوا يصيحون بشكل تظن معه أن الأرض تهتز. فوق كل ذلك ، كان كل واحد يُحمس الثاني من كل قلبه:
- يالله يا شباب.
- الصبر يا مواطنين.
- ياللـ .. ـه .. واحد، اثنااا......ن ، ثلاثة.
ولأنه لم يكن أحداً منهم يدفع بجد، بل أحدهم يأمر الآخر الذي يتوسل، المتوسل يطلب على آخر، لذا كانت السيارة لا تتحرك حتى بمقدار إصبع.
يالله يا شباب.
- ادفعوا يا أخوة الدين.
- اصبروا قليلاً على الدفع ياهوه!
- ما فائدة الاسعاف إذا لم تصل إلى المشفى في زمانها.
- اصبروا قليلاً يا مسلمين، اصبروا على الدفع ياه..
- كلنا مع بعض.
- يالله.
لو أنكِ سمعتِ صراخهم، لظننت أنهم وجدوا دافعة أرخميدس، وسيقلبون الدينا رأساً على عقب. لكنهم لا يحركون حتى عربة على أربع عجلات بمقدار إصبع.
- من الأول مرة أخرى.
- كلنا مع بعض.
كانت قطرات العرق تك .. تك ، تسيل من رأس أنف السائق الجالس خلف المقود. الحق، لم يكن ثمة من يدفع غير السائق. ولأنه جالس على كرسيه داخل السيارة فهي لا تتحرك.
- يالله بقي القليل.
- زكاتكم، لندفع يا شباب.
قال الساق :
- لو تحركت قليلاً من مكانها، لما توقفت.
سأل المعاون:
- معلمي، هل تسير فعلاً إذا تحركت قليلاً.
ماذا تعني بقولك تسير، قل تطير.. ولا يُمكن إيقافها.
يا حفيظ.
كان رجل عجوز يصيح من بعيد وهو قادم.
- همة الرجال تقلع الجبال.
- ماذا يعني الكلام بابا.*
- يعني يا ابني إن الشباب إذا أرادوا – يستطيعون قلب الجبال، رأساً على عقب.
اتركنا من القلب رأساً على عقب، ياهوه.. كفاية علينا تحريكها بمقدار إصبع.
كان الأطفال يدفعون خلف الرجال وفي الدائرة الخارجية، النساء والشيوخ.. وهم أيضاً يخرجون صوت، هيه..هيه، مثل الصوت الذي يخرجه دقاق القهوة – على زعمهم – أنهم يحمسون دافعي السيارة.
- ادفعوا يا أخوان.
- من يحب الله فليدفع هذه البلية.
كان هناك من يقدم بعض وجهات النظر.
- لو كانت هذه السيارة في أمريكا لغدت كالريح وطارت.
لماذا تطير في أمريكا.
- هناك تطير.. لا أدري، لماذا هذه الآلات ذات المحرك تغدو عندنا مثل حمار عنيد وضع أمامه الماء. لا تمشي يا سيدي لا تمشي، إنهم يدفعون دون جدوى.
- أتذكرون القطار الكهربائي؟
- وهل يذكر القطار الكهربائي الآن؟
- ما قولك في أنه لم يمش، يا هوه.
- سيدي، السبب ، مناخنا.
- لا ياه...
لا أقول إلا الحق.. في يوم من الأيام اشترينا سفينة من ألمانيا. السفينة تسير بسرعة عشرين ميلاً في الساعة، ثلاثين ميلاً أو ستين... لم أعد أرى كم ميلاً...
- لا يكون جَمل؟!
- ليس جملاً يا سيدي، أتت بسرعتها إلى أن وصلت إلى مياهنا الإقليمية، وعندها لم تتقدم ولا ميليمتراً واحداً. حتى الأمواج لم تحرك السفينة. أداروها إلى الجهة المعاكسة فانطلقت بسرعتها، وجهوها ناحية مياهنا الإقليمية فوقفت مثل حصان يشرئب ولا يتحرك إلى الأمام.
- لا ياه، وماذا أيضاً؟!
- أيامها، كتبت عنها الصحف، ألم تقرأها؟
- السبب هواء البلد وماؤه، يجب أن يُصنع محرك مناسب لمناخ كل دولة على حده.
- اسمع، هذا الكلام صحيح. الباصات التي تعمل على خط منطقة الأكواخ لا تعمل في أي مكان آخر. في حين أنها على ذاك الخط وظ.. وظ تذهب وتأتي. لماذا تشتغل؟ السبب تعليق عبارة يا (معين) فوق المقود. إنها تسير بقوة هذه العبارة.
- لا ياه...
- أين قباطننا القدماء.. لو ركب قباطننا القدماء – ليس تلك السفينة التي من صنع الكفار – بل لو رَكّبتهم الجزر لسيّروها. لو كانوا موجودين الآن لسيّروا جزيرة قبرص بطولها وعرضها.. وربطوها على رصيف (القرة كويْ)*
- هناك قول عن أحد القباطنة
- هذا، عرفته، إما بربروس* أو المعمارسنان*
أحدهما قال أعطوني الشراع الذي أريد وأنا أسّر لكم جزيرة كريت.
- وهل سيرها؟
- لم يعطوه الشراع الذي طلب. لو أنهم استطاعوا ، لسيّر قبطان البحر الجزر ، وشكل منها أسطولاً.
- يالله يا اخوان، اتركوا الحكي وادفعوا قليلاً.
- مع بعض.. هيه!
- من أول.. واحد.. اثنان.. ثلاثة!!
- تعبنا ياهوه، لنسترح قليلاً ونشرب سيجارة.
- راحت تلك الأيام من زمان، يا سيد، راحت مع الماضي. أصبحت من خبر كان.. أين تلك الأيام؟ كان عندنا الانكشاريون، شارب أحدهم يكفي لشنق أحد الجنود الأعداء.. قَدِّرْ ذاك الشارب.. كان عندنا جوقة الموسيقى العسكرية، كانت ضربة أحدهم على الطبلة تحرك الأرض من مكانها، وتهز السماء. حتى إن وجوه جنود الأعداء تتمزق من الخوف، صراخ جنود بحريتنا كالعاصفة... يغرق سفن الأعداء..
- لا ياه.. ماذا؟
- هذا ما كتبه التاريخ، انظر إلى حالتنا الآن. أربعون خمسون شخصاً مجتمعين ولا تستطيع تحريك خردة سيارة إسعاف مكسورة المؤخرة.
- والله صحيح.. احضر طبال الانكشاريين ولنر فيما إذا كانت سيارة الاسعاف هذه تستطيع أن تبقى مكانها؟ والله لو ضرب الطبال الانكشاري على الطبلة لتحولت السيارة إلى طائرة، تطير وتذهب.
- أنا لا أعرف هذا ولا ذاك... الذي أعرفه، أنهم لم يستطيعوا أن يسيّروا سفينة الألمان في مياهنا الإقليمية.
- تحركوا يا أخوة الدين.. يالله يا سباع، يا أبطال
قال السائق، السابح في عرقه لشدة دفعه من داخل السيارة.
- لو مشيتموها قليلاً لتابعت لوحدها.
- لماذا تسير السفن والقطارات والباصات في الدول الأخرى ولا تسير عندما تأتي إلى بلدنا؟
- تستغرب.. ألم أقل لك، مناخ البلد؟
- نعم، هذه المحركات صُنعت من أجل مناخ دول أخرى، مناخنا لا ينفعها .. إنها مثل الإنسان تماما.. لكل إنسان الطقس الذي يؤاتيه، هواء الجبل جيد للبعض والبحر للبعض الآخر والسهل أيضاً.
- عيب عليك أن تحكي هذا الحكي، وأين يوجد مناخ مثل مناخ بلدنا؟
- حاشا. ليس هناك كلام على مناخ بلدنا.. نحمده على مناخنا الجميل.. ماذا لو كان هذا غير موجود أيضاً. أنا قولي ليس بهذا المعنى.. أنا أقصد لو كان لدينا مصانع لصنعنا محركات تناسب مناخنا.
- ادفعوه قليلاً ياهوه.
- ادفعوا!
- أججت صيحات المواطنين الحماسة فيّ حتى كدت أنسى أنني ميت، وأقوم وأدفع سيارة الإسعاف مع الناس. من مساوئ الموت أنك إذا أردت أن تهبّي لمساعدة الأحياء فلا تستطيعين. حتى إنني لم أستطع الوقوف جانبا لأدعمهم بالصياح.

ذبابة الحمار الحبيبة، بينما كنا على هذه الحال نحمّس بعضنا بين ميت وحي، خرجت سيارة خاصة، وبأعلى سرعة ضربت مؤخرة سيارتنا . بهذه الضربة أخرج محرك السيارة صوت "عن.. عن". ثم قفزت السيارة إلى الأمام وكأنها كلب حراسة يطارد لصاً. (اللي بيحب الله لا يمسك بسيارتنا) . السيارة بدأت تمشي، ماذا يعني تمشي؟ كانت تطير.. السائق على حق، ألم يقل "إذا مشت تمشي على طول" تلبّس السائق الخوف لأن سرعة السيارة تزداد، وهذا يعني أن حرارة المحرك تزداد ارتفاعاً، قال السائق لمعاونه:
- ضربت السيارة الخاصة مؤخرة سيارتنا بقوة، ولم يعد باستطاعتها الوقوف.
- الفرامل، الفرامل يا معلمي.
- أي فرامل يا بني، وهل تفعل الفرامل شيئاً مع هذه السرعة.
لكوني في الداخل لم أستطع مشاهدة خارج العربة وأغلب الظن أن السيارة مرت من أمام مشفى الإسعاف عدة مرات ولكن السائق لم يستطع إيقافها وغضب من معاونه وصاح به:
- ولاه، بماذا ملأت السيارة بنزينا أم زيت نفط؟
لم يخرج المعاون صوته.
كنا ندور في أحياء اسطنبول. ولله الشكر أن السائق كان يتحكم بالمقود جيداً فلم يقع حادث لا أشكره لنفسي من أجل المسكينين،السائق والمعاون اللذين يريدان العيش أكثر.

ذبابة الحمار الحبيبة، نهاية رحلة سيارة الإسعاف التي غدت كدورات الأعياد سأحكيها لك في الرسالة القادمة، لعل وجهك العابس من مماحكات السياسيين في الحياة يضحك ولو قليلاً. أدعك بخير، ذبابة الحمار الحبيبة.


مع محبتي
حمار

يتبع.............

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Empty
مُساهمةموضوع: الرسالة الرابعة   آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Uhh104/4/2010, 10:38 pm




الرسالة الرابعة


(حكاية عطل سيارة الإسعاف)

ذبابة الحمار

مع فرملة سيارة الإسعاف وخروج صوت منها محملاً بالمرارة ، وصل أحد المواطنين إلى مرحلة كاد أن يمسح اسمه من قوائم الانتخابات وسجلات النفوس. ولأن لا مال له ولا جاه، التف حول الرجل الجريح الملقى على الأرض، جمع غفير من المواطنين ممن لم يجدوا وسيلة أخرى للتسلية.
قال واحد منهم:
- محظوظ هذا الرجل.
قال آخر:
- نعم لا يمكن أن يكون هناك إنساناً محظوظاً أكثر من هذا. ليشكر ربه على أنه دُهِس بسيارة إسعاف.
- هذا ما اسميه حظاً.
- المريض المكتوب له أن يعافى يأتيه الطبيب إلى قدميه.. أليست الحسبة نفسها. السيارة التي عفست الرجل تأخذه إلى المشفى. ماذا لو عفسته سيارة أخرى..
- كان سيحرق نفسه. لو تخبط طول النهار على الرصيف لما وجد سيارة إسعاف.
- لا إسعاف يا سيدي.. نحن راضون بسيارة زبالة.
- واخ واخ.. أنت تطلعت عالياً أكثر من الحد.. أين نحن من سيارة زبالة. منذ أسبوع ولا تتنازل للمرور من حارتنا.
- حظ.. هذا حظ يا أخي.. اسطنبول، طولها وعرضها، كم ألف شاحنة فيها، وكم ألف سيارة خاصة ومن نفس العدد (تكسي)، وكم ... وليس فيها أكثر من خمس – ست سيارات إسعاف واحدة منها، تدور .. وتدور... وتدور... وتجد هذا الرجل، أي حظ هذا؟!!
- لا ، عند البلدية عشر سيارات إسعاف، ثمانية منها معطلة باستمرار.
- نعم، على قولك ياه.. من بين كل الألوف من السيارات الصغيرة والشاحنات والباصات تصدمه سيارة إسعاف.
- الفائز بالجائزة الكبرى باليانصيب، لا يعد محظوظاً مثل هذا.
- بالضبط.. المحظوظ فعلاً ، هو من يُصدم بسيارة إسعاف كهذه.
- بعد أن يموت الإنسان ما الفرق معه أن يُدهس تحت سيارة إسعاف ، أو شاحنة، أو سيارة زبالة أو سيارة خاصة؟
- لا فرق إن مات. ولكن تفرق كثيراً لو أنه لم يمت.. وهذا الرجل لم يمت بعد.
كان الرجل المصدوم قد طار مقدار عشر خطوات إلى الأمام في الهواء وسقط على الأرض.. وقد ملأت دماؤه التي تسيل من جروحه ومن فتحات جسمه حفر الإسفلت.
قال أحد المتجمهرين:
- ما شاء الله على دمه.
قال آخر:
- من الواضح ، بالنظر إلى كمية دمه أنه ذو شأن.
- أي شأن أنا أعرفه؟
- إذا كان غير ذي شأن فمن أين له كل هذا الدم؟ انظر الدم يجري وكأنه من ثور مذبوح.
- هذا الرجل محترف بيع الدم(للبنك). كان يحمل مذياعاً صغيراً يضعه على أذنه عندما يقول المذيع مريض بحاجة إلى دم.. يذهب بسرعة إلى المشفى أو (بنك الدم) إن كان دمه يطابق الدم المطلوب. كان يعيش عال العال من بيع الدم.. جسم هذا الرجل الذي أمامك، إذا شرب ماء يحوله إلى دم.
- في يوم من الأيام صدمتني شاحنة. غبت عن الوعي. إن أردت الحق فأنا غبت عن الوعي قبل أن تصدمني بكثير.. المهم، شاحنة بوزن عشرة طن عفستني ولم تسل مني قطرة دم واحدة.. في اليوم الثاني رفعوني من وسط الشارع إلى المشفى. لحظة قول الطبيب "سنجري له جراحة" بكت أمي كثيراً وأصبحت عيناها مثل نبعين وقالت للطبيب "دخيلك يا بني، مادمتم ستعملون له عملية، صارت وصارت، ابني عنده فتق والزائدة، اعملوا له إياهما ينالكم الثواب" .. مددني الطبيب على طاولة العمليات وبدأ الذبح والقطع يقطع ويقطع دون أن تسيل نقطة دم واحدة.
- يعني دمك جاف.
- لا يا أخي أين الدم ليجف.
- إذا جف دم الإنسان فليشرب عرقاً، يتميع فوراً.
- ماذا تقول.. أين الدم ليفسد.
- لا تقبلها، وهل يعيش الإنسان دون دم؟
- ودهش حتى الأطباء.. حتى إن الطبيب الذي عمل العملية قال "لا بأس أن لا دم فيه. لو كان عنده دم حين دهسته الشاحنة لسال وسال حتى لم يبق منه شيء.. عندما كان سيموت" لا يوجد عندي دم ليسيل.
- لا تصدقوه، كذاب.. وهل يدخل في العقل: أن الإنسان يعيش دون دم؟
- لا يمكن مطلقاً أليس دم كل شخص أحمر، دمي أنا أبيض. أتعرف البطيخ قبل أن يصبح أحمر كيف أن لونه يميل إلى الصفرة. دمي من ذاك اللون.
- أيعقل هذا؟
- وهل تحمّر البندورة إذا لم تتعرض للشمس؟ لا، دمي أيضاً. أنا ولدت ونشأت في قبو ولعدم رؤية جسمي الشمس لم يحمرّ دمي.
- ها.. الآن صار كل شيء آخر.. معقول.. قل هذا من البداية.
رموا الرجل المصاب بجانبي. أصبحنا في السيارة جريح وميت والمعاون والسائق وأربعة. ضرب العناد رأس السيارة ولم تعد تمشي... أية عربة هذه ، إذا مشت لا تعرف الوقوف، وإذا وقفت لا تمشي.
قال أحدهم:
- في الجوار ورشة تصليح . لندفعها إلى هناك.
بدأوا الدفع بالحكي.. اللعبة القديمة تجددت. ليس إيصال العربة هو ما يريدونه، لكنهم يريدون أن يتسلوا.. تسلية من دون نقود.
قال واحد من بينهم:
- هل تعرفون كيف رفع أربعون شخصاً بيضة واحدة.
- بيضة واحدة، أربعون شخصاً، وماذا أيضاً؟
- سيدي، قال الملازم أول للجنود "ارفعوا هذه البيضة من هنا" ثم ذهب. إثر ذلك اجتمع الجنود، أحضر أحدهم بطانية من المهجع ووضعوا البيضة فوق البطانية ثم مسك كل جندي جزءاً من حافة البطانية ورفعوها.
- وما القصد؟
- القصد، أنهم يدفعون سيارة الإسعاف بنفس الطريقة.
- بدلاً من تقديم نصائحك لهذا وذاك . . ادفع أنت..
التقى سائق الإسعاف، سائق (تاكسي) من معارفه، ربط سيارة الإسعاف في مؤخرة التاكسي وأخذها للمصلّح. عندما فتح المصلح غطاء المحرك ونظر إليه، صاح بأعلى ما يمكنه:
- ما هذا؟!!
رد السائق ببرود:
- ماذا حدث؟
- ما الذي سيحدث أكثر؟ أنا مصلح لمدة أربعين سنة، في حياتي لم أر محركاً كهذا.
- إذا لم تكن قد رأيت ، هذا أنت ترى الآن.
- في هذا المحرك قطع تبديل من كل أنواع الآلات، من ماكينة الخياطة حتى من ماكينة الحلاقة.
قال سائق الإسعاف ببرود:
- أخطأت بقولك، ماكينة حلاقة. هذا ليس لا أحد براغي (البسطون) لمحرك قطار. في أحد الأيام كنا ذاهبين إلى المشفى بسرعة قصوى مقدارها عشرون كيلومتراً. ومعي مصاب. في الطريق، تعطلت السيارة . أخذناها للمصلح. لم يجد المعلم بدلاً من القطعة الخربانة.
- فهمت..بسبب عدم وجود العملة الصعبة، لا يوجد قطعة تبديل لأي ماكينة. عندما لم يجد القطعة البديلة وضع هذا مكانها.
- لم يكن هذا هو السبب. موديل سيارة الإسعاف، قديم جداً. لا يوجد الآن أي محرك من نوعه. ما العمل؟ سيموت المصاب في السيارة من النزيف. لو كنا في المدينة، سهلة. كان بإمكانه لف الجرح، تعمل امصال على شكل طرد تضعه أمانة عند رجل ما، وتذهب إلى المشفى وتعطيهم خبراً. لكننا لسنا داخل المدينة. المهم، دلنا فاعل خير: "هناك ورشة للخطوط الحديدية، في الورشة معلم يفك محركات القطارات القديمة ويعمل منها جرارات. والجرار يعمل منه رافعة، عَمله، الفك وصنع أشياء أخرى. لا يستعصي عليه شيء" ذهبنا إلى تلك الورش. الرجل معلم أعطيناه الأجرة وفهم عطل المحرك. جرب كل ما في الخزائن، على الرفوف، في أرض الورشة من براغي، عزقة، مسمار، محور دراجة على دراجة على أن تركب مكان القطعة المعطلة في محرك سيارتنا، فلم تركب. بعدها طابق برغي مسنن ذراع (البسطون) لمحرك قطار، القطار الخاص بالسلطان.. لا أعرفه.. ركّبه للمحرك، فاشتغلت السيارة.
سأل المعاون السائق:
- ألهذا السبب يخرج صوت (شق، شق) من سيارتنا؟
قال السائق:
- من المحتمل.
قال المصلح للسائق:
- (بتحب الله)
- لا إله إلا الله.
- وبعد.
سيدنا ، بعدها ، وقع نظر بعض السياح على سيارتنا، صوروها ، نشروها في جرائدهم وكتبوا تحتها "سيارة، من قبل اختراع السيارات بخمسين سنة" عندما قرأ مدير المصنع الذي صنع سيارتنا الخبر. حمل نفسه وأتى إلينا لرؤية السيارة. كان المصنع يبحث عن أقدم سيارة صنعها، ليضعها في المتحف. عندما رأى الرجل سيارة إسعافنا – لشدة سروره – رمى قبعته في الهواء. وصرخ بالأمريكي "هووو...". اجلسوا للاتفاق. دفع الرجل مقابل خردتنا هذه عشر سيارات إسعاف جديدة، مع قطع تبديل. كانت سيارتنا تغطي عجز الميزانية.. المهم، جماعتنا لانوا قليلاً.. لا ندري كيف خطر ببال الرجل أن يرى محرك السيارة. لحظة فتحوا الغطاء ورؤيته للمحرك، شخصت عيناه، كأنه أصيب بمس. قال: "أنا أصنع سيارات منذ أربعين سنة لم أرَ ولم أسمع في حياتي عن محرك كهذا"
- ما سبب إصابة الرجل بكل هذه الدهشة؟!!
- لماذا لا يُدهش.. في محرك سيارتنا قطعة – قطعتي تبديل من كل ماركة من الماركات الموجودة على سطح الأرض. أو محركات مصانع أو سفن. لم يبق في المحرك الأصلي لا قطعة ولا حتى برغي. هذا يعني أننا خلال هذه الفترة فكينا كل قطع المحرك، وركبنا بدلاً عنها كل ما يقع تحت يدنا. بدأ الرجل يخربط المحرك مذهولاً. طلع بيده خيط. سأل: "ما هذا: قلت: "قطع السلك الذي كان هان فربطت الخيط مكانه". خرجت بيده قطعة مطاط من مكان آخر، فقال: طيب، وما هذا؟ قلت: هذه حمالة بنطالي. انقطع (قشاط) المحرك فوضعت مكانه حمالة بنطالي. كنت أتكلم مع الرجل بواسطة مترجم. قال الرجل "هنا اثنتان" قلت: "نعم حمالتي مقطوعة ففككت حمالة بنطال المصاب الذي في السيارة" عندها بدأ الرجل يشد شعره. بهزة صغيرة للسيارة نزل منها بين كبير وصغير عدد من البراغي والمسامير!! بيورات خشبية! أمسكت بيده وقلت: "لا تُعامل هذه السيارة كما يعامل المواطن في مديرية الأمن عند التحقيق" سأل: "ما هذه المسامير؟ هل تحمّلون في السيارة مسامير!". نستعملها لتثبيت القطع التي نركبها بدلا من الأولى. عندما تمشي السيارة في طريق صاعد ينزل المعاون ويلملم البراغي والمسامير من خلفها. غضب الرجل، تغير لونه وسأل: "كيف تمشي هذه السيارة؟ أتى دوري في الكلام، ولم أعد أحتمل، سحبت الرجل من يده وأقعدته خلف المقود. تكلمت والمترجم يترجم له: "هل تظنون أن بإمكان السيارة المسير بالمحرك الذي صنعتموه أنتم؟ ! طز . لو بقيت على ما صنعتم لخربت بل وعفنت منذ زمن طويل.. البركة في دعائنا. انظر فوق المرآة ، انه دعاء النمل. هنا "البسملة" وهناك "ماشاء الله" وفي السقف "ياحافظ" وهذه خرزة زرقاء تحمي السيارة من عين الحسود. هذه فردة حذاء طفل قديمة، وحدوة ورأس ثوم تجلب الحظ للسيارة... وهذا درع سلحفاة صغيرة تحمي السيارة من الحوادث. اصحُ لنفسك يا سيد.. هذه السيارة لا تعمل بقوة البنزين والمحرك. هذه تعمل بقوة الله ونبيه. قال بنزين، قال زيت، قال ماء.. هذا كله حكي فاضي. لو أننا نضع بنزيناً وزيتاً وماءً لكانت السيارة سيارتكم. أعلم أننا لا نضع هذه الأشياء إلا مراعاة للأصول. "عَدَلَ الرجل عن شراء سيارتنا، وترك (هالكافرة) على رأسي. ليس في هذه السيارة أي قطعة باستثناء الهيكل وهو مثل (البقجة) المرقعة. بالتالي لا يستطيعون قيادة هذه السيارة أبداً.

طالت الرسالة يا ذبابة الحمار الحبيبة وأنا تعبت أيضاً. في الرسالة القادمة أحكي لك كيف أُصلحت السيارة، وكيف نُقلت والرجل الجريح إلى المشفى . لو سأل عني أحد، وأبدى حزنه بعد موتي قولي له إنني أنتظره بشوق في المقبرة.


لك إخلاصي
حمار ميت
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Empty
مُساهمةموضوع: الحمار الحائز على وسام   آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Uhh104/4/2010, 10:46 pm





الحمار الحائز على وســــــــــــــــــــــــــــــــام



عزيز نيسن



كان في قديم الزمان .. بلد , الغربال في التبن , والجمل دلاّل,والجربوع حلاق , و أنا في حضن امي اهتز , وبكري مصطفى شيخ الاسلام, والجاويش انجلي قائد عام
, وكركوز رئيس وزراء, وكان حاكم سلطان ,البلاد التي كانت تحت نفوذ هذا السلطان أشرقن شمس الحرية عليها , واخضوضرت شجرة الديمقراطية في تربتها .. الخير كثير والراحة أكثر , سكانها لا هم لهم ولا غم .
راحت ايام جاءت أيام , حل فيها -وقاكم الله – قحط لا يوصف . الذين كانو يأكلون الكثيرواللذيذ أصبحوا محرومين حتى من كسرة الخبز اليابس .
وجد السلطان ان المجاعة ستفتك بالرعية فبحث عن طريق للخلاص . أطلق المنادين في انحاء البلاد , دارها بلدة بلدة , قرية قرية , حارة حارة , كان القرار الذي نادى به هكذا :
– يا أهالي البلد !الحاضر يعلم الغايب ! كل من قدم خدمة للسلطنة أو نفعا للوطن , فليسرع الى القصر ليقدم له مولانا السلطان وساماَ.
نسي الناس جوعهم, حرمانهم , همومهم , ديونهم ,مصاريفهم ... وهرعوا الى السلطان هائمين بأوسمته .. فلكل وسام حسب حجم خدماته .. وسام المرتبه الاولى مطلي بالذهب, وسام المرتية الثانية بماء الذهب , وسام المرتية الثالثة بالفضة , وسام المرتبه الرابعة بالقصدير ,والخامس توتياء والسادس تنك وهكذا .. وهكذا فلاوسمة انواع ..
الذاهب يحصل على وسام والآيب يحصل على وسام وبقي الحال على هذا حتى انه , من فرط صنع الاوسمة , لم يبق في بلاد السلطان ذاك شيء من خردة الحديد او توتياء او تنك ..وكيف ان (الجنجل ) المعلق في رقبة البغل يصدر باهتزازه صوتا (شنغر شنغر )هكذا أخذت الاوسمة تهتز على السطور المنفوخة كالمنافيخ.سمعت بقرة عن الاوسمة ,شنغر شنغر, تقرقع على صدور الناس , وان السلطان يمنح قاصديه اوسمه , ففكرت : – الوسام في الواقع من حقي انا !
ووضعت في ذهنها فكرة الحصول على الوسام.
وبالرغم من كون عمودها الفقري وقفصها الصدري ناقبين , وانها تطب على الارض كمن يزحف زحفا , فقد حضرت الى باب القصر ركضاَ ,قالت لرئيس البوابين : – اخبرو السلطان بأن بقرة تريد مقابلته .
أرادوا صرفها فبدات تخور : – لا أخطو خطوةواحدة من أمام الباب قبل ان أواجه السلطان !أرسلوا للسلطان : – مولانا , بقرة من رعيتكم تسأل المثول أمامكم .
لتات لنرى باية حال هي هذه البقرة !
قال السلطان : – خوري لنرى ما ستخورين به !
قالت البقرة : – مولاي , سمعت بانك توزع أوسمة اريد وساما .
فصرخ السلطان : – باي حق ؟ و ماذا قدمت ؟ ما نفعك للوطن حتى نعطيك وساما !؟
قالت البقرة : – اذا لم اعط انا وساما فمن يعطاه ؟؟؟ ماذا اقدم الانسان بعد كل هذا ؟ تأكلون لحمي وتشربون حليبي وتلبسون جلدي . حتى روثي لا تتركونه .. بل تستعملونه فمن اجل
وسام من التنك ماذا اعمل ايضا ؟؟؟
وجد السلطان الحق في طلب البقرة فأعطاها وساما من المرتبة الثانية . علقت البقرة الوسام في رقبتها وبينما هي عائدة من القصر , ترقص فرحا َ, التقت البغل : – مرحبا يا اختي البقرة ؟ – مرحبا يا أخي البغل! – ما كل هذا الانشراح ؟من اين انت قادمة ؟ – شرحت البقرة كل شيء بالتفصيل , واذ قالت انها أخذت وساما من السلطان , هاج البغل , وبهياجه , وبنعاله الاربعة , ذهب الى قصر السلطان :
– سأواجه مولانا السلطان ! – ممنوع
الا انه وبعناده الموروث عن ابيه , حرن وتعاطى على قائميه الخلفيين .أبى التراجع عن باب القصر. نقلوا الصورة الى السلطان فقال : – البغل ايضا من رعيتي , فليأت ونرى ؟؟
مثل البغل بين يديه . أخذ سلاما بغلياًَ , قبّل اليد والثوب, ثم قال أنه يريد وساما فسأله السلطان : – مالذي قدمته حتى تحصل على وسام ؟؟ – آ ... يا مولاي.. ومن قدم أكثر مما قدمت ؟ ألست من يجمل مدافعكم وبنادقكم على ظهره أيام الحرب ؟ألست من يركب اطفالكم وعيالكم ظهره أيام السلم ؟؟ لولاي ما استطعتم فعل شيء
أصدر السلطان اذ راى البغل على حق قرارا :
اعطوا مواطني البغل وساما من المرتبه الاولى
وبينما كان البغل عائدا من القصر بنعاله الاربعة , وهو في حالة فرح قصوى .. التقى بالحمار . قال الحمار : – مرحبا يا ابن الاخ
قال البغل : – مرحبا ايها العم . – من اين انت قادم والى اين انت ذاهب ؟
حكى له البغل حكايته قال الحمار : – ما دام الامر هكذا سأذهب انا الاخر الى سلطاننا وآخذ وساماً!
وركض بنعاله الاربعة الى القصر . صاح حراس القصر : داه .. جي .. لكنهم لم يستطيعوا صده بشكل من الاشكال , فذهبوا الى السلطان : – مواطنكم الحمار يريد المثول بين أيديكم . هلا تفضلتم بقبوله ايها السلطان ؟؟
قال السلطان: – ماذا تبغي يا مولطننا الحمار ؟
فاخبر الحمار السلطان رغبته . فقال السلطان وقد وصلت روحه الى أنفه : – البقرة تنفع الوطن والرعية بلحمها وحليبها وجلدها وروثها , واذا قلت البغل , فانه يحمل الاحمال على ظهره في الحرب والسلم , ومن ثم فانه ينفع وطنه , ماذا قدمت انت
حتى تأتي بحمرنتك وتمثل أمامي , دون حياء , وتطلب وساماً؟ .. ما هذا الخلط الذي تخلطه ؟
فقال الحمار وهو يتصدر مسرورا ً: – رحماك يا مولاي السلطان. ان اعظم الخدمات هي تلك التي تقدم اليكم من رعاياكم الحمير , فلو لم يكن الالوف من الحمير مثلي بين رعيتكم , أفكنتم تستطيعون الجلوس على العرش ؟هل كانت استمرت سلطتكم ؟ احمد ربك على كون رعيتكم حمير مثلي تماما , ومن ثم على استمرار سلطنتكم !
أيقن السلطان أن الحمار الذي أمامه لن يرضى بوسام من التنك كغيره فقال : – ايه يا مواطني الحمار, ليس عندي وسام يليق بخدماتكم الجليلة , لذا آمر بأن يقدم لك عدل من التبن يوميا في اسطبل القصر . كل كل .كل جتى تستمرسلطنتي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Empty
مُساهمةموضوع: ألا يوجد حمير في بلدكم ؟؟؟!!!!   آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Uhh104/4/2010, 10:57 pm




ألا يوجد حمير في بلدكم ؟؟؟؟!!!!!


عزيــــــــــــــــز نيســــــــــــن


دخل المقهى واضعاً يده على وجنته و كأن ضرسه تؤلمه.. يهز رأسه يميناً و شمالاً، يضرب خده و هو يردد دائماً:
- يوه.. تبهدلنا, و الله تبهدلنا..
و على الرغم من أنه رجل على مستوى عال من المكانة و الرصانة.. فقد بدأ منذ دخوله الباب يردد:
- تبهدلنا.. و الله تبهدلنا..
عجبت جداً من تصرفاته هذه.. و هو يضرب نفسه بين حين و آخر.. و قبل أن يسلم علي, قلت له:
-- أهلاً و سهلاً, تفضل.. اجلس بالله عليك, اجلس ..
- تبهدلنا, و الله تبهدلنا..
-- كيف حالك ؟
- كيف يجب أن يكون يعني ؟, كما ترى تبهدلنا... يوه..
ظننت أن مصيبة ما قد حلت به، و ربما كانت من جهة عائلته..
- أصبحنا في أسفل السافلين.. لا نساوي قرشين.. نعم قرشين.
-- لماذا ؟, ماذا حصل ؟
- و ماذا سيحصل أكثر من الذي حصل.. باعوا للرجل حماراً جرباناً بألفين و خمسمائة ليرة..
رجعت إلى الخلف و تمعنت في وجهه بدقة.. هل جن الرجل يا ترى !؟
لن أخفي عليكم ما خشيته.. قلت له خجلاً و كأنني أطلب من زوجتي:
-- هل تشرب فنجاناً من القهوة ؟
- اترك القهوة الآن.. تبهدلنا.. هل يساوي حمار جربان, دون حدوات, مبلغ ألفين و خمسمائة ليرة ؟
-- بما أنني لم أبع حماراً و لم أشتر.. فلا أعرف !
- ولك يا روحي, أنا الآخر لست بائع حمير.. و لكن أعرف أن سعر أي حمار لا يساوي هذا المبلغ..
-- إن أعصابك متوترة جداً..
- إن لم تتوتر أعصابي.. فأعصاب من ستتوتر ؟, هل رأيت في حياتك حماراً يباع بألفين و خمسمائة ليرة ؟
-- مضى عليّ عشرون عاماً, لم أشاهد خلالها حماراً واحداً حتى..
- ولك أخي, أنا أسألك عن بيع حمار بألفين و خمسمائة ليرة..
-- و الله لا أدري ماذا أقول لك ؟, إن كان حماراً مدرباً.. ربما يساوي هذا المبلغ..
- و أي تدريب تقصده يا روحي.. يا أفندي.. هذا حمار.. بالتأكيد ليس خطيباً.. حمار بكل معنى الكلمة.. و فوق كل هذا.. عجوز و جربان.. باعوه بألفين و خمسمائة ليرة.. و الأسوأ من هذا كله.. كان لي دور في بيعه !
-- يااااااااااه.. و كيف حصل ذلك ؟
- جئت إلى هنا كي أقص عليك ذلك.. و كما تعلم ذهبنا أنا و زوجتي إلى أمريكا و بقينا هناك عاماً كاملاً بدعوة من جامعة أمريكية..
-- أعرف ذلك..
- هناك في أمريكا تعرفت إلى بروفيسور أمريكي.. و أصبحنا أصدقاء.. ساعدني كثيراً.. كان له فضل علي هناك, و عندما عدت إلى تركيا بقينا نتراسل..إنه صديق لتركيا.. رجل يحب الأتراك كثيراً.. أرسل لي رسالة يرجوني فيها مساعدة أحد أصدقائه.. و هو خبير في الآثار و الأنتيكات و السجاد و ما شابه ذلك... و يسألني إن كنت على استعداد لمساعدة صديقه هذا أثناء زيارته لتركيا. و أجبت على رسالته بأنني على أتم الاستعداد كي أقدم كل المساعدات الممكنة لصديقه إذا جاء إلى تركيا..
و أثناء عطلة الجامعات الصيفية, و بما أن الخبير في السجاد و الآثار سيذهب إلى الهند و إيران قبل مجيئه إلى تركيا.. فقد وصل إلى تركيا في موعد كان مناسباً لي تماماً..
جاء في تموز.. و بما أنه أخذ عنواني و رقم هاتفي من صديقه البروفيسور الأمريكي.. فقد اتصل بي من الفندق الذي نزل فيه.. ذهبت إليه.. رجل كالمارد, أمريكي من أصل ألماني.. و ربما عنده أصل يهودي.. و ربما ألماني يهودي.. أصبح أمريكيا فيما بعد..
أحضر معه بعض السجاجيد و البسط و الخروج.. و ضعها في أربع حقائب كبيرة.. فتحها أمامي و بدأ بعرضها.. كانت عبارة عن قطع أو نتف صغيرة من السجاد و البسط و الخروج القديمة.. القديمة جداً.. و بدا سعيداً جداً بهذه القطع التي جمعها.. و كان يقول: هذه الأغراض بمثابة كنز, و من بينها قطعة سجاد بعرض ثلاثة أشبار و بطول عشرة... و قال متباهياً: إن هذه القطعة تساوي على الأقل ثلاثين ألف دولار أمريكي.. و إنه اشتراها من قروي إيراني بدولار واحد !, و مع ذلك صار القروي الإيراني يدعو له بعد أن قبض الدولار.. و فرح كثيرا !!
سألته عن سبب ارتفاع سعر قطعة السجاد هذه, فقال:
- لأن في كل سنتيمتر منها أكثر من ثمانين عقدة.. إنها شيء رائع إلى أبعد الحدود.. و بدأ بسرد المعلومات بشهية عن السجاد الذي بين يديه.. و قال إن ثمة سجاد واحد في العالم في كل سنتيمتر منه مائة عقدة.. لكنه لا يدري بأي متحف هو.. و إنه سجاد جداري عادي... أراني قطعة لباد, و قال:
- اشتريت هذه بخمسين سنتاً..
و كان يضحك بخبث, معرباً عن سعادته الفائقة.. و قال:
- هذا اللباد يساوي على الأقل خمسة آلاف دولار..
سألته :
-- كيف تشتري هذه القطع الغالية و الثمينة بهذه الأسعار الزهيدة ؟
- إن لي أكثر من أربعين عاماً أعمل بهذا المجال.. لهذا العمل خصوصيته, و طرائق البحث عنه تحتاج إلى خبرة عالية, و له احتياجاته أيضاً..
ثم شرح لي عدة اعتبارات و مهارات أدهشتني.. أراني ألبوماً للسجاد.. و قال أنه نشر ثلاثة كتب حوله.. و أنه يملك معرضاً للسجاد, انتقى مواده من عدة معارض خاصة حول العالم.
خرجنا بجولة في ( الأناضول ).. زرناها ولاية ولاية.. و منطقة منطقة.. كان يصور السجاد في الجوامع.. يركز على ألوانه و خصوصياته.. طبعاً بالنسبة له..
و اشترى من عدة أماكن بعض السجاد و البسط و اللباد و الخروج.. و قال إن الأشياء التي اشتراها هنا لا تقارن بتلك التي اشتراها من الهند و أفغانستان و إيران و تركمانستان, و قال:
- في تركيا سجاد قيم جداً, و لكننا لم نحظ به و لم نره حتى الآن..
وصلنا إلى منطقة فيها حفريات أثرية, حيث أقام عالما آثار أمريكي و ألماني معسكرين, كل بمفرده, يبعدان عن بعضهما مسافة عشرة كيلومترات, كانا يحفران الأرض رأسا على عقب, و يمهدان الجبال و الهضاب..
كانت مساحة الأرض المحفورة تعادل مساحة قرية صغيرة.. ثمة خيام نصبت و بكثرة.. و قال إن مدناً و حضارات طمرتها الأتربة و تراكمت فوق بعضها البعض قبل ميلاد السيد المسيح بعشرة قرون.. و أنهم اكتشفوا بداخلها عدة مدن, و كثيراً من دور العبادة و القصور و القبور..
و بما أن المنطقة مهمة كثيراً سياحياً, فقد كانت تعج بالسائحين, و كنا نلتقي أعداداً منهم كل كيلومترين على الأقل.. و كان القرويون يتوافدون بكثرة إلى تلك المنطقة الأثرية.. و يتجمهرون هنا و هناك.. كانوا يبيعون للسائحين بعض القطع التي أخرجوها من تحت التراب.. كالفخار و قطع البلور و ما شابه.. و السائحون يتهافتون على الشراء.. حتى الأطفال اصطفوا على طريق قراهم يبيعون قطع المزهريات المكسرة و الأحجار المرصعة بالرسوم و الكتابات, و بعض الحلقات.. و يتجهون بقوة نحو السائحين و هم يصرخون: ( فان دالي ) أي دولار واحد.. ( آتو داليرا ) يعني دولارين...!
قلت في نفسي بما أنني جئت إلى هذه المنطقة فعلي أن أشتري شيئاً يبقى للذكرى.. عندما اقتربت من طفلة عمرها عشرة سنوات و إلى جانبها ولد صغير, كانت الفتاة تحمل في يدها قبضة مزهرية مكسورة.. أما الغلام فكان يحمل حجرة زرقاء اللون على شكل رأس إنسان. قلت ربما تكون هذه الحجرة حجرة خاتم فسألتهما:
- بكم هذه الأشياء يا أولادي ؟
طلبت الفتاة أربعين ليرة, و أما الولد فطلب خمسة عشر, فقلت لهما كي أشتريها بسعر أقل:
- إنها غالية..
تكلم الغلام و الفتاة كراشدين.. و دافعا عن أغراضهما..
" أين الغلاء ياسيدي ؟ إن والدنا عمل أياما عديدة في حفر الأرض.. حتى انتشل هذه الأغراض من عمق خمسة أمتار ".
قررت أن أشتري القطع منهما لكن صديقي الأمريكي خبير السجاد قال لي أن هذه الأشياء ليست لها أي قيمة تاريخية أو أثرية.. و أنه من خلال جولاته في الشرق الأوسط شاهد الكثير من هذه القطع:
- الأمور هناك كما هي هنا تماماً.. حيث يعمد القرويون في مناطق الحفر إلى قطع الطريق أمام السواح و يعرضون عليهم ما يحملونه.. رجالاً و نساءً..
و حسب ما قاله صديقي, إن هؤلاء القرويين الماكرين يعمدون إلى صناعة و تقليد الأحجار و الفخار, و كأنها آثار حقيقية.. حتى خبراء الآثار أنفسهم ينخدعون و يشترون تلك القطع بأسعارخيالية.. و يحكى أن راعياً باع كلبه بعد أن حلق له وبره على أنه مومياء الملك !
و كان يضحك بخبث و هو يقص لي هذه الأحداث, و أضاف أننا لا يمكن أن نعتبر هذه القطع الصغيرة التي يبيعها القرويين على أنها تقليد. لأن فيها من النسمات الفنية الصغيرة.. مثلاً صناعة القطعة الحجرية الزرقاء التي كان يحملها الولد ليست سهلة على الإطلاق.
كان الجو حاراً جداً، كنا نسير بسيارة الجيب التي استأجرناها.. و على جانب الطريق رأينا عدة أشجار حور و بئر ماء.. قلنا سنتناول طعامنا في ظل تلك الأشجار.. و ما إن اقتربنا حتى شاهدنا عجوزاً قروياً ينام تحت الشجرة و حماره مربوط على بعد عدة أمتار منه..
سلمنا عليه و بدأ الحديث معه.. كنت أترجم كلمات العجوز القروي إلى الإنكليزية..
- ما أهم الغلال الزراعية في هذه المنطقة..؟
أجابني العجوز:
- لا نزرع شيئا على الإطلاق.. في الماضي كنا نزرع الحبوب و نحصدها.. و لكن منذ بدأت هذه الحفريات.. قبل عشرين عاماً تقريباً, اعتاد القرويون الكسل و التنبلة.. و صاروا لا يزرعون شيئاً..
- تماما مثل باقي المناطق التي تشبه هذه المنطقة, ( قال الأمريكي )..
- طيب كيف يعيش القرويون هنا ؟, ( سألت الرجل العجوز )..
- منذ أن اعتادوا على حفر الأرض و استخراج الفخار و الأحجار منها.. صار كل شخص يحفر الأرض و يستخرج بعض القطع.. ثم يبيعها للأجانب..
- تماماً مثل باقي المناطق, ( قال الأمريكي )..
قال العجوز:
- أبناء هذه القرى أناس حقيرون و منحطون جداً.. باعوا كنوز البلد بأسعار رخيصة جداً.. ظهرت أعمدة حجرية كثيرة و قبور رائعة, لم نبعها بأسعارها الحقيقية لأننا لم نعرف قيمتها.. و لو سارت الأمور كما نشتهي لكنا عمرنا مثل تركيا عشر تركيات.. و الأجنبي الذي معك و غيره.. من هم يعني ؟, كلهم لصوص.. سرقوا كل ما اكتشف تحت الأرض.. و هربوه إلى بلادهم و عمروا به مدناً كثيرة.. بعضهم أخرجوا الآثار بأيديهم.. و بعضهم خدعوا القرويين و أخذوا الآثار من أيديهم.
قال الأمريكي:
- تماماً كما حدث في باقي المناطق الأخرى.
- طيب.. كيف يعيش القرويون الآن ؟, ( سألت الرجل العجوز )..
- في هذه المنطقة أكثر من ست قرى.. إن دخلت بيوتها.. لا تجد فيها لا بسطاً و لا قماشاً.. لا أباريق و لا صحون.. البيوت فارغة تماماً.
- و لماذا ؟
- و لماذا !, لأنهم يبيعونها للسياح... حولوا كل شيء في بيوتهم إلى أثريات.. يطمرون أغراضهم تحت التراب حتى تتعفن و تصدأ.. ثم يخرجونها و يبيعونها للسياح.. لقد فسدت أخلاق الناس يا سيدي.. قبل أيام رأيت ولداً صغيراً.. أقصر من ساقي, يتعلق برقبة حماري.. يريد سرقة الخرزات.. سيسرقها و يطمرها تحت التراب.. هل فهمت...؟ ثم يخرجها و يبيعها للآخرين على أنها أثرية !, حتى الفتيات اللواتي بلغن سن الزواج أصبحن بائعات أثريات.. كل واحدة تحمل حجرة في يدها.. تنحتها و تحولها إلى أشكال عديدة جميلة.. تصور يا سيدي.. يحولون نضوة الحمار إلى ميداليات و عملات قديمة !
قال الأمريكي:
- ألم أقل لك ذلك ؟, باقي المناطق تماماً هكذا..
قلت للعجوز القروي:
- و أنت كيف تعيش.. ماذا تعمل ؟
قال:
- أنا أبيع الحمير و أشتريها..
قال ذلك و تناول سطلاً و ملأه بالماء.. و سقى حماره الذي كان على بعد أمتار منا.. عندما كان الحمار يشرب انطلق الأمريكي فجأة.. و اتجه صوب الحمار, و أما أنا و القروي فكنا نتحدث..
- هل تستطيع العيش من تجارة الحمير ؟
- الحمد لله, منذ خمس سنوات و أنا أمارس هذه التجارة و أعيش منها, ألف شكر لله تعالى.
- كم تربح مثلا ؟
- لا أحد يدري, حسب الحمار.
- كم من الوقت تبقى..حتى تبيع حماراً ؟
- لا أحد يدري.. بعض الأحيان يمر شهر و خمسة شهور و لا استطيع أن أبيع حماراً واحداً.. و بعض الأحيان أبيع في اليوم الواحد خمسة حمير !
جاء الأمريكي و اقترب مني.. كان في حالة حماس شديدة, و قال:
- يااااه.. هناك.. سجادة صغيرة.. على ظهر الحمار.. هل رأيتها ؟
و بما أن الأمريكي كان يتحدث بالإنكليزية.. فالقروي لم يفهم شيئاً.. و بالفعل كان على ظهر الحمار ثمة بساط ملوث بالأوحال من جميع أطرافه.
سألته:
- ما هذا البساط القذر الذي على ظهر الحمار ؟
قال:
آاااه.. إنه قطعة قيمة جداً.. منذ وقت طويل و أنا أدقق فيه.. الألوان رائعة و الحياكة كذلك.. إنه أثر فوق العادة . و في كل سنتيمتر مربع أكثر من مائة و عشرين عقدة.. إنه قطعة لم يرها أحد من قبل, و ليس على وجه البسيطة ما يضاهيها !
قلت:
- هل ستشتريها ؟
قال:
- نعم, و لكن انتبه بعض الشيء, كي لا يفهم القروي أنني سأشتري البساط منه.. أنا أعرفهم جيداً.. لو حاولت شراء البابوج القديم الذي ينتعلونه, سيخلعونه و يقولون.. إن هذا له قيمة.. إذن هو أثري.. و يطلبون المبالغ الطائلة.. و هذا خارج عن إرادتهم, طوال حياتهم, عيونهم لا تشبع أبداً.. يرفعون السعر دائماً.. لهذا السبب لا تدع القروي يفهم ذلك !
في هذه الأثناء قال القروي:
- ماذا يقول هذا الكافر.. هاه ؟
قلت:
- لا شيء, يقول أنه أحب هذه المناطق.
- و ماذا فيها حتى يحبها المرء ؟, كما ترى هضاب جرداء.. أراض كلسية !
- كما قلت لك.. عندي أساليب و طرق عديدة لشراء الأغراض بسعر رخيص سأطبق واحدا منها هنا, ( قال الأمريكي )..
- كيف ؟
- لن نطالب بالبساط, بل سنشتري الحمار.. و بما أن هذا القروي لا يعرف قيمة البساط.. فسيتركه على ظهر الحمار.. و بعد قليل نترك الحمار و نأخذ البساط فقط.. و الآن قل له أنني أريد شراء الحمار...
قلت للقروي:
- كنت تبيع الحمير, أليس كذلك ؟
-- أجل, أبيع الحمير
- مثلاً, هذا الحمار, بكم تبيعه ؟
-- على حسب الشاري
- لو أردنا شراءه ؟
ضحك و قال:
-- و هل تسخر مني ؟, سيد مثلك ماذا يفعل بهذا الحمار ؟
- و ماذا يهمك في هذا الأمر ؟, نحن سنشتري الحمار, كم تريد ثمناً له ؟
-- ألم أقل لك حسب الشاري, هل أنت الذي ستشتريه أم ذلك الكافر ؟
- هو الذي سيشتريه..
-- و من أي ملة هذا الرجل ؟
- إنه أمريكي..
-- ممم..ممم...ممم.. لا نعتبره غريباً, بل هو محسوب علينا.. ولك عمي هذا الحمار عجوز و ضعيف, قل له أن الحمار لن يفيده شيئاً
قلت ذلك للأمريكي فقال:
- رائع جداً.. إذن سيبيعه بسعر بخس !
- ليكن ما يكون, هو راض عن الحمار, ( قلت للعجوز )..
- و الله سيكون عيباً.. أخشى أن يذهب إلى بلده و يقول أن الأتراك خدعوه !, ( قال العجوز )..
قلت للأمريكي ذلك:
- القروي التركي.. إنسان صاف.. و طيب القلب, و لا يغش. لو كان الأمر في مكان آخر لباعوه على الفور, و بما أنه إنسان طيب بهذا المقدار, فسأعطيه أموالاً كثيرة.
قلت للقروي العجوز:
- الأمريكي يريد شراء الحمار.
- كلامك جميل ياسيدي.. و لكن هذا الحمار سيموت قبل أن يصل إلى أمريكا.. ثم إنه حمار مصاب بالجرب الذي انتشر في كل أنحاء جسمه..
- و ماذا يهمك ولك روحي.. الرجل يريد الحمار..
- الله.. الله.. ولك عمي هذا الحمار ليس أنثى مغنجة حتى يستفيد منها.. ماذا سيفعل بهذا الحمار الجربان العجوز ؟
- و ما دخلك فيه ؟, أنت تعرف المال الذي ستأخذه فقط.. الآن بكم تريد بيعه ؟
- صار عندي فضول كثير.. اسأل الأمريكي هذا.. ألا يوجد حمير في بلدهم ؟
- إنه يسأل .. ألا يوجد حمير في بلدكم ؟
فكر الأمريكي بعض الوقت,ثم قال:
- نعم يوجد حمير.. و لكن لا يوجد مثل هذا الحمار..
قلت للقروي كلام الأمريكي..
- ممم.. ممم .. إذن فالحمار الأمريكي لا يعجبه.. فهو يريد حماراً تركياً !, إيه, ماذا سنفعل.. أصبح الذنب ذنبه و ارتفع عني.. أنا ذكرت لكم عيوبه و نواقصه. و من غير المعقول أن نكسر بخاطر هذا الأجنبي من أجل حمار جربان.. لنبعه..
- كم تريد ؟
- من أجل خاطرك عشرة آلاف..
- ماذا ؟! أنت مجنون ولك عمي.. هل ضيعت عقلك ؟ أحسن حصان عربي أصيل بمائتي ألف ليرة !
- إذن ماذا يريد أن يفعل بالحمار, ليشتري حصاناً خالصاً.
عندما ذكرت ذلك للأمريكي قال:
- ألم أقل لك ؟, أنه لو تقدمت لشراء أي شيء منهم يكون تصرفهم هكذا.. يطلبون الكثير قائلين: لقد ارتفعت أسعار الحمير.. و لو طلبنا منه البساط لطلب مائة ألف ليرة.. أنا أستطيع أن أدفع له عشرة آلاف, و لكنني إذا رضيت.. سيطلب الخمسين ألف.. لذلك يجب أن نساومه.
قلت للقروي :
- قل الصحيح, بكم اشتريت هذا الحمار ؟
- أنا لا أكذب أبداً, قبل قليل توضأت و لن أقول الكذب من أجل منفعة دنيوية.. أنا اشتريت هذا الحمار بخمس ليرات.. كي أسلخ جلده و أستفيد منه بعدد من البوابيج.. حتماً سيموت غداً أو بعد غد.. سأسلخ جلده, و لا يستفاد منه من شيء آخر.
- العدل, العدل ولك عمي.. كيف تبيع حماراً بعشرة آلاف و اشتريته بخمس ليرات ؟
- ولك روحي أنا لم أعرض عليكم بيع الحمار بل أنتم الذي طلبتموه.. قلت: حمار عجوز. الرجل رضي به. قلت جربان.. رضي أيضاً.. قلت ليس هو بأنثى.. فطالب به.. قلت سيموت عند الصباح.. و يقول نعم
ها, كدت أنسى.. هذا الحمار يعرج من قائمته الخلفية.. ليكن عندكم علم..
- ليكن..
- هل رأيت ؟, إذن هذا الحمار له قيمة و أهمية ما.. الشيء الذي لم أفهمه لماذا يريد الأمريكي هذا الحمار العجوز الجربان الأعرج المهزوز الذكر ! هلا أجبتني ؟ عشرة آلاف أقل من هذا المبلغ لا أرضى.. و لن أعطيه.
قلت للأمريكي:
- إنه لن ينزل من السعر أبداً و لنعطه العشرة آلاف.
بقينا ساعتين و نحن في جدال مع القروي.. نتركه نمشي.. و كأننا غيرنا قرارنا.. ولكنه لا يهتم و لا يبالي.. رجعنا إليه, قال:
- كنت أعرف أنكم سترجعون !!
قلت:
- و كيف عرفت ذلك ؟
- و كيف لا أعرف, وجدتم حماراً بكل هذه المواصفات.. أمن المعقول أن تتركوه و تمشوا هكذا ؟؟؟!
طلبت من سائق الجيب أن يسوق السيارة و يبتعد من هناك.. و ينتظرنا في أسفل الطريق ... لأننا سنترك الحمار هناك و نركب السيارة..
المهم يا سيدي.. بعد أخذ و رد و مناقشات.. اتفقنا أن نشتري الحمار بألفين و خمسمائة ليرة, فما كان من القروي إلا أن سحب البساط من على ظهر الحمار و ناولنا رسنه و قال: ألف مبروك..
ثم أضاف:
- على أي حال, ذهب حمارنا العجوز بسعر رخيص.. و لكن لتجدوا فيه الخير..
كانت عينا الأمريكي مفتوحتين ينظر إلى البساط في يد القروي.. ما العمل الآن ؟
قال:
- دعنا لا نظهر له شيئاً على الإطلاق.. لنأخذ الحمار و ننزل قليلاً.. ثم نعود إليه دون أي إشارات, و نقول له: ( آاااه يا عم, إن ظهر الحمار سيبرد.. أعطنا القطعة التي في يدك لنغطيه.. و لكن انتبه كي لا يفهم الرجل أننا نسعى وراء ذلك السجاد الذي في يده.. )
أمسكنا الحمار من رسنه أنا أسحبه من الأمام و الأمريكي يقوده من الخلف.. لو قلنا أننا مشينا, خطأ.. ربما لأن مشيتنا كانت صعبة جدا ً.. أو لأن الحمار لم يكن لديه القدرة على نقل خطواته.. لو خلصنا السجاد من القروي, لكنا سنترك الحمار و نمضي في طريقنا !
ابتعدنا عن المنطقة عشرين أو ثلاثين خطوة بجهد جهيد.. نادانا القروي من الخلف و أسرع نحونا و قال:
- توقفوا.. توقفوا.. لقد نسيتم هذا الشيء..
فرحنا كثيراً .. الرجل يأتي بالبساط من تلقاء نفسه.. قطع الرجل التلة و وصل إلينا و قال:
- ولك عمي لقد نسيتم الوتد الحديدي للحمار.. عندما ستأخذونه إلى أمريكا, أين ستربطون رسنه ؟, ألم تفكروا .. هل تشترون حماراً بدون وتده.. عدم فهمكم واضح عليكم..
أخذنا من يده الوتد الحديدي.. و فيه حلقة حديدية.. قال لي الأمريكي:
- هيا تكلم.. جاءت الفرصة المناسبة.. اطلب منه البساط الآن.. و لكن انتبه.. لا تظهر له شيئا, قل له: ( أعطنا هذا البساط القذر أيضا ) !
قلت للقروي:
- هذا الحمار ضعيف و مهزوز و مريض, سيبرد.. أين القطعة القذرة التي كنت تغطيه بها ؟, أعطنا إياها لنغطي ظهره..
قال:
- لا.. لا.. لا أعطيكم إياها اشتريتم مني الحمار فقط.
- نعم اشترينا الحمار فقط, و لكن ماذا سيحدث لو غطينا ظهره بتلك القطعة.. إنها لا تساوي شيئا !
- نعم, إنه قديم و قذر.. و لا يساوي شيئاً.. و لكن لن أعطيكم إياه..
- لماذا ؟
- لا أعطيكم يا سيدي.. إنه ذكرى من والدي.. و من غير المعقول أن أعطيكم إياه !, إنه ذكرى متواصلة بين الآباء و الأجداد.. لا أعطيكم.
قلت للأمريكي:
- إنه لا يعطينا إياه, لأنه ذكرى من أبيه و جده.
قال:
- اسأله, ماذا سيستفيد منه يا ترى ؟
قلت للقروي:
- هذه القطعة القذرة.. ماذا ستستفيد منها يا ترى ؟
أخذ القروي موقفا مفاجئاً و قال:
- ماذا تعنون بقولكم لا يساوي شيئا ؟, بعد قليل سأجد حماراً جرباناً آخر, و سأضعه على ظهره.. فإن حالفني الحظ سأجد فضولياً آخر مثلكم.. و أبيعه الحمار بإذن الله.. هذه القطعة تجلب لي الحظ.. أنا أعطيتكم الوتد مجاناً .. هل قلت شيئا ؟
- يا أخي نعطيك بعض الليرات ثمناً للقطعة.. و نغطي بها ظهر الحمار..
- و الله عال !, كيف سأبيع الحمير الأخرى ؟, منذ خمس سنوات و أنا أبيع الحمير الجربانة بسبب هذه القطعة.. هيا مع السلامة.. اذهبوا, ترون الخير على وجهه بإذن الله..
خشيت أن يصاب الأمريكي بسكتة قلبية حادة.. تأبطت ذراعه.. تكلم القروي بعد أن ابتعد عنا بعض الشيء و قال:
- إذا كنتم ستتركون الحمار لا تبتعدوا عنه كثيراً.. أقول ذلك كي لا تتعذبوا فقط..
تركنا الحمار في مكانه واتجهنا نحو سيارة الجيب .. قال الأمريكي الخبير بالسجادات:
- يقولون باقي المناطق.. أمثال هذا الإنسان ليس موجوداً في باقي مناطق العالم.. لم أختبر هذا الشيء أبداً.. كل الأشياء طبق الأصل, إلا هذا الشيء !
ركبنا الجيب, و بقي الوتد في يده, و سألته:
-- ماذا ستفعل بهذا الوتد الحديدي ؟
قال:
- سأضعه في معرض سجادي كذكرى.. إنه وتد قديم جداً.. اشتريناه بألفين و خمسمائة ليرة !, سعر رخيص جداً..

-- نعم.. نعم.. تهزأنا... و الله تهزأنا..



و هنا, تركت صديقي و هو يضرب بيده على رأسه و يقول:
- تهزأنا.....
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Empty
مُساهمةموضوع: الطاولة التي تنمو وتكبر !!!   آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Uhh104/4/2010, 11:01 pm






الطاولة التي تنمو و تكبر



عزيـــــــــــــز نيســــــن



-- سيدي
يقاطعه المدير
- أعرف يا عاصم أفندي أعرف.
يحاول عاصم أفندي إكمال حديثه, لكن المدير يقاطعه ثانية
- لا تفكر بأني نسيتك, أشكرك كثيراً يا عاصم أفندي و أقدر جهودك, أعرف تماماً أن عمل المكتب ملقى على عاتقك و لو لم تكن موجوداً لتوقف العمل منذ زمن طويل.
يضغط المدير على زر الجرس, ليقول للحاجب:
- ليأت المدير الإداري إليّ.
ثم يتابع:
- إن جهودك لافتة للانتباه سأبدل طاولتك.
-- ليطل الله في عمرك يا سيدي.
يتوجه بكلامه إلى المدير الإداري الداخل:
- اشتروا لعاصم طاولة أكبر.
يخرج عاصم بيك متشكراً.

يعمل في هذا المكتب ثماني موظفات و سبعة و عشرون موظفاً, أما أن نقول إنهم يعملون فليس هذا كلاماً منطقياً, فهذا العدد من الموظفين و الموظفات لا لزوم له, فجميعهم يقبضون رواتبهم, و هو الوحيد الذي يعمل.
كان ينتج أكثر منهم جميعاً, و هذا معروف لعاصم بيك و لجميع الموظفين و المسؤولين.
حتى المدير كان يعرف ذلك, عاصم بيك الذي يعمل في هذا المكتب منذ أربعة عشر عاماً, لم يتغيب عن عمله يوماً واحداً. حتى عندما مرض لم ينقطع عن العمل بل داوم في عمله و هو مريض, كأن عمله من الصباح حتى المساء لا يكفيه, بل كان يأخذ المعاملات غير المنجزة إلى البيت, دائماً عندما كان يذهب من العمل إلى البيت و من البيت إلى العمل كانت حقيبته المهترئة مملوءة بالمعاملات.
حقيقة لا يمكن القول أن الموظفين الآخرين لا يداومون, فعندما لا تكون هناك مباريات في كرة القدم و عندما لا يكونون مأذونين أو مرضى, فإنهم يداومون في الدائرة و يمضون وقتاً مسلياً و جميلاً.
عاصم بيك يعمل في هذا المكتب منذ أربعة عشر عاماً إلا أن راتبه لم يزد منذ بداية تعيينه قرشاً واحداً, بينما زملاؤه في المكتب و حتى الذين تعينوا بعده ازدادت رواتبهم و مراتبهم.
كان عاصم بيك رجلاً مهذباً, إلا أن هذا لايعني أنه لم يكن يطالب بزيادة راتبه, بل على العكس, كان يزور المدير مرةً واحدةً على أقل تقدير و في نيته أن يقول له ( يا سيدي ), لكنه لم يستطع, فعندما يفتح فمه ليقول:
-- يا سيـ....
يقطع عليه المدير الحديث ليقول له:
- أعرف يا عاصم بيك, أنا مسرور جداً من عملك, لا تظنوا بأن عملكم لا لفت الانتباه ثم يطلب المدير الإداري ليقول له:
- اشتروا طاولة أكبر لعاصم بيك.
ينحني عاصم بيك احتراماً و يقول و هو خارج من غرفة المدير:
- أطال الله عمرك.
ذات يوم قدم المدير إلى غرفة الموظفين, سأل عاصم بيك مندهشاً:
- هل أنت تعمل على هذه الطاولة ؟
-- نعم
- كم طولها و عرضها ؟
قاسوا أبعاد الطاولة.. تسعة و سبعون, أربعون سنتمتراً.
صرخ المدير قائلاً:
- لايجوز, هيا خذوا هذه الطاولة و كبروها فوراً, ليكن طولها مترين على أقل تقدير.
أمر المدير في يوم آخر عندما زار غرفة الموظفين:
- يجب تلميع طاولة عاصم بيك.
كلما زار المدير هذه الغرفة يقوم بطلب بعض التغييرات على طاولة عاصم بيك.
- آه يا عاصم بيك طاولتكم بلا زجاج, هيا ضعوا لوح زجاج على طاولة عاصم بيك.
لا أحد من الموظفين لديه طاولة جديدة و كبيرة و ملمعة مثل طاولة عاصم بيك, و لا أحد منهم راتبه قليل مثل عاصم بيك, حتى طاولة المدير تبدو أمام طاولة عاصم بيك كدمية صغيرة.
المدير متفهم للغاية, و هو رجل طيب لذلك لم يكن عاصم بيك يتجرأ ليرفع صوته, أعماقه كانت تتحطم غيظاً, كان يفرح كثيراً لنمو و كبر طاولته من أسبوع لأسبوع و من شهر لشهر, طاولة عاصم بيك أصبحت طاولة كبيرة عرضها متر و نصف و طولها ثلاث أمتار.
ذات يوم كان عاصم بيك منزعجاً و مقهوراً بسبب الأزمة المالية التي يعانيها, دخل غرفة المدير دونما استئذان و بدأ حديثه:
-- سيدي..
سبق أن جهز كتاب استقالته, الورقة كانت في جيبه, و سيرميها في وجهه إن هو لن يدعه يكمل حديثه و يزيد راتبه:
-- سيـ....
-أوووووه عاصم أفندي, أنا مسرور جداً من عملكم, إنكم تعملون بشكل جيد.
ضغط المدير على زر الجرس و طلب المدير الإداري قائلاً:
- لم لا تكبرون طاولة عاصم بيك ؟
أجابه المدير الإداري:
_ يا سيدي لم يعد هناك مكان لطاولات الموظفين الآخرين.
-إذا انقلوا جميع الموظفين إلى غرفة أخرى.
أصبح عرض طاولة عاصم بيك مترين و نصف و طولها أربعة أمتار, استمر سيادته بالعمل وحيداً في هذه الغرفة و على هذه الطاولة الكبيرة لمدة شهرين, بعد ذلك في أحد الأيام وقف أمام المدير و حاول أن يقول له:
-- يا سيـ....
كان وجهه يفصح عن مدى غيظه و غضبه, و قبل أن ينطق بكلمته الأولى قاطعه المدير قائلاً:
- لا تقلق يا عاصم بيك, نحن دائماً نقدر العاملين بشكل جيد, لا تظن أنك غائب عن ناظري.
ضغط على زر الجرس منادياً المدير الإداري ليسأله:
- هل لمعتم طاولة عاصم بيك؟
_ نعم يا سيدي ! مرة كل شهر.
- و هل وضعتم لوحاً زجاجياً ؟
_ طبعاً يا سيدي.
- إذاً كبروا طاولة عاصم بيك.
(( جعلك )) عاصم بيك ورقة الاستقالة الموضوعة في جيبه. و خرج و هو يقول:
-- ليطل الله عمرك ياسيدي.
ذات يوم عندما تم تكبير طاولة عاصم بيك, قال المدير الإداري للمدير:
_ لا نستطيع تكبير طاولة عاصم بيك بعد الآن.
- لمَ؟
_ لأن الطاولة أخذت كل أرجاء الغرفة و لم يعد لعاصم بيك مكان للجلوس, لذلك فهو يجلس عند عتبة الباب.
- إذاً عليكم بهدم الجدار العازل بين الغرفتين و يجب أن تكبر طاولة عاصم بيك.
كبرت طاولة عاصم بيك و أصبحت كطاولة قادة الحروب التي يضعون عليها الخرائط و يديرون عليها العمليات العسكرية.
كاد عاصم بيك أن يطير من الفرح, لكن هذه الفرحة لم تستمر أكثر من شهرين, فهو لم يدفع أجرة البيت, و سيفصلون التيار الكهربائي عن بيته, و زوجته طلبت منه النقود و هو خارج إلى عمله.
دخل عاصم بيك مهلوساً إلى غرفة المدير يحاكي نفسه و كأنه يتشاجر مع المدير, ثمة سوائل تسيل من أنفه, لا.. بلغ السيل الزبى, أكثر من ذلك لن يتحمل, سيقول له كل ما سيتفوه به, إما زيادة إجرته أو الاستقالة.
دخل غرفة المدير بسرعة حتى دون أن يطرق الباب, لم يأت المدير بعد لم يبتعد عن الباب, و فور مجيء المدير قال له:
-- يا سيدي..
عادة لم يكن المدير يفسح له المجال كي يتم كلمته, أما الآن فقد كان مشغولاً بخلع معطفه و لم يكن لديه الوقت لسد فم عاصم بيك.
- عاصم بيك أنا سعيد جداً بعملكم.
-- يا سيدي أنا موظف في هذه الدائرة منذ أربعة عشر عاماً.
- نشاطكم في العمل...
-- لكن و حتى الآن لم تزد أجرتي الشهرية بتاتاً..
- طاولتكم..
-- لا, أنا لا أريد طاولة أو ما شابه, أجور الجميع زيدت إلا أنا..
- طاولتكم..
هذه المرة ليس عاصم بيك الذي لا يستطيع إتمام حديثه بل المدير, عاصم بيك يأخذ بثأره من صمت أربعة عشر عاماً, فتح فمه و أغلق عينيه, صرخ به المدير بعدما استمع لفترة:
- أنت رجل جاحد, أنت لا تفهم بالمعروف, طاولة من كبيرة مثل طاولتك في هذه الإدارة الكبيرة ؟.. مَن مِنَ الموظفين يجلس خلف طاولة مثل طاولتك ؟.. ليس لديك أدنى إحساس بالخجل, و لا الإنصاف ! ولك ماذا تريدني أن أفعل لك أكثر من ذلك, كبرت طاولتك في كل شهر, ولك أنا المدير بحجمي و مكانتي ليس لدي طاولة مثل طاولتك, طاولتك على وشك أن تحتل العمارة, هيا انقلع من هنا, إن لم يعجبك فقدم استقالتك, كفى..
عاصم بيك خرج متهاويا,ً ذهب إلى غرفته, نظر إلى طاولته الكبيرة الضخمة, كانت جميلة, غرفة نومه لم تكن بكبر طاولته, لا, لن يجد في مكان آخر مثل هذا الاحترام, جلس خلف طاولته و بدأ بالعمل.
منذ ذلك اليوم لم تكبر طاولة عاصم بيك أكثر......
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Empty
مُساهمةموضوع: أمانة الشعب   آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Uhh104/4/2010, 11:06 pm






أمانة الشــــــــــــــــعب



عزيـــز نيســــن

كان يا ما كان, كان أو ما كان... في قديم الزمان، مكان ما في العالم، مكان ما كان فيه شئ، في هذا المكان الذي ما كان فيه شئ، كان ثمة سلطان، السلطان عنده خزينة، في الخزينة أمانة الشعب الغالية.
الشعب يفخر بهذه الأمانة الآيلة إليه من أجداده... يتناسى فقره و بؤسه و يتباهى بها قائلأ: و حتى لو لم يكن عندنا شئ, يكفينا أن تكون عندنا هكذا أمانة من الأجداد.
لا يفعل ذلك شخص أو شخصان.. و إنما كل فرد من أفراد الشعب يستأثر بحصة من المباهاة بهذه الأمانة القيمة الباقية له من أجداده... يحميها بروحه و جسده.
و طالما أن أحسن مكان لحفظ الأمانة التي هي ملك الشعب هو خزينة السلطان, فقد خبئت فيها، يحرسها رجال مدججون، لا يغمض لهم جفن و لا يدعون الطير تطير فوقها.
السلطان و الصدر الأعظم و ذوو المراتب في القصر يقسمون بشرفهم مرة كل عام على حمايتها.
و دارت الأيام، و مرت الأيام ...حتى جاء يوم فكر فيه السلطان بمعرفة ما هي هذه الأمانة التي يستفديها الناس بأرواحهم و دمائهم, فصار يتحرق شوقا إلى معرفة ما بداخل خزينة الأمانة تلك. و لم يعد يطيق صبرا فدخل جناح الخزينة.
لا يستطيع الحراس القول للسلطان" ممنوع " فالسلطان و الصدر الأعظم و الوزراء يدخلون متى ما شاؤوا ليرو ما إذا كانت الخزينة لا تزال في مكانها. السلطان فعل هكذا..
الأمانة موجودة في غرف متداخلة, كل غرفة تؤدي إلى أخرى حتى الحادية و الأربعين، حيث الخزينة.
الخزينة في خزائن متداخلة كل خزينة تفتح عن خزينة... حتى الحادية و الأربعين.
فتح السلطان الأربعين غرفة و دخل الحادية و الأربعين .فتح أربعين خزينة... و بينما كان يفتح الحادية و الأربعين، أخذ قلبه يضرب... ذلك أنه كان يمتلك الكثير من الفضول لمعرفة الشئ الذي يحمونه طيلة هذه السنين. فماذا رأى؟
كانت جوهرة لم تقع عين بشر على مثيلها حتى ذلك الزمان, جوهرة تتلألأ و تضطرم كألسنة النار... لو قلت من ذهب ما حزرت، أو قلت بلاتينا لأخطأت، أو قلت من فضة ما أصبت.
لم يتمالك نفسه, قال: سآخذ أمانة الأجداد هذه لي، لتصبح ملكي.. و من الذي سيعرف و كيف؟
أخذ الأمانة المقدسة التي كانت تتلألأ كقطعة من الشمس و دسها في جيبه. لكنه بدأ يتخوف ماذا لو اكتشفوا أنني سرقتها ؟.. سأضع مكانها قطعة من الذهب مزينة بالماس و اللؤلؤ و الزمرد و الصدف و الياقوت. و طالما أنه لم يسبق لأحد أن رآها فلن يفهم أنها مسروقة، فيما لو فتحت الخزنة ذات يوم..
و مثلما قال فعل.. أقفل إحدى و أربعين خزينة متداخلة، و فوقها واحدا و أربعين باباً، و هو يرتعش من خشية أن يشك أحد أنه سرق الأمانة.
حتى ذلك الزمان كان يقسم يمين واحد في السنة على حماية الأمانة، فضاعفها إلى يمينين.. يجتمع أبناء الشعب و المديرون و السلطان و يقسمون على أنهم سيحمون الأمانة المقدسة الباقية من الأجداد، بأرواحهم و دمائهم.
الصدر الأعظم رجل داهية. داخله الشكل فقال لنفسه: كنا نقسم مرة في السنة, فلماذا رفعها السلطان إلى اثنين ؟.. و في يوم من الأيام دخل جناح الخزينة موسوساً: ما هي هذه الأمانة التي نحميها طيلة هذه السنين ؟.. مر من إحدي وأربعين غرفة، فتح إحدى و أربعين خزينة, رأى الأمانة. وقف مشدوهاً أمام قطعة الذهب ( تلك التي وضعها السلطان لئلا ينتبه لفعلته أحد ). آخذ هذه الأمانة و وضع مكانها قطعة ذهب مزينة بحجارة لماعة. قال في نفسه: كيفما كانت، و طالما أن الأمانة لا يعرفها أحد، فإن من يفتح الصندوق يوماً سيعتقد أن هذه هي الأمانة المقدسة..
و مثلما قال فعل. و خوفاً من أن تكشف عملته أزمع أن يرفع عدد المرات التي يقسم فيها اليمين إلى أربع, في الصيف و الشتاء و الربيع و الخريف، مثلما سبق للسلطان أن رفعها إلى اثنتين.
و مثلما قال فعل. أقفل إحدى و أربعين خزينة متداخلة، و فوقها واحدا و أربعين باباً، و هو يرتعش من خشية أن يشك أحد أنه سرق الأمانة.
أحد الوزراء رجل داهية. دخل الشك نفسه: كنا،حتى الآن نقسم مرتين فلماذا زادوها إلى أربع ؟
هو الآخر، و طالما أنه يستطيع الدخول دون اعتراض من أحد، فقد دخل يوماً عبر الإحدى و الأربعين غرفة، فتح الإحدى و الأربعين خزينة، فلمعت عيناه بفرح إذ رأى قطعة الذهب المزينة بالحجارة اللماعة, قال في نفسه: لو آخذها وأضع مكانها قطعة فضة، فمن سيعرف ؟
و مثلما قال فعل, و رفع مدفوعاً بخوفه من أن يكتشف أمره عدد مرات الحلفان إلى مرة كل شهر.. صار الشعب يجتمع في الساحات العامة مرة كل شهر، و يقسم على أنه سيحمي الأمانة المقدسة حتى آخر رجل و آخر قطرة دم.
مشرف القصر شخص داهية، توسوس من رفع معدلات القسم إلى مرة في الشهر, قال: ثمة ما يريب. لأذهب و أر .. مر من إحدى و أربعين غرفة، فتح الإحدى و أربعين خزينة.. رأى أمانة الأجداد المقدسة فأعجب بها, قال في نفسه: لو آخذها و أضع مكانها قطعة نحاس فمن الذي سيدري ؟..
و مثلما قال فعل، و خوفا من افتضاح أمره، و لكي يعتقد الناس أنه حريص عليها، فقد جعل اليمين يقسم مرة في الأسبوع.
الضابط الذي يحمي الخزينة_ هو الآخر _ داهية, فكر في نفسه: ما الذي يجري ؟ كل أسبوع نقسم. لأذهب و أر هذه الأمانة المقدسة..
و كما فعل الآخرون, مر من إحدى و أربعين غرفة, فتح إحدى و أربعين خزينة. رأى قطعة النحاس اللامعة ففرح بها, و قال لنفسه: إذا أخذتها و وضعت مكانها قطعة حديد، فمن سيعرف ؟..
و مثلما قال فعل. و لكي يملص من عملته، و ليعتقد الناس أنه غيور على الأمانة يفتديها بروحه و جسده، فقد رفع معدلات الحلفان إلى مرة في اليوم.
و دارت الأيام، و مرت الأيام.. ظهر من بين الناس رجل قال :كل يوم و نحن نقسم على أننا سنحمي الأمانة الباقية من الأجداد بدمائنا و أرواحنا.. و نحن في واقع الحال نخبئها في الخزينة و نحميها على نحو جيد.. لكن ما هي هذه الأمانة ؟.. ألسنا نحن المؤتمنين عليها ؟ تعالوا إذن نفتح الغرف و الخزائن لنر ما نحمي.
أحدثت كلمات الرجل تأثيراً كتأثير القنبلة. الذين خانوا الأمانة، و على رأسهم السلطان، تقدموا نحوه و طوقوه، الذين أخذوا الأمانة، على التوالي، و استبدلوها بأشياء مزورة، كل واحد منهم يعتقد أنه فعلها دون علم الآخرين، ارتعشوا خوفاً من اكتشاف السرقة، فقالوا للرجل الذي قال لنر الأمانة التي نحميها: آخ يا خاين.. و أنت من أنت حتى ترى الأمانة المقدسة التي انتقلت إلينا من الأجداد ؟؟
ألبسوه تهمة الإقلال من هيبة الأمانة.. و ما بقى إلا شئ قليل حتى يتحول الرجل إلى ممسحة..
قال السلطان: إذا كنا سنقتل هذا الرجل فلنقتله وفق القانون...
و لكي يعدموا الرجل سنوا قانوناً خاصاً، و قتل الرجل بقرار محكمة خاصة.
بيد أن المسألة لم تنته بإعدام الرجل. كلماته انتقلت من فم إلى فم.. و الفكرة أخذت تكبر كجرف ثلجي .
في يوم من الأيام فكر رجل من الناس لنذهب و لنر هذه الأمانة طالما أننا سنموت في سبيلها, لكنه و لأنه يعرف ما جرى للذي قبله, لم يتفوه بكلمة أمام البشر، وضع في رأسه أنه سيتسلل إلى الخزينة و يرى ما بداخلها سرا .
السلطان و الصدر الأعظم و الوزراء، و كافة حرامية الأمانة بمن فيهم الضابط الذي استبدل قطعة الحديد بتنكة صدئة, و لكيلا تظهر سرقتهم ، أو بالأحرى لئلا يكتشف أنهم استبدلوها, صاروا يحرسونها على نحو أشد.
و بينما كان الرجل _الذي نجح في الدخول سراً إلى الخزينة_ خارجا بالأمانة المقدسة ليريها للناس، رأى الضابط التنكة في يده، فصرخ: هذه ليست هي!
الوزير قال أيضأ: هذه ليست هي !
الذين في القصر، بمن فيهم السلطان، قالوا: هذه ليست هي !..هذه ليست هي !..
فسألهم الرجل الممسك بالتنكة الصدئة: و كيف عرفتم أن هذه ليست الأمانة المقدسة ؟ و إذا لم تكن هي، فما هي..؟
لم يتمكن أحد من الحاضرين من الإجابة على سؤاله، ذلك أن كل واحد منهم قد فهم أن الشئ الذي وضعه بدل الأمانة قد سرق فيما بعد.
خنقوا الرجل الممسوك و أعادوا التنكة الصدئة الى مكانها ضمن إحدى و أربعين خزينة و إحدى و أربعين غرفة. و لحماية الأمانة المقدسة سنوا قانوناً يتوجب على كل فرد من الشعب بموجبه أن يحلف صباحاً و ظهراً و مساء على حماية الأمانة المقدسة.
و لم يستطيع أحد من الذين يقسمون الأيمان أن يعرف أن الأمانة قد تحولت من سرقة إلى سرقة إلى تنكة صدئة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Empty
مُساهمةموضوع: مدين لك بسعادتي   آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Uhh105/4/2010, 8:36 am




مدين لك بســــــــــــــــــــــــعادتي


عزيز نيســـن


- لقد تعرفت على فتاة رائعة الجمال يا صديقي.
-- هل هي جميلة ؟
- ماذا تقول !!.. انظر إلى صورتها كم هي رائعة الجمال.
-- حقاً إنها جميلة جداً... و لكن حافظ عليها و لا تفرط بها.
- نعم، نعم لن أفرط بها.
-- و هل أظهرت لك مودتها ؟
- أحياناً...
-- إذاً حاول أن تستحوذ على قلبها.
- حسناً سأحاول إظهار جلّ براعتي في هذا المجال.

***
-- ما هي أخبارك يا صديقي، وهل من جديد؟
- و الله، كل شيء على ما يرام، فكما قلت لك سابقاً لقد تعرفت على فتاة رائعة الجمال.
-- ايهــههههيه ؟
- أحبها يا صاحبي، أحبها بجنون و لا أستطيع الابتعاد عنها، و العيش بدونها ضرب من المستحيل، تصور أن أوار حبها يتأجج في قلبي.
-- و هل هي تحبك أيضاً ؟
- لا أدري!....
-- إذاً حاول أن تجد إلى قلبها سبيلاً.
- و كيف ذلك ؟
-- كما تعلم يا صديقي فإني أمتلك التجربة في هذه المضمار. لذلك، حاول أن تغرقها بالهدايا خاصة بالزهور، فالنساء كما تعلم يعشقن الزهور، خاصة القرنفل الأحمر، كذلك حدثها بشكل دائم عن ذكائك الرفيع.

***
- لا أدري كيف أعبر لك عن شكري و امتناني.
-- ماذا حصل ؟
- كأنك يا عزيزي تعرف تماماً كل رغباتها، لقد نفذت وصفتك كاملة، و لذلك أخذت تنظر إليّ نظرة حب و مودة... بربك قل لي و ماذا أفعل بعد ذلك ؟
-- حاول أن تأخذها إلى دور السينما و لكن، إياك و الأفلام الجادة، حاول أن تكون الأفلام تراجيدية أو كوميدية أو موسيقية... و عندما تخرجان من دار السينما عرّجا على بائع المرطبات، و حاول أن تدعيها لتناول البوظة بالكريمة, كذلك أن تقتني في جيبك قطعاً من الشوكولا.

***
- ذهبنا البارحة إلى دار السينما، و هناك أعطيتها قطعة الشوكولا، لقد فرحت كثيراً و بعد انتهاء عرض الفيلم عرّجنا على بائع المرطبات و تناولنا البوظة بالكريمة, إنك ذو ذوق رفيع, سنحاول الذهاب في نهاية هذا الأسبوع إلى منطقة بعيدة و جميلة، لذلك ما هي نصيحتك بهذا الخصوص ؟
-- أستطيع القول، حسب تجربتي الشخصية.. أن أفضل منطقة هي "بويوك آزا " ( الجزيرة الكبيرة ) هناك حاولا التجوال على ظهور الحمير، اجلسا على الشاطئ، و ارقصا، و لكن انتبه ، إياك و مراقصة الأخريات.
- آخ يا صاحبي!!.... لو أستطيع استحواذ قلبها.
-- ستنجح في ذلك لا محال. إذا نفذت كل ما أقوله لك.
- و لكن لا أعرف كيف أعبر لك عن شكري الجزيل.
-- أستغفر الله، ما هذا الكلام يا صاحبي، أنا لم أفعل شيء سوى أنني أحاول نقل تجربتي الخاصة كي تستفيد منها.

***
- قالت إنها متزوجة لذلك فإن جميع مشاويرنا كانت ناجحة.
-- و لكن لم تقل لي... هل تحب زوجها ؟
- لا... على العكس فهي تنعت زوجها بالأبله كالحمار، و بالجلف الذي لا يعرف التعامل معها.
-- مسكينة هذه المرأة، و لكن لمَ لا تنفصل عنه ؟
- لقد لمحت ذات مرة قائلة: " لو أستطيع الاعتماد عليك لانفصلت عن زوجي ".. و لا أدري ما العمل ؟
-- لا تتركها، حاول أن تكون صديقها الصدوق، و المعين الوفي.

***
-- ماذا حصل، و ما فعلتما ؟
- لا تسألني يا صاحبي... إلى الآن لم أستطع الحصول على قبلة واحدة منها، إنها خجولة جداً، و لكني واثق من حبها لي.
-- حاول أن تستمر بإغراقها في الهدايا، و لا تنسى العطور الفاخرة و النوع "سكاندال". كذلك يجب أن تهديها أقمشة ذات لون سماوي أو أزرق.
- و إذا عرف زوجها بالأمر فما العمل ؟!...
-- و من أين سيعرف، أليست هي القائلة بأن زوجها رجل معتوه و أحمق ؟.. و إذا كنت ترغب في أن أذهب معك لشراء الأقمشة فلا مانع لدي.
- حسناً يا صديقي، و بأقصى سرعة إن أمكن.

***
-- ما هي الأخبار ؟
- سارة جداً يا عزيزي.
- هل تعلم بأنها فرحت كثيراً عندما أهديتها زجاجة العطر، و قالت أنه عطرها المفضل، و عندما رأت القماش... تصوّر يا عزيزي بأنها كانت ستفقد صوابها من شدة الفرح، و لكن إلى الآن ما زلنا كالمراهقين.
- حاول أن تقرأ لها بعضاً من أشعار يحيى كمال. و قل لها بأنك راغب في الزواج فيما لو انفصلت عن زوجها.

***
-- ما بك يا صديقي، منذ فترة طويلة لم ألتق بك، أين أنت ؟
- مشاغل الحياة يا صاحبي !... إن تلك المرأة انفصلت عن زوجها.
-- و هل ستتزوجها ؟
- بالطبع, و لم لا ؟؟؟
-- و لكن لا تضيع الفرصة، هيا أسرع بزواجك منها قبل أن يطرأ على علاقتكما أي جديد.

***
- لا أعرف كيف أعبر لك عن شكري وامتناني؟... لقد تزوجنا البارحة و بذلك أكون مدين لك بسعادتي.
-- و أنا بدوري لا أدري كيف أردّ لك جميلك، فأنا مدين لك بسعادتي لأنني انفصلت عن زوجتي.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Empty
مُساهمةموضوع: الطبيب والمقبرة   آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Uhh105/4/2010, 8:40 am





الطبيب والمقبرة


عزيـــز نيســـن


أصبحت شقيقتي البالغة من العمر ثلاثة سنوات مريضة فقد كانت لا تستطيع الوقوف على رجليها.
بعد مرور سنة أدركت أنها مصابة بمرض كساح الأطفال ( و هو مرض يصيب العظام ) و هو ناتج عن سوء التغذية وعدم الاهتمام اللازم .
ربما يتسأل البعض: ماذا عن الطبيب ؟. في ذلك الوقت كنا نسمع فقط بأسم الطبيب. كان الطبيب بالنسبة إلينا حالة من الرفاهية و لذلك لم يكن من المتاح لنا أن نستعين بطبيب أو حتى نسمع صوته.
عندما يموت طفل كان يقولون : " الله أعطى و الله أخذ " و لكن لو تلقت شقيقتي تغذية سليمة و جيدة بإشراف طبيب، لتحسنت حالتها كثيراً و أصبحت في صحة أفضل.
جربوا كافة أنواع الأدوية, و الأدوية التي أتكلم عنها هنا هي الوصفات الشعبية التي يتم تجهيزها بلا نقود, و عندما فشلنا، أخبروا أمي بطريقةٍ أخرى لمعالجتها: " في المساء، عندما تقام صلاة المغرب، خذي الطفلة إلى المقبرة و اتركيها فوق حجر قبر ثم أرجعي البيت دون أن تنظري إلى الوراء. و بدون أن تشربي أي شىء حتى لو كان قطرة شاي واحدة. سوف يتبعك البعض و سوف يحضروا الطفلة في البيت ".

أوضحت أمي للطفلة أنه إذا أردات أن تشفى و تتحسن و وإذا أرادت أن تمشي و تلعب كما كانت في السابق فعلينا أن نتبع هذه الوصفة، قالت لها أمي: " يجب ألا تبكي عندما نتركك في المقبرة ", و كانت شقيقتي بنت ذكية و مطيعة.

كانت أمي تأخذ شقيقتي في ذراعها كل مساء و تأخذني بيدها لنذهب إلى مقبرة " جروكلوك " التي تقع بين منطقة " كاظم باشا " حيث نسكن و منطقة " بيغولو " حيث كانت أشجار الصنوبر الكثيفة في المقبرة تجعل من ظلام الليل أكثر عتمة. في هذا الجو الكئيب تبدو القبور أكبر بكثير من حجمها الحقيقي. عندما تنتشر أصوات آذان صلاة المغرب من المآذن و المنارات، تترك أمي شقيقتي فوق حجر القبر و تأخذ يدي و بدون أن تنظر إلى الوراء كانت تسرع الخطى بعيداً. استمر هذا الحال لشهور عديدة حتى دخل الشتاء. و في كل مرة لم تلتفت أمي إلى الوراء و لم تصرخ شقيقتي ذات الثلاثة سنوات عندما توضع فوق حجر القبر.

لم أكن أستطيع رؤية وجه أمي أسفل خمارها. لم يكن أحد يدرك حجم المعاناة التي تعانيها, فقد كانت لا تتوقف و هي في الطريق بين المقبرة و البيت. عندما تصل إلى البيت عائدةً من المقبرة كانت ترمي بنفسها على المرتبة و تغمض عينيها حتى يعود أحدهم بشقيقتي من المقبرة.

أفكر كثيراً في تبعات ترك طفلٍ مريضٍ في مقبرة كملاذ أخير لكي يشفيه و يعافيه الله. إن الفقراء الذين لا يجدون طريقهم إلى الطبيب أو للأدوية و الذين ليس لديهم القدرة حتى على إطعام أولادهم، يسألون الله: " يا الله، تركت طفلي ها هنا عندك، فادفن مرض طفلي في الأرض، أرجعه يا الله لي معافى و سليم ".

في إحدى الأيام أحضر أبي تفاحاً إلى البيت. فأخبرني قائلاً : " أدر ظهرك ", فأدرت وجهي ناحية الجدار و وقعت تفاحة أمامي، ثم تفاحة أخرى. ثم قال أبي : " لقد أرسل الله إليك هذا التفاح فأدعوه ". إن الله الذي أرسل التفاح قد يشفي أختي أيضاً و لكن أختي ماتت.

حينما حملت أمي الكفن الصغير للقبر، كنت أظن أن الأمر لعبة, و ضحكت على العمة سارة التي كانت واقفة على باب الغرفة. أجل أنها لعبة، سيتركون أختي في هذا الصندوق الخشبي في المقبرة و هناك سوف تطيب و تأتي راكضة نحو البيت.
قالوا: " خذوا الولد بالداخل ".
وضعوني في الغرفة لأني لم أستطع التوقف عن الضحك و الضجيج. أتت إلى أمي و قبلتني, و أخبرتني: " ماتت أختك، يجب ألا تضحك ".
خجلت بعد أن علمت بأني فعلت شيئاً خاطئاً.

دائماً كنت أسأل لماذا أصبحت كثير الدعابة و الضحك, و لم أجد جواباً سوى: " أن الشيء الذي جعلني مداعباً هو حياتي التي عشتها, لقد كانت حياتي طريق طويل ملؤه الدموع ".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Empty
مُساهمةموضوع: لو لم يكن الذباب !!!!   آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Uhh105/4/2010, 8:45 am





لو لم يكن الذُّباب


عزيز نيسن


عندما كان في العاشرة من عمره، كثيراً ما كان يقول:
- آه لو كانت عندي حقيبة !.. و مثل بقية الأطفال لو كانت عندي كتب و ألعاب !.. أو حتى روايات, عندها ستعرفون كيف أجدُّ و أجتهد، لكنْ، كيف للمرء أن يعمل في مثل هذه الظروف ؟.

و عندما بلغ الثالثة عشرة أصبحتْ لديه كباقي الأطفال ألعاب و دفاتر و حقائب، و مع ذلك لم يجدَّ و لم يجتهد، و كان يبرِّر موقفه قائلاً:
- آه.. لو كانت عندي ملابس جديدة مثل باقي أصدقائي.. تصوروا أننا جميعاً نعيش في غرفة واحدة !.. كيف يمكن للمرء أن يدرس و يعمل في هذا المكان الصغير..؟. آه لو كانت عندي طاولة و خزانة خاصة لرأيتم ماذا سأفعل !.

في الثالثة عشرة أصبحت لديه غرفة خاصة.. و مع ذلك لم نقرأ له أي شيء. و السبب كما هو معروف:
- شاب في مقتبل العمر مثلي لا يوجد في جيبه عشر ليرات كمصروف شخصي، كيف سيعمل, هاه ؟.. آه لو استطعت شراء الكتب و الصور.. آه، ثم آه.. عندها ستعرفون من أنا ؟.

تحققت رغبته عندما بلغ العشرين من العمر و مع ذلك النتيجة كانت هي هي:
- آه لو انتهى الفصل الدراسي لأصبح للحياة طعم آخر.. نعم، الحياة شيء و الدراسة شيء آخر. عندما أنهى دراستي الجامعية سأكتب أشياء رائعة، آه لو انتهتْ هذه الدراسة !!.

عندما بلغ الرابعة و العشرين أنهى دراسته الجامعية و مع ذلك لم نقرأ له أي شيء. و الأسباب و المبررات جاهزة:
- لا أدري لم لا أستطيع العمل.. أظنُّ لو أني أنهيتُ الخدمة الإلزامية لعملتُ ليلاً نهاراً بلا كلل أو ملل.. نعم سأكتب عملاً يتحدث عنه الجميع. آه لو أنهي الخدمة الإلزامية اليوم قبل الغد.

في السادسة والعشرين أنهى خدمته الإلزامية و مع ذلك لم يعمل.. لِمَ ؟
- لا أستطيع الكتابة كما أريد.. و كيف يمكنني القيام بذلك و أنا لا أملك ثمن كسرة خبز ؟, كيف للمرء أن يكتب و لم يجد فرصته في العمل " تستر آخرته و تحميه من العوز " ؟. آه لو وجدت عملاً لكتبت ليلاً نهاراً، نعم، ليلاً نهاراً حتى يظهر مؤلَّفي.

عندما بلغ الثامنة و العشرين أصبح صاحب وظيفة.
- أنا لا استطيع الكتابة و السلام، و كيف لي أن أقوم بذلك و أنا لا بيت لي، حتى لو كان عشَّـاً صغيراً، و لا مذياع لديَّ كي أستمتع بسماع مقطوعات موسيقية تلهمني الكتابة.. آه لو ملكتُ مذياعاً لعملتُ ليلاً نهاراً دون توقُّف.

بلغ صاحبنا التاسعة و العشرين، استأجر شقة مؤلفة من غرفتين، كذلك اشترى مذياعاً و مع ذلك لم يبدأ بكتابة مؤلَّفه.. سنواتٌ طويلة و هو يهمُّ بالبدء، لكن...!
- آه, قاتَل الله الوحدة.. فهي في صدري كسراديب لا نهائية, كيف للمرء أن يكتب و الوحدة القاتلة تحاصره من كل مكان ؟.. كيف سيبدع المرء دون دوافع ؟, آه أين أنت يا عشقي النبيل ؟.

عشق صاحبنا في عقده الثالث، نعم عَشِقَ و عُشِقَ و مع ذلك لم يستطع إنجاز ما حلم به منذ سنوات طويلة. كان يقول:
- العشق شيء رائع، لكن، ما نفعه دون زواج، آه لو تزوجت لاستقامتْ حياتي و توازنتْ، عندها سأقوم بتحقيق رغبتي. نعم، لن أهدر دقيقة واحدة دون كتابة، نعم سأعمل ليلاً نهاراً.

تزوج في الثانية و الثلاثين، كان سعيداً في زواجه و مع ذلك لم يستطع البدء بمخطوطه، لأنه محقٌ في ذلك على حد زعمه:
- المعيشة صعبة، لا يمكن للمرء أن يبدع و هو يلهث خلف لقمة خبزه. كيف سيكتب، و كيف سيبدع و لا وقت لديه ؟, و هذا الشيء الوحيد مما لا يمكن شراؤه.

عندما بلغ السادسة و الثلاثين ازدادتْ أرباحه، و بذلك ازداد دخله و تحسَّن مستوى معيشته و مع ذلك لم يتخلَّ عن نقِّه:
- ما هذا ؟!! شقة صغيرة، و غرف أصغر، صخب و ضجيج، كيف يمكن للمرء أن يبدع وسط هذه الفوضى ؟.. آه لو كنت أسكن في بيت واسع و كبير، مؤلف من أربع، خمس غرف، عندها لم لا أعمل ؟.. حتماً سأبدع.

انتقل صاحبنا إلى بيته الجديد عندما بلغ الثامنة و الثلاثين، بيت كبير، مؤلف من خمس غرف، لكن المشكلة أنه لم يستطع البدء بكتابة مؤلفه بأي شكلٍ من الأشكال. فلم يكن مذنباً على حد قوله:
- كيف يمكن للمرء أن يبدع و يكتب و بيته يقع وسط المدينة ؟ صخب المدينة يقتل روح الإبداع. لذلك، و لكي أبدأ بكتابة مؤلَّفي، عليَّ السكن في منطقة هادئة نائية.. فكما يقولون " هنا غبرة و عفرة و قلة واجب ". لكن، آه لو أجد ذلك البيت الذي أرغب لعملت ليلاً نهاراً. فأنا أتعطش للعمل منذ سنوات طويلة، إلا أن ظروفي لا تسمح بذلك.

في الأربعين تماماً وجد ذلك البيت و حقق أمنيته، بيت جميل، في منطقة أجمل، لكن هل سيعمل كما يقول ؟. خاصة عندما نسمعه يقول:
- آه، كيف يمكن للمرء أن يُبدع و لا توجد لديه طاولة مريحة، و لا لوحات فنية جميلة تزيّن جدران بيته، و لا منمنمات تزيّن خزائنه ؟, كيف سيبدع و لا أرائك مريحة لديه و لا حتى سجادات ناعمة !!, كيف سيبدع عملاً رائعاً و هو لا يحضر حفلات الموسيقى الكلاسيكية ؟؟. لكنه حتماً سيبدع و دون توقف عندما يتوفر كل ذلك. لكنْ، آه .. هل أحصل على هذه الأشياء كلها في يومٍ من الأيام ؟!.

نعم لقد حصل على هذه الأشياء النفيسة و النادرة عندما بلغ الثانية و الأربعين و مع ذلك لم يبدأ برائعته. فلنسمع مبرراته:
- آه، لو علمتم بحالي.. لا أحد يعرف مشكلة أحد. مشكلتي ليست مادية، زوجتي رائعة فهي دائماً تمنحني الأمل و التفاؤل، كذلك أولادي فهم رائعون حقاً. بيتي مريح يدخل البهجة و السرور على قاطنه، يطلُّ على بقعة رائعة الجمال، كذلك كل شيء في بيتي غالٍ وثمين، لديَّ متَّسع من الوقت لأكتب و أبدع، لكن، و كما قلت - لا أحد يدري بمشكلتي، آهٍ من هذه الذبابات، تنغص عيشتي و تقلق راحتي، كيف أجلس و أكتب و هي تعكِّر صفو حياتي ؟!.. آه لو عرفتم المشاكل التي تواجهني بسببها ؟, آه لو لم يكن الذباب لعملت ليل نهار. لكن ماذا عساي فعله و الذباب يعرقل إنجاز مؤلفي، فأنا لا أستطيع النوم نهاراً كي أكتب في الليل. لو أغلقت النوافذ لأصبح جو البيت لا يطاق، بالله عليكم أرشدوني ماذا أفعل ؟.. آه من هذا الذباب .. لولاه لقرأتم أشياء رائعة.

كما لاحظتم، بلغ صاحبنا الثانية و الأربعين و مع ذلك لم يفقد الأمل. لذلك سينجز رائعته ذات يوم، لكن متى !.. عندما تتوفر لديه جميع الشروط و بذلك سيعمل ليلاً و نهاراً و سنقرأ مؤلَّفه العظيم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Empty
مُساهمةموضوع: البغل العاشــــــــــــــق   آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Uhh105/4/2010, 3:30 pm




البغل العاشـــــــــــــــــــــــــــــــــق

عزيز نيســــــــــــن
قال صديقي الكولونيل نهاد أتيك (صديق الدراسة) رحمه الله :عندما انهيت المدرسة العسكرية قبل التحاقي بالكلية الحربية انضممت الى دورة خاصة للضباط في الوحدات العسكرية لمدة ستة أشهر.
في مجموعة الأسلحة الأتوماتيكية التي أرسل اليها نهاد كان بغل شرس ومزاجي يعض من يمر امامه ويرفس من يقف خلفه عجزوا عن لجمه بحبل او سلسلة يأبى تحميله أي ثقل ولو أجبر على ذلك فأنه يقوم برميه وأن عجز فأنه يركض نحو الروابي حتى يتخلص من حمله.
وفجأة أصبح هذا الحيوان هادئا وأليفا فاستغرب الجميع هذا التحول وبحثوا عن السبب
قام أحد المربين بربط بغلة أمام البغل ومنذ تلك اللحظة تحولت طباع هذا البغل وأصبح هادئا واليفا حتى أنه انقطع عن الأكل والشرب فلا يأكل التبن الذي يوضع أمامه الا عندما تنهي البغلة طعامها فيبدأ هو بتناول طعامه
عندما ساقو الحيوانات للشرب وقف البغل بجانب انثاه يراقبها وعندما قامت هي بشرب الماء قام هو بشرب الماء
هذا البغل الذي كان يأبى تحميله باي شيئ راح يقف بجانب انثاه عندما كانو يحملونها كي يضعوا الحمل على ظهره..حسب حديث المراقبين أن البغل بذلك كان يحاول مشاركتها الحمل كي يساعدها ويخفف عنها وأنك لو قتلته فلن يسمح لك بتحميله قبل أن يطمئن على حملها
وهكذا خرجوا بنتيجة مفادها أن تغير سلوك هذا البغل هو عشقه وولهه بأنثاه وبما أن البغل عقيم فهذا يعني أن هيامه هو عشق عذري
وبعد أيام وأيام ولا أحد يعرف هل نقلوا تلك المعشوقة الى وحدة أخرى أم باعوها أم ماتت ومهما كان السبب فالبغل بقي وحيدا بعد هذا الفراق عاد البغل الى سابق عهده وأكثر لا يمكن ضبطه ولا ربطه ولا …. بعد فترة ليست طويلة صعد البغل الى مكان عال جدا وألقى بنفسه ليسقط ويتقطع ويموت
من كانه يظن هيام هذا البغل بالبغلة أدى الى نتيجة أنه انتحر بسبب قصة حب فاشلة!!!
لذلك أن يعشق البغل ويقدم على الأنتحار هذا تفسير غير معقول لأنه كما يقول البعض (مجنون يحكي وعاقل يسمع) أيعقل أن يصعد البغل الى اعلى الجبل وأن يرمي بنفسه لأي سبب من الأسباب.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Empty
مُساهمةموضوع: المنزل الحدودي   آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Uhh106/4/2010, 12:10 am




المنزل الحدودي


عزيز نيسن


كان ذلك في اليوم الثاني من انتقالنا إلى المنزل الجديد، إذ استوقفني شيخ هرم يقطن في الجانب الأيمن من بيتنا قائلاً:
- ليتكم لم تستأجروا هذا المنزل؟...
استغربت كثيراً حديث هذا الكهل فرددت عليه قائلاً:
-- عندما يسكن المرء في منزل جديد يقول له الجيران " منزل مبارك "، فماذا تقصد بهذه التمنيات الغريبة ؟
لم يهتم جاري بما قلت، بل تابع حديثه الفظ:
- تقتضي علاقة الجوار أن أرشدك و أنصحك بالابتعاد عن هذا المنزل لأنه مقصد للصوص.
-- و لمَ منزلنا بالذات دون جميع المنازل الأخرى، هاه ؟.

تركته يثرثر بكلماته و اتجهت صوب البقال كي أشتري علبة سجائر, فقد أستطيع أن ألجم جام غضبي، و هناك سألني البقال عن سبب غضبي، قلت له:
-- بقرب منزلنا يسكن رجل هرم و خرف، قال لي بينما كنت أمر من أمام منزله أن بيتنا مقصد للصوص و كان علينا أن لا نستأجره، بربك قل لي أليست هذه الحماقة بعينها.
أجابني البقال:
- نعم جارك محق في ذلك و هو يريد أن يعلمك بوضع المنزل، فعلاً كان من الأفضل أن لا تستأجروا هذا المنزل بالذات.
انزعجت من البقال كثيراً، فلم أنتظر حتى يتم حديثه، فخرجت مباشرة و بقيت يومي معكر المزاج.

في المساء أتى لزيارتنا جارنا القاطن في الجانب الأيسر من بيتنا، و استمرت سهرتنا حتى منتصف الليل، و عندما هم بالانصراف قال لي:
- منزلك مبارك إن شاء الله، و لكن يجب أن تكون على بينة من أمرك، إن هذا البيت مقصد للصوص.

لاحظت زوجتي مدى غيظي و حنقي، فحاولت أن تخفف عني قائلة:
- ألا تدري أن أصحاب المنزل لديهم ألف حيلة و حيلة كي يدفعوا المستأجر للإخلاء، و لعل هذه الحيلة واحدة منها، هدفهم إدخال الرعب في قلوبنا و بذلك نخلي المنزل و هم بدورهم يعملون على تأجيره لأحد أقاربهم أو أصحابهم.

بهذه الكلمات استطاعت زوجتي أن تهدئ من روعي.
لقد وترت هذه الحادثة أعصابي حتى إنني بقيت فترة طويلة أحاول أن أغفو و لكن دون جدوى، ثم غفوت، كم دام ذلك لا أدري كل ما أعرفه أنني استيقظت على صوت خربشة غير طبيعية، سحبت المسدس من تحت الوسادة و قفزت في الظلمة الحالكة و أنا أصرخ بصوت عالي:
-- لا تتحرك من مكانك و إلا أطلقت النار.
و لكن المصيبة التي اعترضتني تتجلى بعدم معرفتي مكان مفتاح الضوء، أخذت أتحسس جدران غرفة النوم، لكن كل جهودي باءت بالفشل، و بينما كنت أعمل جاهداً في سبيل إيجاد المفتاح و إذ بقدمي ترتطم و أسقط على الأرض و المسدس يسقط من يدي، و لكن كيف سقطت و بماذا تعثرت قدمي. قهقه اللص بصوت مرتفع و أجش، فارتعبت كثيراً من شدة صوته، لملمت شتات شجاعتي المتبقية و قلت له:
-- ولك دعني أراك إذا كنت رجلاً و لا تظن أنني خائف منك.
أجابني قائلاً:
- من المؤكد أنك تبحث عن مفتاح الضوء، لا يهم جميعكم هكذا، و لست أولهم.
صرخت بأعلى صوتي علّني أستطيع إخافته.
- ولك مع من تورطت, ماذا سأفعل بك هاه ؟.
- لا، لا، لا أعرف، ولكن إذا كنت بحاجة لمساعدتي ، إسمح لي كي أنير لك الغرفة......" تك "....
و إذا بالنور يعم جميع أرجاء الغرفة، أما أنا فقد كنت منبطحاً تحت الطاولة و زوجتي كانت مختبئة تحت السرير. أما اللص فقد كان طويلاً جداً فلو وقفت على قدمي لما أدخلت الرعب إلى قلبه.
و لذلك قلت بيني وبين نفسي الوسيلة الوحيدة هي أن أصرخ بصوت خشن و قوي:
-- ولك من أنت ؟.
أجابني:
- لص.
قلت:
-- لا، لن تستطيع إرهابنا، و لم نترك المنزل و لن نتركه و أنت لست بلص.
أجاب:
- الآن ستعرف إن كنت لصاً أم لا.
أخذ ذاك اللص بالتجوال داخل المنزل و كأنه يعرف كل تضاريسه و يعبث بأغراضه يقلبها و يرميها حيث يشاء، أما الحاجات التي تعجبه فكان يجمعها في مكان واحد كي يأخذها.
و في أثناء ذلك قال لي:
- حسناً، ما فعلتم، إذاً خصصتم هذه الغرفة للنوم، لكن المستأجر السابق خصصها للجلوس، كذلك الذي قبله.
قلت له:
-- أظن أنك نسيت ، و أنت تسرق حاجياتنا أنني سأقدم شكوى ضدك.
أجابني لامبالياً حتى أنه لم يكلف نفسه عناء رفع رأسه:
- إفعل ما تشاء و لكن لا تنسى بأن تبلغهم تحياتي.
-- بالتأكيد سأقدم شكوى ضدك و لكن كل ما أخشاه أن تنتهز الفرصة و تهرب.
- لا، لن أهرب.
-- أقسم لك بأنك ستهرب بعد ما جمعت ما جمعته، لذلك سأربطك. و فيما بعد أستطيع الذهاب مطمئناً إلى مخفر الشرطة.

تجمع الجوار على صوت هرجنا و مرجنا و دخلوا المنزل دون أن يعيروا ما جرى أدنى اهتمام، بل الأنكى من ذلك أن بعضهم أخذ يتهامس.
- لص آخر دخل المنزل.
- آه ه ه .. نعم لص، هيا لنتعرف عليه. بعض الجوار استطاع التعرف عليه مباشرة لذلك بدأ السؤال عن حاله و أحواله.

طلبت من الجوار مساعدتي:
-- ساعدوني يا إخوان كي أربطه بالحبل، و أذهب إلى مركز الشرطة و أتقدم بشكوى ضده.
أجابني اللص:
- و الله أنتم أحرار في أن تتقدموا بشكوى ضدي، و لكن ما أود أن أقوله هو لا تتعبوا أنفسكم.
جلبت زوجتي الحبال المخصصة لنشر الغسيل و أخذنا نشده إلى الكرسي، كل هذا دون أن يمانع و بعدها أوصدنا الباب و اتجهنا إلى مخفر الشرطة. و هناك سألنا الضابط عن موقع المنزل و عندما أبلغته عن المكان قال:
- هاااااااااه !... إذاً ذاك المنزل ؟
قلت له:
-- نعم ذاك المنزل.
أجاب:
- نأسف عن التدخل لأن منزلكم لا يقع ضمن البقعة الجغرافية المسؤولين عنها.
-- حسناً و ما العمل ؟ و هل قمنا بربطه عبثاً ؟.
أجاب:
- لو سكنتم في المنزل المجاور لكنا على أتم الاستعداد لتقديم كل المساعدات الضرورية، إن منزلكم هذا يقع ضمن صلاحيات البوليس.
لقد كان مركز البوليس بعيداً نوعاً ما لذلك لم نصل إليه إلا مع انبثاق الشفق.
و هناك سألني الضابط المسؤول عن موقع المنزل. و عندما أجبت عن مكان البيت قال:
- هااااااه !.. ذاك المنزل ؟.
قلت له:
-- نعم ذاك المنزل.
أجاب:
- آخ لو كان منزلكم هو المنزل المجاور لكنت قدمت المساعدة الضرورية، و لكن مع الأسف منزلكم هذا خارج حدود صلاحياتنا.
تدخلت زوجتي بالحديث قائلة:
- واه، واه و ماذا سنفعل بذاك الذي ربطناه.
سألت الضابط:
-- حسناً و ماذا باستطاعتنا أن نفعل؟ أرشدنا بالله عليك.
أجابني مشكوراً:
- منزلكم يقع ضمن حدود صلاحيات الجندرمة.

اقترحت زوجتي الذهاب إلى البيت خشية أن يصاب ذاك الرجل بمكروه أو قد يكون فارق الحياة و بذلك نكون قد ارتكبنا جناية القتل.

دخلنا المنزل فوجدناه جالساً بمكانه:
سألته:
-- كيف الحال ؟
- جيد، و لكني جائع جداً.
جهزت زوجتي مائدة الطعام لكن للأسف لم يكن اللص يحب " البامياء " لذلك ذهبت إلى القصاب و جلبت له قطعة لحم " بفتيك " و حضرتها و قدمتها للص. و بعد ذلك خرجنا متوجهين نحو مركز الجندرمة و عندما وصلنا إلى هناك شرحت الموقف للضابط إلا أنه استغرب و قال:
- هاااااااه !.. إذاً ذاك المنزل.
-- و كأن جميع الجهات الأمنية تعرف قصة منزلنا.
- إن بيتكم لا يقع ضمن حدود صلاحياتنا بل بقع ضمن حدود صلاحيات البوليس.
قلت له مستغرباً:
-- عجباً يا سيدي ! أيعقل ذلك ؟! لقد ذهبنا إلى مركز البوليس و قالوا أن منزلنا يقع ضمن حدود صلاحياتكم. و أنتم تقولوا العكس ! لكنه يقع ضمن صلاحيات جهة ما دون ريب.
أخرج ضابط الجندرمة الخارطة من خزانته الحديدية و بسطها على المنضدة و قال:
- انظر.. و لكن هل تفهما بالخارطة ؟
هذا الرقم (140) يدل على السهل و هذا (208) يدل على التلة، من هنا تمر حدود صلاحياتنا الإدارية، و لو كان منزلكم أبعد بمترين فقط نحو الغرب لوقع ضمن حدود صلاحياتنا.
قلت له راجياً:
-- يا عيني، يا روحي كل هذا من أجل مترين ؟ ماذا سيحصل لو غضضتم البصر قليلاً ؟
أجابني:
- ماذا سيحصل هاه ؟ أنتم لا تعرفون ماذا سيحصل و لكن نحن نعرف تماماً. انظر هنا، هذا موقع المنزل، إنه يقع تماماً على الخط الفاصل بين حدود صلاحياتنا و حدود صلاحيات البوليس، هل فهمتما ؟ يعني أن حديقة المنزل ضمن صلاحياتنا و لكن عملية السرقة كما شرحتم تمت في غرفة النوم.
لم يكن أمامنا إلا التوجه ثانية إلى مركز البوليس، و لكن طلبت زوجتي الذهاب إلى المنزل أولاً للاطمئنان على اللص.
سألته عندما وصلنا:
-- كيف حالك ؟
- عطشان، اسقوني...
و بعد أن شرب الماء و أطفأ ظمأه قال:
- سأرفع عليكم دعوى حجز حرية و هذا ليس من حقكم.
قلت له:
-- حسناً يا أخي ولكن ماذا بوسعنا أن نفعل إذا كان بيتنا يقع على الخط الحدودي.
- أجيبه!.
أطلق اللص تنهيدة طويلة و أردف قائلاً:
ألم أقل لكم منذ البداية اتركوني و شأني. سأرفع عليكم دعوى و أجرجركم في المحاكم.
قلت له:
-- اصبر علينا قليلاً، بالله عليك ساعدنا هذه المرة كي نذهب إلى مركز البوليس مرة أخرى.
- إذا كنتما راغبان بالذهاب فعليكما بذلك، و لكنني أعرف هذا الشيء أكثر منكما. في البداية يجب إتخاذ القرار اللازم حول تبعية هذا المنزل أو تغيير حدود المنطقة كلها. و عند ذلك يكون يلي ضرب ضرب و يلي هرب هرب.

ذهبنا إلى مركز البوليس ثانية و هناك بسط الضابط الخارطة على الطاولة و قال:
- هذه حدود صلاحيات الجندرمة يعني أن الحديقة تابعة لهم، أي أن قسم من المنزل يقع ضمن حدود صلاحياتنا الإدارية.
سررت كثيراً من حديث الضابط، لذلك قلت له على الفور:
-- إذاً غرفة النوم تابعة لكم، و هكذا فالمشكلة حصرت بمسؤوليتكم عنها أليس كذلك ؟.
- نعم، نعم و لكن هل لديك دليل أن السرقة تمت في غرفة النوم، و هل دخل اللص إلى غرفة النوم من الجو دون المرور بالحديقة، و كما تعلم فإن الحديقة تقع ضمن صلاحيات الجندرمة، هذه القضية ليست جديدة يا عزيزي و المسألة قيد الدارسة، و فيما بعد سنرى تبعية المنزل لأية جهة أمنية, و بعد ذلك سنقوم بإجراء اللازم.
في أثناء عودتنا إلى المنزل استوقفني جاري الخرفان و سألني:
- الحمد لله على سلامتكم، سمعت أن لصاً سطا على منزلكم.
-- نعم سطا.
- ألم أقل لك أن هذا المنزل مقصد للصوص، و لا أحد يستطيع السكن فيه و لهذا السبب بالذات فأجرته رخيصة، حتى صاحب المنزل لا يستطيع السكن فيه، لذلك قرر أن يهدم قسماً من المنزل و يرجع مترين نحو الخلف، في هذه الأثناء ظهرت على الساحة و استأجرت البيت، و بذلك عدل عن فكرته.
في أثناء حديثنا تدخلت زوجته قائلة:
- الذنب ليس ذنبك، بل ذنب صاحب البيت فهو لا يحسب حساب الخط الحدودي، عندما قام ببناء المنزل، و هل يعقل أن يبني إنسان عاقل منزلاً كهذا ؟
و لكن و بما أننا دفعنا لصاحب المنزل سلفة لمدة عام فلن نخلي المنزل الآن.
فككنا وثاق اللص و جلسنا سوياً لتناول العشاء، و بعد ذلك طلب اللص السماح له بالذهاب على أن يعود ثانية.
لقد أصبح في منزلنا أربعة أو خمسة لصوص زوّار دائمين. و بتنا نقوم ببعض الأعمال المنزلية معاً كي لا يأتي إلينا لصوص آخرون.
و لكن لا أدري ماذا سنفعل ؟!
إمّا أن نبقى هنا حتى نهاية العام، و نصبح في المنزل ثمانية أشخاص، أو نجد حلا لهذه المشكلة العويصة.
و بعد انتهاء دراسة وضع المنزل سوف أرفع دعوى على هؤلاء اللصوص. و لكن مجرد التفكير بهذا الشيء معيب جداً بالنسبة لي, كيف لا، وقد تناولنا الخبز و الملح سويةً. لا، حتى لو تحملت كل المصاريف وحدي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Empty
مُساهمةموضوع: الحظ الســــــــــــــــــــعبد   آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Uhh106/4/2010, 12:39 am



الحظ الســــــــــــــــــــــــــــــــــــــعيد

عزيــــــــــــــــز نيســــــــــــــــــن


مرّ بجميع مكاتب التشغيل بلا استثناء، و الرد الوحيد دائماً " دع عنوانك و سنخبرك عند اللزوم ".
عند عودته إلى البيت، و في كل مرة كانت زوجته تقابله بسؤالها المعهود و الممل: هل وجدت عملاً ؟
و لكن، في هذه الأيام، أن تجد نقوداً في الطرقات أهون من أن تجد عملاً. و كثيراً ما كانت زوجته ترخي العنان لقنابلها الثقيلة:
- لم أر رجلاً مهملاً و أحمق، و عديم الثقة بنفسه مثلك
-- وعدني أحد الأصدقاء بأن يساعدني غداً
- و بماذا سيساعدك ؟ هاه !
-- لإيجاد عمل يا حياتي

لقد خلقت الزوجة من هذا الرجل الملاك أكبر كذاب

- و أي عمل هذا ؟
-- عمل رائع، و عال العال
- فهمنا، و لكن ما العمل ؟
-- العمل يقوم به المرء بقدميه و هو جالس في مكانه !
- و أيّ عمل هذا الذي تتفصح به ؟ !
-- نعم.. العمل على مكنة الخياطة
- وكم سيدفع لك ؟
-- ثلاث مائة ليرة
استفساراتهم و حديثهم السفسطائي و الخالي من الطعم كثيراً ما كان يستمر لساعات طويلة
في اليوم التالي سألته زوجته:
- هل بدأت العمل ؟
-- ذهبت.. و لكن لسوء الحظ فقد توفيت زوجته، الله يرحمها.. و تأجل الموعد إلى يوم الأربعاء.

الأربعاء.... الخميس.... و تتتالى الألاعيب و الأكاذيب لا تنتهي.
و ذات يوم طفح الكيل، كما يقولون، فهددته زوجته:
- تعلمت على الكسل، لذلك إن لم تجد عملاً، فوالله العظيم لن أدخلك هذا البيت
في ذات اليوم وضع عنوانه في أربعة أو خمسة مكاتب. و في المساء عاد إلى المنزل فراح يطرق الباب بطرقات سريعة صائحاً بأعلى صوته..
- البشارة .. البشارة يا زوجتي ؟ تهانينا، وجدت عملاً و بدأت به مباشرةً
فتحت الزوجة الباب سعيدةً بزوجها و هو بدوره راح يحدثها عن هذا العمل بل أخذ يجمله بنظرها لدرجة باتت تصدق ما يقول:
- هيا يا عزيزي نم باكراً، كي لا تتأخر صباح الغد
و في الصباح شيعت الزوجة بعلها متمنية له الخير و النجاح، أما هو فقد أخذ يتسكع باحثاً عن عمل في الشوارع و الحدائق. و عند المساء عاد إلى البيت و راح يصرخ و يهدد مثل كل الرجال. استمرت هذه الحياة المليئة بالأمل لمدة خمسة و عشرين يوماً. و لكن المسكين راح يضطرب أكثر فأكثر مع دنو موعد قبض الراتب.
كان قد أبلغ زوجته بأنه سيقبض ثلاثمائة ليرة لذلك كانت تخطط في سبل صرف المبلغ المحترم.
قال لها:
-- خذي الأولاد، و اذهبي إلى أمك، و في أول الشهر تعودين !
حملت المسكينة أولادها ميممة شطر أمها دون أن تنبس ببنت شفة
أما الرجل النشيط فقد اتخذ قراره في السرقة، عاين الشقة التي سيدخلها
في الليلة الأخيرة من الشهر.. أخذ يتجول حول البناء المذكور، لحظات و انطفأت الأنوار في الشقة المستهدفة، و في الطابق الثاني كانت الأسرة صاحبة الشقة معتادة على الخروج من المنزل في مثل هذا الوقت، إما إلى السينما أو للسهر عند الجوار.
خطة رائعة، و حظ أروع، إذ كان يستطيع الدخول دون وجل، دار خلف البناء، لم يكن هناك من أحد، تسلق جدار الحديقة المنخفض ، تمسك بحديد النافذة السفلية. ثم تسلق ماسورة المياه، و بهذا الشكل لم يكن الصعود إلى الشرفة صعباً. ما هذا القدر حتى باب الشرفة كان مفتوحاً ! دخل الشقة بجرأة و كأنه مالكها، أنارها !, مسح أغراضها بعينيه مستطلعاً الموجودات، لم تكن الشقة تحوي أغراضاً غير صالحة للسرقة، ففي البوفيه و داخل العلب المذهبة كانت الفناجين النفيسة. و كانت الخزائن مليئة بالملابس الفاخرة. مدّ يده مباشرة إلى جيب الجاكيت و سحب حقيبة النقود المنتفخة و المليئة، و تجمدت عيناه عندما وجدها مليئة برزم من ذات الخمسين و المئة، لذلك لم يكن بحاجة للاستمرار باحثاً في غرفة النوم. سحب ثلاثمائة ليرة فقط وجلس إلى الطاولة كاتباً:
" سيدي العزيز, دخلت شقتكم بقصد السرقة، كنت بأمس الحاجة إلى ثلاثمائة ليرة، صدقاً سأعيد المبلغ حال توفره لدي."

وضع القصاصة و خرج من الشقة بسهولة مثلما دخلها، و بذلك سيتخلص من لسان زوجته شهراً و سينام مرتاحاً لأول مرة منذ فترة طويلة
إقترب من منزله فوجد الضوء مناراً، استغرب كثيراً فزوجته في بيت أهلها، ربما عادت ! حسناً سيلقي المبلغ في وجهها و يصرخ كي يثبت رجولته. فتح الباب فجأة أشهر في وجهه المسدس:
- إرفع يديك !!!
بينما اقترب منه شخص آخر قائلاً:
- ولك ! أي إنسان أنت ؟ أما فكرت أن لصاً سيدخل بيتك يوماً ما ! نحن هنا منذ ساعتين و لم نعثر على شيء ألا تخجل !!!
فتشوه فوجدوا المبلغ في جيبه أخذوه و انصرفوا.
أشرقت الشمس و الرجل يفكر بالأكاذيب التي يمكن أن تنطلي على زوجته، طرق الباب، قد يكون الطارق زوجته، فتح الباب وفرائصه ترتعد رعباً، لكن المفاجأة كانت كبيرة, إذ برجلي شرطة ممسكين باللصين !.. إلتمعت عيناه من الفرح.. سأله الشرطي:
- النقود لك ؟
شيء ما تحرق في جوفه، كيف لا وهو السارق أيضاً.
- إن هذين الأحمقين إعترفا أنهما دخلا منزلك و أخذا النقود بالقوة.
إذاً هذه النقود أصبحت من نصيبه و نصيب زوجته.
- و لكن من أين حصلت على هذه النقود ؟
صعق الرجل و تغيرت سحنته من هول ما سمع.
... إذاً عرفوا أنه سارق أيضاً.
- إن النقود التي بحوزتك مزيفة يا أفندي.
تهاوى الرجل في مكانه إثر قول الشرطي.. طلب منه الشرطي أن يرافقهم إلى المخفر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Empty
مُساهمةموضوع: الطفل الذي سيصبح ذا شأن   آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Uhh106/4/2010, 2:33 am





الطفل الذي سيصبح ذا شأن

عزيــــــــــز نيســــــــــــن



عتبت على خالي كثيراً لأنه قال عني عندما أنهيت المرحلة الإعدادية بنجاح:
- هذا الطفل لن يكون له مستقبل باهر.
كلمة خالي مسموعة, و يحسب له ألف حساب, لأنه الوحيد من عائلتنا الذي أصبح ذا شأن.
قلت لهم:
-- سأدرس و سأثبت لخالي خطأ موقفه مني و سأبين له من أنا.
أخبروا خالي بموقفي هذا, و تشبثي بدراستي, و مع ذلك قال لهم:
- هذا الولد لن يصبح رجلاً.
أنهيت كلية الآداب متحدياً خالي الذي لم يغير موقفه مني, بل قال:
- هذا الولد لن يصبح رجلاً.
بعد كلية الآداب و خوفاً من أن لا أجد عملاً, أنهيت كلية الفلسفة.
عندما سمع خالي بذلك استشاط غضباً, ثم راح يرغي و يزبد و يصرخ بأعلى صوته:
- ألم أقل لكم أن لا خير في هذا الولد, لأنه لن يصبح رجلاً.
بالفعل عندما أنهيت كلية الفلسفة ثبت إلى رشدي, و وجدت أن خالي كان على حق, لأن كلية الفلسفة و الآداب لا تؤمنا مهنة يمكن الاعتماد عليها, فلم أجد مهنة استفيد منها في حياتي العملية !.
في هذه الأيام كانت كليتا الطب و الهندسة تدران ربحاً, حتى الفتيات فإنهن عندما يخطبن من أحدهم, كن يشترطن ان يكون طبيباً أو مهندساً.
الهندسة لم أقتنع بها, لأنك عندما تقوم بإشادة بناء, فإن معلم البيتون يضع الطين بدل الأسمنت, و عند عدم توفر مواد البناء فإنه يستخدم التنك بدل الحديد, و عندما يقع صاحب العمارة في ورطة مالية, يجبره على غرز مسامير الحدوات بدل المسامير العادية, و عندما ينهار البناء يتحمل المهندس مسؤولية الانهيار كونه اخطأ في دراسة المشروع.
أما الأطباء فليسوا كذلك, إذ إن الطبيب عندما يخطئ في تشخيص الداء, يصف دواء يتسبب في موت مريضه, يجد المخرج بإلصاق المرض بأسماء لاتينية و يونانية طويلة, لذلك انتسبت إلى كلية الطب. و مع ذلك استشاط خالي غضباً:
- ألم أقل لكم أنه لن يصبح رجلاً ؟.
حسنُ, لم لا أذهب إليه ؟. و بالفعل زرته في بيته و قلت له:
-- خالي, لقد أنهيت المرحلة الإبتدائية بدرجة جيد, و عندما أنهيت المرحلة الإعدادية, سجلوا اسمي في لوحة الشرف.بعد ذلك أنهيت الثانوية بامتياز, ومن ثم حصلت على دبلوم في الآداب, و كذلك في الفلسفة, و ها أنذا أدرس في كلية الطب, فماذا تريد مني أكثر من ذلك ؟, ماذا علي أن أفعل و أنت تتمسك بعبارة " لن يصبح رجلاً " و مازلت تكررها بمناسبة و غير مناسبة ؟!.
سألني :
- حسنُ, و هل أصبحت رجلاً ؟.
-- إلى الآن لا, لكن سأصبح بإذن الله.
- طالما أنك تحمل مثل هذا الرأس و هذا التفكير فلن تصبح رجلاً, حتى لو أنهيت تحصيلك العلمي في ( جامع الأزهر ) أو ( السوربون ) أو ( كامبردج ), و حتى لو أنهيت ثلاث كليات لا اثنتين.
-- لماذا يا خالي ؟....و ما عيب رأسي ؟!.
- اسمعني جيداً و افتح أذنيك, اتدري كم أمتلك من الأموال ؟.
الجميع يعرف غنى خالي, لذلك سكت, بينما هو راح يحصي ما عنده:
- عمارة بعلو ست طبقات, و في كل طبقة شقتان, و عمارة في ( لاهليو ) و أخرى في ( ماتشكا ), كذلك في ( أنقرة ), و مكتب في ( تهطه قلعة ), و بستان في ( أسكي شهر ), و فيلا في ( أرنكوي ), و مخزنان و خمس محلات....
اندهشت كثيراً مما سمعت.
- كل هذا عدا أموالي المودعة في المصرف, ففي أية مدرسة أنهيت تعليمي. هاه ؟
-- على الأغلب في أوروبا..
ضحك ثم أردف قائلاً:
- ليس لدي التحصيل العالي..
-- إذاً أنهيت المرحلة الثانوية..
-انزل, انزل أكثر..
-- الإعدادية..
- و لا الإبتدائية حتى..
دهشت أكثر و أكثر لدرجة أنني افتقدت الكلمات, و لم أعد أستطيع التفوه بكلمة واحدة حتى.
- أتعرف ماذا أعمل ؟.
-- لا, و هذا أيضاً لا أعرفه.
طبعاً هو ليس تاجرأً, و لا متعهداً و بما أنني لا أعرف طبيعة عمله قلت له:
-- لا بد أنك رجل سياسة.
ضحك و قال:
- انا لا مهنة لدي, و لم أرث كي أعيش الحياة بطولها و عرضها, و لم أربح ورقة يانصيب, و زوجتي ليست غنية, شكراً لله لأني لا أعمل عملاً غير أخلاقي.
-- و كيف أصبحت غنياً إذاً ؟.
- هاه, الآن بدأت تفهم, اسمعني جيداً,عمل والدي على تدريس أخي في ( استنبول ), مسكين..إنه مازال متعثراً في حياته إلى الآن.أما أختي فقد تزوجت موظفاً يعمل في قريتنا, يعني والدك, و هم أيضاً سكنوا ( استنبول ), ظروفكم المعيشية كانت متوسطة...تعلمت القراءة و الكتابة أثناء الخدمة العسكرية, ثم رقيت بسبب نباهتي إلى رتبة عريف, و عندما أنهيت الخدمة الإلزامية اشتريت ملابس جديدة, لبس يومها مثل أبناء المدينة, لم أكن أمتلك يومها عشر ليرات حتى, عندما نزلت من القطار في محطة (حيدر باشا ) وجدت حشداً من الناس, فدخلت بينهم و ما زلت داخله حتى هذا اليوم, يومها التقط الصحفيون صوري و أنا في مقدمة هذا الحشد. يومها خصصوا لي جناحاً خاصاً في الفندق, استضافوني, أكلت و شربت, حينها لم أستطع التحدث بشكل جيد لأنني كنت شاباً, عديم الخبرة و الدراية, و لعل هذا ما أعجبهم.
-- ولك يا خالي, ألم يسألوك من أنت, و ماذا تفعل هنا ؟.
- ولك يا أحمق, جميعهم كانوا مثلي, لذلك من ذا الذي له الحق بالسؤال؟......و في اليوم التالي تصدرت صورنا الصحف و تحتها الأسماء, كانت صورتي بجوار كبيرهم, و هكذا تعرف القراء على صورتي و على اسمي, و بدأ الصحفيون يتسابقون لإجراء اللقاءات معي و التقاط صوري, ليتصدر صحفهم عنوان عريض, " شخصية مهمة تخص صحيفتنا بحديث خاص ", و هكذا أصبحت لا أفارق الحفلات و الإفتتاحيات في ( سيركجي ) و قطار ( يشيل كوي ) و ( القصور ).....البعض كان يظن أني واحد منهم, و الآخر يعتقد أني من المعارضة المهمة.كنت أتحدث مع الشخصيات المهمة في البلد دون تكلف, و لعل هذه أفضل طريقة للنجاح, و دون أن أتجشم عناء الإنفاق عليهم, كنت أمد ذراعي على أكتافهم و أتحدث معهم مقهقهاً, لذلك كانوا يعتبرونني من الشخصيات المهمة, حتى أنني في بعض الأحيان كنت أسدي لهم النصح و المشورة, و كثيراً ما كنت أرسل لهم بطاقتي مدوناً خلفها عبارة أخي حسن, افعل الشيء الفلاني, قبلاتي الحارة..... طبعاً لا أحد يرد طلبي, بعد فترة أخذوا يطلبون مساعدتي وأنا بدوري أرسل طلباتهم المدونة على بطاقاتهم إلى من يستطيع تنفيذ ذلك , و أضيف عليها عبارة :
- صديقي علي بحاجة إلى مساعدتك, مع رجائي الحار يا أخي محمد تلبية الطلب... و هكذا يا بني و حتى اليوم, أنا نفسي لا أعرف ماذا أعمل, و لا أنت, و لا غيرك يعرف ذلك, أنا لست رجل سياسة و لا تجارة و لا شيء.يا بني أعضاء البرلمان قد لا ينتخبون ثانية, و رجال الحكومة قد تحجب عنهم الثقة, و المدير العام قد يستقيل أو يُقال, و الأحزاب قد تكون في السلطة و من ثم تكون في المعارضة....أما أنا فواقف على قدمي في كل زمان و مكان. أبناء و بنات الشخصيات المهمة يكون لهم الشرف فيما لو كنت شاهداً على زواجهم, توجه إليّ الدعوات لحضور جميع الحفلات, أنى ذهبت فلي احترامي و تقديري, هل فهمت الآن أيها المعتوه ؟.
-- و ماذا لو نجحت يا خالي ؟.
- ستفشل لأن المدارس و الجامعات أفسدتك و شلّت تفكيرك.
-- حسنُ يا خالي, ألن أصبح رجلاً ؟.
- خذ هذه البطاقة و أعطها لـ **** ...

بسبب تلك البطاقة التي زودني بها خالي أصبحت رجلاً.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Empty
مُساهمةموضوع: الذئب أصله خروف   آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Uhh106/4/2010, 2:50 am








الذئب أصله خروف


عزيـــز نيســـن



في مكان مجهول لا تعرف موقعه بسهولة يعيش راع وأغنامه وكلابه. لكن الراعي لا يشبه الرعاة الآخرين.. فهو لا يعرف للرحمة معنى. ولا يعتقد أن للألم وجوداً.. كان ظالما. يحمل بدل الناي صفارة.. وبيده هراوة. والنعاج - التي يحلبها ويجز صوفها ويبيع أمعاءها ويأخذ روثها ويسلخ جلدها ويأكل لحمها ويستفيد من كل ما فيها - لا يكن لها شفقة أو محبة.. يحلب الأغنام يوميا ثلاث مرات حتى يسيل الدم من أثدائها.. وعندما تشكو ذارفة الدموع من عينها ينهال عليها ضربا على رؤوسها وظهورها.
لم تحتمل النعاج وحشيته فكانت تتناقص يوما بعد يوم.. لكنه ازداد قسوة.. فقد كان على العدد المتناقص من الأغنام أن يعوضه عن كل ما هرب أو مات من القطيع.. وقد فقد الراعي عقله وجن لأنه كان يحصل على حليب وصوف أقل مما كان يحصل عليه. وراح يطارد الأغنام المتبقية في الجبال والسهول حاملا هراوته في يده. ومطلقا كلابه أمامه. كان بين الأغنام خروف نحيف كان الراعي يريد حلبه والحصول منه على حليب عشرين جاموسة.. وكان غضبه أنه لا يحصل على قطرة حليب منه.. لأنه ببساطة خروف. وليس نعجة.. وفي يوم غضب الراعي منه وضربه ضربا مبرحا جعله يهرب أمامه.. فقال له الخروف : «ياسيدي الراعي أنا خروف قوائمي ليست مخصصة للركض بل للمشي.... الأغنام لا تركض. أتوسل إليك لا تضربني ولا تلاحقني ». لكن الراعي لم يستوعب ذلك ولم يكف عن ضربه.. ومع الأيام بدأ شكل أظلاف الخروف يتغير لكثرة هروبه إلى الجبال الصخرية والهضاب الوعرة للخلاص من قسوة الراعي القاتل.. طالت قوائمه ورفعت.. فازدادت سرعة ركضه هربا لكن الراعي لم يترك إليته.. فاضطر الخروف للركض أسرع. ولكثرة تمرغه فوق الصخور المسننة انقلعت أظلافه ونبتت مكانها أظافر من نوع آخر.. مدببة الرأس ومعقوفة.. لم تعد أظافر بل مخالب.
مرة أخرى لم يرحمه الراعي فواصل الخروف الركض فكان أن شفط بطنه إلى الداخل واستطال جسمه وتساقط صوفه.. ونبت مكان الصوف وبرة رمادية قصيرة وخشنة. وأصبح من الصعب على الراعي أن يلحق به.. لكن ما ان يلحق به حتى يواصل ضربه وإهانته. وهو ما جعل الخروف يرهف السمع حتى يستعد للهرب كلما سمع صوت قدوم الراعي أو كلابه. ومع تكرار المحاولة انتصبت أذناه وأصبحت مدببة قابلة للحركة في كل إتجاه.. على أن الراعي كان يستطيع أن يصل إليه ليلا وضربه براحته فالخراف لا ترى في الظلام.. وفي ليلة قال الخروف له : سيدي الراعي.. أنا خروف.. لا تحاول تحويلي إلى شيء آخر غير الخروف.. لكن الراعي لم يستوعب ما سمع.. فكان أن أصبح الخروف يسهر ليلا ويحدق بعينه في الظلام.. ولكثرة تحديقه كبرت عيناه وبدأت تطلقان شررا.. وغدت عيناه كعودي كبريت في الليل.. تريان في الظلام أيضا.
كانت نقطة ضعف الخروف هي إليته.. فهي ثقيلة تعطله عن الركض. لكن.. لكثرة الركض ذابت إليته واستطالت. وفي النهاية أصبحت ذيلا على شكل سوط. ورغم فشل الراعي في اللحاق به فإنه كان يلقي الحجارة عليه ويؤلمه.. وكرر الخروف على مسامع الراعي : «إنني خروف يا سيدي.. ولدت خروفا.. وأريد أن أموت كبشا.. فلماذا تضغط علي كي أتحول إلى مخلوق آخر ؟».
لم يكن الراعي يفهم..فبدأ الخروف يهاجم الراعي عندما كان يحصره في حفرة ما لحماية نفسه من الضرب. وغضب الراعي أكثر.. فضاعف من قسوته بجنون لم يشعر به من قبل.. فاضطر الخروف أن يستعمل أسنانه. لكنه لم يستطع ذلك لأن أسنانه داخل ذقنه المفلطحة. وبعد محاولات دامت أياما بدأت أسنانة تنمو. وفيما بعد استطال لسانه أكثر. واصبح صوته غليظا خشنا. ولم يستوعب الراعي ذلك.. وواصل ما يفعل وبالقسوة نفسها.
ذات صباح شتوي استيقظ الراعي مبكرا ليجد المكان مغطى بالجليد. وتناول هراوته التي سيحث بها نعاجه المتبقية على حليب عشر بقرات وذهب إلى الزريبة. لكن ما ان خرج من الباب حتى وجد بقعا من الدم الأحمر فوق الثلج.. ثم رأى أشلاء أغنام متناثرة.. لقد قتلت كافة النعاج ومزقت. ولم يبق منها ولا واحدة.. وظلل عينيه بيديه ونظر بعيدا فرأى الخروف.. كان الخروف قد مد قائمتيه الأماميتين قدامه وتمدد بجثته الضخمة على الثلج وهو يلعق بلسانه الطويل الدماء من حول فمه. ثمة كلبا حراسة يتمددان على جانبيه دون حراك.. ونهض الخروف وسار بهدوء نحو الراعي.. كان يصدر صوتا مرعبا.. وبينما الراعي يتراجع إلى الخلف مرتجفا قال متمتما : «يا خروفي.. ياخروفي.. ياخروفي الجميل ». عوى الخروف قائلا : «أنا لم أعد خروفا » كرر الراعي ما قال.. عوى الخروف قائلا : «في السابق كنت خروفا. ولكن بفضلك أصبحت ذئبا». وجرى وراءه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Empty
مُساهمةموضوع: الناس يستيقظون   آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Uhh107/4/2010, 3:25 pm







الناس يستيقظون!...


عزيز نسين

كانت مدة سجنه الأخيرة قاسيةً عليه جداً، وكان النفي إلى منطقة ريفية صعباً بشكل خاص، بعد إطلاق سراحه، وحين أكمل فترة نفيه، عاد إلى المدينة ليجد نفسه وحيداً تماماً وسط حشود الناس، فقد طلقته زوجته حين كان في السجن.‏ في موقفٍ كهذا يستسلم المرء لليأس برغبةٍ منه أو من دونها، خاصةً إذا كان أيضاً لا يملك نقوداً يعيش منها... فهل سيضطر للانسحاب من السياسة تماماً ويبحث عن عمل وبذلك يتجنب وقوع كارثة؟...‏
كان عليه، قبل أي شيء، أن يجد له مكاناً يركن رأسه إليه. وكان الإيجار مرتفعاً جداً، لا في مركز المدينة فقط، بل وفي الضواحي. لكنه كان مريضاً ومرهقاً من مجيء مأمور المحكمة إلى بيته عندما يعجز عن دفع إيجاره، ومن النوبات المرضية لآلته الكاتبة المتهدمة، ومن قطع أثاثه المتهرئ العتيق التي تثير الرثاء، وكان متعباً من كونه موضوع قيل وقال جيرانه، ومن اللمحات العدائية في العيون الفضولية المخيفة، ومن النظرات التي تتفحصه كما تفعل الماشية وهي ترى إلى ثورٍ غريبٍ لدى المرة الأولى.‏
كان هذا هو السبب في بحثه الآن عن بيتٍ حقيرٍ رخيصٍ يستأجره بعيداً في مكانٍ لا يجتذب أحداً عند أقصى جانبٍ من المناطق الخارجية.‏
بعد بحثٍ منهكٍ وجد مكاناً كهذا بالضبط. "جيسيكوندو" حقير بغرفةٍ ونصف على بعد ساعتين من المشي تقريباً من المدينة، وكان واحداً من خمس عشرة جاثمةً على تل في منطقة صغيرة جداً، ومتباعدة بعضها عن بعض، الأمر الذي أشعره بالرضا تماماً.‏
كانت الحقيبتان العتيقتان المليئتان بالكتب، وشيءٌ أو شيئان عتيقان آخران، هي كل ما يملك، وقد غطى النوافذ بورق الجرائد التي صنع منها ستائر أيضاً، فياله من حظ طيب! عندئذٍ لم يعد هناك ما ينبغي أن يفعله إلا البحث عن عملٍ عَرَضِي يساعده على تدبير الرزق.‏
كان هناك على مسافة قصيرة من بيته، لكن على الجهة المقابلة تماماً، دكان بقَّال داخل كوخ. وعلى اليسار من دكان البقال تماماً، كان هناك أيضاً دكان فاكهاني في كوخ منحدر السطح أقيم بشكل مستعجل، فراح يحصل على مشترياته من هذين الدكانين. وعقد بذلك تدريجياً صداقةً مع البقال والفاكهاني اللذين كانا متقاربين جداً في حالتهما وكسبهما القليل. فقد كانت تجارتهما ضئيلة للغاية، حيث لم يكن هناك سوى خمسة أو ستة زبونات من النوع الذي لا ينفق إلا القليل، يجيئون إلى دكانيهما في اليوم. لكن لافتقارهما إلى رأسمال لم يكن باستطاعتهما الانتقال إلى موقع أكثر إرضاءً.‏
بعد أيامٍ قليلة من حلوله في "الجيسيكوندو" بدأ بائعٌ يبيع أرغفة الخبز الساخنة أمام دكان البقَّال. وراح منذ ذلك الحين يجيء مساء كل يوم ليبقى هناك إلى أن تهبط الظلمة. وبعد فترة بدأ بائع ثانٍ يبيع خبز الذرة مقيماً إلى جانبه.‏
وعند دكان الفاكهاني، أخذ رجلٌ آخر يبيع الكعك الحلو داخل صندوق مزجَّج، وبمرور الأيام كان هناك صبَّاغ أحذية، وبائع شراب فاكهة متجول، وبعدئذٍ، بائع مربَّى، اتخذوا أيضاً أماكنهم هناك.‏
وفي فترة قصيرة، أصبح هناك سوق مقابل "الجيسيكوندو" الذي ينزل فيه. وراح كناس يكنس بنشاطٍ من الصباح إلى المساء تلك المنطقة، التي امتلأت بكل أنواع الباعة والحرفيين، بل وفتحت مقهى كالحة حقيرة ما بين دكاني البقال و الفاكهاني، وازداد الرواج والمجيء والمرور.‏
وقد استؤجرت كل الغرف الفارغة و"الجيسيكوندوات"ففكر بالحظ الطيب المفاجئ لهذا الجو السعيد الباعث على الانشراح، لكن الأمر لم يكن يعنيه، مادام هو لا يزال عاطلاً عن العمل. كما أنه لم يكن قادراً على البحث عن عمل. هذا إذا تجاوزنا إمكانية العثور عليه، فهم قد يعطونه عملاً، لكن حالما سيعلمون بمتابعة الشرطة له، سيسترجعونه منه.‏
ولم يكن بإمكانه أيضاً أن يستدين من أصدقائه، الذين كانوا مثله مفلسين وعاطلين، ولو كان بإمكانه أن يفعل ذلك، لكان اشترك مع صديقٍ له بغرفة واحدة في شقة بالمدينة، ليتهرب من دفع إيجار "الجيسيكوندو" حيث يعيش الآن.‏
وقد تقبل في الحقيقة اقتراح صديقه هذا، لكن لم يكن من السهل عليه التملص من هنا. فهو مَدين للبقال، وللفاكهاني، ولصاحب حرفة آخر، وعليه أن يرد تلك الديون.‏
وذات مساء، كان جالساً في البيت يفكر بكيفية رد الديون والانتقال، وإذا بشخصٍ ما يدق الباب. كان هناك ثلاثة أشخاص في الخارج: البقَّال، والفاكهاني، وصاحب المقهى. فدعا الزوار الثلاثة للدخول، وهو خجل من فقر غرفته، قائلاً:‏
ـ "أرجو المعذرة، فليس لدي قهوة أو أي شيء آخر أقدمه لكم.".‏
فقال البقال مبتسماً وهو يضع الكيس الورقي الذي بيده على المنضدة:‏
ـ "لا تهتم لذلك، فقد جئنا لأمرٍ آخر، وهذه قهوة وسكر....".‏
أصابه ذلك بالذهول، لماذا أحضروا له هذه الأشياء؟... لقد ظن أنهم جاؤوا لأنهم يريدون نقودهم، ولكن لماذا يأتون بهذه الهدايا؟ قال البقال متسائلاً:‏
ـ "هل صحيح ما سمعناه عن تفكيرك بالانتقال من هنا؟"...‏
ـ "نعم، إنني أعتزم الانتقال....".‏
فهم الآن لماذا أتوا، فلابد أنهم اعتقدوا بأنه سينتقل من دون أن يدفع ما عليه من ديون لهم، فأقلقهم ذلك!...‏
ـ "نعم، لكن أين سمعتم أني سأنتقل؟"...‏
فأجاب صاحب المقهى بهيئة من يدرك الأمر تماماً:‏
ـ "إننا نسمع من أماكن، إننا نسمع....".‏
ـ "لا تقلقوا، فلن أغادر من دون أن أدفع الديون التي لكم علي..".‏
ـ "أخجلتنا أيها الأخ، مَنْ يريد أن يأخذ منك شيئاً؟!"...‏
وأضاف الفاكهاني:‏
ـ "أنا من جانبي لا أطالبك بشيء، لا أريد، ولن آخذ شيئاً على الإطلاق، مهما قدمت....".‏
ـ "لكن لماذا لا تأخذ؟".‏
ـ "لقد جئنا أيها الأخ لنوفيك حق قدرك، فأنت جلبت علينا خيراً كثيراً".‏
وهنا جلس وفي حنجرته عقدة، قائلاً بصعوبة:‏
ـ "لم أفعل ما يستحق الذكر.".‏
كان ذلك يعني أنهم عرفوه، عرفوا شيئاً عن نضاله من أجل الناس، فلماذا أصابه اليأس، لماذا غلب عليه التشاؤم وانسحب من السياسة؟... هل تخلى هؤلاء الناس عنه حقاً؟!...‏
قال صاحب المقهى:‏
ـ "نرجوك أن تتخلى عن فكرة الانتقال من هنا.".‏
وأضاف الفاكهاني:‏
ـ "نعم، هذا ما جئنا نطلبه.".‏
ـ "إنني مضطر للرحيل لأنني لا أستطيع دفع الإيجار.".‏
قال الفاكهاني:‏
ـ "نعرف، إننا نعرف كل شيء، أخذنا في اعتبارنا أصحاب الحِرَف الذين انتقلوا إلى هنا وقررنا أخيراً أن ندبر إيجارك قسمةً بيننا وندفعه كل شهر، وكل ما نطلبه أن لا تغادرنا".‏
وأضاف البقَّال:‏
ـ "لا تقلق بشأن الإيجار. فقط لا تغادرنا".‏
غشيت البهجة عينيه تماماً، وكان من الممكن أن يبكي في أية لحظة. فها هو بعد كل تلك السنوات من النضال ينال حق قدره.‏
قال:‏
ـ "مستحيل، لا يمكن أن أقبله، وعلى كل حالٍ، فليس هناك الإيجار فقط، فأنا عاطل عن العمل، ومن الصعب علي الاستمرار هنا، يمكنني أن أجد سكناً مع أحد أصدقائي".‏
قال صاحب المقهى:‏
ـ "إننا نتحدث عن العمل كله وأصحاب الحرف جميعاً هنا هذه الأيام، وقد فكرنا بكل شيء، حتى موضوع رزقك، ومهما كانت احتياجاتك الشهرية، فنحن سندبر النقود فيما بيننا ونقدمها لك، لكن لا تبتعد عن هنا... لا تتركنا.".‏
كان الثلاثة يتوسلون كشخصٍ واحد، ولو لم يكن قد سيطر على نفسه، لكان قد بكى بالتأكيد. فبصرف النظر عما كان يقوله الناس، فإن هناك تقدماً كبيراً في البلاد، يقظة كبيرة بين الناس، وهذا يعني أنهم لم يناضلوا عبثاً طوال سنوات مديدة، وماكان هؤلاء الرجال، في الأيام الخوالي، ليكرموه كثيراً على هذا النحو.‏
قال:‏
ـ "أشكركم كثيراً جداً. أشكركم. لقد أثرتم مشاعري. لكنني لا أستطيع أن أقبل مساعدتكم.".‏
ومرةً أخرى راحوا يتضرعون إليه. قال البقَّال:‏
ـ "انظر. إنك في غنىً عن هذا المكان، فهو لا يصلح لأن تعيش فيه. فإذا كنت لا تحب هذا البيت، فإن هناك بيتاً بثلاثة طوابق قريباً جداً من هنا، والطابق الأعلى منه للإيجار. ويوجد فيه حمَّام وأشياء أخرى. سنسكنك هناك".‏
وقال صاحب المقهى:‏
ـ "ما نريده هو ألا تكون بعيداً عن هنا، عنَّا.".‏
بدأ يتملكه الفضول:‏
ـ "حسن جداً، لكن لماذا تريدون مني أن أبقى؟".‏
ـ "الأمر واضح جداً، يا صديقي ـ هناك شغل كثير جداً. إننا نتقدم. ولك جزيل الشكر.".‏
ـ "عفواً، لكنني لم أقم بشغلٍ كثير لكم إلى الحد الذي...".‏
ـ "شغلك ليس بشيء... الشغل الحقيقي هو مع الآخرين، لقد جلبت علينا حظاً طيباً. لم يكن هناك قبل أن تأتي سوى ثلاثة أو أربعة زُبُن يأتون إلى دكاني، فأحييتَ أنت المكان مرة أخرى، نوَّرته تماماً. عجباً‍ ما عليك إلا أن تنظر إلى الدكاكين الجديدة التي فتحت!"...‏
قال البقال:‏
ـ "وكل هذا من خيرك.".‏
ـ فأشفق علينا. إذا انتقلت سيحل بنا الخراب، لا محالة، وسيكون عليَّ أن أغلق المقهى.".‏
وهكذا استمروا يتضرعون. إن لديهم زوجات وأطفال. وإن عليه أن يشفق عليهم. هاهم هنا جميعاً متكلون عليه في رزقهم. وإذا اقتضى الأمر، فإنهم سيمنحنونه إعالةً أكثر شهرياً، حتى..".‏
قال:‏
ـ "شكراً لكم. لكن خدماتي ليست كبيرة إلى هذا الحد. يجب أن أشتغل ما دمت بصحة جيدة. ماذا فعلت لكم كي لا تريدون مني أن أرحل من هنا؟".‏
قال البقال:‏
ـ "المسألة هي ما سوف تفعله، فنحن لن ننسى خيرك. فحالما انتقلت إلى هنا، ملأت الشرطة المكان، متنكرين بزي كناس وصباغ أحذية... لإبقائك تحت المراقبة. وبمرور الأيام جاء شرطة آخرون متنكرين بزي أصحاب حرف أخرى. ثم لا يزال هناك شرطة آخرون لمراقبة هؤلاء الشرطة. أصبحت لدينة جلبة هنا".‏
قال البقال:‏
ـ "وقد سألونا أولاً عما تفعله.".‏
وأضاف الفاكهاني:‏
ـ "ثم بدؤوا جميعاً يشترون منا. بعدئذٍ جاء بائع الملابس البالية، ومصلح الأحذية، وبائع الأرغفة الحارة".‏
قال صاحب المقهى:‏
ـ "وفتحت أنا مقهى وبدأت أكسب رزقي، بفضلك أنت يا صديقي... وهم يجلسون هناك حتى المساء يشربون القهوة ثلاثاً وأربعاً، في الأقل".‏
نظر إليهم وهو مستاء جداً:‏
ـ "هل كلهم شرطة؟"...‏
ـ "بعضهم شرطة، وبعضهم الآخر ليس كذلك، فعندما يجيء عشرة أشخاص معاً إلى مكانٍ ما، فإن خمسين شخصاً سوف يتجمعون حولهم، والآن، إذا ما انتقلت من هنا، سيعود هذا المكان إلى حالته القديمة مرة أخرى... سيتبعك جميع الشرطة أينما ذهبت..".‏
قال البقال:‏
ـ "وعندئذٍ يقضى علينا.".‏
وقال الفاكهاني:‏
ـ "أشفق على فقراء معدمين!".‏
وقال صاحب المقهى:‏
ـ "إذا كان لابد من انتقالك، فابق، على الأقل، حتى يكون لدينا رأسمال صغير!".‏
فراح يفكر، سيكون الوضع نفسه في أي مكانٍ آخر. قال:‏
ـ "حسن جداً، لن أنتقل. لكن خذوا هذا الذي جئتم به....".‏
وسلَّم البقال الأكياس الورقية الأربعة التي على المنضدة.‏
قال الفاكهاني، وهو يخرج، متسائلاً:‏
ـ "أيمكنني إيصال هذه الأنباء الطيبة إلى أصدقائنا الآخرين؟".‏
ـ "نعم، لن أنتقل... لكني لا أريد أي شيء منكم.".‏
قال صاحب المقهى:‏
ـ ليباركك الله!".‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Empty
مُساهمةموضوع: من هو عزيز نيسن ؟   آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Uhh107/4/2010, 10:31 pm





عزيــــــــــــــــــــــــز نيســـــــــــــــــــــــــــــن


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
حياته واعماله:

هو محمد نصرت نيسن اهم كاتب تركي تقدمي معاصر ولد في كانون الاول 1915 في احدى الجزر القريبة من استانبول الواقعة في بحر مرمرة بقي مستمرا في الكتابة الساخرة حتى ناهز الثمانين من عمره حيث توفي في اوائل تموز 1995 وقد بلغت اعماله اكثر من 100 عمل في شتى الوان الابداع .
هو من عائلة معدمة, انهى الاعدادية العسكرية عام 1935 ودخل الكلية الحربية وتخرج منها عام 1937 وفي عام 1939 تخرج من الكلية العسكرية الفنية برتبة ضابط في الجيش وفي اثناء متابعته في الكلية العسكرية درس في كلية الفنون الجميلة مدة عامين وهكذا جمع في شخصه شخصيتي عزيز نيسن العسكري والاديب والظريف والفنان وعاشق الجمال .
يعتبر عزيز نيسن مع يشار كمال وناظم حكمت من اهم الرموز الادبية التركية لكنه لم يكن ضمن التيار الذي يمثله ناظم حكمت ويشار كمال بل كان مناضلا وطنيا تنويريا ديمقراطيا مستقلا . يعتبر مارك توين تركيا ويعتبر احد ابرز ممثلي الهجائية الساخرة في العالم, نال جوائز عديدة عن قصصه الساخرة التي ترجمت الى اللغات الحية .
(موضوعاتي كلها استقيها من الحياة التي اعيشها, هناك اوضاع انسانية لايمكن المرور عليها مرور الكرام اوجاع والام ومشاكل صخب حياة وظلم وتخلف وامراض عديدة ودوري ككاتب هو تكثيف هذه الحالات والتفاعل معها وصبها في قوالب ادبية علها تبقى في وجدان القارئ كي توجهه نحو خلاصه وخلاص غيره من الناس) هكذا تحدث عزيز نسن في احدى حواراته الصحفية .
عانى عزيز نسن وقاسى واعتقل وسجن ووضع تحت الرقابة في كل العهود تقريبا نشرت قصصه القصيرة في صحيفة MILLET واشعاره نشرت في YEDIGUN اشتغل في عدد من المهن ليكسب قوته وعمل بقالا لفترة من الزمن , عمل فترة في مجلة YEDIGUN ثم عمل مديرا لجريدة KARAGOZ الارجواز.
في كانون الثاني عام 1946 تمكن بالتعاون مع الاديب التركي المعروف صباح الدين علي من اصدار جريدته الشهيرة MARKO PASA ماركو باشا وفي عام 1947 حوكم امام محكمة عرفية عسكرية وحكم عليه بالسجن عشرة اشهر وبالنفي الى بورصة ثلاثة اشهر بسبب مقالة كتبها انتقد فيها مبدا الرئيس الامريكي ترمان وتهجم فيها على القرض الامريكي لتركيا في ذلك الحين وقال بوجوب رفض تركيا لهذا القرض .
ومن الطبيعي ان تمنع MARKO PASA عن الصدور مع اعتقال صاحبها لكن عزيز نيسن لم ييأس فاصدر جريدة فاصدرته باسم MAALUM PASA معلوم باشا وهكذا كلما اعتقل راحت الجريدة تغير اسمها .
فلما اغلقت MAALUM PASA تغير اسمها الى MERHUM PASA وبعدها جريدة ALI BABA وبعدها جريدة BIZM PASA .
في عام 1950 حكم عليه بالسجن سته عشرة شهرا بسبب ترجمته التي لم تطبع من كتاب كارل ماركس وترك الجيش 1944 برتبة ملازم اول.
انتخب عزيز نسن نائبا لرئيس اتحاد الادباء الاتراك في عام 1967 ثم رئيسا لنقابة الكتاب الاتراك ومن الجوائز العالمية التي نالها :

1- جائز السعفة الذهبية من ايطاليا عام 1956
2- جائز السعفة الذهبية من ايطاليا عام 1957
جائز ة القنفذ الذهبي من بلغاريا عام 1966
3- جائزة التمساح الاول من الاتحاد السوفيتي عام 1969
4- جائزة اللوتس الاولى من اتحاد كتاب اسيا وافريقيا عام 1975



وفي تركيا :

1- نال عام 1968 الجائزة الاولى في المسابقة التي اجريت في تركيا لذكرى الشاعر قراجة اوغلان
2- نال جائزة المجمع اللغوي التركي على مسرحيته المعروفة جيجو عام 1969 .

ومن المؤتمرات العالمية التي شارك :


1- مؤتمر اتحاد كتاب اسيا وافريقيا 1966
2- مؤتمر اتحاد الكتاب السوفييت في موسكو 1967
3- مؤتمر اتحاد كتاب اسياوافريقيا في لواندا عاصمة انغولا 1979 0
4-مؤتمر اتحاد كتاب اسيا وافريقيا في هانوي عاصمة فيتنام 1982 .

انشا عزيز نسن وقفا باسمه نذر له ريع اعماله الادبية مهمة الوقف رعاية الاطفال الايتام حتى اخر مراحل الدراسة الجامعية وفي هذا الصدد يقول عزبزنيسن لقد عشت طفولة معذبة اذ عشت في ملجا للايتام واعتقد ان حياتي كلها من صنع هذا الملجا فلولا رعايته لما كان هناك عزيز نسن .


اثاره الادبية :
الرواية :ZUBUK الفهلوي
OLMUS ESEK المار الميت
GOL KRALI الهداف
TEK YOL الطريق الوحيد
TATLI BETUS بتوش الحلوة

المسرحية :
UC KARAGOZ OYUNU ثلاث مسرحيات اراجوزية .
BIRAZ GELIRMISINIZ هل تاتون قليلا .
TUT ELIMDEN ROVNI امسك يدي يا روفني .
HADI OLDURSENE C****OM هيا اقتلني ياروحي .
DUDUKCULERLE FIRCACILARIN SAVASI حرب المصفرين وماسحي الجوخ .
BES KISA OYUN خمس مسرحيات قصيرة .

القصة القصيرة :
DAMDA DELI VAR مجنون على السطح .
MEMLEKETIN BIRINDE في احدى الدول .
BIR KOLTUK NASIL DEVRILIR .
KOR DOGUSU صراع العميان..
HANGI PARTI KAZANACAK? .


هذا هو عزيز نيسن الكاتب العالمي الهجائي الساخر الناقد الرافض الغاضب القاسي المداعب الفنان المرح الظريف الشاعر المتالم الانسان الذي استقى موضوعات اعماله كلها من الحياة التي عاشها كواحد من ابناء عالمها الثالث راصدا الاوجاع والالام والمشاكل والظلم والتخلف والذي رحل عنها في اوائل تموز عام 1995 مخلفا لنا هذا الكم الهائل من الاعمال الروائية والمسرحية والقصصية الهاجية بهجاء ظاهره المرح وباطنه الغضب والرفض والسخط والتمرد .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
abdullahkhattab




ذكر
المواضيع والمشاركات : 1
تاريخ التسجيل : 08/04/2010

آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Empty
مُساهمةموضوع: مشكور اخ ماهر على هل الخربوشه الحلوه   آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Uhh109/4/2010, 12:12 am

مشكور اخ ماهر على هل الخربوشه الحلوه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Empty
مُساهمةموضوع: الفئران تأكل بعضها !!!   آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Uhh109/4/2010, 9:03 pm





الفئران تـأكل بعضها !!!!


عزيــز نيســن




في احد الازمان واحد البلدان ... لا, الحكاية لا تصح هكذا , تصح اذا حددنا الزمان والمكان .
الزمان : بعد الميلاد .
المكان : مكان ما في هذا العالم .
هاقد صار الزمان والمكان معروفين .


لنات الى الحادثه , في المكان الذي ذكرناه , والزمان الذي حددناه , كان ثمة مخزن كبير . المخزن كان مملوءاّ بما يؤكل , يحرق , يلبس , ..يغسل . كل شيء مفصل مرتب.
الخضار اليابسة كالحمص والفاصولياء والفول ... في طرف , الحبوب كالذرة والارز والشعير ..في طرف ... والاحذية والالبسة في طرف آخر .


كان يدير المخزن المحدد المكان والزمان , مدير ناجح, في يوم لم يعد يعرف المدير الناجح ماذا يعمل , الفئران احتلت المخزن . الماكولات صارت تتناقص. الفئران قرضت الجبن والخبز المقمر .


المدير الناجح لا يجلس ويداه على خصره ابداَ, حارب الفئران بكل ما أوتي من بأس , لكنه وبالرغم من كل ما بذله , لم يكسب الحرب . الصابون وقطع الجبن تتناقص يوما بعد يوم , الملابس اصبحت مثقبه ومهبرة , أعشاش الفئران بنيت داخل اكياس الطحين ..
لم يبق اطمأنان على سلامة المخزن من الفئران التي أخذت تسمن وتسمن وتعجعج وتتكاثر كلما اكلت من الحبوب والاطعمة , غصّ المخزن بالفئران , واحتل جيش منها المخزن الكبير .. بدا انه حتى الوقوف بالمخزن مستحيل .. لم تكتفي الفئران بالتهام المأكولات وقرض الملبوسات وقضم الجبن والسجق , بل انها راحت تسن اسنانها واظافرها بالجلود والاحذية والخشب ..
اصبحت الفئران من وفرة الغذاء , بحجم القطط ,, ومع الزمن بحجم الكلاب , كانت لا تهجع ابدا تتراكض وتتلاعب وتنط في المخزن .. وفوق ذلك سدت اكثر اماكن التهوية والانارة والجمال فيه ..


المدير الناجح استمر في حربه مع الفئران دون هوادة ..

وضع اكثر أنواع السموم مضاء كل جهة وكل صوب ... لم يستفد شيئا ... لا بل ان الفئران اعتادت على السم المقدم لها .. لانها كانت تنتشي بتناولها كما ينتشي الانسا ن المعتاد على سموم النشوة , وبدات مع مرور الزمن تطلب السم اكثر .. واذا لم يقدم لها هذا السم .. مع الزيادة عن اليوم السابق .. كانت تدب على الارض بارجلها فتكاد تهد المخزن .
جمع مدير المخزن أفضل أنواع القطط وفلتها في المخزن ليلا ..وفي الصباح وجد وبر القطط المسكينة وبقايا عظامها , لم تستطع القطط مجابهة الفئران , ولم يقتلها اقوى السموم .
بدا المدير الناجح بصلي افخاخ كبيرة .. وصار ... يحدث ان يقع بعض الفئران فيها في الفخ ... لكن اذا وقعت خمسة فارات في الفخ ليلا ... فانها تلد ما لايقل عن عشرين او ثلاثين فارا في النهار .


وفكر المدير ... اهتدى الى طريقة فريدة : صنع ثلاث اقفاص جديدة .. رمى في كل منها ما كان يقع من الفئران الحية في الفخ ..امتلا كل قفص من الاقفاص بالفئران .. لم يقدم للفئران طعاما او اي شيء.. اختارت الفئران التي باتت على الطوى ثلاث أيام , خمسة ايام , اختارت الفئران الاضعف بينها , قطعتها اكلتها اشبعت بطونها .. وبعد وقت جاعت ... بدات تتصارع ... وبنتيجة صراعها الدامي هذا ... سطت على واحدة منها .. حنقتها ,, قطعتها ... اكلتها ..وهكذا اخذ عدد الفئران يتناقص مع مرور الايام .. تبقى الفارة الاكبر , صاحبة العزم الاقوى , وتتقطع الفارات الضعيفات ويؤكلن .


تحولت الاقفاص المملوءة بالفئران الى ساحات حرب حقيقية ... بقي في كل قفص من الاقفاص الثلاث ثلاث الى خمس فئران ... الفارات الباقيات صرن يترامين على بعضهن ويتعاضضن ..قبل ان يشعرن بالجوع ..ذلك ان الواحدة منهّن اذا لم تفتك بلاخرى فان الاخرى ستقطعها تقطيعا ..
لذلك صارت كل فارة من الفئران من اجل حماية نفسها تستغل فترة نوم او سهو الفارة الاخرى لتنقض عليها وتخنقها وتقطعها ... واكثر من ذلك ... صارت تتحد فارتان او ثلاث في كل قفص ويهاجمن اخرى .. وتلك المتحدة في المطاف الاخير ... تتحاين الفرصة لياكل بعضها الاخر ...
اخيرا بقي في كل قفص فأرة واحدة : الاقوى , الاذكى , الاكبر , الاكثر صمودا ...
عندما بقي في كل قفص فارة واحدة ... فتح الرجل أبواب القفص وفلت الفئران الثلاثة داخل المخزن .. واحدة واحدة ...؟؟
بدات تلك الفئران الثلاث , الضخمة , المغذاة ... المتوحشة , المعتادة على اكل بنات جنسها , تنقض على فئران المخزن .. مهما بلغ عددها , تخنقها وتقطعها وتلتهمها .. ولكونها توحشت ... صارت تاكل ما ياكل من الفئران وتقتل الباقي من اجل حماية نفسها ... كيلا تخنقها وتلتهمها الفارات الاخريات ...
وهكذا , وحلال مدة قصيرة... تخلص المحزن الآنف الذكر من الفئران ...


الحكاية انتهت هنا ...
سؤال اوجهه لكم ايها القراء الاعزاء:

===================

كيف خطر في بال المدير الناجح هذا المكر الذي لا يخطر ببال الشيطان ؟؟
كيف اهتدى الى اسلوب الخلاص من الفئران وذلك باطعامها بعضها البعض ؟؟؟



الجواب :
لان مدير المخزن كان الفأر الاقوى الذي بقي سالماَ بنتيجة تآكل ابناء جنسه . لقد اصبح مديرا لذلك المخزن عن طريق أكل وقتل اصدقائه ... طبق على الفئران اسلوب حياته الخاص ... الناجح .

++++++++++++++++++++++++

النتيجة : الفئران تاكل بعضها .


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Empty
مُساهمةموضوع: السيدة قردة   آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Uhh109/4/2010, 9:09 pm





السيدة قردة

عزيـــز نيســن




كان في القفص أكثر من عشرة قرود, وكن يقمن بحركات على العصي العرضانية, تشبه الحركات اتي يؤديها لاعبي الجمباز.كانت إحداها تجلس طرقة وكأنها (المفكر)لرودان. لم استطع تمييز القرد الكبير هذا عن الشمبانزي,تبادلت معه النظر فترة طويله : – هل تسمحون ؟
كنت سائرة قرب القفص ولامر ما عدت . – أقول لكم يا سيدي..هل تسمعوني دقيقة ..؟؟
كان المتكلم هو ذاته القرد الذي كان صافنا .. – هل انت من يتكلم ؟ – دخيلك بهدوء.. لألا يسمعنا مربي القرود فيمنعني عن الكلام . – لكنم تحكون كالبشر.
-طبيعي فنحن بشر .
-كيف ؟ هل انتم بشر؟ مادام الامر كذلك , ماذا تفعلون بالقفص؟
-لست اول بشري يدخل القفص ياه..البعض يتزوج فيدخل القفص.. والبعض الآخر يدخل في قفص جدول الرواتب ... الم تدخلواالقفص قط ؟ – لا تنظري الي فانا كاتب ساخر وعندما نصل اليها , فسيقولون لي ( حتى السبع يدخل القفص) ويزقومني بالسجن. – السيد كاتب ساخر لي عندكم رجاْء. – تفضل يا سيد قرد .. – انا لست سيدا ... انا سيدة .. – اني اسمعك يا سيدة قردة.. – قلت لك اني لست قردة ... انا بشر ... – وما عملك هنا انا لست افهم ..؟؟؟ – هذا ما ساحكيه لك ..:انا احب السينما كثيرا . كنت في يوم من الايام معجبعه بجريتا جاربو.. بدأت بجياة عجيبة,مثلها . تركت شعري ملخبطا على كتفي . لو رايتموني في تلك الفترةبعدها جذبتني مارلينا ديتريش فرققت حاجبي بالملقط وتشبهت بها..دهنت وجهي ببودرة صفرة السل مثل مارلينا ديتريش , صرت اشد خدي من الداخل , مثلها تماما, ثم ظهرت زارة ليونارد , فرحت أقلدها , أسرح شعري مثلها , وأغني بصوت مخنوق مثلها. – ارجوك سيدتي ... لماذا اتيتم هنا ..؟؟ – ها انا احكي لك ... بعد زارة ليونارد تشبهت ب كلارابو....صبغت شعري بلاسود الغامق .ونحزمت بالكورصة حتى ألاقق خصري ..وعملت حاجبي رقييقين للغاية ..ولما ماتتجين هارلو – مع الاسف – بحادث طيرة ..اصبحت فيرونيكا ليك موديلي المفضل صار شعري يغطي احدى عيني ..مثل فيرونيكا تماما ..وصرت أطلي شفتي الكبيرتين المكتنزتين بلاحمر الغامق مثلها ..؟؟ – ارجوك سيدتي ما الذي تريدينه مني ..؟
-لو تسمعون لي خمس دقائق فستعرفون ما اريد .. مرت موضة فيرونيكا بسرعة..لمعت اليزابيت تايلور, فأخذت اصبغ نفسي مثلها .. عملت شعري خصلا خصلا ... مثلها , صار من يراني يقول : اليزابيت محلية ..!! لكن ... عندما تزوجت ريتاهايورايث من آغا خان , صبغت شعري بلاحمر ..ورسمت على وجهي شامات ... مثلها بالضبط ..ولما تزايدت سرعة مارلين مونرو بالظهور ..بدلت هيئة وجهي وجسمي على موديلها فصار من يراني يقول (مارلين مونرو__نا (. – عن اذنكم انا مستعجل عندي شغل .. – قصتي على وشك الانتهاء ..؟؟ارجوك قدم لي معروفا ..؟ – بسرعة رجاءا.. – لو انكم شاهدتموني ايام ظهرت اوردي هيبيرون كل شيء في اصبح مثلها ...من شعري القصير كشعر الرجال ..حتى.. كل شيء..لكن جينا لولو بريجيدا غيرت كل شيء.. – فهمت اصبحت تشبهين جينا ثم قلدت صوفيا لورين .. – صح , كيف عرفت ذلك . وفي الاخر شبهنت نفسي بجريس كيلي صرت اصبغ نفسي على طرازها ..وارتدي قبعات ثقيلة كما تفعل وهكذا وفجاة قبضوا علي .. – لماذا قبض عليكم ...؟؟ – نعم في يوم كنت ماشية في الشارع . قبضوا علي وجاؤوا بي الى هنا ..صحت بهم انا بشر ... لكنهم لا يسمعونني.. – لو انكم راجعنم المحكمة .. – راجعنها . ارسلوني الى خبير معتمد ..الخبراء المعتمدون قدموا تقريرهم على اني قردة ..والان: رجائي منك : من هي آخر نجمة سنمائة مشهورة اليوم ..؟؟كيف تلبس؟كسف تصنع مكياجها ..؟؟كيف شعرها ؟ كيف تقف ؟ كيف تحكي ؟
وهنا مر بي مربي القرود وصاح بالقردة التي كانت تحادثني: – أنت جديد ؟ أمن جديد ؟ اما زلت تقولين لهذا وذاك انك لست قردة .؟؟
واخذ بضرب الحيوان المسكين بالعصا ..امسكت مربي الحيوانات وقلت له : ما تفعله مخالف للقانون .. كيف تضرب انسانا ؟؟؟
قال مربي الحيوانات : – يا سيدي وهل صدقتم كلام هذه القردة ؟ ارجوكم انظرو الى هذا الوجة ..الى تفاصيل وجهها .. هل فيها شيء لا يشبه القردة .؟؟ اليس هذا وجه قردة الخالق الناطق ؟ وهل بقيت بينها وبين الانسانية صلة ؟
نظرت في المرأة في القفص بتمعن .. ان المربي على حق قلت – نعم انها قردة . – طبعا قردة . لقد عاينها كل الاساتذة والاطباء والبيطريون وقدموا تقاريرهم على انها قردة ..
وبينما كنت ابتعد كانت السيدة قردة ترد: – آه ..من هي النجمة الاولى اليوم ...ارجوكم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Empty
مُساهمةموضوع: شهادة ميلاد   آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير  لـ ( عزيز نيسن ) Uhh109/4/2010, 9:25 pm





شهادة ميــــــلاد


عزيــز نيســن


ذهبنا مساء أحد الأيام إلى مقهى القرية وكان مزدحما وعند دخولنا نهض الجميع ورحبوا بنا وسلموا علينا فردا فردا وبعدها تابع العجوز الجالس في الزاوية حديثه الذي قطعناه بدخولنا كالتالي :
( المهم أن ( مولود ) تزوج ورزق بطفل
لكن هذا الطفل توفي قبل أن يكمل الأربعين يوما
ثم رزق بطفل آخر ولكن القدر عاجله أيضا .
قال مولود لزوجته : إذا توفي الطفل القادم , فإني سأطلقك .
لكن مأساة )(مولود ) استمرت وتزوج أربع نساء ولكن أطفاله كانوا يولدون أمواتا ...
قال له موظف النفوس :
- إن أولادك يموتون لأنك لا تسجلهم فور ولادتهم
ولذلك عليك هذه المرة تسجيل الطفل فور ولادته
لكن هذه الطريقة لم تنفع ومات الولد أيضا .
كاد ( مولود ) أن يصاب بالجنون و قصد شيخا أشار له بان عليه أن يجد سبع فتيات يافعات و يطلب منهن غزل خيط من القطن عند الفجر .
نفذ مولود ما طلب منه وربط الخيط على بطن زوجته كما قال الشيخ , الذي أخبره أن عليه تسمية الطفل القادم : (منذور ) .
وفعلا ولد الصبي وسماه ( منذور) ولكن الطفل لم يمت هذه المرة
وحيث أن مولود ملّ من كثرة شهادات الميلاد
فإنه لم يخرج واحدة ل ( منذور ) وقال هناك على الرف شهادات كثيرة و عندما يكبر الطفل يختار منها ما يعجبه .
كان (مولود ) رجلا كثير الأرزاق من أراضي ومواشي وكان ابنه ( منذور صغيرا لا يتجاوز السنتين و إذا استأجر له خادمة فستطلب مالا كثيرا .
فكر مولود كثيرا ورأى أن من الأنسب تزويج ( منذور ) فعثر له على فتاة ثلاثينية قوية , لكن والدها رفض تزويجها (عرفي) و رفض إلا أن يكون الزواج رسميا عند الحكومة ؟
رضي مولود بالزواج عند الدولة لكن ما الحل و (منذور ) لا يزال طفلا يحبو ؟
استشار محاميا, فقال له بسيطة , علينا زيادة عمر (منذور ) ... .
ومما حدث في نفس الفترة أن الدرك حضروا للقرية لسؤال مولود عن أبنائه لأداء الخدمة العسكرية فقال الدر كي :
- ولك يا مولود أغا , أَخرِج الأولاد , إي عندك خمسة , وكلهم متخلفين عن الفحص الطبي الأول ولديك أربعة فارين من الخدمة وعقوبة المتستر على الفراري كبيرة ها .
أجاب مولود :
- ولك أيّ أولاد يا رجل والله ما عندي إلا هالصبي منذور ( شو عمتحكي أنت )؟
قال الدركي :
أعطيني شهادة ميلاده ؟
مد مولود يده للرف و اخرج أية شهادة لا على التعيين .
قال الدركي :
- ولك مولود أغا , هذا الصبي فار من العسكرية
- كبّر عقلك يا رجل ( ليش هدا قادر يحمل بارودة بتطلع قدوا مرتين ؟
وأخيرا ذهب مولود وشاور المحامي , فقال له :
- إيه بسيطة هذه المرة لازم نصغر عمر (منذور )
وحيث أن وقت المحكمة كان وقت حصاد فقد أحضر مولود ثلاثة شهود تكفل بطعامهم وشرابهم وأجرتهم ومثلوا تباعا أمام القاضي :
وبعد التحقق من هوياتهم سأل القاضي الشاهد عن عمر (منذور ) أجاب الشاهد :
في السنة التي بدأت الحكومة بجمع ضريبة الري ولد منذور ؟
- القاضي يعني أي سنة
- الشاهد هي السنة نفسها التي حجزت فيها المالية على المواشي لأننا لم نكن نملك ضريبة الري
- القاضي فهمت يعني أي سنة ؟
- الشاهد ولد مولود في هذه السنة حين تم الحجز وكان ذلك عندما حضر الدرك على الضيعة وأخذو أبن الحج ماميش .
- القاضي : يا أبني أعطيني تاريخ شو ما بتعرف التاريخ ؟
- الشاهد طبعا وكيف لا اعرف كان ذلك عندما طعن أحمد جاره الياس الأعور لأنه قطع الماء عن أرضه .
- طيب قل لي زمن هذه الحادثة ؟
- سيدنا هي السنة التي وقع فيها الجفاف و أقمنا فيها صلاة الاستسقاء ودعاء الرحمة .
- طيب فهمنا , أليس هناك تاريخ محدد سنة أو شهر ؟
- نعم توجد سنة ـ هي السنة التي قطع والدي المرحوم – الله يرحم أمواتكم و أمواتنا أجمعين – حملا من الحطب فأمسكت به ( الحراجية ) .
المهم وبعد أن نشف دم القاضي فهم ما يجب فهمه و أصدر قراره بناء على شهادة الشهود بتصغير عمر ( منذور .
كان الحاضرون في المقهى يستمعون بشوق للقصة فتســـــــائـلـــوا ؟
- وهل زوجوا (منذور )
الراوي العجوز قال لهم في الواقع أن مولود كان شخصا بخيلا جدا فحاول توفير المال وأحضر نفس الشهود وجعل الدعويين في نفس اليوم
وبعد أن فرغ القاضي من الدعوى الأولى
وفي ذات النهاربعد عدة ساعات بدأت المحكمة الثانية لتكبير عمر ( منذور )
وكان المحامي قد حفّظ الشهود ماذا سيقولون
فبدأ الشاهد الأول يتلو ما حفظه :
- سيدي القاضي , قبل 45 سنة تماما وفي الخامس من نيسان وفي يوم الجمعة وفي الساعة الثالثة وثمان دقائق تماما بعد منتصف الليل
كنت مارا من أمام بيت مولود وسمعت صرخة ( منذور الأولى ) .
- القاضي : أنا نفسي لا أعرف تاريخ ميلاد ابني بهذه الدقة
فكيف تستطيع أنت وصفها بهذا التحديد الدقيق ؟
- أنا أعرف يا سيدي .
- ألست أنت من شهد في الصباح من أجل تصغير عمر (منذور )؟
- نعم أنا سيدي القاضي , ولكن ذلك موضوع آخر
- نظر القاضي إلى تاريخ ميلاد الشاهد وقال :
- يا من لا تخاف الله , ولا تستحي من العبد .
أنت عمرك 24 سنة فكيف تشهد بشيء حدث منذ 45 سنة ؟
- سيدي القاضي أنا أشهد لوجه الله ولا أقول أني رأيت بعيني بل إن جدّي أخبر خالتي و زوج خالتي تكلم في المقهى من زمان ومن كان في المقهى أخبرني بذلك .
نادى القاضي على الشاهد الثاني
وبدأ الشاهد يتلو ما حفظه بطلاقة :
- سيدي القاضي تماما تماماً قبل 45 سنة كان الخامس من نيسان في يوم الجمعة وبالضبط بعد منتصف الليل كانت الساعة ......
- نادى القاضي الشاهد الثالث فقال هذا الأخير أيضا :
- سيدي القاضي , تماما قبل 45 سنة كان الخامس من نيسان ..
هنا طرد القاضي الجميع من المحكمة و حدث ما حدث .....
تساءل كل من في المقهى : ألــــــــــم يزوجــــــــــوا ( منذور ) ؟
تمطمط العجوز :
- وهل يعقل ان لا يتزوج , لقد رضي أبو العروس بكتابة الكتاب ( براني ) عند الشيخ مقابل أن يضيف والد العريس زوجا من البقر على المهر .
وكما تعلمون وبما ان شهادة شاهدين تشنق رجلا فإن الشيخ الذي عقد القران استمع للشاهدين وقال في نفسه : (ذنب هذه الزيجة في عنق هذين الشاهدين ) أنا ما دخلني .
وهكذا تم عق القران وزوج مولود ابنه (منذور) بإمراة قوية كالبغلة
تركض للأرض وتركض إلى الطاحون , وتجلب الحطب من الجبل
وبنفس الوقت ترعى ( منذورا ) تغسله وتضعه على حضنها وتنام .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
 
آه منا نحن معشــــــــــــر الحمير لـ ( عزيز نيسن )
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
خربشات الثقافية :: خربشـــــــات على حيطان المكتبة :: أعلام في الإبداع-
انتقل الى: