خربشات الثقافية
قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Eniie10

خربشات الثقافية
قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Eniie10

خربشات الثقافية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
Kharbashatnetالبوابةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولتسجيل دخول الأعضاء

 

 قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف )

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Empty
مُساهمةموضوع: قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف )   قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Uhh107/4/2010, 7:17 pm







قصة حب مجوسية
عبدالرحمن منيف



العتبــــة


لا أطلب منكم الرحمة، ولا أريد عطفكم. أذا كنتم محسنين فامنحوا صدقاتكم للمتسولين. أنا لست متسولاً ولا مسكيناً، كما لا أعتبر لصاً او قاطع طريق. ومع ذلك فان لي مشكلة. ومشكلتي ، دون كلمات كبيرة، ان الألم يعتصر قلبي ، ليس هذا جديدا بالنسبة للحياة التي أعيشها ، لكن الأمر ، في لحظات معينة، يبلغ حداً لا أستطيع أحتمالهز ومادام الأمر هكذا ، فأن الكلمات ـ في بعض الأحيان، وسيلة لانقاذي. لست متأكداَ. أتصور ذلك ، ويحتمل أن يكون الحديث ، خاصة معكم، ألماً جديداً ، أتلقاه من عيونكم الميتة الساخرة ، لا يهم ، قولوا أي شيء ، ومع ذلك يجب أن أتكلم.
تقولون أحلام؟ مراهقة؟ حرمان؟ يمكن ان تقولو أي شيء . ما أحسه ، حباً حقيقياً. اذا تذكّرت أرتعش ، أحزن ، تدوي في رأسي أفكار لا حصر لها. وبعض الأحيان تجتاحني رغبة للبكاء.
ذات مرة ، أخذت أروي القصة لصديق. قبل أن أنتهي
ابتسم. ابتسامة بين الاشفاق والسخرية. ولما قلت له بتأكيد
أخرق((أني أحبها)) أجابني بهدوء لزج مدمر ، وهو يطبطب على يدي:
- احرص على أن لا تتحدث عن ذلك ، مرة أخرى خاصة مع غيري.
صرخت وقد تملكني الغضب:
- ولكني أحبها0
وظلّت نظراته الباردة تخترقني . شعرت بنفسي عارياً ذليلاً.
دهشت أول الأمر، فقد كنت أتصوره الأنسان الذي أبحث عنه لأبوح له بهذا العذاب، لكن ماكدت أرى هدوءه، ثم أبتسامته الساخرة، حتى با لأنسحاق . صمت . عندما رآني طعيناً مهزوماً استدرك . أخذ يحاول الابتسام بطريقة مختلفة، لكن كل شيئ قد أنتهى.
وبطريقة حكيمة وباردة انزلقت من فمه كلمات جديدة:
- تمر على الانسان حوادث كثيرة، والعاقل من يتخلص من الأوهام بسرعة!
صرخت وقد عاودني الغضب مرة أخرى:
- ولكن ما أحس به ليس وهماً. انه الحقيقة، أنه أكثر واقعية من وجودنا ، نحن الأثنين.
وفجأة شعرت بنفسي أمتليء تحدياً وأنا أضيف:
- تأكد أني سأراها0
وأصاب لهاثي عطب مفاجىء . خرج صوتي مسكيناً وأنا أقول:
- وقد نعيش الأيام الأخيرة من العمر معاً!
تنفست بصعوبة لما قلت هذه الكلمات ، تطلعت اليه لأرى وقعها. اعتكر وجهه وكأنه رأى في عينيّ بريقاً ملوناً من الخوف والشك ورغبة النتحاب.
قال وابتسامة السخرية والشفقة تترافقان:
- اذا كنت تفكر بهذا فأنت لست حالماً فقط، بل وتحب ان تعيش في الأوهام!
وبدأ يتكلم في موضوع آخر لكي لا أعاود ذكرها من جديد.
***
هل يمكن اعتبار ماحدث قصة ؟ هل يمكن اعتباره قدراً ساخراً؟ لا أريد الضياع في غياهب الكلمات العمياء، فالمشاعر التي تسطير عليّ حين أتذكرها تجعلني أقرب الى المجنون والأوقات التي يمر فيها طيفها كثيرة لدرجة لا أستطيع أن أفكر بغيرها.
ومثلما قلت لكم، لا أطلب الرحمة ، فأنا أحتقر هذه العاطفة الذليلة. ولا أريد أن آخذ رأيكم ، فهذا الرأي ، اذا انزلق من شفاهكم الرخوة ، لن يكون ، في أحسن الأحوال، أكثر رأفة بقلبي من رأي صديقي.
ومادام الأمر هكذا ، وما دام ضني بكم سيئاً لدرجة كبيرة ، قد تسألون : لماذا اذن أقص عليكم هذا الذي حصل؟ وما أريد منكم؟
لكي أقطع عليكم الطريق، وأسد أفوهكم أقول:
أن الكنيسة الكاثوليكية ، الرحيمة القلب، جعلت للأنسان طريقاً للخلاص ، عندما كلفت الأباء المقدسين بتلقي الاعتراف.
كما ان علم النفس المعاصر ، بالضوء الخافت في غرفة الطبيب ، والمقعد الوثير الذي يستلقي عليه المريض، أوجد طريقاً لاذابة العذاب ، تمهيدا للشفاء ، وأنتم ، هل أنتم آباء الكنيسة أو أطباء نفسيون تتلقون الا عتراف؟
مرة أخرى لا يهمني . أريد أن أقول ما حصل . سأقول ما حصل حتى ولو.... وانتم، أذا شئتم أقرأوا، وأذا شئتم كفوا عن القراءة ، حتى لو قرأتم فلن تضيفوا أية صفة جديدة للصفات الكثيرة التي أعرفها عن نفسي!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف )   قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Uhh107/4/2010, 7:19 pm





الجبـــــل




حدث ذلك في الصيف.. أواخر الصيف 0
بعد ريح هوجاء نلبدت السماء بسرعة ، وهطلت أمطار غزيرة . كنت في ذلك الوقت على ضفاف البحيرة. كنت أفكّر، بغموض ، بذلك الهم الصغير الذي بدأ يغزو قلبي.
بعد الزخات الأولى شعرت بالنشوة، لكن لما رأيت المطر يشتد ركضت لأصل الى شرفة الفندق. تبلّلت وأنا أركص ، وما كدت أقف تحت الشرفة ، وأخرج منديلاً لا أمسح رقبتي ورأسي ، حتى شعرت بلذة المطر من جديد. كانت برودته الناعمة اللذيذة تنزلق من رأسي مباشرة لتدغدغ كل خلية في جسدي، ثم تستقر في العظام . تركت قطرات المطر والبرودة تتسرب . كنت بجاجة الى ذلك. لكن في لحظة ما (كانت لحظة غامضة وغريبة) أحسست ان عيوناً من وراء الزجاج تراني ، وان منظري يثير السخرية . التفت لأرى ، لأعتذر (ويخيل الي ان صورتها كانت تطفو في ذاكرتي) واذا بعيوننا تلتقي.
المرة الثانية تلتقي عيوننا خلال نفس اليوم.
كانت المرة الأولى قبل الظهر . كان الجو حاراً ثقيلاً . نزلاء
الفندق على شاطىء البحيرة . نساء أقرب الى العري ، رجال بكروش صغيرة مرتاحة وظهور محروقة ، أما الأطفال فكانوا يبنون بيوتاً ثم يهدمونها ، دون تعب


كنت في ذلك الوقت أمتلىء ضجراً. الكتاب بين يدي أصبح عدواً بعد ان تحولت حروفه الى غيوم سوداء بلا معنى 0لم أستطع القراءة، ولم أستطع أن أفعل شيئاً، خاصة بعد ان شعرت ببرودة مياه البحيرة ، والتي لم أقو على احتمالها أكثر من بضع دقائق . كان الناس حولي عوالم منغلقة، او هكذا كانت الصورة ، وانا أمر على الأجساج والوجوه.
في لحظة ، لا أعرف أية لحظة، التفت عيوننا . كانت قريبة ومضطجعة على بطنها أول الأمر. كانت تعبث بعصا صغيرة على الرمل ، لكن ماكادت نظراتي تزحف على ظهرها ، حتى أرتعشت ، أنقلبت بسرعة ونظرت نحوي مباشرة ، وفي تلك اللحظه التقت نظراتنا0
يجب أن تصدقوا أن في الانسان شيئاً غامضا وحيراً ، اذ ما أقوله لكم ، انه الحقيقة. الحقيقة المطلقة والوحيدة0
عينان تترجاجان بالحزن . شفاه رقيقة والسفلى مرتخية باثارة موجعة ، أما الوجه فقد لوّحته الشمس ، فبدا غامضاً ومجبولاً باللذة والفجيعة وملعوناً. عند الوجه توقفت . لم أر جسدها العاري. ولا أدري لماذا سولت عليّ مشاعر قاسية أقنعتني أني لا أملك حق النظر الى جسدها. وفي لحظة أخرى أستبد بي شعور أقوى بأن نظرتي لو امتدت الى ذلك الجسد يمكن أن تلوثه . أتذكر أنها كانت تلبس مايهاً أصفر ، ولا أتذكر شيئاً أكثر من ذلك.
دامت النظرة دهراً . كانت نظرتها حنونة وعابثة. نظرة طفلة شقية ونظرة أو . رأيت في عينيها عالماً من الخصب والرعونة ، عالماً لا نهاية له . فرحت. كدت أقفز من الفرح. لم أعد أرى غيرها . وددت أت أصرخ . أن أرقص . أية أفكار أخرى عبرت رأسي ؟ ثقوا ، حتى هذا الوقت المتأخر ، لا أعرف! شعرت بالجنون. شعرت برغبة الحياة تتدفق في جسدي . تأكدت في تلك اللحظة ان الضجر أكذوبة أختلقها الوجوديون والناس المترفون. قلت في نفسي : ((لا يمكن أن أتنازل عن هذا الفرح)) كان الفرح يزلزني . يتفجر في داخلي كطوفان. هل طالت النظرة ؟ هل رآها غيرنا؟ ثقوا أني لا أعرف.
عندما وقف نظر حواليه . كانت نظرته عجولة ولا تحمل تساؤلا من أي نوع . نفض عن بطنه حبات الرمل بسأم، وسحب كرسياً صغيراً من القماش كان يرتكي عليه ، ولما طال وقوفه قال لها بطريقة ميته:
- ألا تفكرين بالنهوض؟
أمالتت برأسها موافقة ، ثم هزته بتسليم ، ووقفت . لم يتكلما . سارا ببطء ، لكن في لحظة (لا أدري لم حصل ذلك)
التفتت . كانت تنظر اليّ تماما. أغرقتني نظرتها . شعرت بقلبي ينقبض لما رأيتها تسير مبتعدة.
لما اختفيا في الزحام تلفت حولي ، ومن جديد رأيت الناس . كان الناس مثل علب معدنية محكمة الاغلاق: عيون مغمضة . ذقون مرتخية وملامسة للصدور ، ثم شفاه متهدلة، وصمت.
لما أصبحا بعيدين ، مثل أشباح ، وهما يتسلقان السفح باتجاه الفندق ، أحسست بالوحدة والألم.
في صالة الطعام جلست قريباً (الصدفة العمياء هي التي دفعتني الى تلك الزاوية) ظننت ان لزوجها عيوناً من الخلف تتابعني في هذه الرحلة الخطرة.تملكني الخوف والاضطراب. كانت تجلس مقابلي تماماً، أما هو فقد جلس بمواجهتها ، وظهره نحوي ، وجلس الولدان الغيران في ناحيتين متقابلتين.
وطوال فترة الغداء لم أجرؤ على أن أنظر اليها.
وهاهي النظرة الثانية ، وأنا أقف تحت الشرفة ، مبلولاً مثل كلب . مجنوناً بنظرة البحيرة التي خضت دمائي ، وجعلتني أفكر كثيرا ، ولم افطن للمطر!
تجرأت ، وأنا أقف في الشرفة ، أن أنظر اليها . كانت شجرة من اشجار الصالون تشكل حاجزا بيني وبين زوجها . أما تجاهها فكان المدى رحباً منتعشاً ، مما ساعدني على أن أنهش من هذه اللذة دون توقف (الطبيعة كنز يفجر في الانسان قوى غير منظورة)
كنت أريد أن أكتشفها ، وتراءت لي أفكار كثيرة لاأجرؤ على أن أقولها.
قلت لكم ان في الأنسان شيئا ً غامضاً ، لا سبيل الى فهمه. وهذا ماحصل بالضبط.
بشكل ما تأكدت ان لها عالماً خاصا ً . وان عالمها ليس بعيداً عن عالم زوجها فحسب ، بل ومختلف عنه تماما ً. كان يبدو مرتاح الوجه ، ومليئاً بالصحة والرضا . كانت تبدو قلقة ، متعبة ، وفيها مقدار من الحزن يجعلك تقتنع به وتحبه . كانت ملامحها رقيقة ، ناعمة ، وجسدها أقرب الى الصغر. لم تكن قصيرة ، لكن هناك نوعا من النساء تشعر بأنوثته تفيض الى الخارج بقوة ، من جسد أقرب الى النحول والشفافية.
عبر الزجاج ، المعتم قليلاً ، تكلمت عيناها . تكلمت بنداء صغير أقرب الى همسة نائحة . وفجأة استولى عليّ الرعب . كانت الكلمات والافكار تتقاطع في رأسي مثل البروق : من أنت؟ أية رحلة خطرة تدفعنا اليها الرياح ؟ البياض الساكن في عينيك يفتش عن مرفأ : وأنا المتعب الملقى في هذا الركن البعيد عن العالم وهل أكون هذا المرفأ؟ أريد يداً صغيرة ودافئة تسندني . أحس شيئاً في داخلي يتدمر بسرعة ويفني.
صرخت دون صوت وأنا أنتفض مثل ديك مبلول : الزجاج بيننا يحصد خفقة القلب ثم يعجنها كتلة نار ويدحرجها ، ثم يأتي المطر ليذيب لذة الحلم.
هززن رأسي قليلاً ، تساقطت قطرات عجولة من المطر . شعرت بلذة . امتلأ قلبي بالحزن . قلت لها بعيني : اغفري لي . اتركيني . أنت مقدسة لدرجة لايمكن ان اقترب منك . هزت يد ولد مشاكس الشجرة . اضطربت لما رأيت وجه زوجها . التفت للحظة صغيرة . قلت في نفسي: لو رآني أتطلع اليها هكذا لاقتلع عيني . لوضع فأراً في ظهري ، تحت الثياب ، ودفعني بقوة لأسير ، لأركض ، في أودية الخنازير . قلت للنبته الخضراء التي عادت لتستقر : أيتها الشجرة المباركة في كل الأوقات ، ارتفعي سدا بيني وبين الذين يريدون قتلي . كانت النبتة الخضراء تنفرد مثل مرواح صغير بمساحة راحة اليد . وفي لحظات تبدو عملاقة كجبال عالية ،وفي لحظات أخرى سوداء قائمة كغابة السنديان ، لكن في كل اللحظات ، ومن الفجوات الضيقة كانت تشع قطرات مضيئة، كانت عيناها تشعان.


لم يعد ماينزل من الغيوم الثقيلة المطر . كان الفرح الملون . شعرت بالأصوات المتداخلة حولي وكأنها الأناشيد تأتي من مكان بعيد . وفي لحظات أخرى شعرت بالكون وكأنه يد أم.
وظللت أترك عينيّ تسافران .. لكن ما تكاد تعودان لتستقرا في عينيها حتى أحس أني أولد من جديد . كانت نظراتها عالماً طفلاً يركض برعونة نحو الفرح والحزن معاً.
قلت لنفسي بتحد أخرق : سأقتل الكراهية والحقد . سأقتل الخيبة والكبت . أمّا التأملات البلهاء التي تسرقني من كل ما حولي فسوف أدفنها في اقرب مزبلة . وفي لحظة أخرى قلت بتصميم : أنا أحترق الآن ، احترق بلهفة شيء لم أكن أحس بمثله من قبل . ومرت تساؤلات عربيدة في رأسي: أين كنت أعيش؟ كيف يمكن للانسان أن يعيش دون أن يحس؟ هل يمكن لا مرأة أن تولّلد في القلب هذا المقدار كله من الفرح والاغنيات المجوسية؟
كانت الدماء والأفكار تنفجر في رأسي بسرعة مذهلة ، ولم أعد قادراً على الوقوف تجاة أية كلمة أو أية فكرة . قلت لنفسي بتسليم : كنت فيما مضى أقرأ مايقولونه عن هذا الشيء الذي يسمونه اللهفة ، فأضحك . كنت أتساءل هل يمكن للانسان أن يتحول الى بندول لا يتوقف ولا يهدأ؟ أن يتحرك دون معنى ؟ ان يتلهف لامرأة؟ ان ينتظرها؟ أجبت نفسي :
انّني أقع الآن في ذلك الشيء الغامض.
آه ، يمكن أن تضحكوا . اضحكوا مثل بغال تفتح أفواهها حتى النهاية . لقد سقطت!
شعرت بقلبي يتموج في صدري مثل زورق . قلت : بداية الحماقة. سحبت عينيّ من جديد واطلقتهما في الغيوم والأشجار البعيدة ، لكن وجدت نفسي أضطرب ،ثم بعد لحظة سمعت شيئاً في داخلي يتمزّق وينوح.
تحركت قليلاً وقد شعرت بضرورة فعل شيء، لكن شعوراً آخر انتابني في نفس اللحظة : فجأة اصابتني برودة قاتلة. أحسست أني مدفون في أعماق كثبان جليدية ، واني مسمّر وراء الزجاج ولا أستطيع الحركة . وباستسلام أبله أردت أن أكذب. أن أخطىء. لكن عينيها وهما ترتميان عليّ كانتا تجرحانني . تجعلانني أكثر احساساً بوقع خطاها وهي تسير في دمي. كنت أسحب عيني. أرميهما بعيداً، لكن دون ان ادري أكتشفت نفسي وقد بدأت أتسلل في الفجوات الصغيرة ، بين أوراق النبتة الخضراء ، أرتمي هناك . وأنظر، وأنظر ، وأنظر الى عينيها . آه ، ما أشد رعب العيون التي أراها. ما أشد فتنتها . كانت تقول لي بهمس : أيّها الغــريـــب الذي لا مــأوى له ، مأواك في عينيّ . كانت تقول لي هاتين العينين سأجعل لك أرجوحة ، وفي هذه الأرجوحة تقضي ما تبقى لك من العمر، ولن تندم.
الآن..بعد السنين الطويلة أريد أن أبكي . لماذا لم أهرب؟ لماذا تصورت أني لم أرها ، وأني رأيتها آلاف المرات ؟ كنت أحلم بها طوال عمري . وكنت أراها مستحيلة . وفي لحظة مليئة بالعذوبة ، بدا لي كل شيء قريباً، ناعماً ، جارحاً ، وقررت البقاء0
في وقت ما أنقطع المطر . هل مضى وقت طويل ؟ قصير ؟ لا أدري . لما جرجرت نظراتي الى البعيد كانت الجبال الخضراء ماتزال تعصر دموعها ، وتحولها الى جداول صغيرة تتفلّت بعناد صبياني نحو السفوح . وكانت الأوراق الخضراء بعد ان فردت نفسها مثل أجنحة طيور قوية ، قد تراخت وتهدّلت بعد المطر . والحصى ، كان الحصى يلمع كقطع الزجاج الملون . وأرتد الزجاج مازال بيننا شاهقاً قاسياً أبدياً. وعيناها حمامتان اغتسلتا بالأسى ، لكنهما تركضان وراء فرح ما.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف )   قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Uhh107/4/2010, 7:20 pm



قلت لنفسي بحقد ودون صوت : يا حزن الأيام المشؤومة ، سوف أصرعك كذبابة ، لن أحزن بعد اليوم . أمّا الحيوان الصغير ، والمعصوب العينين ، والذي يسمونه الجبن ، فسوف أقتله.
الحيوان الصغير يفرك في دمي ، داخل العروق . كنت أندم على كل فعل . كنت أندم على كل فعل لم أفعله . أتحول فجأة الى طير . أطير بعيداً بعيداً. أطير وأرجع . والزجاج بمقدار ما كان يقيني من الجنون ، كان ينغل في صدري بجنون آخر . قلت في نفسي بسخرية: مرة واحدة نولد ، ومرة واحدة نموت . وأنا ، أولد الآن ، أولد في عينيها.
وتظل عيناها تضحكان . أحسّ الضحكات الصغيرة تفترش دمي ، توقده بالعذاب . تطفئة . ودون تعب أتساءل : ماهذا ؟ هل يمكن أت تكون اللهفة؟ وهل قرأت ذلك في كتاب؟
ولا أصدق شيئاً . تظل العينان تخترقني . وأصعد وأهبط ، ثم أنفجر وأتلاشى0


لما توقف المطر وأمتلأ الجو بتلك الرائحة التي لا تعبّر عنها أية كلمة في الكون ، انتفضت ، ثم وجدت نفسي أمشي دون ارادة. درت حول الفندق . توقفت عند شجرة الصنوبر الكبيرة كانت القطرات الأخيرة المتجمعة على أوراقها الابرية تنسكب بنعومة حادة . رفعت وجهي لأتلقى حبات المطر ، وكدت أبكي.
في وقت ما سمعت لغطاً ينمو حولي بسرعة . انتبهت فجأة ، وقرّرت بغموض شيئاً,
انزلقت الى صالة الفندق الواسعة ، ودون تردّد أندفعت الى الركن البعيد وجلست . كانت ثلاث أو أربع موائد بيننا ، أثنان يجلسان على المائدة المحاذية لها . كان أحدهما يحجب قسماً كبيراً من جسدها، أما رأسها ، أذا رفعته الى أعلى قليلاً ، فكان يظهر كجبل الثلج : ساطعاً متورداً.
هل كانت تتابعني لما دخلت ؟ غيّرت جلستها وأصبحت بمواجهتي الآن ؟ اجتاحني دبيب أصم ، وبعد ذلك شعرت بالرغبة في أن ألمس شيئاً مّرت عليه يداها، وفي النهاية سيطرت عليّ حالة من التلاشي والحزن.
أختلطت أصوات موسيقى قديمة بالدخان ، بأقداح فارغة ومتروكة . لم أعد قادراً أن أفعل شيئاً ، أمّا كأس الكونياك الذي وضعه الجرسون أمامي ، فكان نتيجة بلاهة ورغبة آلية ان لا أظل هكذا.
كنت أتألم . لا ، ان شيئاً آخر يموج في صدري ، ربما رغبة البكاء . اضحكوا لا يهمني.
كان زوجها يجلس الى جانبها ، أمّا الصغيران فكانا يلعبان حولهما .. كان الزوج صامتاً ، ينظر حواليه بتثاقل وسأم . قلت في نفسي : لماذا يرتمي هكذا ؟ ألا يقول لها كلمة؟ ألا يتمطّى؟
وبحقد مجنون أضفت: أيها الرجل الذي لا يقوى على السعادة، اشتمها ، أمسك يدها ، تطلع في عينيها.. اما ان تبقى مصلوباً كالجثة ، فهذا لايغافره أحد .
لا أعرف لماذا لم أحتمل . وجدت نفسي أغادر القاعة بعصبية . عند الباب الدوّار اصطدمت برجل . امتلأت خجلاً. تصورت البلاهة التي تنزف من وجهي أكثر من أن يحتملها أحد ، وتصورت عيونها خيوطاً حريرية تشّدني . هربت من نظراتها . لما رفعت وجهي لأعتذر ، كانت تضحك تلك الضحكة الصغيرة التي تشبه المغفرة.
اضحكوا . تقولون مراهقة؟ ربما.
كنت في الثلاثين . كنت في المائة . كنت كبيراً ، وكنت صغيراً ، وكانت لي علاقات.
منذ ثلاث سنين أنا وميرا لا نفترق . تخاصمنا كثيراً ، ولكن رضينا بعدد المرات التي تخاصمنا . غفرت لميرا الكثير ، لكنها غفرت لي أكثر . وميرا التي أحدثكم عنها شقراء ، طويلة ، لها عينان بلون الكستناء . أمّا جسمها فكان ساحراً لدرجة ان أي انسان رأها تسير معي حسدني ، وربما شتمها في سره ، لكن ميرا لم تعبأ بشيء . كانت عالماً غريباً ، وكنت أحبها لغرابتها . كانت تحب الرياضة والشعر ، ولم تكن تتحدث الاّ عن ذلك . وقد لامتني مرات كثيرة لأّني أهمل نفسي هكذا ، وتنبأت أني سأموت قبل الأربعين ، ولما مرضت ذات مرة ، خشيت عليّ كثيراً وظلّت تبكي فوق رأسي ، حتى داخلني الشك ان موتي أصبح وشيكاً، لكن لما شفيت وتبين ان ماكنت اشكو منه مجرد عارض يصيب معظم الناس ، لم تسلم ، وظلت تلومني ، ولا تتوقف عن توجيه الكلمات القاسية ، مشيرة الى الصفرة في عيني والى بروز عضلات الرقبة وأكّدت اني "مصاب بالغدد والطبيب لا يدرك ذلك" أمّا عندما قرّرت السفر الى الجبل للراحة ، فلم أر في عينيها ضجراً او احتجاجاً ، ولا أخطيء اذا قلت انها فرحت لهذا القرار الذي "سيكون له تأثير مفيد على صحّتي ، خاصة اذا مارست الرياضة ، أية رياضة ، وكنت بعيداً عن جو المدينة الخانق ، الذي يسبّب السرطان بكل تأكيد"
لم تكتف ميرا بذلك ، حضّرت لي أنواعاً من الأغذية ((المفيدة والضرورية)). وفي طريقنا الى محطة القطار أصّرت أن تشتري لي بطيخة خضراء كبيرة ، قالت : وهي تشير اليها : قلبي كبير هكذا ، وقد تعبت كثيراً بنقل هذه البطيخة من قطار لآخر ، ثم بنقلها الى الباص ، لا تستغربوا اذا قلت لكم ان البطيخة اللعينة انزلقت من بين يدي وانفلقت عند باب الفندق تماماً وسبّبت لي احراجاً ، ورأيت ضحكاً مكتوماً في عيون الذين كانوا حولي .
كنت خارجاً لتوي من المرض . وفكرة السفر الى الجبل عنت لي هكذا ، أمّا ميرا فقد أصّرت ان "النقاهة ضرورية ، أنهّا من العلاج" واستغربت كثيراً أن الطبيب لم يشر عليّ بذلك.
لم أكن أعرف ميرا وحدها . كنت في نفس الوقت على علاقة مع باولا . وباولا امرأة من نوع آخر : بسيطة ، صريحة ، تكره الموسيقى الحزينةوتكره الفلسفة (باولا تدرس الفلسفة).
تدخن بشراهة ، ويظهر ذلك بوضوح من أعقاب السجائر الملوثة بالروج في جميع أنحاء الغرفة والحمام . كانت باولا تهوى الشرب لدرجة السكر ثم البكاء ، وكنا دائماً نقضي وقتاً شديد الروعة والجمال والحزن.
وقبل ميرا وقبل باولا ، باولا ذات الصدر الكبير والأثداء الصلبة ، والتي لايمكن ان انسى رائحتها اللذيذة . قبل هاتين المرأتين ، وبعدهما عرفت نساء . لكن في ذلك الصيف الملعون تحوّلت الى أنسان آخر . ولو ان احد رآني أقف تحت الشرفة وأرقب ، من وراء الزجاج ، العالم السحري الذي تدفق عليّ فجأة ، لو ان أحداً رآني ، وقد تهدلت عضلاتي وتحولت الى بندول ، لقال ان جنوناً من نوع ما يسيطر عليّ.
مراهق ؟ نعم . أتحداكم ان تقولوا أني لم أكن كذلك . واذا أردتم ان تقولوا شيئاً آخر عن الحرمان فسوف اخطئون كثيراً. لم أكن أتنقل بين النساء كفراشة ، لكن لم أكن محروماً. كنت أمسك الفخذ ، بثقله الزاهي ، بين يدي وأعزه لتمتللىء روحي بنشوة الامتلاك والظفر , وكانت يداي تتسللان ، مثل أفعى ، الى الصدر ، ، وهناك أترك اليدين تحومان فوق النهدين ، وراء الظهر ، أتركهما تهطبطان الى الارداف وأصرخ في داخلي بصوت يشبه فحيح الحية :
أشبع ، يجب أن تشبع حتى التخمة.
ولكن اذا وجدت بينكم حكيم أعور ، له لحية تشبه خيوط العنكبوت ، فسوف يقول: أن حالة مثل هذه تعود بأصولها الى أيام الطفولة ، أنه الحرمان ، الحرمان من عطف الأم . نعم ماتت أمي لما كنت صغيراً، ولكن هذا الحكيم الذي يفتح فمه كضفدعة ليغرق الناس بكلمات كبيرة وغامضة يفتقر الى شيء أساسي يكون جوهر الانسان والعلاقة الجنسية ، يفتقر الى الحب.
الحنان . ان أفقد أمي ولم يتجاوز عمري السادسة . أن أهيم في الدنيا لاأعرف لماذا والى متى، وأعيش على كل شيء ماض ، حتى لو كان مجرد زمن أعمى ، وفي حالات معينة مجرد أحلام.


يمكن لأي تحليل ان يسرف في دراسة حالتي ، بحيث ينتهي الى أشياء كثيرة ، لكن الأمر الأكيد ان وجدت نفسي فيه لا يجد مأوى في الكلمات القاتمة والبلهاء التي تموج في رؤوسكم الآن
كنت وأنا أخرج من قاعة الفندق قد قرّرت ان أذهب لرادميلا "وأنت يا رادميلا لماذا كنت في تلك اللحظة تعطين شفتيك لأيفان؟ لماذا؟ قولي بحق السماء ، قولي كلمة لأستريح ".
لو ان شيئاً آخر حصل لكنت الآن بنظركم انساناً سوياً ، لكن اسمعوا ماحدث :
في الليلة السابقة تخاصمنا ، دون كلمات ودون أن نستعمل الأيدي أو الأدوات الجارحة . تخاصمت وايفان عدداً من المرات يوازي عدد الرقصات . كنا أربعة رجال وثلاث نساء ، نجلس في وسط قاعة الرقص ، وكان على واحد منا أن يتحمل ، أن يدفع ثمناً ما . لا أعرف لماذا اختارتني رادميلا مرات كثيرة لمراقصتها . قبل انتهاء الرقص اتفقنا . وعندما سمعنا فالس فينا كنا نلهث في الفراش . أمّا الصباح التالي فقد كنت حزيناً لدرجة منفرة . وعند الظهر كنت أفكّر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف )   قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Uhh107/4/2010, 7:24 pm




بالناموس الطبيعي وأصل الحياة ، أمّا الكلمات التي أجبت بها رادميلا فأعترف انها كانت بائسة ومهينة ، وغادرتني رادميلا بعصبية بعد الغداء ، وقرّرت أن تنتقم منّي بسرعة .
كنت أعرف رادميلا منذ وقت طويل . وقد بانت الشهوة في عيني منذ ان التقينا في قاعة الفندق . هّزت رأسها كفرس وقالت:
"ابتعد من طريقي، ولا أريد متاعب من أي نوع " لكن الضحكة التي انفجرت وراء هذه الكلمات ، كانت مسعورة لدرجة لم أحتملها ، أمسكت يدها عند الزند ، وضغطت . تركتني أفعل ذلك لأتمتع ولأختبر اللحم المشبع الهني . ثم قرصت يدي بدلال وقالت : " مازال لدينا وقت طويل، هنا وفي المدينة".
لما تركتني رادميلا شعرت بالراحة..
وفي اليوم التالي ، لما ارتمت على الرمل الناعم ، على ضفاف البحيرة ، أصابتني حالة اللاجدوى والحزن . أمّا الرغبات التي كانت تنتابني وأنا أنظر الى أعماق البحيرة فكانت غامضة ومتداخلة.
وفي تلك الحالة من اللاجدوى والغموض الشديد .التبدّد واجهت تلك النظرة ، وبدأت حياتي تتفتّت ثم تتدمّر ، وأصبحت ملعوناً.
لو ان رادميلا ، في ذلك الغروب ، بعد المطر ، أعطتني نفسها لأنقذتني . لكن رادميلا لم تنتظر . هربت بسرعة . وشفاه ايفان وهي تطبق على عنقها تحت شجرة الصنوبر ، قرب الباب الخلفي للمطعم ، جعلتني أركض نحو البحيرة .
كانت البحيرة بعد المطر معتكرة ـ وكانت السيول الصغيرة المتأخرة لا تزال تتدفق اليها بكسل . أمّا الزورق الذي أمسكته ، كتعزية رخيصة ، فقد انزلق بين يدي ، كأنه يهرب . وعندما جلست على أحد الحجارة ، قرب القنظرة ، ناحية الشمال ، شعرت من جديد بالحزن يغطيني كأنه الثياب الثقيلة،والتمعت
في ذاكرتي عيناها . كانت عيناها مثل فوهات الجحيم المتورد ، لا يمكن ان تنسى. قلت لنفسي بصوت لا أكاد اسمعه : " أيّها ارب الذي يرتكز على يد واحدة ، وينظر الى البشر التعساء ، لماذا تركت كل شيء يسير في الدرب الخطرة؟" وتصورت الرب... أخرى تصورته... وأردته أن ... لكنه لم..
وأنتم ، أية كلمات تندلق الآن من الذاكرة الى الشفاه المرتخية ، وتريدون أن تقذفوها في وجهي؟
نحن نزلاء الفندق سجناء صالة الرقص والمطعم في أغلب الليالي . فاذا خرج القمر من مغارته المتربة ، وتدحرج ككرة خضراء في المدى الرحب الذي يسمونه السماء ، اذا حصل ذلك ، وكان الدفء ينتشر في ذرات الهواء وينعشها ، يصيب عروق الرجال والنساء سعار أصفر بلون الصديد ، وكان أغلب النزلاء يخرجون الى الطرقات الضيقة في الحديقة الكبيرة للفندق ، والتي تصل أطراف الوادي ، وهناك كانوا يشبكون أيديهم بقسوة ، ويقبلون بعضهم بشهوة الكلاب ، حتى تحركت الدماء ، قذفوا في سراويلهم أو ركضوا مثل قطط مذعورة الى الفراش.
سجناء الفندق كثيرون ، في الصالات ، تحت الأشجار ، وفي الليل يتوارون في ضوء القمر في الزوايا أو في الغرف المزهوة بصور بحيرات ملوثة الألوان وحولها رجال ونساء يضحكون ، ولا يعرفون معنى الألم.
لو لم يسقط المطر في اليوم التالي لدمرت ذلك الحيوان الصغير الذي رفع رأسه فجأة . لكنت حصلت على رادميلا مرة أخرى، نعم ان أحصل عليها مرة أخرى وبطريقة ما ، ان أنتزعها من أيفان . وفي أحضانها يمكن ان أنسى هذا الشهيق المتسرب الى دمائي . يمكن أن أغمض عينيّ فلا أرى تلك العينين المخضبتين بالنداء واللهفة والحزن ، هذا الشيء الغامض الذي لا أعرف اسمه ، والذي ربما كان الحب . في أحضان رادميلا ، مثل أول مرة ، يمكن ان أنسى . وقبل أن أستيقظ حزيناً ونادماً ، ينتهي الأمر ، تنطفىء العيون وتتلاشى من رأسي . لكن شهوة النسيان التي تمنيتها أصبحت مثل ذاكرة ..: واسعة ، هاربة ودائماً يغادرها الألم.
والآن ، نعم الآن . وبعد مرور السنين ، اذا سقط المطر يتملكني حنين لا يوصف لأن أبكي . أحس بالدنيا صغيرة ، محاصرة ، وتوشك ان تنتهي .
وهناك لم يكن مطر الصيف فقط ، كان مطراً كثيفاً متواصلاً ينبش من الذاكرة الأحوان والذكريات . وأنتم تعرفون أن الأحزان الملعونة لا تريد جوقة من المهرجين لكي تنتزع نفسها من أكفانها ، أنها تنتظر ، وفي لحظة تقف شامخة مزدرية ، كأنها تترصد لتفجر.
مطر الصيف اللعين جمع السجناء مرة أخرى. جمعهم أوّل الأمر في صالة الطعام ، ثم في المقهى ، وفي المقهى ضجّ الصغار ، وقفوا وجباههم على الزجاج يتطلعون بحقد الى المطر ، وقفوا عند الأبواب بانتظار لحظة الهروب الى مكان ما . أمّا الرجال فقد أستخرجوا من محافظ جلدية (سوداء أغلب الأحيان)
جرائد مضت عليها أيام ، وبدأوا ينظرون الى الحروف بملل ، وبين فترة وأخرى ينظرون الى المطر ، وعندما يتعبون يلعبون الورق . وقبل أن ينتصف النهار تدور كؤوس البيرة بسرعة أكبر ، أمّا النساء فقد تشاغلن بأمور كثيرة : ملاحقة الأطفال ، الذهاب الى الغرف وتبديل الثياب ، ثم الجلوس بصمت والمراقبة النشيطة لكل شيء!
ومعبودتي .
كانت هناك : بنطال أسود ضيق وكنزة رمادية ، ولا أدري لماذا وضعت شالاً على كتفيها!
ألقت معبودتي مجلة مصورة على الطاولة ، وجانت نظراتها الصالة ، تفتش .. هل كانت تفتش عنّي ؟ أتوهم ؟ أحلم ؟ أي شيء آخر يمكن أن تقولوا؟
كان المطر يتساقط عزيراً مشبعاً. وبين يدي كتاب لا أستطيع أن أطويه ،ولا أستطيع ان أقرأ فيه سطراً واحداً. رادميلا؟كانت هناك تجلس متكورة الى جانب أيفان ، وقد تقاربا لدرجة الألتصاق . كان يتهامسان كعاشقين . لم ينظرا نحوي ، وحتى التحية ألقيتها عليهما أثناء الافطار سبّبت لهما ازعاجاً، أيفان بشكل خاص .
فكرّت ان ألعب الشطرنج لأغتال الضجر ، لكن رقع اللعب الثلاث كانت محجوزة ، وكان التى الواسع الفم يصرع الرجال ، وهو يدور حولهم كقط . أما عندما جلست قريباً ارقب اللاعبين ، فقد استولا علي الخوف. جلست مستسلماً ، وهزمت بعد المرات التي امتلأت القاعة بضحكة ذلك الفتى الواسع الفم ، والذي يدور كقط ، عندما ينتهي من اولئك المسنين الواثقين.
وفجأة وأنا أستدير ، بعد لعبة ماكرة ، حاول الفتى الواسع الفم في نهايتها ان يتظاهر بالهزيمة ، لكنه ، في النقلة الأخيرة ، أنتصر ، وجلجت ضحكته الواثقة ، وأنا أستدير لأغير جلستي ، رأيتها . كانت قريبة لدرجة مذهلة . شعرت اني أختنق صرخت في أعماقي وأنا أتلوى من الألم : " يا أم الأرض الخصبة ، يالهباً يشعل الحجر ، اذهبي ، لا أحتمل أن اراك قريبة هكذا لا أستحق". وبخوف حزين سحبت نفسي من الرعب.


تنفست بجموح ، وقرّرت لأن أتطلع الى عينيها. شعرت بعناق مجنون يزدحم في دمي ، يدفعه ويوقفه ثم بعد لحظة شعرت بذلك الدفء الناعم يغطيني . أغمضت عيني . شممت رائحتها تملأني . كانت كخيمة خضراء فوقي ، ولما بدأت أتذكّر متى جاءت ، أحسست ان المدى حولي ، في لحظة معينة ، بدأ يزداد اتساعاً وبياضاً، حتى غطّى الأرض كلها ، ثم أحسست بشيء أقرب الى الدفء يتساقط ليصبح حاداً ومسيطراً كالألم وتأكدت انها جاءت في تلك اللحظة.
لما حركت كرسي قليلاً لأعتذر ، لأفسح لها، مسّت قدمها قدمي . سحبت قدمي. نظرت اليّ وعبرت وجهها ابتسامة صغيرة شاحبة ، ثم استدارت بعبقرية ومشت.
الآن أراها، أراها قريبة كجفن العين . كانت هالة من الضياء ، من الفرح . ما أشد بؤس الكلمات . ليتني أصاب بالخرس الكلي وأختنق ، وليت أن رادميلا ظلّت وفيّة لي بضعة أيام أخرى . لو أن الحزن لم يهزمني ذلك الصباح ، لظّلت رادميلا معي. كنت الآن بنظركم ظافراً ، لكن ، وايفان ثعلب ، لا يكّل ولا يتعب، أذ ما كاد يراها تخرج من حزني ، حتى حاصرها، واستسلمت له بسرعة لتقتلني ، ثم هربا معاً. عندما هربت رادميلا رأيت بعيني هوة ساحقة تمتصني ، لم أستطع ان أقاوم، ثم أصابني الهلع.
أمّا تلك الأبتسامة الصغيرة الحزينة التي ارتمت عليّ ، فقد جعلت الأرض تغور ، آه ما أشد عذاب تلك الأبتسامة . كانت متشجنة ومذعورة . وأنا ، سموا أفكاري أي شيء ، لأن الأرض لم تحمل على ظهرها من هو أجبن مني . كنت في تلك اللحظة أرنباً مقوس الظهر وملعوناً. كنت
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف )   قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Uhh107/4/2010, 7:25 pm

أخاف من ظلال الأشجار، من صوت الريح . وأنتم أيّها الناس ، يجب ان تجلدوني مئات الجلدات . لا تكونوا رحماء معي ، وأنا لا أستحق الرحمة أبداً، أبصقوا عليّ ، لو أن كلمة قلتها ، لوان مسّة قدم أخرى ، أبنسامة شجاعة، آه اتركوني ، لقد تعذبت أكثر مما أطيق ، والآن ، وبعد مرور السنين ، اذا سقط المطر ، اذا لم يسقط المطر ، أتعذّب.
نقر على كتفها ، أرتجفت ، تلفتت بذعر . كان وجهه جافاً ، وشعيرات حمراء ، من اثر نزيف داخلي لاينتهي يغطّي وجنتيه، لم تكن تحمل رغبة او علامة تعبّر عن شيء ما . صلابة واثقة، ورضى ، ثم أوامر مختصرة.
مشت الى جانبه بهدوء قطة. احتواني كون أخضر . كنت أرشح جبناً . نحوّلت الى حيوان مذعور محاصر ولا يقوى ان ينظر في العيون خوف ان يصعق . كنت ألهث وأنا أحاول التنفس ، اما الأصوات ، غير المسموعة ، التي ماجت داخلي ، فكانت ترتطم بجدار صدري ، ويصبح لها دوي هائل موجع . قلت لنفسي بعد ان غابت : "آه لو استعطت ان أرد عليها بابتسامة واحدة"
تصوروا ، كنت أتظاهر بمتابعة اللاعبين ، لم أرّ شيئاً. أما وهي تبعد فتملكني جرأة مذهلة ، بدأت أنظر اليها، أتابعها كانت تسير في الوسط ، زوجها ناحية اليمين ، والولدان ناحية اليسار ، كانت قدمها الصغيرة ، وهي تنتقل تدوس على قلبي في كل خطوة ، كانت خطوتها تزحف في دمي ، تركض . شعرت بالنقمة والحزن. صرخت من العذاب : "أيّها الرب الكي القدرة اريد قليلاً من الهواء لكي لا أختنق". ومع كل نقلة قدم ، في الساحة الفارعة ، أحس دمائي تنفر كأن ضغط القدم يجز رقبتي وعيني. وأتذكر رادميلا ، وأتذكر ايفان . وأخاطبهما بصوت مبحوح : لم أنسى لكما هذه الأساءة.
لو أن رادميلا لمست مدى العذاب الذي يركض في صدري لغفرت لي حزني . لكنها قالت لي بتعالٍ وهي تتركني :
-احمل معك التوراة مرة أخرى ، وأقرأ على قبور القرية المجاورة.
" أكره الحزن يارادميلا . لا أحبه أبداً . وهل تتصورين رجلا على ظهر الأرض كلها يحب ان يكون حزينا"؟ كدت اقول لها هذه الكلمات التي عبرت رأسي ، لكني لم أفعل . ظللت صامتاً.
نظرت رادميلا اليّ وهزت راسها لما رأتني صامتاً، ثم قالت:
- عشرة أيام في الجبل ، الى جانب البحيرة ، وبعدها نعود الى الدراسة والعمل. يجب ان ننسى . وأنت ، لماذا لا تريد أن تنسى؟
لم أقل لها شيئاً ابداً. وأنتم لا تستطيعون ان تقولوا اي شيء. أضحكوا بسخرية ، ولكن دون ان ارى . واذا علت قهقماتكم فسوف أشتم مثل ابليس ن سوف اقول لكم : أيّها الخنازير ، يا مّن تفتقرون الى القلوب . يامن بالت عليكم أمهاتكم لكي تشفى الدمامل المنتشرى فوق صدوركم ووجوهكم ، لن أقول هذا فقط، سوف أقول أكثر : أنتم ، يا أربطة العنق ، سوف أشنقكم بهذه الأربطة ذات يوم. لن أكون رحيماً. الرحمة لا تعرف طريقها الى قلبي. ومن تريدون ان ارحم؟ الصدور المجوفة ؟ الصدور المليئة بالقيح، أنتم؟ لا تخافوا ، سوف أتصرف كوحش.
وأنت يارادميلا ، آه لو ان تلك الليلة لم تنته. لو كانت لي قدرة ثور او رغبة كلب ، لكنت الآن تلبدين الى جانبي مثل قطة مقطوعة الذيل. كانت تلك الليلة قصيرة ، فاجعة الحزن . وكنت ثوراً هرماً مهزوماً. تعبت بسرعة . ارتميت . وفي الصباح أصابني الحزن والندم . ولم تحتملني ـ تركتني رادميلا ، والآن ، وأنا أرى الباب يبتلع قدسيتي ولا أعود اراها، أضع اصبعي في عيني واضغط . لم أكن أريد ان أرى شيئاً. لم تعد موجودة ، ذهبت .
أين ذهبت؟ هل تخلع ملابسها الآن؟ هل تقف أمام المرآة لكي تختار ملابس جديدة ؟ وهو هل يقوى ان يحّول نظره عنها لحظة واحدة؟ كيف يستطيع ان يترك ثانية تمر دون ان يزحف تحت عطرها ، دون أن يمرغ وجهه عند قدميها؟
وأنت أيها -"أستغفرالله"، يامن أوكلت الآباء المقدّسين تلقي الاعترافات ، كان أولى بك ان تفعل شيئاً آخر.. شيئاً أفضل. ان تأمر هولاء الذين لا يكفون لحظة، حتى أثناء القداديس ، عن الخطيئة ، أن تأمرهم بالصمت المطلق ، وأن تقف لحظات خشوع لكي تتجلى قدرتك أكثر ، أن تقول لرادميلا : " شيء من الحزن غذاء القلب". أو أن تقول للشعيرات المنتشرة على الوجه الصلب الراضي : " أترك هذه الفراشة ، الموجعة القلب ، أتركها تلوّن الحياة بموسيقى الفرح". لكنك أيها الرب ، لم تعطني قلباً شجاعاً. لماذا لم تقبل لقلبي أن يكون باسلاً مرة واحدة فقط؟
هل كانت في غرفتها تبكي ؟ تفّكر ؟ لماذا تبدو حزينة هكذا؟
قلت لها بيأس : "لماذا الحزن أيتها القدسية المتوجة في قلبي الى الأبد؟"0


شعرت بلفحة الكآبة تخنقني لما رأيتها هكذا حزينة ، وتمطت كآبة سودا في قلبي لما تصوّرت ان الانسان يمكن ان يحزن هكذا!
في وقت ما، (لا أدري أي وقت ، لأن اموراُ كثيرة عبرت رأسي دون روية) جاءت الى الصالة وحدها . كنا وحيدين في الصالة . تصورا ، كنا وحيدين . شعرت بالخوف . بدأت أرتجف . انقذفت الى ذاكرتي كلمات قرأتها ذات يوم على قبر . نظرت اليها . كانت حزينة بشموخ ، قالت لي عيناها وهما تنسكان عليّ : ماذا تريد؟ نعم قالت ذلك عيناها . قالته بطريقة آسرة ومدمرة أصابني الخوف أكثر من قبل . تكّومت . أستندت الى الكرسي لكي لا أتمزق . سقط كرسي آخر من الحركة البلهاء تموجت في داخلي . كان لسقوطه دوي يخض الدم ، لكن ابتسامتها التي حاولت أن تلملمها بثني رأسها ، جعلت كل شيء متفجراً.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف )   قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Uhh107/4/2010, 7:26 pm

جلست . أخذت مكاناً بعيداً وجلست . نظرت اليها بارتباك . هزّت رأسها وكأّنها تصمّم على شيء أو تغني . كنت أريد أن أجمعها بطريقة ما لأضمها في عيني . كانت تنظر عبر الجاج وتفكّر . أخرجت سجارة من حقيبتها ، شمّت رائحة التبغ بتلذذ . آه ، لو أن الشمس تحّولت في يدي الى جمرة . لو ان ذلك حصل مرة واحدة لأوقدت لها السجارة واحترقت . كنت أريد ان أفنى .
أن اذوب . لماذا لم اقترب ؟ لماذا تركتها تشعل السجارة والقداحة الذليلة تنام في جيبي كأّنها حثة حمامة ؟ تطلعت اليّ أكثر من مرة قبل أن تشعلها . بدا لي انها لا تجد كبريتاً ، كنت أعمى . كنت جباناً . وأنتم أيهّا الآباء المقدّسون ، هل تحاسبون رجلاً جباناً ، ولا يحمل في قلبة رغبة شريرة ، ويريد ان يشعل سيجارة امرأة حزينة ولا يستطيع ؟ يجب ان تقولوا شيئاً . ان الاعترافات التي ارتمت في ذاكرتكم لا تستطيع ان تهز شعرة في عرش الرب.
بدا لي كل شيء دون معنى .
فجأة نهضت . لم استطع أن انظر اليها. أحسست بنظراتها تحاصرني ، تلاحقني . لكن برعونة يائسة تصلّبت عضلاتي . أصبحت لا أنطر الاّ الى أمام .. وفي لحظة لم أعد أرى شيئاً.
وفي المرحاض ، الذي ذهبت اليه دون أن أدري ، لم أفعل فيه شيئاً ، سوى اني قذفت القداحة بازدراء ، وخرجت.
كان مطر الصيف ، لكنه هذه المرة فقد قسوته وكثافته وبدا مزدهراً عابثاً وأقرب الى الرذاذ.
ابتعدت كثيراً عن الفندق . استندت الى شجرة وبكيت . لأول مرة أجد نفسي بعد سنوات طويلة أبكي . قولوا أقسى الكلمات . أبشعها . قلبي الذي بكى . كان قلبي كطفل يبكي دون أن يدري ، ولا يعرف لماذا؟ وأنتم ، الكبار ، المسنّون ، الوقورون ، المزهوون ، تسخرون من قلبي الذي بكى ؟ لا يهمني ، سوف انتقم منكم ذات يوم.
وفي وقت ما ( لا أدري أي وقت ، ان ذلك شيء غريب للغاية) مرّ ثلاثة فلاحين . قلت لأحدهم ، وكان يضع غليوناً في فمه:
- لديّ تبغ . تبغ جيد ، وأريد نبيذاً جيداً بدل التبغ.
- كانت طريقتي في الكلام لذيذة ، أو هذا ما بدا لهم .
ضحكوا . نظروا اليّ بحب. قال لي واحد منهم:
- امش معنا وخذ زجاجة كبيرة من النبيذ ، ولا نريد التبغ .
- التبغ أو لا أريد شيئاً.
هزوا رؤوسهم بصمت ومشينا معاً . كنا أغلب الوقت صامتين . لكن قبل أن نصل القرية ، انفجر واحد منهم بضحكة عالية، دون سبب . نظر الآخران اليه باستغراب ، ثم شاركاه الضحك . قال الذي ضحك أولاً وهو يغرق من الضحك اكثر من قبل:
- رأيت مرة رجلاً أسود قرب السوق . كان حزيناً أكثر مما ينبغي ، طلب الي أن أعطيه نبيداً مقابل حذائه ، رفضت . رجا نبيذاً مقابل شيء أهم من ذلك بكثير.
وبلهفة سأله أحد الرجلين :
- ماذا أخذت منه؟
- قال:
- في الليل أخذت أفكاره ، كان يفكّر بالانتحار من اجل امرأة ، لكن في الليل بعد ان شربنا وغنينا وضحكنا كثيراً ، بدا الرجل يبكي ويشتم نفسه ، وفي الصباح لم يفكر بشيء سوى أن يهرب منا !
عندما سمعت القصة توقفت ، وتوقف الرجال . نظروا اليّ بأستغراب . قلت :
- لا أريد شيئاً!
ولما ابتعدت قلت كلمات أضنهم لم يسمعوها .قلت لهم :
" انتم رجال ماتت قلوبهم ، ولا تعرفون معنى الحب "
ركض ورائي احد الرجال الثلاثة ، قال والمسافة بيننا لا تزال خطوات كثيرة :
- تعال يابني ، عندنا كل ماتريد ، النبيذ والحب.
توقفت حتى وصل ، نظرت في وجهه . بدا حزيناَ . قلت :
- كنت أمزح ، لا أريد شيئاً!
- لم يفهم أوّل المر ، ظلّ ينظر اليّ ، لكن لا يراني . تأكدت ان هماً في قلبه يعذبه . استخرجت سيجارة ، وأولعتها ، ثم قدمتها اليه . تناولها بصمت وهزّ رأسه . قلت وأنا استعد للرحيل :
- الأفضل أن أعود ، والأفضل أن تعود أنت.
هزّ رأسه بأسى ، ورفع يديه بتحية صغيرة وأسف.
قلت لنفسي وأنا اتجه الى الفندق : ايّها الآباء المقدسون ، تعالوا واسمعوا اعترافات رجل حزين . الأرض مليئة بالرجال الحزانى . وحتى الآن لم تسمعوا سوى اعترافات المخطئين ، اما الذين يموتون كل لحظة ، فأنتم لا تعرفونهم ، حتى الذي في السماء، يسند على يد ويعبث باليد الأخرى ، لا يعرف الآلالم التي يعاني منها الحزانى ، واذا كان يعرف فلماذا خلق هذا المقدار كله من الحزن! "أستغفر الله".
لما وصلت وصلت قريباً من الفندق نظرت الى الخلف . لم أر الرجال . كانت أضواء القرية تبدو باهته متعبة ، كأنها تسحب نفسها من أعماق مغارة الكراهية!
حتى التاسعة نمت . في السهرة لم أجد مكاناً في الصالة الاّ بصعوبة . كان الغرباء قد اتوا ، أماّ هي فلم أرها. هل أتت ؟ هل ذهبت مبكرة؟ ألا تزال حزينة ؟ وهل يحتمل أن تكون قد آوت الى فراشها جائعة ؟ وهو.. أين هو ؟
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف )   قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Uhh107/4/2010, 7:28 pm




كان الغرباء ، وكانت رادميلا وأيفان . شربت كثيراً تلك الليلة . وقلت لفتاة ارادت ان تراقصني عندما حان دور النساء في طلب الرقص:
- قلبي يطفح بالحزن . قد أرقص ، لكن لو أن راقصاً آخر كان بدلاً عنّي لقضيت ليلة هانئة.
نظرت ٌإليّ ياحتقار ولم تجب . لم أكن أنا الذي نطقت بهذا القول المأثور ، فكؤوس الكونياك ملأت رأسي بشجاعة نادرة‍!
طوال صباح اليوم التالي لم تظهر. رأيته ورأيت الأولاد. أما هي فلم تظهر . هل كانت تنام؟ هل أنتحرت؟ وعيناها، القنديلان اللذان يربض فيهما عبث الاله ، قوته وجبروته، وجوده ونفيه، أين هما؟ قلت لنفسي بنزق : أيتها العيون التي انفجرت في ظلمة الحياة التي أعيش فيها . سوف أعبدك . انا مجوسي أكثر من مجوس الأرض كلهم.
وأنا أغرق في أفكار متشائمة، تذكّرت قصص العشاق الصغار الذين انتحروا ، الذين شربوا السم، الذين علقوا أنفسهم بحبال على أشجار الزيتون ، وماتوا . الكتب القديمة تحكي عنهم ، تحكي عنهم بأسى . أنا ، لا أريد ان انتحر. لا أجرؤ على التفكير بهذه الجسارة . هل أصبحت كبيراً؟ وقلت لكم ولا أزال مراهقاً، والكبار ؟ كيف انتهى الكبار المسنّون؟ الشعرات البيضاء تتوغل في رؤوسهم ، الغصون تربض بهناءة حول الفم والعينين ، كانوا كباراً، ولكنهم أحبوا ، هل انتحروا؟ هل قرأت هذا في كتاب؟ سمعته؟ توهمته؟ ليس من حقكم ان تستجوبوني . ما أقوله لكم حق ، وعليكم أن تصدّقوا !
زانا ، الدبيب الزاحف عليّ، والذي يلعق قلبي بنعومة موجعة ، ماذا أسميه؟ اللهفة؟ الحب ؟ لنترك كلمة الحب ، انها خطيرة لدرجة لا احتملها ، انها شديدة القسوة ، قد اخطىء في استعمالها ، وربما تحوّلت على لساني الى انشودة لا يجدر ان اتركها طليقة هكذا . ان ما أحسّه أقرب الى رغبة البكاء .
حكيمكم الأعور يصرخ الآن : قلت لكم ما يحتاجه هذا الرجل الحنان!
وأنا أصرخ في وجه هذا الحكيم ، أصرخ بجسارة ترعبه ، حتى يبول في ثيابه: الانسان المنسي في هذا الجبل ، مطر الصيف ، الوحدة ، الشوق الجارج لانسان ، لامرأة ، لا ، لا أكذب عليكم ، أكذب ، ولكن بمقدار حبة الدواء الصغيرة . كنت في ذلك المنفى الجبلي اشتاق لعناق رحيم ، ليد صغيرة دافئة تقبض على يدي . كنت أريد عينين أذوب فيهماا حتى أتلاشي ، وكانت هي .
لو قلت لكم ان أفكاري نظيفة مثل أوراق اشجار الصنوبر المغسولة بمطر الصيف ، لكذبت . لكن لم أكن أفكّر بالمضاجعة . لم أفكّر ان تتحول هذه المرأة بين يدي إلى راداميلا ، كنت أريد أن ألمس يديها . ان أَقبّلها . أن أضع رأسي على حضنها وأغفو .اذا فكّرت أكثر من ذلك أقطعوار رأسي واعهطوه للكلاب ، وأنتم أيهّا الشديدو التزمت ، ماذا تستطيعون أن تقولوا عن الأفكار الصغيرة التي تحركت في رأسي؟ الخطيئة ؟ ولكن أين هي الخطيئة؟ حتى اللحظة لا أشتهيها . ووصية المسيح التي تستندون إليها لا يمكن أن تجعلوها مقصلة لتنتزع رأسي بكل هذه البساطة . لم اشته أمرأة غيري ، كل ما أردته أن أغفوا في تلك الجنة لحظة واحدة ثم أموت‍!


رادميلا . شعر متطاير في عتمة المساء على كتف ايفان . شفتان غليظتان شهيتان . عندما كنت أقبلها لم تكن شفتاها مثيرتين كما رأيتهما فيما بعد وهي تقبل ايفان، " أين ستهربين منّي يارادميلا!" المدينة تنظرنا وايام الشتاء الطويلة . وفي المدينة سوف اكتشف شفتيها مرة أخرى ."أرفعي رأسك يا رادميلا . أنظري إليّ . لا تتحركي ، أريد ان أرى الشفتين".
لا اريدك ابداً يارادميلا ، هنا . لو كنت بعيدة لشعرت بالراحة، القطة الماكرة التي تنام بين ثيابك لا تكف لحظة عن الخرمشة . تبتعد الآن وايفان ، لكن إلى المقدار الذي يسمح لي ان اراها . على شاطىء البحيرة تدور ، حتى اذا رأت وجهي أبعدت وجهها بسرعة مثيرة وجلست . تعطيني ظهرها ، ولكن لا تكف عن النظر ، ونحت الصنوبرة الكبيرة قرب التبغ تختار مقعداً بذاته لكي أرى "ايفان ، لا تصدّق أن قطتك ستفلت مني". لكن شكراً لشيء ما ، لإيفان ، للشهوة للجبل والبحيرة ، شكراً لشيء ما هو الذي انتزع رادميلا منّي.
بقيت وحيداً. أحساس الانسان بالوحدة في أماكن معينة ، في أوقات معينة ، أحساس بالغرق . يحس انه محاصر بالمياه من كل ناحية ، وحجارة كبيرة في رجلية تشده ، تجره الى أسفل ، وفي الأعماق احساس بالغرق كثيف ، عام مليء بالوحدة . فإذا سقط المطر أصبح الشعور بالغرق شديد الطغيان واليأس .
صحت السماء في اليوم الثالث . جلست في الشرفة ، ذات الشرفة الملعونة التي كتبت شهادة نهايتي . الشمس مليئة بالدفء والروعة والبحيرة ساكنة مثل سمكة شديدة الصلابة والثقل، والأشجار تولد مرة أخرى ، تولد : اكثر خضرة . أكثر طفولة.
كانت تضحك وهي تتقدّم . دفعت الباب بكتفها الأيسر ، والسيجارة في يدها ، وعلى رأسها قبعة قش كبيرة . كانت تنظر إليهم وقد تأخروا عنها خطوة . لما رأتني أجفلت . تراجعت الضحكة عن شفتيها، وكأنها تعتذر . انتقلت بسرعة من الجهة التي كانت تسير فيها، ، وقد كانوا وراءها ناحية اليمين ، إلى الجهة الأخرى ، أعطتني صدرها كله وهي ماتزال تبحث بقلق عن نقطة التوازن.
هل يمكن للإنسان ان يكون شديد الروعة الى هذه الدرجة ؟
وهل يستطيع انسان آخر ، أي أنسان ، ان يكون مثلها؟
الآباء المقدسون فتحوا دفاترهم .. ضاقت عيونهم وارتجفت . يقولون في أعماقهم المظلمة المليئة بالحقد والشهوة : الآن يقع هذا الانسان ، الطير يقترب من الفخ . واذا كانت وصية السيد المسيح ، والتي نهت عن اشتهاء زوجة الغير لم تطبق عليه، فنحن الآن نطبق عليه وصية الخطيئة الكبرى ، الخطيئة المميتة. يجب ان يعترف . ان يقول كم من الخطايا تموج في صدره ، ولكن اصبعي الذي وضعته في عيني لأخنق الأفكار الشريرة ، الأصبع نفسه سأمده في أعينهم . سأخترق هذه العيون، لأقول بصوت يشبه سقوط الحجارة في واد سحيق ملىء بالماء الساكن .
هل يمكن لإنسان ان يفكر باغتيال فراشة صفراء وسوداء ؟
فراشة قاسية الجمال وحزينة ؟ الآباء المقدّسون قد يفعلون ، يريدون ملء اوقاتهم الفارغة باغتيال مخلوقات الله الصغيرة . لم أفكّر في ذلك لحظة واحدة . لم تكن هذه المرأة فراشة . لم تكن طيراً ملونناً . انشودة ، لم تكن غصناً من شجرة زيزفون صاخبة الطهارة والنقاء ، لم تكن موجة صغيرة مسننة الأطراف . كانت أكثر من ذلك بكثير ، وأنتم أيّها الآباء ، كفوا اذاكم عنّي ، وانتم أيّها الآخرون ، لكم كل الحق في ان تقولوا : ابله . المراهقة لا تكفي ، الحرمان صغير مثل بئر جافة ، ماتسمعونه الآن أقرب إلى البلاهة .
في الثلاثين ، أكثر قليلاً، اقل قليلاً ، لا يهم . في الجبل العالي المليء بالخضرة والتفتح ، ورادميلا المرأة الشهية وغيرها من النساء , ولكن بالنسبة لي ليس إلاّ هذه المرأة التي تطوقها الآن مجموعة تسير وراءها مثل حاشية ، والزوج بقميصه الملّون وصمته ، وأخيراً صحته النابية.
لم اختر ، لم ارتب شيئاً . وقع الأمر دون ان أدري . وقع فجأة ةأصبح شلالاً من الحمى والحصار .
هل أحنت رأسها بتحية صغيرة ؟ هل رأيت ذلك أو توهّمته؟ ان شيئاً ما وقع . وجدت نفسي أتكوّم فوق الكرسي ، أريد ان أغوص فيه . لو امتلكت الجسارة لهربت . لوقفت كعبد فاسحاً الطريق لهذا الملكوت المقدس الذي يسير على قدمين . ارتخت عضلات جسدي من الخوف .. اعذروني اذا قلت لكم أنّ لعابي سال دون أدري. أحسست به كطلقة مفاجئة فوق ذقني . وحدها التي رأت . خجلت كثيراً ، لدرجة البكاء . رفعت يدي بسرعة أريد أن أمسح اللعاب ، وددت في تلك اللحظة لو أتحوّل الى خفقة ريح ، لأهرب وأتلاشى. لو أصبح عموداً حجرياً أخرس . كنت أحس بعنفوان ثور إلى الانسحاق.
الدودة الناغلة في الدم ، دودة الرجال والنساء المختنقين بالبؤس ، كانت هذه الدودة تنام دهوراً ، تموت ، تتلاشى ، ثم فجأة تنفجر ، تتحول إلى ريح قوية تصفع جدران الصدر من الداخل.


عندها يستحيل عليّ ان أنام. يصبح النوم حيواناً له ألف مخلب مغروسة في لحمي ، رابضة فوق الرقبة تماماً ، ويضغط حتى اذا انتهى الحلم الثقيل ، ساد شعور بالذعر.. وعدت إلى تلك الحالة التي يسمّونها اللهفة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف )   قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Uhh107/4/2010, 7:29 pm




الدودة نفسها ، السوداء ، نغلت في دمي . كنت مختنقاً بالبؤس في ذلك الفندق الجبلي ، حيث جيئت التمس الرحة ، (أو النقاهة كما تخب ميرا) وفجأة ، بعد ان رأيت تلك العيون ، لم استطع ان أنام . جثمت فوق صدري حيوانات كبيرة ، أسنانها حادة ، ولها مخالب من فولاذ ،ولما حاولت ان أهرب منها وجدت نفسي اسقط في اللهفة.
لم أستطع أن أبقى طويلاً. ظننت في لحظة ما أنّني سأموت . وفي لحظة أخرى خفت من البكاء بصوت عال. وتصوّرت نفسي أتحول إلى لعاب لزج واغرق . ان الذي يجثو على الكرسي الأبيض ، ماداً رجليه علىى طرف السور ، لا يمكن ان يكون مجردد امرأة ، لها عينان حزينتان وقلب من الزمرد . ان ما اراه أمامي كنزاً من حنين لا يحلم به طير ، لحظة الانتقال الأقصى جمالاً إلى الريح والأشجار وماء البحيرة العميق ، آه لشد ما أحسّ بالعذاب.
تصّورا ، لم يكونوا ينظرون اليها . كانوا مشغولين بأوراق تفوح منها رائحة التفاهة ، كانوا يفكّرون بتلك الكلمة اللئيمة التي تتراجع في كل ذاكرة . لتقف في ذاكرة من اخترعها مثل متسول ضجر، اتركوا الكلمات المتقاطعة وانصتوا إلى أنفاسها العذبة التي تخفق في صدرها كموجات صغيرة من الياقوت . انظروا إلى عينين لم يحلم بها بشر . لقد كان الرب مفتوناً لدرجة الانصعاق عندما صنع من الطين الأصم هاتين العينين ، ولكن هذا الرب نفسه يريد ان يغمض (في لحظة ما) هاتين العينين ويجعلهما تراباً مرة اخرى . لشد ما في ذلك من عبث وقسوة . ولشد ما يخلف في النفس ألماً يصل الى درجة العويل ، اتركوا الأوراق ، اتركوا كل شيء ، وطوفوا بوجل حول هذا العرش ، حول هذه النار الناعمة المشرئبة ، التي لا تنطفىء ، حتى لو أراد الرب.-"أستغفرالله"0
كانوا يحلّون الكلمات المتقاكعة . سألوها أكثر من مرة ، لكن لم تجب . نظرت إليّ وضحكت.
"رادميلا، لن أغفر لك هذه الخطيئة . لو كنت بدل ايفان ، في تلك الليلة ، لكسرت اضلاعك ، لجعلت شعرك كومة من الصوف ، تعبث بها الريح المتسللة من النافذة . لكن ايفان وهو يمسك ببيدك يتحّول إلى طبيب يخاف من العدوى ، رادميلا ياذات الشفتين النابيتين ، لو امتلكتك هذه الليلة لجعلت أنهار العذاب التي تنبع من داخلي رصاصاً مصهوراً يذيبك ويحولك ‘لى بخار "أزرق مميت" كان يطغى عليّ شعور ان أدمّر شيئاً ما.
رادميلا أبعد مما أتصور . رادميلا في هذا الصباح تذهب بعيداً . تجاوزت شجرة الصنوبر الكبيرة وبعد قليل سوف تصعد ويدها تلوح مثل شراع مقطوع إلى أعلى التل . سبقها ايفان إلى هناك ، وربما انحدرا إلى الناحية الثانية . ايفان يريد ان يبتعد كثيراً . يحس نظراتي الضجرة . يحس برغبتي تتموج وهي تلاحق رادميلا ، وكأنها الريح الساخنة. "ابتعد يا ايفان ، لم أعد أقوى على أن أنظر اليك".
يجب أن يقول لي أحد كيف يفكّر الانسان ! أريد أن اتابع هذه الرحلة المظلمة . كيف تنبثق الفكرة _ الرغبة ! كيف تكبر وتتطّى في الدم ، ثم كيف تتحول إلى عويل .
بالنسبة لي حصل كل شيء بغموض . رأتني أعض شفتي فأدميها ، ثم رأتني افرك ذقني بعصبية ، في نفس المكان الذي سال عليه اللعاب (المعذرة لهذه القذارة) نظرت إليّ كأّنها تلومني ، ثم لما اطفأت السيجارة برعونة أمالت رأسها (رأيت ذلك بعيني) قليلاً ، كأنّها أم التمعت في عينها نظرة قاسية.
لما استعصت عليهم بعض الكلمات التفت زوجها الى المرأة والرجل اللذين كانا يجلسان معهما ، التفت بفخر أقرب إلى القرور ، وقال:
- ليليان هي التي تحلها!
نظرإليها بطرف وجهه ، اقتربت منه مرغمة . اكبّت على الأوراق تحاول أن تفك بؤسها . وفي تلك اللحظة المدمرة المجنونة ، هربت .
عرفت اذن اسمها.
وأنا أصعد باتجاه شجرة الصنوبر ، بدأت أردّد لسمها، ردّدته مرات كثيرة . تركت حروفه تنساب في أذني ودمي . رددته بصوت عال . ثم بدأت اكتشف اسمها في الأصوات حولي . كان يصعد من صوت الريح . من صوت الطيور الصغيرة (سمعت جندياً صغيراً يرّدّده) سمعته أقرب إلى الوضوح عند الجدول . كان ليليان، ليليان. أتوهم؟ أحلم؟ لا يهم . يمكن أن تقولوا الكلمات الكبيرة التي يخجل الناس الوقورون من أن يقولها بصوت عال . اسمح لكم ، لن أغضب . ماذا تعرفون عنّي ؟ اجيبوا ان كنتم رجالاً شجعاناً. سوف تقولون الكلمات المبتذلة اياها . الكلمات التي يجد لها حكماؤكم مرادفات غير التي يردّدها المتعبون والسكارى ، يستخرجونها بوقار ومشقة من كتبهم الثقيلة الوزن ، اعرف ان مايقولونه لايعادل جثة فيل ميت!
رادميلا هي التي رمتني بالحصى . كنت غافياً تحت شجرة حور ، قريباً من النبع . لم أكن نائماً ، كانت عيناي مغلقتين ، أحاول أن أستعيد صورتها . كنت اراها اشد وضوحاً من شجرة الحور ، أشبه ما تكون بالماء ، رادميلا وهي ترمي الحصاة الثالثة لم تكن أكثر وضوحاً من ليليان التي كانت بعيدة كثيراً في ذلك الوقت!
جلس ايفان بجانبي تماماً . لم يكن يريد ان ينظر إليّ مباشرة . كان يريد أن يراني من خلال انعكاس صورتي في عيني رادميلا . غير جلسته اكثر من مرة . رملا عدداً من الحجارة في الجدول ، كأنه يرجم احداً ، وعندما قدمت له سيجارة أخذها بعصبية ، فركها بين أصابعه، ثم أشعل عوداً من الثقاب لسيجارته فقط." أهذه كل وسائلك يا ايفان في الحرب التي تخوضها ؟ انظر إلى رادميلا ، انظر اليها جيداً ،وفي عينيها بالذت ، انها تشتهي كل الرجال ، وانت لا تتعدى واحداً ، واحداً عصبياً أقرب إلى أن تقتل نفسك من الغيرة!".
لن أخوض حرباً ، انا الذي قرّرت أن لا أحارب ، حتى لو أراد ايفان . ما أفكّر فيه أكبر من كل الحروب ، اقسى منها ، اشد عذاباً. " اذهب يا ايفان . اتركني وحدي ، أريد ان أردّد اسم ليليان بصوت عال ، أريد ان أتمثلها في لحظات فتونها الأشد روعة من كل شيء . ايفان ، لك عذابك الآن ، وفي كل وقت ، وأنا ، ألست انساناَ يا ايفان؟ هل تريد ان تكون مثل الآخرين فتنظر إليّ تلك النظرة المشوبة بالعتاب ورغبة التحدي ؟ اتركني . لا أريد منك أي شيء " وانت يارادميلا ، هل نمنا معاً؟ هل عرفتك في وقت من الأوقات؟ تخطئين كثيراً اذا تصّورت ذلك . اما الرغبات فالمدينة تابوت كبير يتسع لكل شيء!".
رجعت إلى الغداء متأخراً . كانت الصالة فارغة والخدم يجمعون المفارش . نظروا إليّ بضيق ، ولي لا أزعج أحداً ، قلت:
- أريد قدحاً من الكونياك فقط، وسوف أجلس في الشرفة .
ارتاحوا . قال لي الشاب الصغير ، الذي يتحوّل إلى راقص ماهر يجذب الأنظار كل ليلة ، وهو يضع القدح أمامي وإلى جانبه كوب الصودا :
- العشاء هذه الليلة في السابعة!دوابتسم كتعزية عن الغداء الضائع!
وفي المساء تغيّر كل شيء : النساء لبسن أحسن الثياب وأجملها . شباب القرية جاؤوا إلى الفندق وظلّوا جماعات في البداية حتى ألفوا الجو ثم ضاعوا بين الناس . ارجال لبسوا بدلات داكنة وظهروا أصغر من أعمارهم . رادميلا وايفان لم يظهروا إلا في ساعة متأخرة ، وقد بدا عليهما الاعياء.
اثنان كانا يفيضان حزناً رمادياً شاحباً، ليليان وأنا . لم ترقص . رفضت جميع عروض الرقص ، بدت قاسية في رفضها . أمّا زوجها فقد بدا سعيداً في كل مرة وهو يراقص تلك الشقراء الطويلة . كان يبتعد ، يذهب إلى أقصى الحلبة . وهناك أرى ضحكة صغيرة تطفو على وجهه ، وأرى يده اليسرى تتحول إلى ملقط رطب وهو يضغط على خصرها . لم يبد عليه الندم لحظة . عندما تعب ، وجلس كل في مكانه ، بدا قلقاً ، وصامتاً ، كان يراقب الراقصين أغلب الوقت ، ولم ينظر إلى القديسة‍
تخطئون كثيراً أيّها الآباء المقدّسون اذا ظننتم أنّ السماء وحدها مكان السعادة , على هذه الأرض يوجد شيء ما . لا أزعم انه اكثر من الفرح ، وما يحتاجه الانسان هو الفرح ، اذا اراد أكثر منه ضاع في متاهة البحث عن وجود شء لا وجود له‍‍‍‍!
في الساعات الثلاث التي ظللنا خلالها في الصالة ، شعرت بفرح حقيقي . فرح لا يحدث للانسان إلاّ نادراً . عيناها نوافذ مضيئة ، تعلن بين ارتفاع الجفن وسقوطه احتضاناً بكراً لما يمكن ان يعتبر اتحاداً أزلياً بين كل الأشياء . السيجارة بين أصابعها ابتهال لقوة ما ان تفك عنها الحصار ، اشتهاء حقيقي وخصب للحياة . أمّا قدح النبيذ الذي لم يتغيّر ، فقد انعقد في ذاكرتي كتاريخ حقيقي ووحيد لما يمكن أن يسمّى الفة بين أثنين . تمنيت لو أصبح ذلك القدح ـ كنت أتطلع اليها عن قرب بتوسل متحضر ، برجاء المحكومين التائبين . كنت أريد أن أقول لها: "
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف )   قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Uhh107/4/2010, 7:30 pm




يدك أيّها السر المقدس ، يدك وهي تلتف على القدح تلتف على عنقي كخيط الحرير ، شفتك وهي تعانف حافة القدح مثل عناق الأمهات لأولادهن الذاهبين إلى حرب بعيدة ، وأنفاسك التي تنزلق بنعومة الرمال فوق كل شيء هي بداية ونهاية الحياة بالنسبة لي ، ما أشد بؤس القلب اذا تحوّلت الأشياء الخارقة النعومة والحساسية إلى كلمات ميته تقف في الحلق مثل أشواك سمكة عتيقة".
لا يهمني ما تقولون . كنت أشتهي واحترق . كم مرة التقت عيوننا؟ كم مرة أفترقت ؟ لا اعرف . فكّرت أن أركض في الظلمة ، ان أسقط في البحيرة وأموت كأكثر رجل فرح في هذه الدنيا.
فكّرت أن أنام تحت شجرة الصنوبر او بجانب النبع . كنت أريد ان أغنّي . أن أهفر وجهي بالتراب . كنت أحس بحنين لا يوصف للبكاء‍‍!
أي شيء احتمل؟ قولوا ما تشاؤون . لم أكن أرغب في أكثر مما حصلت عليه . دفنت نفسي في عينيها وندمت وفرحت وهاجرت ، ثم رجعت . كانت عيناها دافئتين وقلبها كقطة المخمل . كان قلبها رضياً ، عاتباً ، منتعشاً . ضحكت اكثر من مرة ، وأنا ارفع الكأس لنشرب معاً. لم تشرب إلاّ قليلاً ، أمّا أنا فقد شربت أكثر مما أشرب في العادة ، ولكن كنت أحس نفسي مشعاً مهتاجاً.
عندها هدأت الموسيقى ، وغادرت الشقراء مع شابين وثلاث فتيات اخريات الصالة ، بدا زوجها عصبياً وأقرب إلى الصمت المتوتر ، حتى اذا نظرت في الصالة بضجر ، التفت حواليه ، وبقسوة وبشكل مفاجىء ، يدق على الطالولة ، اشارة إلى انتهاء السهرة ، وغادرا.
تمنيت لو أدوس في نفس الأماكن التي داستها بأقدامها، كدت أفعل ذلك وانا أتهياء للنهوض . لكن رادميلا وايفان ظهرا تلك اللحظة . انضما إليّ وسبّبا لي تعاسة وارتداداً. كان ايفان وحده المتعب ، أمّا هذه الشقية ، فإنها قطة لا تمل الركض ولا تتعب . أمسكت بيدي عند الساعد ، وايفان يتابع بفتور وارتخاء ، وقالت :
- لو انك لم تأت‍ !
- رادميلا، لماذاتعودين إلى مناكدتي ؟ هل يروقك استفزازي دائماً؟
ضحكت بطفولة ، وهي تضغط على ساعدي ، كأنّها تختبرني . قالت:
- الناس يأتون إلى هنا لكي يقضوا وقتاً ممتعاً ، وأنت حملت معك من المدينة احزاناً أضافية وجئت لكي توزعها على أناس لا يروق لهم ان يحزنوا ، أو يروا بشراَ حزينين!
لم أكن حزيناً إلى المقدار الذي تشير اليه رادميلا. كنت في تلك الساعة أبتهج من الفرح والنشوة ، لكن طريقتي في التعبير عن فرحي بدت ساذجة ، حتى كادت رادميلا ان تطفئها بكلمات قليلة!دنظرت إلى ايفان بإشفاق ، بدا هرماً مرهقاً ز فكّرت بخبث بمؤمرات صغيرة يكون ايفان ضحيتها ، لكن ، وانا أفكّر سمعت من جديد موسيقى العصافير . انهم يعزفونها للمرة الثانية تلك الليلة . عندما عزفوها أول مرة بدت لي وهي تتابع الموسيقى مثل جدول صاخب يمتلىء فرحاً . الآن ـ في المرة الثانية ، أحاول أن أستعيد حركاتها البرّاقة ، رأسها وهو يتمايل ، جذعها عندما كان يتقدم الطاولة وبيدها الإثنتين تحتضن كأس النبيذ ، هكذا كانت.
صبّ لي ايفان قدحاً ، ودون أن أشعر حركت يدي ، فسقط القدح . اندلق النبيذ على ثوب رادميلا ، شهقت ، ثم ضحكت بعصبية وهي تتراجع كقطة مذعورة . لم يكن ممكناً عمل شيء البته . هزّت كتفيها دون اهتمام ، ورفعت الثوب كثيراً، بان ساقاها . كان الساقان بشفافية النبيذ . كدت أمد يدي . نظرت طويلا وأنا أحسّ الغيرة تفترس ايفان وتعذبه .
هنا يحق لأي اسقف قصير ، لأي راعي كنيسة ، حتى لو كانت قروية في مكان منعزل، أن يفتح كتابه المقدس ، ان يفتحه دون خوف ويطبق عليّ الوصايا كلها ، كنت ملوثاً وشبقاً وأردت أن أحارب ايفان . كانت الدعوة في عيون رادميلا مباحة صاخبة، وقد شعرت بلذة أقرب إلى الاشتهاء في انهدال شفتها السفلى ، بدت فرحة وهي تراني أنظر إلى ساقيها ، هكذا.
لما انتهت موسيقى العصافير ، بدأ الموسيقيون يشربون أنخاب العشاق، ثم شدوا أوتار الآلات ـ وبدأوا جولتهم بين الطاولات ليعزفوا . كانت فرصتي لأن أنسحب . قلت لإيفان ، أريد ان اعزية بخشونة:
- يجب ان يعزفوا لحن "كل ليلة ، لك يا حبيبي!"
رادميلا متوحشة ، في ثيابها رقة المرأة وشبقها ، قالت ي وهي تشد على ساعدي :
- يجب ان تقضي الليل معنا ، دعنا نسمع هذا اللحن معاً ـ وأنا كل ليلة لإيفان !
كانت نظراتها تنزلق تحت جلدي ، شعرت بدبيبها صاخباً عنيفاً ، ولم تنظر إلى إيفان إلا عندما غيّر جلسته دلالة الاحتجاج وبدا شاحباً.
لما كان الموسيقار الغجري يقترب نظرت إليه وغمزته :
ابتسم وهو ينظر إلى رادميلا . وضعت تقوداً في يده وقلت له هامساً:
- اعزف لنا لحن " أٌغيّر الأصدقاء مثلما تغيّر الأشجار أوراقها".
وقبل أن يبدأ الموسيقى ، سرقت نفسشي مثل هر وركضت .
عند الباب ، لما تأكّد ايفان من اللحن ـ التفت إلى رادميلا ، وبدا لي أنّ حديثه معها قاسياً ، لكن في تلك اللحظة كنت بعيداً ، فلم أسمع شيئاً ، وبدت لي يد رادميلا ، وهي ترفعها ، أقرب إلى التهديد ، ولم تكن تحية وداع!
ذهبت إلى الشرفة . نظرت إلى نوافذ الفندق اقرأ فيها طيف ليليان . تساءلت بإصرار أخرق : في أية غرفة تنام ؟ وأجبت نفسي بتأكيد مسلوب : الرابعة ثم تراجعت وأنا أقول : الثانية عشرة . لا إنّها السابعة ، لا الأخيرة ـ في الطابق الثالث ، نعم الأخيرة بكل تأكيد!
حاولت أن أتصورها : ليليان تنظر في الظلمة . ليليان نائمة . ليليان تنام على وجهها في السرير الأيمن ، لا انهما ينامان معاً ، لا ، لا يمكن أن تتركه بقترب منها . ولم أستطع أن أفكّر .
الظلام يضغط على الحواس ، فيجعل كل شيء غامضاً، الظلام أب كبير يعطف على الحزانى ، يمد راحته إلى الرؤوس يمسح عنها تعبها ، حزنها

ويحفظ الأسرار ، الأسرار الصغيرة التي لا تعني أكثر من اثنين.
لم أجسر على ان أفكّر بالعشاق الصغار ونهاياتهم . لم أكن صغيراً ، لكن لم أستطع ان أفهم هذه القسوة الموحشة التي تتمدّد على الأرض ، مثل ظل باهت تجعل كل شيء خاطئاً.
ليليان تفتح عينيها في الظلمة . هل تفكّر بي؟ هل مرّ طيفي أمامها؟ ربما فكّرت ان نكون معاً وتصورته يراقص الشقراء ، كأنّه يريد ان يضاجعها ، وإلاّ لماذا بدا حزيناً مغدوراً هكذا عندما رحلت؟ وأنا ، ماذا أريد من ليليان؟ هل أفكّر بليليان ورادميلا وباولا معاً؟ هل ليليان مثل باقي النساء؟.
قلت لكم أشد ما يؤلمني تلك الرحلة المظلمة التي أتيه فيها وأنا أفكّر . أريد ان أعرف كيف تولد الفكرة . كيف تكبر حتى لتصبح ولعاً مهووساً لا يتوقف ولا ينتهي . ليليان وحدها التي أريد . ولكن أي شيء أريد منها؟ تكفيني يدها. لو وضعت يدها على جبيني فسوف أكون أكثر فرحاً من البشرية كلها ساعة انتصارها . سوف أزغرد مثل حيوان كان محبوساً لآلاف السنين ، ثم استطاع أن يحطّم أسوار سجنه ويفلت ، لو انحنت فوقي وتركت لشعرها ان يسيل على وجهي لبكيت واغرقت الدنيا بدموع الغبطة ..لو مسّت جبهتها صدري لتمنيت أن أموت في تلك اللحظة ، ولم أكن لأريد شيئاً آخر.
لو قلت لكم ان حياة البشر تشبه خطوط السكك الحديدية ، فهل تفهمون ما عنيته؟ منذ البداية نفتقد اللغة المشتركة، ليس بيننا شيء مشترك ، ليس لديكم تجاهي حتى الرغبة في ان تفهموا‍ ! لا يهمني ، بدأت الرحلة وحيداً ، وسأنتهي وحيداً . اربطة العنق ، المحافظ الجلدية السوداء ، الابتسامات المرسومة باتقان ، ثم الروائح العطرية والمجاملة ، هل تفتقدون شيئاً أيّها السادة ؟ وانا ، لا أريد منكم أي شيء ، يكفيني هذا الفرح الزاهي الذي عربد في دمائي تلك الليلة ، وأنا أرى عينيها مثل وردتين ، وأرى ابتسامتها بحراً يعانق أطراف الأرض كلها .
هل ندمت بعد تلك الليلة ؟ هل أردت شيئاً أكثر منها؟
كنت وحيداً على شاطىء البحيرة . الموسيقى تصل إليّ خافته . الأشجار غابت في الظلمة واشتبكت في هذا الوجد الذي تحمله ريح خفيفة لتحرّك في الدم شهوة الاتحاد مع الطبيعة والغناء ، ثم آخر ضوء أراه ينطفىء في واجهة الفندق أمامي،وانهض‍!
تعمدت ان أقترب من الشرفة ، ردّدت اسم ليليان مرات كثيرة ، تحدّثت معها كما لو انها تسير معي ، ونظرت إلى الصالة دون أن أدخل ، لأرى ايفان ورادميلا .
في الصباح وانا انهض رأيت الباص يتحرك ، سمعت صوته أوّل الأمر، فلما نظرت من النافذة ،
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف )   قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Uhh107/4/2010, 7:32 pm




كان ينعطف حول الفندق ليدخل الشارع الرئيسي.
طوال اليوم لم أرها . أكلت مثل ثور ، شربت ، وفي المساء لم تأت . لم لم يظهر أحد . وبدا أنّ البرنامج الذي رتّبه الفندق لبعض النزلاء في جولة لزيارة بعض الأماكن قد سرقها . شعرت بالندم ، لكن شعوراً هادئاً أقرب إلى الاستسلام . كنت بحاجة إلى الراحة . ان بُعدها في هذا اليوم يخلق في النفس شجاعة حيوانية تدفعني لأن أضرب حجارة الطريق ، لأن أتسلق شجرة الصنوبر ، لأن أحاول ببلاهة صبيانية تنفيذ وصية ميرا وهي تحثني على الرياضه ، خاصة رياضة القفز العريض !
في اليوم التالي سافرت مرة أخرى ، لا أعرف متى ، لكن عامل الفندق أجابني بصلابة محايدة وانا أسأل عن هذه الرحلة ، قال:
- كان موعدها ياسيدي في الخامسة صباحاً‍!
حزنت ، أردت ان أفعل شيئاً ، لكن كل شيء أصبح ماضياً
(وانا أحب الماضي ، ذكرت ذلك لكم من قبل).
قلت لرادميلا وانا أتطلع إلى إيفان لآخذ موافقتهما معاً:
- ماذا لو ذهبنا في جولة على الأقدام مادامت الجولة الارستقراطية قد بدأت وأصبحنا هنا مجموعة صغيرة؟
قفزت رادميلا من الفرح . كانت موافقتها سريعة مهتاجة . أمّا ايفان بعقله المملوء بالغيرة والخوف ، فقد بان عليه التحفظ . فكّر قبل أن يجيب ، وازاء هيجان رادميلا ، حاول ان يتذرع بحجة عدم وجود الأكل . قالت رادميلا وهي تقبله كوسيلة أخيرة لتضغط عليه:
- سوف احضر من المطعم غدلءنا ، رأيت أمس عدداً من النزلاء يأخذون غداءهم الى البحيرة.
هزّ ايفان رأسه موافقاً . بعد ساعة كنا قد تجاوزنا قمة التل . أصّرت رادميلا ان تجلس حيث تعودت دائماً ، المقعد يطل على شرفة الفندق والبحيرة بعيدة ، سابحة في خضرة داكنة ، كنت أريد ان أجدّد نفسي ، ان أبدو انساناً لا علاقة له بالحزن‍!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف )   قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Uhh107/4/2010, 7:33 pm




الليلـة الأخيرة


لم ينتبه إليه أحد حين وقف على المنصة الخشبية ، في أقصى صالة الطعام . صفّق بيديه مرتين ، فتوقّف الجميع عن الأكل، وتطلّعت إليه العيون حيث . بدا بشعره الأبيض كتمثال شمعي له ابتسامة واسعة . فرك يديه ، تاركاً للصمت أن يحدث تأثيره ، ثم قال بهدوء تعوّده لفرط ما ردّد مثل هذه الابتسامة والكلمات:
- باسم الادارة أرحّب بكم ، وأرجو ان تتذكروا الفترة التي قضيتموها هنا. وتعودوا مرة أخرى ، كما أرجو ان تذكروا لأصدقائكم فيأتوا.
سيداتي ، سادتي : اليوم آخر أيام إقامتكم : وإدارة الفندق إذ يعّز عليها ان ترحلوا بهذه السرعة ، تعلن عن مفاجأتها الكبيرة،لهذه الليلة ، لتكون أقوى ذكرى ، سوف نقيم حفلة تنكّرية ، ويمكنكم أن تشتروا الأقنعة أو أية أشياء تحتاجونها من المقصف .
وتبدأ الحفلة في العاشرة ، وقد تنتهي في السادسة موعد السفر!
شكراً وإلى اللقاء في العاشرة.
أيّ قناع ترتدي ليليان هذه الليلة ؟ وهل سأتمكّن من معرفتها؟ وهل يتركني أرقص معها؟ وإذا جئت ولم تأت؟
زأنا أي قناع يناسب فرحي البائس الذي سيهرب غداً في الصباح؟ أريد أن أضع على وجهي قناع غزال : عيناان شاكيتان ووجه شاحب فزع ، ولا شيء غير ذلك . ولكن ماذا لو استعملت وجه نعامة؟ "ليليان تعالي كما أنت لأرى عينيك ، أريد ان أغرق فيهما ، أمّا الأقنعة فإنّها سياج من الأشواك . لا أطيق ان أراك غير ما أنت يا ليليان. سوف ألثم شعرك . إذا انسدل الشعر على كتفي سوف يحرقني تماماً ، أمّا اذا أمسكت يدك الرطبة الناعمة يدي ، فلن تجديني بعد لحظة ، سوف أتفتّت وأذوب . لا تحزني ابداً إذا تلاشيت ، إذا تحوّلت إلى غبار رقيق لا تراه العين ، سأكون سعيداً حتى درجة الاختناق ، لأنّي أرفرف حولك في تلك اللحظة ، وإلى الأبد".
" إنّ أفضل ما يناسب وجهي قناع رجل ضاحك بسخرية . أريد أن أجعلك تفرحين ولو ساعة من زمان . غداً نفترق يا ليليان . لن أراك ، وحتى لو رأيتك فلن تكوني قريبة إلى هذه الدرجة . أتعدينني أن تضحكي إذا لبست وجه رجل ساخر لا تظهر إلاّ أسنانه الضاحكة؟ يجب أن تضحكي . اضحكي من أجلي هذه المرة . ستكون الضحكة مصباحاً يضيء طرقاتي في الظلمة ، تضيء السواد الحزين الرابض في أعماقي مثل بئر لا قاع لها. قولي لي شيئاً يا ليليان ، كل ما أريده منك لحظات فرح مسروقة ، وبعدها اذا انتهى العالم ، اذا انتهيت ، اذا قال الآباء المقدّسون أي شيء ، فلن أندم".
هل أسأل رادميلا أي قناع ستلبس لكي أتجنبها ؟ لكي لا أضيع وأسقط في بحيرة الجنون ؟ " رادميلا ، الشيء الذي أريده منك ان تبتعدي عنّي هذه الليلة . إيفان لن يتركني أقترب ، أعرف هذا ، لكن أنت ستعرفين كيف تفعلين ، كيف تمتصين اللذة من الأعصاب ثم تتركيها رخوة هشة لا تقوى على المشي . أقول لك بصوت عال : إرحميني هذه الليلة يا رادميلا . سمّي ما أطلبه ذلاّ ، رجاءُ ، عوناً ، لا تهمّ الصفة ، هذا ما أريده وستفعلين!".
ولكن رادميلا لن تكون المرأة الوحيدة . عشرات النساء ونساء القرية سيكنّ هنا الليلة. يجب ان أعرف بدقّة أي قناع ستلبس ليليان ، لماذا أظلّ مخدوعاً حائراً ومعذباً ؟ وماذا لو اكتشفت في النهاية امرأة غير ليليان؟
وزوجها ؟ أنا رجل يطلب صدقة ، هل يتكّرم مولاي ويعطيني الصدقة التي أطلبها؟ زوجته؟ أي رجل على وجه الأرض يوافق على صدقة مثل هذه ؟ ولكنه يبدو كريماً.. تلك الليلة ، دون أن أقنعه لم يراقصها ، هرب بعيداً وظل يراقص الشقراء حتى غادرت . لن أقول له كلمة واحدة ، يجب أن أجلس في صالة الفندق ، قريباً من المقصف وأرقبه ، وهما يشتريان الأقنعة . ولكن هذه الأقنعة اللعينة لا تعطي سرها ، إنّها مطوية ،متشابهه ، وعندما تتمطى فوق الوجوه بابتسامتها الساخرة ، ببذاءتها ، بغموضها ، لا يعرف الانسان شيئاً ! لو ذهبت وسألت عن الأقنعة هل أستطيع ان أستنتج شيئاً ما ؟ الانسان في مثل هذه الليلة يريد ان يختفّي ، ان يتوارى ان ينسى صفاته الانسانية . كل واحد يمل وجهه وابتسامته البلهاء ، يمل النظرة الهادئة والرصانة ، أغلب الأقنعة لقرود ضاحكة ، لطيور النحس والحمير وأنتم الذين صنعتم مثل هذه الأقنعة ألم تفكّروا بالبؤس ، بالعذاب الكائن وراء الابتسامات ؟ لماذا لم تصنعوا أجمل قناع لأروع امرأة؟ قناع الخصب والعنفوان ! ألا تدركون ان القناع الذي ستلبسه ليليان هذه الليلة سيكون شاهداً لقبر حياتي أتذكّره كل وقت ؟ أنتم لا تعرفون ، لا أحد يعرف ، وأنتم يا من تقرأون لن تعرفوا مقدار الألم الذي أحسّه ، قولوا كلماتكم إيّاها ، أعرف كلمات أكثر بذاءة مما تتصوّرون ، أعرفها بأكثر من لغة ، لكن لا فائدة من قول أي شيء الآن!
كانا يتناقشان بحدّة ، أو هكذا بدا لي منظرهما أثناء الحديث . نظرت إليها طويلاً أريد ان ألمّ بتفاصيلها لكي أنتزعها بقوة وأراقصها مثل إلَه إغريقي . كان حذاؤها أسود وفيه حلقات صفراء معدنية على شكل دوائر متداخلة ، أمّا فستانها فكان بلون الربيع : أخضر هادئاً ، بعروق صغيرة بين الأسود والبنفسجي . وأي شيء آخر يمكن أن أتذكّره ؟ قلت في نفسي : لست بحاجة لأن أنظر إليها ، أعرف رائحتها ، أعرف خفقة قلبها ، وحتى لو كانت ضائعة بين آلاف البشر، سوف أكتشفها دون تعب .
قلت لرادميلا أشجعها على مؤامرة صغيرة :
- أي قناع تضعين على وجهك الليلة يارادميلا؟
نظّرت إليّ وهي تبتسم ، كأنها أحسّت ، وقبل أن تجيب تابعت بلهجة ساخرة :
- سوف أعرفك حتى ولو وضعت قناع قرد‍
قال ايفان بطريقة باردة ، وكأنه يتحدّى :
- إذا عرفت رادميلا فسوف أفتح لك زجاجة شمبانيا‍
- وإذا خسرت؟
سألته بتحدّ وأنا أحرض رادميلا لكي يخسر . قال بطريقته الباردة المتحدية:
- لا أريد منك شيئاً ، أنا الوحيد الذي يراقصها طوال الليل‍!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف )   قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Uhh107/4/2010, 7:34 pm




قلت وقد شعرت بالظفر :
- إذا غادرت الفراش فسوف أعرف رادميلا دون شك !
ذهبت إلى الصالة. جلست قريباً من الحائط . كان المقصف إلى يساري . ومن مكاني كنت أستطيع ان أرى كل شيء دون ان أثير اهتمام أحد. مرّ أمامي كثيرون ولم تأت . لماذا تأخّرت؟ ألا تزال تناقشه حول القناع الذي ستختاره ؟ هل قرّرا ألاّ يشتركا في هذه الحفلة ؟ وإلاّ لماذا تأخّرا؟
حين أطلت والتقت عيوننا ابتسمت . كانت ابتسامة العيون لا يراها أحد، لا يراها إلاّ من أدمنها ، من احترق فيها. لم تنفرج شفتاها حين ابتسمت ، لكن الدينا أضاءت في لحظة ، لم تضيء فقط اشتعلت بخفقات الوله واللذة . لم تتركني عيناها حتى لما أصبحت موازية لي . كانت تنظر إلى أمام ، لكن شيئاً فيها كان ينظر إليّ . لما أحسست دمي يهتز في داخلي ، يخفق ، يعربد بالخوف واللذة معاً . هل يمكن للانسان ان يتمنى أكثر من هذه النظرة؟
توقّف زوجها عند بائع السيجار واشترى علبة . إنّه يتنكّر كثيراً هذه الليلة . أخرج من العلبة ، بمرح طفولي ، سيجاراً، وقال يخاطبها بصوت عال وهي تقف أمام لوحة الأزياء .
- ليليان ، هل أشتري لك شيئاً؟
وتابع قبل ان ينتظر إجابتها . قضم رأس السيجار وبصق . كان يضع يضع السيجار في فمه دون أن يشعله ، ووضع يده على كتفها وهما يخرجان‍!

يده الثقيلة فوق كتفها ، رمانة الكتف الآن تحت راحته . يتلمّس لحمها ، ما أشد سعادته!
إنّ سعادة مثل هذه لا يحتملها إنسان! ألاّ يموت من هذا الافتنان اللجوج الذي يضجّ تحت يديه مثل أرض الرمال المتحركة؟ آه ليت ان قوة الأرض حكيمة بالمقدار الضروري تنصب المشانق .. أنا أول من يريد أن يشنق ، لو وضعت يدي على كتفها ، لو ان راحة يدي مسّت دماءها ، لحمها ، لقلت بصوت يشبه دوي الرعد : ((أنت يا من يقف عند قدمي ، إرفع كرسيك المشؤوم ، ولينته كل شيء بسرعة!)).
أي شيء فعلت خلال الساعات الثلاث التي امتدت ما بين العشاء وساعة الحفلة ؟ ثقوا لو أنّي أردت الوقوف أمام قس كاثوليكي جاد وأعترف له بصدق ، لما استطعت أن أقول جملة واحدة ، كان سينظر في عيني الفارغتين المذهولتين ويرتعش! لم أفعل شيئاً. نظرت إلى السقف ، كانت الساعة السابعة والنصف عندما ارتميت ، ولم أنتبه إلاّ قبل العاشرة بسبع دقائق!
لما نزلت إلى القاعة ، كانت أصوات الآلات والبشر تعربد بدوي مخنوق . الطبول عارية متألقة . النحاسية تزهو وكأّن لمعانها يغنّي . والبشر .. آه كم يتعذّب البشر من أجل ان يتشوهوا ! أقنعة القرود الضاحكة سيول . القرود تقتحم القاعة تملأها ، حتى لتجعلها جبلاية حصينة بائسة! لم أجد قناع الغزال الذي حلمت به طوال بعد الظهر . أشتريت قناعاً هازئاً : رجل بنصف شارب ، ووجه مقسوم من الوسط بشكل عرضي ، الأعلى أصفر والأسفل بلون الباذنجان الفج ، وفي وسط اللون الأصفر ، قريباً من العين خدوش مثل تلك التي يضعها الهنود الحمر ، ولا تستغربوا اذا أضفت للقناع أشياء من عندي : ثقبت القسم الأسفل وربطت مجموعة من الخيوط على شكل لحية مسترسلة، خيوط طويلة غليظة ، وقد جعلت ألوانها متداخلة . لم فعلت ذلك ؟ مالذي أوحى إليّ بهذه اللعبة السمجة؟ لا أعرف!
كنت أتهادى مثل فارس مهزوم . نظرت إلى الوجوه بتحدّ . نظرت إليها عن قرب . كنت أريد لأن أكتشفها . رادميلا لم تخيّب ظنّي أبداً ، عرفتها خلال اللحظات الأولى ، كان عنقها مشرئباً ، وربما تفتش عنيّ ، وإيفان إلى جانبها وقد تحوّل إلى قس . لم يكن يريدها أن تفلت منه ، ربما عرفني . استدار بسرعة لمّا رآنّي أحدق فيه . لمّا استدار قلت في نفسي: قطعت نصف المسافة نحو الجنة ، لن أسقط بين يدي رادميلا هذه الليلة .
وليليان أين يمكن أن تكون؟ ماذا تلبس ؟ بحثت طويلاً. وقفت قريباً من رجل بدا لي أوّل الأمر زوجها ، كان قناعه على شكل متسوّل ليس له أسنان في فمه الكبير ، نظرت حوله أريد ان أكتشف معبودتي ، لكن لم تكن هناك . "أين أنت ياليليان؟"
لا يمكن لللانسان ان يشعر بالبؤس أكثر مما لو مان يفتش عن إبرة في القش . نظرت الى السقف ، بحثت ، ولم أنتبه إلى الموسيقى بدأت تدوي!
اختلط الناس لدرجة الالتصاق الكلي . الخطوة التالية يتحوّل الجميع إلى كتلة ليس لها أطراف . حالة من التداخل ، رصاص مصهور لا يلبث أن يصبح سبيكة واحدة ، لا يقسمها سوى هذا التوقف الأرعن للموسيقى ، لكن للحظة ثم تعود الكتلة إلى الالتصاق أكثر من السابق.
داسوا على قدمي وأنا أتجول . دفعوني مرات كثيرة . تراجعت . تقدمت . كدت لأسقط لما حاولت تجنب هذا العملاق الذي وضع على وجهه قناع طفل!
حين دخلت كدت أموت , لم أكن بحاجة إلى من يدلّني عليها . كانت بثوب أسود طويل يغطّي حتى قدميها . ساعداها مكشوفان يلمعان مثل بروق متوهجة ، شعرها وهو يتساقط على كتفها أشبه ما يكون بعاصفة ثلجية . أمّا الوجه ، فأعرفه أكثر من زوجها آلاف المرات ، أعرفه أكثر من إله . كان وجهها هو عيناها . القناع لإمرأة كبيرة ، ليس في فمها سوى سن واحدة ، التجاعيد كثيرة حتى يمكن لريشة متوسطة ان تسير دون عناء ، وخصلات شعر تشكّل بداية الجبين .
وقفا طويلاً عند الباب . كنت مسمراً بعيداً ، وانظر . جفلت أول الأمر . بدت خائفة ، وكادت أن ترجع ، لولا ان يده امتدت تطوقها وتمنعها .
وتسلّلت حتى أصبحت قريباً منها ، ولكن في تلك اللحظة بدأت ترقص . كانت عيناها تجوبان القاعة ، تبحث ربما كنت الذي تبحث عنه . اندفعت أراقص امرأة كانت تدور حولي في تلك اللحظة ، تسللت خطوة كبيرة في النقلة الثانية ، كادت تقع لفرط مادفعتها باتجاه ليليان ، لما اقتربت قلت بأصبعي ، بعيني ، بخيوط لحيتي ، إنّي هنا.
في تلك اللحظة المليئة بالخطر والرهبة التقينا . بدا لي ان جسمها ارتعش حين عرفتني . تراجعت خطوة حتى لامس ظهرها كتفي ، كدت أصرخ . كدت أذوب ، لكن والمرأة القصيرة تشدني جعلت عظامي تتصلب وتتماسك .
الكنيسة ، يأساقفتها وقسسها وحتى بشمّاسيها ، تنظر الآن بأنفاس متقطعة تتابع رحلتي المدنسة ، مهلاً ، استريحوا تماماً سأقول لكم كل شيء ، ولا تغضبوا إذا لم تجدوا شيئاً في النهاية .
أتذّكر بحنين موجع يشبه ألم العظام المعروسة ، ان الموسيقى كانت تعزف التقينا.
أيّتها السماء الملبدة ، أيّتها السماء الهائجة ، ياصواعق تحرق التراب ، يا أيّتها الفيضانات العمياء ، تحركي واحرقي واغرقي كل خلية في جسدي ، لأنّ هذا الجسد بعد فرح تلك الليلة لم يعد يبالي بشيء ، أي شيء!
سحبت يدي بسرعة أريد ان أخلصها من التيار الصاعق الذي سرى في جسدي كله ، لمنها كانت قريبة لدرجة الذهول ، ويداها كانتا رقيقتين كنداء . أمّا العيون فقد انزلقت عليّ وأغرقتني!
أيّة حيرة يمكن ان تسيطر على انسان ساعة الاحتظار ؟ أي رعب أشدّ من لحظة الموت الكلي البطيء؟ كدت أهرب ، كدت أصرخ ، أيّتها اللهفة هل أنت الحب؟
قولوا أي شيء (ابتسموا ، من حقكم ذلك ) حرمان ، مراهقة ، حلم ، لم يعد يهمني مادمت سلكت طريق الجلجلة ، وأنتم أيّها الأساقفة ، يجب ان تتسامحوا كثيراً ، لأنّي مسيح مجوسي يحترق آلاف المرات كل ثانية . ان موت المخلص كان موتاً واحداً ، أمّا أنا فقد مت آلاف المرات ، وما أزال أموت ، كفّوا أذاكم عنّي ، وإلاّ.
يجدر بي ان أكف عن التذكّر . من يستطيع أن يسترجع لحظات خوفه وبسالته ولذته وآلاف المشاعر الأخرى ؟ من يستطيع ان يسترجعها بشموخها الأقوى من الصخر والأحد من الأمواس؟ ومن يستطيع ان يسترجعها بليونتها المائية ، بنعومتها المنزلقة من راحة اليد !أنا لا أستطيع .. حاولت كثيراً لكن لم أستطع ، أأنتم تستطيعون ؟ لا أعرف حاولوا .
في تلك الليلة البائسة الفرحة تحوّلت إلى رجل معتوه.
هل تصدقون أن عدد الكلمات التي قلناها لم تزد عن عشر ؟
وهل تتصورن ان كائنين بشريين يتحولان إلى طفلين وهما يردّدان دون تعب كلمات معتوهة؟
في تلك الليلة رددت اسمها آلاف المرات . والآن إذا أردت ان أستعيد الكلمات التي يمكن ان تعبّر عن تلك اللحظة الفاجعة ماذا أقول؟ هيّا انتفضوا مثل ديوك ، وقولوا شيئاً‍ (اللغة ذليلة متخاذلة وتشبه عنقوداً من العنب المجرود ) كانت الكلمات وهي تترنح على شفتي بائسة ، بلهاء وتشبه لغة المهانين ، أو الأصوات الصدئة .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف )   قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Uhh107/4/2010, 7:36 pm

لم أكن أقول : "ليليان" لأردّد اسمها فقط . كنت أحوّل كل حرف إلى نشيد لم يحمل مثله طير ، لم يحلم به بحّار ، لم يلفظه شاعر (أنا أقول كلمات دافئة الآن) كانت حروف اسمها في مخيّ أشعة دامية تسيل بآلاف الخيالات المدمرة المشحونة على عربات الأمل المستحيل‍
أمّا عندما قلت لها أحبك ياليليان ، فقد شعرت انّي أطير.
أتحوّل إلى غيمة ، أسبح في مكان فسيح أزرق لامع . وقد قلت لها بقداسة الأنبياء:
- أريد ان أموت هذه اللحظة ياليليان .
هل رأيت دموعها تسقط؟ هل شدّت على يدي بتصرع ؟ هل قربت خدها من رقبتي ؟
أيّها الانسان المهتوك القلب ، الغارق في وحل الصدفة العمياء ، في لغة الجنادب التي فقدت القدرة على الطيران ، أنت لا تعرف شيئاً البتة‍!
اتركوا وردة حزينة على قبر مجهول ، اتركوا هذه الوردة دون أسف ، بل بشجاعة ، فقد شيّعت قلبي في تلك الليلة . دفنت في مقبرة المجوسي قلبي ، وما يزال ، حتى هذه اللحظة ، يحترق ، يأبى ان ينتهي ، لكن لم أعد أملكه البتة.
ليليان لن أنساك ابداً . اخطىء كثيراً وأنا أقول هذه الكلمات ، لكن دعيني أقول شيئاً مجوسياً : النار التي اشتعلت في قلبي يوماً ، لن تنطفىء .
***
في السادسة كانت ثلاث سيارات باص تقف عند المدخل الرئيسي للفندق . القدر نفسه ، أو هذه القوة المبهمة الضالة التي ترتب كل شيء ، رتّبت ايضاً استمرار الخطأ.
ركبت ليليان السيارة الأولى . كانت شاحبة حزينة شديدة الروعة . نظرت إليّ بوُله كافر . كانت تعلن احتجاجها على كل شيء ، وتلويحة اليد الصغيرة التي امتدت من الشباك عندما ابتعدت السيارة كانت نداء حزيناً لطائر قرّر ان يموت سريعاً.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف )   قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Uhh107/4/2010, 7:38 pm




المدينه


[B] باقه زهور حمراء وميرا على رصيف المحطه. كان في عينيها اعتذار عن خطيئه ما , ارتكبتها اثناء سفري . احسست بذلك من رفة العين ومن هروبها . وضعت الزهور بين يدي واحتضنتني كانت اقل دفئا مما تصورت . ابعدتها بهدوء , اعدت النظر اليها الزهور , وامسكت بها من يديها عن الكتفين , ونظرت اليها هكذا . ابتسمت . ارتجفت شفتها السفلى دون ارادة , تطلعت حواليها تنفتش عن طريق للدفاع . تحركت قليلاً لتفلت من يدي ونظراتي . قالت وقد بدأت بهجومها :
- تغيرت كثيراً , هل انت مريض؟
- متعب ياميرا.
يبدو انني قلت هذه الكلمه بيأس , والا لماذا بدأت نظراتها تكتسحني هكذا وكأنها رأت في عيني خطيئه اكبر من خطيئتها ؟
هزت رأسها دون معنى وسألتني :
- الشحوب في وجهك ليس دليل التعب , يبدو انك مريض , الست مريضا؟
وبأسلوب الممرضات المسنات اللواتي يقمعن بالعمل ضمن شعور الواجب والامهات, وضعت راحتها على جبيني ابتسمت وانا أسألها :
- ماذا فلعت اثناء سفري؟
- ماذا يمكن ان افعل ؟ الحياة نفسها . كنت أذهب الى العمل كل يوم , ذهبت الى السينما مرتين , قرأت كثيراً.
انتظرت لحظات ثم قالت بنبره مستسلمه :
- نظمت قصيدتين , واحده لك والثانيه .
وقبل ان تكمل عبارتها قلت :
- وواحده له!
- من؟
- له, انت تعرفين ماذا اعني؟
قالت وهي تنظر الى وجهه بعيدة , لاتريدني ان ارى عينيها :
- قبل ان اسألك , قبل ان اعرف ماذا فعلت انت , تحاول ان تحاصرني!
- لاتغضبي , فأنا اعرف العداله التي تعتمدين عليها في التصرف , فما دمت نظمت قصيدة لي , فالعدل ان تكون الثانية له.
- سوف اقرأ لك الاثنين , وسترى بنفسك!
- والثانيه , عن اي شي ؟
- عن البحر .
- مادام الامر كذلك . فأنا لم اخطىء ابداً , واحدة للجبل والاخرى للبحر.
-دائماً تحب السخرية!
- افتقدتك كثيراً ياميرا. أمّا البطيخة اللعينة التي حملتها طوال الطريق، فقد تحطمت عند باب الفندق تماماً، وسبّبت لي حرجاً كبيراً.
- طبعاً مع النساء!
- مع نفسي ياميرا . تصوّري تحطمت عند باب الفندق ، لعد ان تعبت بنقلها.. عندما اقتربت من نهاية المشوار فضّلت ان تنتحر!
ذهبنا الى غرفتي . بدت ميرا ، والضوء يسقط عليها من أعلى ، أقل اغراء ، حتى ان فكرة ان ننام معاً بدت لي منفرة ، وتمنّيت لو ان هذه الفكرة تتلاشلى بطريقة ما .
ولكن هذه الغرفة اللعينة ، بالسرير الموضوع في الصدر ، قريباً من الجدار ، بالضوء المنسب بخضرة لامعة ، بالصور الثلاث التي شهدت اللعبة الخطرة ، هذه الغرفة شهدتني كثيراً في الماضي ، أقف رأس ميرا ، قريباً من الضوء ، أحاول ان أقرأ المجلة التي تضعها على الطاولة ، وانكبّت عليها كانت يدي تزحف ، تجوس ظهرها ، صدرها ، وميرا ترفض ، تهرب بجسمها باثارة ، ثّم أهوي على رقبتها . فتعطيني شفتيها باستسلام ، وأحملها كحمامة صغيرة إلى السرير ، ودون ان تقول كلمة واحدة ، تعبق الغرفة برائحة ما، ثّم تعبق باللهاث ، بالزفرات ، بصرخات صغيرة ، وأخيراً نرتمي ، كل في ناحية من السرير ، وأيدينا المتعبة آخر جسر لتلك اللذة الهاربة!
هذه الغرفة شريرة ، باستطالتها التي تشبه الجسر ، بالمدفأة الطويلة المقابلة للسرير كأّنها امرأة مدثرة ، بالباب الطويل ، في الجانب الآخر يوصل إلى الحمام ، وحتى السجادة وقد وضعت عليها قماشة طويلة توصل مابين الباب والسرير ، كل هذه المستطيلات تقفز فجأة لتوحي إلّي بجسد امرأة ، بالمضاجعة .
قرأت لي ميرا قصيدة البحر أولاً لكي تدافع عن نفسها ، كانت قصيدة عادية ليست حارة وأقرب ماتكون الى الوصف الخارجي . قلت لها وأنا أسحبها من ذراعها:
قصيدتي ، أريد ان أقرأها وأنا عار!
هربت منّي . نفس الطريقة المثيرة التي تتّبعها . فتحت الباب وهي تقول:
- اذا تحرّكت خطوة واحدة ، هربت.
تراجعت ، لتكمل اللعبة جلست على حافة السرير ، وبدأت أفك أزرار قميصي . أغلقت الباب بهدوء والتصقت بالجدار تتابع حركاتي المدروسة . قالت وهي تعرف باقي الحديث:
- ألم تعدني ان لا نفعل شيئاً بعد ان تعود؟
- وهل تريد ان تفعل شيئاً الآن؟
لماذا تنزع ملابسك اذن؟
- أشعر بالحرارة ياميرا ، ثم ان الملابس تضايقني!
- هل تقول لي كلمة شرف بألا تفعل شيئاً؟
- اختبريني هذه المرة ، دون كلمات شرف!د-لا : أريد ان تعطيني كلمة.
- تعالي دون كلمات ، تأكّدي بنفسك!
- ولماذا لا نجلس على الطاولة مثل أناس عقلاء؟
- ميرا ، تعالي ، لم أعد أطيق انتظار!!
- أهرب ، وأنت تعرفني.
وبخفة قط ركضت إلى الباب وأغلقته . فوجئت بسرعتي ، والرغبة فس ان تثيرني لا تزال تسيطر عليها . قالت بخبث:
- قبل قليل كنت متعباً، كنت مريضاً!
وغيّرت نبرة صوتها ، فبدت هادئة ، أقرب إلى الحكمة ، وهي تقول:
- كل الرجال هكذا، قبل الفراش ، وبعده!
- تعرفين جيداً عالم الرجال ، وعندما قلت لك القصيدة الثانية له غضبت ! هل يعاملك بنفس الطريقة؟.
غضبت هذه المرة ، أو هكذا بدت . تقدّمت بخطوات قوية نحو الطاولة وجلست على الكرسي ، وقد صمّمت أن تقاوم . بدت أكثر اثارة ، بوجهها الصلب ونظراتها القاسية . تصوّرت انها ستمانع ، وان الكلمات التي قلتها جرحتها . تمدّدت في الكرسي وقلت لها:
- أوافق ان تقرئي القصيدة الآن ، لكن أية اثارة فيها ، سأرد عليها بطريقة عملية!
أخذت تدخم دون أن تهتم لما قلته . أمسكت بمجلة كانت على الطاولة الصغيرة ، قرب السرير ، وقذفتها بها .وضعتها بهدوء على الطاولة ، دون ان تتبدل هيئتها. تحركت على الفراش لأشعرها انني أنهض ، لكن لم تتحرك ، صرخت بصبر نافد:
- ميرا ، اذا لم تأت فسوف أنام!


ابتسمت دون اهتمام، وبرقت في رأسها فكرة ان تتركني. أحسست بذلك من تغيّر ملامحها . كانت ملامح وجهها تتغيّر بسرعة ، وكأنّها تستعد لاتخاذ قرار. وفجأة رأيتها تجمع نفسها ، تلتقط حقيبة يدها ، وتقبل نحوي مثلما تفعل دائماً ، انحنت فوقي وقبلتني تلك القبلة السريعة وقالت قبل ان تتركني :
- لا تنس ان تضع ماء للزهور!
خطت بتصميم نحو الباب . لما وجدته مايزال مقفلاً ، قالت بلهجة باردة محايدة:
- أعطني المفتاح!
أعطيتها المفتاح دون كلمة . ادارته في القفل . ولما فتحت الباب وخرجت ، قالت قبل ان تغلقه :
- اتصل بي غداً ، قبل الثانية!دكنت غاضباً عصبياً لما سمعت خطوات ميرا على الدرج ، ثم لمّا ابتعدت . ندمت . ندمت كثيراً . كدت أنزل وراءها . كدت أفتح باب الشرفة وأنادي ، لكن أختفت مشاعري ، او بالأحرى اضطربت . لم أعد أعرف ماذا يجب ان أفعل.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف )   قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Uhh107/4/2010, 7:42 pm


لم أتّصل في اليوم التالي ، ولم أتصّل في اليوم الذي يليه . في اليوم الثالث اتصلت . كانت على الطرف الثاني من التلفون باردة غاضبة . واعتذرت أنها لا تستطيع ان نلتقي ذلك اليوم ، لأنّها على موعد مع صديقتها!
بدأت ميرا اذن! تريد ان تنتقم . تريد ان تعلّمني درساً. ليكن! ليست ميرا المرأة الوحيدة في هذه المدينة الكبيرة ، في المدينة الآف النساء ، واذا ارتبطت معها خلال الفترة الماضية ، فلأنّي كنت ضجراً . كنت أعرف ان لها علاقة بزميل في نفس العمل . رأيتهما معاً أكثر من مرة ، حاولت ان أسلك بطريقة لا تثير متاعب من أي نوع ، قلت في نفسي أوّل الأمر : لأتركها ، لا أحتمل ، ولكن يجب ان أذلّها قبل ان انهي علاقتي معها.
في وقت متأخّر ، همدت مشاعري . لم يعد الأمر يثيرني إلى الدرجة التي أحارب ميرا ، أو أفتعل معها معركة . قلت لنفسي أدافع عن ميرا وأبرّر تصرفاتها : وأنت ، ألا تعرف باولا ؟ لماذا تبّرر لنفسك الكثير وتمنع عنها كل شيء؟ وماذا تكون ميرا بالنسبة لك ؟ امرأة شقراء ، لها فم شهواني وجسم مثير ، انتما بحاجة إلى بعض ، دون كلمات كبيرة ، دون روابط كاثولكية ، وأخيراً دون نتائج ، هكذا ارتضيت ، هكذا يجب ان تكون!
بعد ان اغلقت ميرا سماعة التلفون ، ذهبت إلى باولا . كانت باولا صاخبة ، تدخن ، تضع ساقيها فوق كرسي لما دخلت الى نادي الكلية . لما رأتني صرخت . ركضت نحوي برعونة لذيذة ، دون ان تهتم بنظرات الذين كانوا معها .
جلسنا في زاوية بعيدة ، وقبل أن أغادر النادي اتفقنا على اللقاء في الخامسة !
باولا امرأة عملية ، لا تحب التعقيدات ابداً ، تضحك ، تدخن ، تشرب، وفي الفراش امرأة تنزع اللذة من الرأس . كنت أريدها أوقات معينة . وأتصوّر ان أية امرأة - لا تغني عنها، أمّا اذا انتهينا ، فتبدو أمراة أخرى : تدندن بأغنيات بذيئة ، وهي تتجه إلى الحمام عارية ، دون ان تحس بأدنى مشاعر الخوف أو الخجل ، تغتسل وباب الحمام مفتوح ، تاركة لي ان أتملى من جسدها ، وهي تستدير ، وهي تمسح تحت ابطيها ، بين ساقيها ،لم يكن اي شيء يحرجها . تبتسم بطفولة ، تقفز ، تلبس احد ثيابي ، ريثما يجف ثوبها الداخلي ، وترجع الى الفراش بلذة ، تطلب الدفء ، وبحركاتها الخصبة اللامعة تهيجني . أستدير هارباً منها ، ترتمي فوقي ، تنزلق تحتي ، حتى اذا عبقت الغرفة بتلك الرائحة المختلطة بالسجائر والكونياك ، نمنا ، أو بالاحرى تنام وحدها ، وأفّكر
(انا كثير التفكير والحزن ، لا أعرف لماذا؟).
كنت أحب النظر الى وجه باولا وهي نائمة . أنفاسها منتظمة مطمئنة أغلب الوقت . وجهها مستسلم هانىء عروق رقبتها تظهر وتختفي بنعومة لذيذة . صدرها العالي شامخ قوي كأّنه زمن أبدي لا ينتهي . فإذا استيقضت على نظراتي ، ضربتني على خدّي ، أو عضت ساعدي ، كأنّي أخونها وأنا أنظر اليها ، هكذا .

هكذاكانت باولا بالنسبة لي .
بعد ان غضبت ميرا ، ظللنا ، باولا وأنا ، أربعة أيام نلتقي كل ليلة . وفي الأيام الأربعة تحوّلت الى حيوان مهترىء متعب لا أقوى على رفع يدي إلى رأسي. نمت معها كثيراً . شربت وأكلت ، لكن في لحظة نزقة قلت لباولا استفزها :
- نحن حقراء يا باولا . لسنا طلاباً . يجب ان نتحول إلى حيوانات توضع في زرائب لتحسين النسل ، أنت تستقبلين الذكور وأنا أستقبل الاناث!
- وهل مللتني ؟ هل تريدني ان أذهب؟
- لا أقصد هذا ياباولا ، لكن يجب ان نعود الى حياة طبيعية مثل باقي الناس!
- وماذا يجب ان نفعل؟
- ان نلتقي مرة كل اسبوع ، مرتين!دوانتظرت لأرى وقع كلماتي ، فلما رأيتها تقلب شفتيها دون اهتمام ، قلت :
- أنت تعرفين ان واجباتي الدراسية تقتضي تخصيص كل وقتي للدراسة ، لكي انتهي في الوقت المناسب!دوبعصبية شرسة قالت:
- وأنا التي أمنعك من الدراسة!
- لم أقصد ذلك يا باولا ، لكن يجب ان ننظم أوقاتنا!
كانت تلك آخر مرة تزورني فيها باولا . لم ترٌ غرفتي بعد ذلك . التقينا عدّة مرات ، لكن في النادي ، في مقهى ، وأغلب الأحيان كانت تهز الكتب التي تحملها ، وتقول لي بلهجة ساخرة متحدية ، اذا طلبت منها أن نذهب تلك الليلة معاً:
- انتبه ، أنا طالبة ، ولا أستطيع ان أضيّع وقتي ، ثم ان دراستك لا تسمح لك ان تفكّر بالنساء والسهر!
لم تكن تتوقف عند ذلك ، كانت تتابع مثل معلمة تلقي درساً :
- غداً تكبر ، وتنتهي دراستك ، ثم تتزوج وتنجب اطفالاً ، أمّا الآن ، فيجب ان لا تضيع وقتك مع النساء . اذا فعلت فسوف تخسر الدراسة والنساء والأطفال!
كنت أعرف باولا جيداً ، فلم أغضب من كلماتها ولم أضغط غليها ، حتى لو فعلت ، فلن تتغيّر . فهذا النوع من النساء ، وما يتّصف به من كبرياء أقرب إلى العناد والتهور ، لايمكن إلاّ ان يفعل ذلك .
اكتفيت بأن نلتقي في أماكن عامة بين فترة وأخرى ، وحتى وأنا أقبّلها ، في زاوية ، أثناء عودتنا ، عندما أوصلها الى القسم الداخلي ، لم تكن تستجيب لضغط صدري ، لكلماتي ، ليدي وهي تشد على يدها بطريقة معينة ، كانت ضحكتها تفتنني ، ولكن لا تترك لي ان أفكّر باستعادتها ، انها الماضي ، الماضي الذي انتهى . كانت تقول :
- انته من دراستك الآن ، وبعدها لدينا وقت طويل للمتعة!د- وماذا عن هذه الفترة يا باولا ؟
- الآن نكتفي بما يفعله العشاق الصغار : قبلة سريعة ، لمسات ، ألا يكفيك ذلك؟
- وماذا عن العذاب يا باولا ؟
- أنا لا أحب العذاب ، غيري يحب ذلك!
- وهل يمكننا ان نفعل شيئاً يا باولا ، لكي نتخلص من العذاب؟
- قلت لك ، بعد ان تنتهي من دراستك!
ولم أستطع ان أقتحم باولا . صمدت في وجهي . تحوّلت الى طفلة كبيرة كبيرة ، لدرجة أنّها لم تعد تتصرف لتثيرني ، لتهب حواسي . تركتني أبرد تدريجياً ، حتى جاء وقت أصبحت علاقتنا أقرب إلى صداقة بائسة ، تثير في النفس حزناً على ماض لايعود . قلت لميرا ، بعد ان انقضت فترة اسبوعين . لم أرها خلالها إلاّ لفترة قصيرة ، قلت لها وكنت أشرب كأساً من النبيذ تعوّدت ان تصنعه امها في القرية كل سنة ، قلت :
- عشرة أيام ، عشرة أيام لا أراك خلالها تتغيرين هكذا ؟
- أنت الذي تغيّرت ، والآن ، اسأل نفسي ، في الليل والنهار ، ماذا حصل ؟ سألت نفسي كثيراً ، وحتى الآن لم استطع ان أصل إلى جواب . أنا مستغربة كثيراً . وكأنّك لم تعد تبالي ، ولم تهد تريدني!
- ميرا ، أنت مخطئة كثيراً ، ربما كنت متعباً . ومن ناحيتي لم يحصل شيء!
- وهل حصل منّي شيء ؟ هل تغيّر فيّ شيء؟
لم نعد مثل قبل يا ميرا . ان شيئاً فينا . نحن الاثنين قد تغيّر وربما أنت التي تغيّرت كثيراً !
- قل ما تشاء ، أنا أعرف نفسي وأقول لك بصراحة أنّي لم أتغيّر .
- وماذا تغيّر فيّ ، قولي!
- لا أعرف ، ولكنك تلاحظ ان علاقتنا لم تعد مثل قبل!
دخلت امها وهي تقول كلماتها الأخيرة . كانت امها مثل كل الأمهات ( ماتت أمي لما كان عمري ست سنوات ، ليتها لم تمت) وجه مطمئن أقرب إلى الرضى ، حركات بطيئة واثقة ، ورغبة في أن يكون كل شيء وادعاً ورقيقاً.
لما رأت كلمات ميرا غاضبة ووجها محتقناً ، وقفت بحيرة ، ثم اتجهت الى السرير تحاول ان تسوّي الغطاء ، لعلّها تمتلك شرعية ما للكلمات التي تقولها .
ساد الصمت ، ولم يكن يقطعه سوى ضربات الأم وهي تعيد ترتيب الوسائد ، ولما نظرت الينا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف )   قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Uhh107/4/2010, 7:44 pm

من جديد ابتسمت بإشفاق ، وسألت بطريقة لذيذة :
- هل أعجبك النبيذ ؟ هل احضر لك كأساٌ آخر!
- أريد زجاجة ، زجاجة لآخذها معي .
- احتفظت لك بواحدة كبيرة ، ما رأيك الآن بكأس آخر؟
- إذا شربت معي ، أو شربت ميرا . أمّا وحدي فلا.
وبنفس التوتر اليائس ، وعيناها الى يديها العصبيتين اللتين تتحركان دون معنى . قالت ميرا بحدة:
- لا أريد لا أستطيع ان أشرب .
قالت امها بوداعة الأمهات اللواتي يردن ان يتحملن كل شيء لكي يخففن عن الآخرين .
- شأشرب معك ، ولكن قل لي ماذا بينكما؟
ضحكت ببلاهة ، لا اعرف ماذا أقول . هززت رأسي وأشرت إلى ميرا . ظلت ميرا على صمتها ، لم تتغير حركة يديها ولم ترفع عينيها ، سألتها :
- قولي أنت ياميرا ، ماذا حصل بينكما؟
- لا شيء ماما ، لا شيء!
وفي تلك اللحظة تأكّدت ان عالمي ينهار . عالمي كله ينهار . في مرات سابقة كانت ميرا اذا بدر شيء يمكن ان يسبّب كدراً تتحمل . كانت تنهض إلي تعانقني ، لكي تؤكّد لأمها ان علاقتنا لا يمكن أن تبرد او تتكدر . أمّا الآن فنحن الثلاثة نلاحظ ام كل شيء ينتهي . يتمزق . ميرا عديمة الاكتراث . وبعض اللحظات عصبية . لأنّها لا تستطيع ان تقول لي ما تريد دفعة واحدة ، وامها حائرة ، ترقب نهاية ما ، ولا تستطيع ان تفعل شيئاً .. وأنا ضائع متعب ، أريد ولا أريد في نفس اللحظة!
إنّ الاحساس بالنهاية يشبه ريحاً داخلية ، تصفع الدم ، تغيّر مسيرته ، توقفه ثم تدفعه بقوة . هكذا الاحساس بمقدار ما يحسه الانسان . لا يمكن ان يفعل شيئاً لمنعه ، قلت لميرا ، وامها تجلس بيننا :
- يجب ان نعترف يا ميرا ، امك ليست غريبة . وتعرف علاقتنا!
نظرت إليّ بتحدّ كأنّها لا تخاف من شيء أو على شيء .
أمّا الأم فقد حملت كأسها بيد مرتجفة ونظرت إلي بترقب أخرس . اما كلماتي فقد أضفت على الجو توتراً اضافياً .. وإلاّ لماذا اخترت هذه الكلمات الكبيرة ؟ هذه البداية الحادة ؟
حملت كأسي ، رفعته الى مستوى نظري وقلت :
- في صحة أيام ماضية!
نهضت ميرا مهتاجة ، وقد أحسست ان كل شيء بيننا ينتهي . قبلت شفتيها بازدراء شبيه بالطفلة ، نظرت إليّ . رأيت وجهها يتقلص ، وعضلات رقبتها تنتفخ ، ولما تأكدت انني رأيت ما ارادت ان تعبّر عنه ، تركت الغرفة دون كلمة !
ظللت مع الأم ، كنا صامتين . شربنا كأسينا بحزن غامض وقبل أن أترك البيت ، قالت لي الأم :
- الغضب يفسد كل شيء ، وأنا آسفة لأنّني أجبرتكما على ان تتكلما في جو غاضب ، وأضافت بلهجة حنونة فيها اعتذار:
يجب ان لا تتغيّر ، تعال دائماً ، وميرا عندما تهدأ سوف تبكي وتندم ، وينتهي الأمر بأن تكونا أصدقاء أكثر من قبل .
لم ينته كل شيء بيننا . ظللنا اصدقاء بشكل ما . صحيح ان علاقتنا لم تعد كما كانت ، لكن ظلت هذه الجسور الخشبية الهشة ، التي تحمل الناس بعضهم لبعض ، بين وقت وآخر ، جاءت الى غرفتي مرات كثيرة ، وذهبت الى بيتهم مرات كثيرة . شربنا عدداً لا يحصى من كؤوس النبيذ ، ونمنا معاً ، لكن ميرا أصبحت أقل رغبة في ان نتحدث عن الأشياء مثلما كنا نفعل من قبل ، بل وأصبحت حريصة على ان لا نكون وحيدين . بدأت تدعو صديقة او اثنتين ، وبدأت تقترح ان نذهب الى بيتها،بدل ان نذهب الى غرفتي ، وأخذت تصرح بأفكار معينة ، يمكن ان تفهم دون عناء ، أمّا حديثها عن التعب ، ثم عن احتمال الزواج ، فقد تكّرر كثيراً خلال هذه الفترة ، وأصبح حديثها عن ميلان بصوت عال . لم تخف علاقتها عندما ذكرته أمام أمها.
مرة شربت الكأس الذي رفعته حتى النهاية وغمزت بعينها بطريقة متحدية ، ولما انتهت قالت :
- أنت لا تعرف ميلان؟
***

وليليان ... ليليان هل أنتهت؟
ليليان هي التي دمّرتني ، خضت دمائي ، عكرتها ، وأصبح كل شيء غير ممكن . باولا الوادعة المستجيبة ، تحّولت بعد أربعة أبامإللى قطة متوحشة . لم تعد الأنثى المشرئبة ، ولم تعد تراني رجلاً . كنت بنظرها طفلاً وعجوزاً . طفلاً ابله وعجوزاً متلاشياً ولم أعد أستحق أكثر من الشفقة !
أمّا ميرا .. فلم تستطيع أن تتخذ قراراً سريعاً . بقيت ولم تبق . موجودة وغير موجودة في نفس الوقت . نلتقي ، نتقابل ، ولكن بدأت تفكّر بشكل مختلف . لم تعد تتحدّث عن مشاريع المستقبل . وانقطعت عن الحديث عن ديوان الشعر.. كيف يجب أن يطبع واللوحات التي يجب ان أرسمها .. لم تعد ميرا تفكّر معي بصوت عال!
***
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف )   قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Uhh107/4/2010, 7:45 pm

ورادميلا!
لأعجب امرأة رأيتها رادميلا . في المدينة الى امرأة أخرى . التقينا مرات كثيرة ، لكن ايفان كان موجوداً دائماً . وفي وقت متأخر كان حريصاً على أن لا يكون ، بعد ان أصبح واثقاً لدرجة الغرور. كان ايفان ينظر إليّ بحزن ، راثياً أفكاري وطموحاتي الكاذبة . أمّا هي فانتهت بالنسبة لها تلك الفترة . الجبل تلاشى ، بخضرته ونجومه ، برقصه وخموره ، بالشبق الملهوف . أصبح كل شيء من الماضي (تصورا ان ذلك شيء عجيب) وهي الآن امرأة أنيقة ، متزنة ، لا تتكلم مع الرجال إلاّ عن ايفان ، وترد التحية بتحفظ ان كانت وحيدة ، ولا تترك لأحد أن يفكّر بالأقتراب منها!
قلت لها ذات مرة ، ونحن نقف متجاورين في الباص المزدحم:
- لقد نسيت بسرعة يارداميلا ، كنت أتصور ان علاقتنا في الجبل ابتدأت ، ولن تنتهي ، وكنت أتصور ان المدينة ملجأنا الوحيد ، ماذا حصل؟
- يجب ان ننسى ذلك بسرعة!
- من أجل ابفان؟
- اذا أردت ان نبقى أصدقاء فيجب أن تحترم ايفان، ايفان أصبح عالمي.
- وانا .. ماذا أصبحت بالنسبة لك؟
- صديق..
واستدركت بسرعة :
- صديق لي ولإيفان معاً!
- ألاّ نلتقي وحدنا؟
- أنت تعرف ان هذا مستحيل!
- ألهذه الدرجة؟
- بالتأكيد ، وفي الصيف القادم سوف نتزوج ، وربما ذهبنا إلى نفس المكان!
- أنت قاسية يارادميلا ، لو لم تكوني قاسية لكنت شيئاً آخر.
وضغطت على صدرها نستغلاً انعطاف الباص ، فابتعدت وقد احمر وجهها ، وحرصت على أن تبقى بيننا مسافة لكي لا اعاود إلى لمسها!
أي شيء هو الانسان؟
تحطّم غروري أمام غرور ايفان . أمام ثقته ، تراجعت كثيراً ى، في الوقت الذي تقدّم هو بخطوات متزنة هادئة ، والآن ، يفكّر بالزواج ! وأين؟ في نفس المكان الذي كان يهرب منه، لكي يترك لي مجالاً وأقول كلمة لرادميلا!
بعد أن توقف الباص ، نزلنا . قلت أحاول لآخر مرة :
- رادميلا ، متى أراك؟ أريدك وحيدة ، وايفان سوف تقضين معه العمر كله!
رأيت ضحكة عصبية ترتسم على شفتيها ، كأنّها تستنكر وتلتذ بهذه الكلمات ، وتحلم بالعمر الذي ستقضيه مع ايفان ، ولم تجب. مدّت يدها لي بتحفظ وقالت:
- ايفان ينتظرني الآن!
كان ايفان هناك . كان في آخر المحطة ينتظر . نظر الينا وابتسم. خجلت كثيراً لما رأيته . تقدّمت نحوه أريد أن أعتذر بشكل ما ، أن أقول بضع كلمات ، لكنّي وجدته يبادرني بطريقة أقرب إلى التحدّي ، وبنفس النبرة التي استعملها عندما تحداني أول مرة ـ في الليلة العجيبة ، قال:
- بالتأكيد خسرت الرهان، اذا أحببت ان تراهن مرة أخرى ، وعلى أي شيء ، فأنا مستعد.
وضغط على يدي وهو يحيّيني بحرارة . أمّا رادميلا فقد وقفت بيننا بغرور ، شاعرة بكبرياء الأنثى المشتهاة والمستحيلة!
أي شيء حصل؟
لو تكلّم الآباء المقدّسون ، لتكلموا بثقة يسوع المسيح نفسه . وقالوا: الخطيئة ، نفسه تعوم في بحر الخطيئة ، نساء الآخرين ، الضلالات ، التهتك ، كل شيء فيه خاطىء ، ولا يمكن أن يشفع له يسوع الناصري . كيف تريدون منا أن ننقذ نفساً فاجرة ؟ كيف تريدون منا أن نتقبل اعترافات رجل اتسخت روحه ، ولا يمكن ان تتطهر حتى في جهنم؟

ليقل الآباء أي شيء . انهم يملكون هذا الحق. وأنتم يمكن ان تقولوا ما تشاؤون ، رغم انكم تسبحون مثلي في الخطيئة . أمّا الذين يغفرون فإنّهم مباركون في السماء ، ولا أعتقد ان احداً منكم يريد ان يكون مباركاً . الفرق بيننا أنّني أعترف ، بشكل ما لجهة ما ، وأنتم لا تعترفون .
تماديت ذات مرة ، انتابتني لعنة لأن أقول شيئاً ، ذهبت إلى الكنيسة ، حاولت أن أعترف ، لكن دافعي (أقول ذلك لأوّل مرة ) إلى ذلك ، كان خبيثاً مليئاً بالخطيئة .
ذات مرة وليليان تلاحقني بطيفها ، في الليل والنهار ، قرّرت ان أذهب إلى الكنيسة .
كانت عواطفي لمّا ذهبت مضطربة وملعونة . اشتريت شمعة كبيرة . أشعلتها وتقدّمت بخطوات هر ، وضعتها عند المذبح ، ثم اتجهت إلى تلك الغرفة الصغيرة الواطئة ، حيث قرّرت ان أعترف. كان الحاجز بيننا. شعرت بأنفاسه الثقيلة تملاء المكان ، ودون أن أراه بوضوح ، بدا لي بديناً تشتعل الخطيئة في صدره مثل اشتعال نار الحاقدين في بيادر الفقراء . قلت له:
- اغفر لي يا أبانا. أنا رجل خاطىء ، تعذبه الخطيئة ويريد ان يكفّر ويتوب!
- يسوع المخلص ، ابن الاله ، سيغفر لك خطاياك كلها..
قلت وأنا أكتم ضحكة صغيرة :
- خطاياي كثيرة لدرجة أن يسوع المخلص لن يغفرها!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف )   قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Uhh107/4/2010, 7:46 pm

رد عليّ بلهجة قاسية :
- اعترف يا ولدي . يسوع سيغفر كل شيء !
- أحببت امرأة متزوجة ، وما أزال أحبها ، ولا أقوى على ان أكف عن حبها لحظة واحدة ، فماذا أفعل؟
قال وقد اضطرب صوته فأصبح مضحكاً:
- منذ متى وأنت تحبها؟
- منذ ان ولدت.
- أمتزوجة هي؟
- نعم .. نعم يا أبانا!
وبلهجة عصبية قال:
- ولكن لماذا يا ولدي ؟ ألم تسمع ماقاله يسوع المخلص وهو ينهى عن اشتهاء نساء الغير؟
- ولكن لم اشتهها يا أبانا ، ولم أفكّر بأي شيء ملوث.
- والحب؟
- أحب بطهارة ، وأريد أن أبقى طاهراً.
- لا يمكن ياولدي . ان النظر إلى نساء الغير خطيئة ، فما بالك بالحب؟
- ولكني لا أستطيع ، أيّها الأب المقدّس ، ويسوع المسيح يفهم معنى عذاب الانسان.
- وماذا يستطيع يسوع المخلص ان يفعل لرجل لا يريد ان يترك الخطيئة؟
- وأية خطيئة في ان أحب هذه المرأة ، أيّها الأب المقدّس؟
- الخطيئة هي الخطيئة ، ومجرد ان تفكر بامرأة اخرى ، با مرأة متزوجة ، فقد وقعت في الخطيئة ، ويجب ان تفعل كل ما تستطيع من أجل ان تنقذ روحك .
رددت عليه وأنا أمدّ نهاية الكلمات لأثيره:
- وماذا ليّ ان أفعل، أيّها الأب العظيم القداسة ؟
- كف عن حب هذه المرأة.
وبنفس النبرة الباردة الخالية من الاحترام ، قلت :
- واذا لم أفعل؟
- سوف تبقى غارقاً في الخطيئة ، وسوف تنال جزاء خطيئتك من الرب ومن ضميرك.
- ولكني لم أخطىء أيّها الأب المقدّس.
- أنت مخطىء يا ولدي ، وقد لا تدرك خطيئتك!
- أقول لك اني لم اخطىء ، ولا أريد ان أكف عن حبها.
- اذن فإن روحك وقعت في الخطيئة المميتة، وليس عندي ما أفعله من أجلك.
صرخت أريد ان أضغط عليه ليفعل شيئاً:
- يجب ان تفعل شيئاً أيّها الأب المقدّس ، بالتأكيد يجب أن تفعل!
- أنت الذي يجب ان يفعل .. كف عن حب هذه المرأة.
- ولكني لا أستطيع ، وجئت لكي تبارك حبي!
- أعط قلبك ليسوع المسيح وسوف يخلصك .
- أتبارك حبي؟
- بنقذ روحك.
- بالحب؟
- بأن تترك هذه المرأة .
- ولكنّي لا أريد أيّها الأب المقدّس .
= اذن أبواب السماء مغلقة في وجهك ، ويسوع لن ينقذ روحك.
- لا أريد السماء ولا أريد يسوع المسيح!
- أنت تجدّف يا ولدي ، ولا يليق بمثلك ان يتكلم هكذا .
- وأنت ماذا تعرف عن الحب أيّها الأب المقدّس ؟ وماذا تستطيع ان تمنح البشر لكي لا يتعذبوا؟
- أنت غاضب يا ولدي ، وقلبك مليء بالخطايا.
- لست غاضباً ، ولكنّي جئت من أجل ان تبارك لي الحب .
- لا أبارك الخطيئة .
- أي شيء تبارك اذن؟
- أبارك الروح التقية ، وروح الانسان وهو يعانق يسوع المسيح ، لكي تتطهر روحه وتتخلص من الخطايا.
- قلت لك أنا لم أعرف الخطيئة في حب هذه المرأة.
- أنت مخطىء ويجب ان تتوب.
- لست مخطئاً ولن أتوب!
- اذهب ياولدي ، وبعد ان تتعذب روحك وتغرق في العذاب ، سوف تجد أبواب السماء مقفلة ، ولن ينقذك أحد.

- أسمع أيّها الأب المقدس .. إمّا ان تبارك حبّي لهذه المرأة او كفرت بالكنيسة ويسوع المسيح.
- أنت كافر وخاطىء؟
- أنا أكثر من يسوع المخلص عذاباً أيّها الأب ، أموت كل يوم . أصلب كل ساعة . أتعذّب ، أتألم . قل لي ماذا أفعل؟ وماذا يمكن ان تفعله الكنيسة من أجلي؟
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف )   قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Uhh107/4/2010, 7:48 pm

- اذهب ، فالكنيسة لا تستقبل من يرون في الخطيئة ميزة يفاخرون بها.
- سأذهب أيهّا الأب ، لكن لن أغفر لكم ، انتم أيّها الآباء لا تعرفون القداسة ، لا تعرفون يسوع المسيح ، لا تعرفون سوى بطونكم ، وتغرقون في الخطايا حتى رؤوسكم .
لو كنت مسيحاً لصلبت كل الآباء ، لأغرقتهم ، سوف يأتي يوم أفعل ذلك ، سأفعله بكل تأكيد‍!
كنت ساخراً في كل ماقلته للأب المقدّس . كنت أعرف ان روحي لاتعرف الخطيئة ( وحتى الآن لا تعرف الخطيئة أبداً) أمّا ان تكون لي علاقات مع النساء ، فليس للكنيسة علاقة بذلك . النساء وحدهن ارتضين هذه العلاقات .. وارتضيتها ، وليس للكنيسة ان تتدخل بين الرجال والنساء الذين يحبون بعضهم وينامون مع بعض‍‍!
تطلعت إلى المذبح لما خرجت . كانت العذراء ماتزال تحمل الطفل الصغير وتنظر ببؤس . أنّا الشموع فكانت تتلوى في الهواء البارد ، تتموج مع رائحة البخور وصور الآباء المقدسين، وكان الرجال المسنّون والعجائز ، وبعض الفتيات الصغيرات ، الأحياء الوحيدين الموجدين !
***
ليليان والمدينة هما اللذان جعهلاني أتصرف هكذا تجاه النساء وتجاه الكنيسة .
بعد ان رجعت الى المدينة بدأت أتصرف بطريقة جديدة:
أصبحت ليليان أكثر من حقيقة بالنسبة لي . ليلان العيون المليئة بالغفران والبهجة والعذاب والندم.
منذ ساعات الصباح الأولى ، تبدأ الأغنية التي لا تنتهي :
ليليان ، أين ليليان؟
سألت رادميلا ذات مرة ، وكان ايفان يستمع ويهز رأسه :
- رادميلا ، أتذكرين امرأة جميلة ولها طفلان ، كانت معنا في الجبل؟
- جميلة ولها طفلان؟
- جميلة ولها طفلان‍!
-وغير الجمال والأطفال؟
- عينان خضراوان ، أنف صغير ، يوناني ، جبهة ليست عريضة وليست ضيقة ، أقرب إلى النعومة ، لم تكن قصيرة ، ولكن لا تشبه النساء الطويلات الأذرع اوالسيقان المتورمة !
- أتريد أن تشتم أحداً أم تريد ان تشترك في مسابقة الكلمات المتقاطعة ؟
- لا أسخر يا رادميلا ، ولكن لا أعرف كيف أصفها لك.
- كيف كان شكلها العام؟ أين تجلس ؟ وملابسها هل تتذكر ملبسها؟
- قلت لك لم تر عيني أجمل منها‍‍!
- لم تكن معنا امرأة خارقة الجمال‍‍!
- خارقة الروعة ، ليس أجمل منها على وجه الكرة الأرضية كلها.
قال ايفان بسخرية :
- وما قصة هذه المرأة الخارقة الجمال؟
- وأنت يا ايفان لا بدّ وأن تكون قد رأيتها وأعجبت بها.
- تكفيني رادميلا ، لم أر غيرها ، ولا أريد أن أرى أجمل منها.
عادت رادميلا تسألني ، وقد أحسّت أن كلماتي لم تكن عابثة ، قالت:
- أتذكّر أغلب النساء اللواتي كنّ معنا في الجبل ، ولو حاولت ان تصفها لي فسوف أتذكّرها حتماً‍
- زوجها سمين ، أقرب إلى الطول ، كانوا في الغالب يجلسون على الطاولة الثالثة ، قريباً من الشرفة ، أتتذكّرينها؟
- ماذا تلبس قل بحق السماء؟
- طبيعي تلبس ثياباً مثل باقي النساء ، ورأيتها مرة تلبس مايوهاً أصفر!
- ألا تتذكر ألوان الفساتين ؟ الأحذية؟ الحقائب؟
- أتذكّر المرأة نفسها، ولا أتذكّر شيئاً آخر.
- وكيف تريدني ان أعرفها؟
- لأنّها شديدة الروعة ، ولا أحد أن ينساها!
- التفتت رادميلا لإيفان تسأله بطريقة مغرية:
- وهل رأيتها يا حبيبي ؟ هل تتذكر هذه المرأة؟
- هلوسة ، أحلام . كيف أتذكّر وأنا أرَ غيرك طوال عشرة أيام؟ ولكن لو كانت جميلة إلى الدرجة التي يتحدّث عنها لرأيتها حتماً!
وفجأة سألني ايفان بالطريقة التي لم يغيرها:
- وماذا عن هذه المرأة؟
- أبحث عنها‍‍‍!
- وماذا تريد منها؟
- إذا استعملت الكلمة الخطيرة ، فقد أخطىء ، لكن ببساطة .. استهوتني !
- أحببتها إذن ، وتريد الآن ان تدمّر حياتها؟
- إيفان .. بحق السماء اترك السخرية . أنت تحتقر العواطف ، ولا تعترف بها ، خاصة اذا كانت عواطف إنسان غيرك ، أمّا لو كانت عواطفك أنت ، جنونك برادميلا ، فأيّة سخرية ، أي حديث عن الأمر.. يزعجك .. لا تدعني أقول كل شيء‍!
- وماذا تريد أن تقول؟
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف )   قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Uhh107/4/2010, 7:49 pm

- لا شيء .. لا شيء ، أخطأت وسألت رادميلا!
- وهل عرفت اسمها؟ هل تحدّثت معها ؟ وأي شيء بينكما ؟
سألتني رادميلا بعواطف وحنان لم ألمسهما منها طوال فترة الشهور التي انقضت مذ كنا في الجبل وحتى الآن.
قلت لكي انهي الحديث عن الموضوع:
- في الحقيقة اردت أن أمتحن ذاكرتكما ، لا شيء ابداً. لا حب ولا بحث ، كل مافي الأمر، أردت ان أختبر إلى أي حدّ يمكن ان يتذّكر الانسان .. وهل الشيء نفسه يمكن ان يترك في الذاكرة تفس الأثر‍‍!
لم تصدّق رادميلا . أمّا إيفان فقد انشغل مع صديق ، عندما أمال بكرسيه إلى الوراء وأخذ يتحدّث معه.
ومنذ ذلك الوقت لم أتحدّث عن ليليان مع أحد‍!
قبل ذلك الوقت ، بعد ذلك الوقت ، كنت أفكّر كثيراً بليليان. بحثت عنها ، حلمت بها ونحن نسير معاً، ونحن نسبح معاً ، ثم حلمت ونحن نتيه في البحيرة ، وعلى الجبل ، وحلمت ايضاً أنّنا معاً في أماكن مظلمة ، وتحت المطر . وحلمت أنّنا في قبو دافىء يقدم النبيذ والأسماك الصغيرة ، وكانت ليليان تضع رأسها على كتفي وتضحك ، ورأيتها مرة تبكي ، وتعانقني وأحس عظامي تتهرس ، وأصبحت لا أحتمل أن تمر ليلة واحدة دون أن أراها .
أمّا الذهاب إلى الكنيسة فكان آخر سخرية يمكن ان يفكّر بها إنسان!
في المدينة الكبيرة ، حيث يولد مئات الأطفال كل يوم ، ويموت مئات الناس كل يوم ، في المدينة الكبيرة ، الناس الكثيرون ، يركضون ، يضحكون ، يجلسون في المقاهي والمطاعم والبارات ، يتكلمون بحزن ، بفرح ، يذهبون إلى جميع الأماكن ، يفكّرون ، يحلمون ، يحبون ويتزوجون .. وحالات الانتحار والجنون كثيرة في المدينة الكبيرة .


منذ أن وطأت قدمي المدينة وليليان شبح يسيطر عليّ. وما دامت في الجبل أبعد ماتكون عن أن يلمسها انسان ، ان ينظر إلى عينيها باطمئنان ،فالمدينة الكبيرة ستر لكل شيء ، وسحابة تغطي المخطئين والمهانين ، ويمكن ان يدفعهم ضجرها لأن ينسوا أنفسهم في قدح او قبلة ، في لمسة يد ، وهذا ما فكّرت فيه ، وهذا ماحاولته في المدينة اللعينة .
كبرت آمالي وأنا أضع قدمي على رصيف المحطة . كانت الزهور الحمراء التي تحملها ميرا أول بشرى . وكانت أنفاسها في الغرفة عذبة في حلمي الجديد . أمّا المعارك البائسة الصامتة التي وقعت بين ميرا وبيني أولاً ، ثم مع باولا ، فقد كانت أسبابها تتمطى في دمائي مثل حيوانات سجينة . لم أحزن كثيراً عندما ذهبت باولا ، وميرا وهي تذهب وتعود كانت مثل مسافر لا يتوقف طويلاً في هذه المحطة التائهة.
أين يمكن ان تكون ليليان ؟
عليّ ان أبحلق في الوجوه ، لا بدّ ان اراها . لن يطول بحثي.. وهنا، إذا التقينا ، فلن نشعر بالخوف ، ان المدن الكبيرة تحمي سكانها ، تدافع عنهم بطريقة فذة . أمّا في الجبل ، حيث يكون الانسان وحيداً او معزولاً، فلا يستطيع ان يفعل شيئاً، سوى ان يغلف خوفه بهذا الصمت البائس ، والنظرات الاسيانة التائبة في عيني الزوج ، المليئة بالنداء في عيني الزوجة!
بدأت أجلس في المقاهي . لم ألزم نفسي بالجلوس في مقهى معيّن ، فالمقهى التالي مقهاها ، ولا بدّ ان تأتي . وإذا لم تجلس في المقهى فسوف تذهب إلى السنما . وحتى لو جئنا في وقتين مختلفين ، فالأفضل ان أبقى فترة من الزمن ، لكي أرقب الخارجين والداخلين، لعلّها تكون بينهم ، ليليان تحب الأفلام ، هذا ما أتصوره . لست مخطئاً ، وإذا ذهبت إلى سينما وذهبت إلى غيرها، ألا تتنزه مع الأطفال في حديقة ؟ ألا تنظر الى التماثيل في الشوارع ؟
بدأت رحلتي الجديدة في المدينة. لم تعد تستهويني النساء إلاّ بمقدار ما تشبه الواحدة منهن ليليان. وهذا الشبه كنت أريد ان أقترب من خلاله لليليان ، أتطلّع إلى الوجوه حتى إذا تأكدت واصلت طريقي دون أن أترك ورائي ما يشي برغبتي !
هذا الشارع الذي أمر عليه الآن ، مرّت فوقع ليليان آلاف المرات . لكن متى أيها الإله ( أصبحت أردّد اسم الإله كثيراً..لكن دون وعي) وهذا التمثال الذي وضع مجدداً في الساحة الكبيرة لا بدّ ان تكون ليليان قد رأته.. لكن متى كان ذلك أيها الإله ؟ ودور السينما ، أي دار؟ هل يصدق أحد ان ليليان لم تأت إليها ؟ والحدائق ، والمقاهي ، وكل الأماكن التي تتسع لآلاف البشر، لا أصدّق لحظة واحدة ان ليليان لم تأتها! أنتت إذن. توقفت . جلست ، لكن متى أيّها الإله ؟ أريد أن أعرف متى جاءت . هل كانت وحيدة؟ مع صديقة؟ مع زوجها؟
والباصات والترامات ، لم وجدت؟ وليليان أي خط هو خطّها ؟ العاشر؟ السابع والعشرون؟ التاسع ؟ من يدلّني ؟
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف )   قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف ) Uhh107/4/2010, 7:51 pm

في الجبل كنت أحس أنفاسها العطرة ، نظراتها التي تخترق الزجاج ، مشيتها ، أمّا هنا فأريد ان أكتشف طريقة أستطيع بها أن أصل إليها!
كنت أتصفح الجردية كل يوم . وأعرف ان الجريدة نفسها تمرّ تحت عيني ليليان . رأيت أعداداً من نفس الجريدة مع زوجها . وإذا كانت تقرأها كل يوم . فماذا تقرأ ؟ السياسة ؟ أخبار العالم؟ أخبار الفن والطلاق والانتحارات ؟ من يرشدني لطريقة أستطيع أن أصل إلى ليليان؟
والتلفزيون ، تصورا ، في نفس المدينة، نشاهد التلفزيون . نقرأ نفس الجريدة ، وكثيراً مانشاهد نفس الفليم ، أمّا الشوارع الرئيسية فلا بدّ ان تمرّ فيها ليليان ، اذا لم يكن كل يوم ، فمرة كل يومين ، وأنا أفعل نفس الشيء ، أقل منها ، أكثر ، لكننا نمر.
وشيئاً فشيئاً بدأت المدينة تصبح لي عدواً . تبدّدت الأحلان ، أمّا الخيمة الكبيرة التي تصوّرت ان المدينة تقيمها فوقها لكي تظل الناس ، فأصبحت عراء شاحباً . الشوراع المزدحمة في كل وقت فارغة . دور السنما التي تستقبل البشر وتودعهم مرات في اليوم الواحد ، لم تعد أكثر من صالات باردة تتلاعب فيها الرياح والأشباح . والمقاهي والجرائد والتلفزيون ، وأي شيء آخر في المدينة فقد معناه !
هل انتهت ليليان إلى الأبد؟ ألا يمكن للمدينة ان تتحول إلى كائن رحيم مرة واحدة وتدفع ليليان إلى شارع ، إلى حديقة ، إلى مقهى؟
أيتّها المدينة أنت تلدين البشر ثم تقتلينهم . تخلقين الحب حتى إذا تكّون وكبر وأصبح جحيماً تخنقينه، تمزقينه دون رحمة . أنت ، أيتّها المدينة ، تعزفين الموسيقى ، تطبعين الكتب ، حتى إذا تشبع الانسان بحضارتك ، وأراد أن يفعل مثلما تقول الكتب أو مثلما يرى على الشاشة سخرت! هزأت بهذه المخلوقات التي تشتهي ان تردّد وراءك بعض الأمور التي علمتها!





لم تتم بعد..


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
 
قصة حب مجوسية لـ ( عبدالرحمن منيف )
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
خربشات الثقافية :: خربشـــــــات على حيطان المكتبة :: أعلام في الإبداع-
انتقل الى: