وقــال النهــر...الشيخ مهيدي الأشــــرم.. من المحبـــــرة.. إلى المقبرة

[size=21]وقــال النهــر...الشيخ مهيدي الأشــــرم.. من المحبـــــرة.. إلى المقبرة

الأحد25/4/2010
شيعت مدينة دير الزور منذ أيـّام قليلة علمـا ًمن أعلام المحافظة .. الشيخ الجليل مهيدي الأشرم.. الرجل الفاضل.. الذي تحــدّى " الإعــاقة ".. بل.. وانتصر عليها.. فأتى وهو الضرير.. كفيف البصر .. بما يعجز عنه المبصرون

فهو وإن كان قد حرم نور العين.. إلا أنــّـه من الأفــذاذ الذين اختصـّهم الله.. بعين العقــل.. تخترق حجب الظلام.. فترى ما لا يراه المبصرون.. وبالبصيرة النافذة.. تستبطن الأشياء.. وتستكنه أغوارها.. وأعماقهــا.. لقد كانت مسيرة حياته.. التي قاربت التسعين عاما ً.. سيرة علميـّـة.. حافلة.. قضاها طالبا ً للعلم منذ نعومة أظفاره.. ومعلــّـمـا لما يزيد على خمسين عاما ً.. ولقد ازداد إقباله على العلم.. بل ونهمه.. بخاصـّة.. بعد أن فقد البصــــر..‏
درس الفقه، والحديث على يد جلـّة من العلماء الأفاضل من محافظة دير الزور.. من أمثال الشيخ محمد سعيد العرفي.. الشيخ حسين رمضان الخالدي.. والشيخ عبد القادر ملا حويش.. كما تتلمذ على يد علماء كبار..من أمثال الشيخ " أبو اليسر عابدين ".. والشيخ بهجت البيطار.. وقد شجـّعه على الخطابة.. مبكــّـرا ًالشيخ العرفي.. فعمل إماما ً.. وخطيبا ً.. منذ أربعينات القرن الماضي.. واشتغل مدرّسـا ًدينيـّـا ً.. بملاك الفتوى.. والتدريس.. ومما يســجـّل له.. أنـّه كان صاحب الترتيب الأول في مسابقة انتقاء المدرّسين الدينيـّين.. وظلّ يمارس التدريس.. ويتردّد عليه طلاب العلم.. لما يزيد على خمسة عقود.. ينهلون من ينابيع علمه الثرّة.. ويغترفون من فيض شخصيـّـته العلميـّة الأسرة..‏
كان يزورني.. بين الفينة.. والفينة.. في كليـّـة الآداب بجامعة الفرات.. وفي رئاسة الجامعة.. فأ ُسعد بزيارته.. غاية السعادة.. وأعتذر له.. في كل مرّة.. بأنّ الزيارة واجبة عليّ.. لأن العلم يُـؤتــى.. وأعترف.. وبكل أمانة.. إنـــّــه كلــّـما تكرّرت زياراته.. كنت أزداد اعجابا بشخصيته.. وانبهارا ًبها.. لما يتمتـّع به الرجل من غزارة في العلم.. ونبوغ فيه..وحافظة عجيبة.. ودقـّة في الحفظ.. منهجيـّة علميـّة.. تلمسها في كل ما يصدر عنه..أحاديثه ممتعة..طليـّة.. عذوبة روح.. وسموخلقي .. رقـّة دعابة.. وفكاهة.. تنساب من ثنايا كلامه.. دون تعمــّـد.. أوافتعال.. كم كان الرجل مسرورا ًبدراستي عن الشاعر الفراتي.. وكان لايني يقرّظ صنيعي فيه.. ويثني على إنجازي.. ويكرّردائما ً.. لقد أنصفت علما ًمهمــّا ً .. دراستك أضاءت كل الجوانب التي كنت أتمنى إضاءتها.. وكم غضب عندما تناهى إلى مسامعه.. بأنّ أحد أدباء المحافظة.. قد أبدى رأيا ًسلبيـّـا ً بالفراتي.. فردّ الشيخ منتصرا ًللفراتي.. بكلام جميل.. مفحم.. يتدفق علما ً.. وبيانا ً.. وحكمة.. هي عصارة تجاريب الأيــّـام الطويلة.. وليس مستغربا ًموقف الشيخ مهيدي.. فهو ممن عايشوا الشاعر الفراتي..وعرفوا علمه..وأصالة موهبته.. وشاعريته.. وكان.. إن تباعدت اللقاءات بيني.. وبين الشيخ الجليل.. يكون الهاتف.. هو البديل.. فتتحوّل المكالمة.. إلى.." زيارة هاتفيـّـة "..عنوانها.. المثاقفة.. والتشجيع.. والثناء اللطيف.. الذي يحرّض على التوغّل في طريق العلم.. والتعمـّـق في مسالكه.. وشعابه.. وأمنياته دائما ً.. أن يرى المزيد من الدراسات الأدبيـّـة.. والإنجازات المعرفيـّـة.. ولا أحسب أنّ أحدا ًيعرف الشيخ مهيدي عن كثب.. ولايعرف مدى مهارته.. في بعض الأعمال اليدويـّـة الحرفيـّـة.. والتى ربـّما يعجز عنها المبصرون.. تغمـــّـد الله الشيخ الجليل بواسع رحمته.. وأسكنه فسيح جناته.. فقد كان رجل علم.. قضى حياته.. متعلما ً.. ومعلـّمـا ً.. ومن المحبرة.. إلى المقبرة.‏

منقول عن جريدة الفرات

الشيخ
الخطيب اللغوي الفقيه
مهيدي بن سيد صالح الأشرم الحسيني
ترجل عن فرسه آخر فارس من الرعيل الأول في هذه البلدة الطيبة
الإنسان العصامي الذي قارع الخطوب ونشأ كفيفا للبصر لكنه تجاوز هذا بالعزيمة والتصميم والإرادة القوية الشاعر الفقيه الحافظ للمتون صاحب الدعابة الجميلة الجريء لا يخاف في الله لومة لائم كما عرفه من رافقه وجالسه ذاك النسابة المتفنن .
السيد الشيخ العلامة مهيدي بن سيد صالح عبد الكريم الأشرم الحسيني فهو يرجع للدوحة المحمدية
هذه الترجمة من فمه رحمه الله تعالى عندما وصله كتاب من السيد وزير الثقافة يطلب منه شهادة بحق الشاعر الكبير محمد الفراتي ( كان يعتبر واحدا من عائلته ) وترجمة له فأملى علي هذه الترجمة
( مواليد عام1342 هـ - 1924م )
قال الشيخ رحمه الله تعالى كانت حياتي العلمية حافلة قضيتها في سبيل طلب العلم والحصول على الفائدة والمعلومة.
درست في الكتّاب على يد الشيخ حسن النابلسي رحمه الله تعالى إلى أن رجع شيخي وأستاذي السيد محمد سعيد العرفي من منفاه في الثلاثينيات فلازمته بعد أن كف بصري ، وكنت أحضر له الدروس المستمرة ملازماً له في السفر والحضر ، درست عليه النحو والصرف وعلوم اللغة كلها التي كنت اعشقها ( كان يحب الشعر حيث يحفظ منه الكثير الكثير ويقدر حفظه بحوالي 20 ألف بيتاً من الشعر، ويحب من الشعراء بشار بن البرد و الأصمعي وزهير و أبي العلاء المعري وغيرهم ) ، الفقه والحديث.
حتى كان لي درس خاص دون الطلبة ، وكلني القيام عنه بالخطابة أثناء غيابه وأنا في عمر لا يتجاوز العشرين سنة ( لقبه الشيخ العرفي بالحافظ وكما هو مدون في إجازته منه الحافظ مهدي بن سيد صالح الأشرم ) .
درست على يد الشيخ حسين رمضان الخالدي علم الكلام والتصوف والفقه .
درست على يد القاضي الشيخ عبد القادر ملا حويش الغازي العاني وسمعت منه تفسيره كاملاً المعروف ببيان المعاني .
ولله الحمد والفضل والمنة أجزت من الشيوخ الثلاثة إجازة علمية شرعية بالمنقول والمعقول .
كما أنني ترددت كثيراً على علماء دمشق مثل الشيخ الطبيب أبي اليسر عابدين مفتي الجمهورية العربية السورية والشيخ حسن حبنكه الميداني والشيخ بهجت البيطار وغيرهم .
عينت أماماً وخطيباً في الأربعينيات بعد وكالة شيخي العرفي لي( عين خطيباً في عدة مساجد آخرها جامع الحميدي بعدها تقاعد من الأوقاف سنة 1984 وكانت بداية حياته مؤذناً وتدرج حتى وصل إلى ما وصل إليه ) .
وشغلت مدرساً دينياً بملاك الفتوى والتدريس وكنت الأول في مسابقة اختيار المدرسيين الدينين ( عام 1966م وأخبرني أنه حصل على معدل 99% ) .
ولازلت أمارس التدريس ويتردد علي طلبة العلم من كل مكان ، أدرس علوم اللغة والعلوم الشرعية منذ خمسين سنة .
ولا يمر علي يوم على حتى يقرأ لي ( كان آخر ما قُرأ له من كتاب زهر الآداب ) ، عملاً بمقولة (( من المحبرة إلى المقبرة )) ( هو قول للإمام أحمد بن حنبل ) .
هذا بالإضافة إلى الأعمال اليدوية التي أتقنها كتجليد الكتب (و كان يحب أن يرتب الكتب حسب العلوم ولا يحب تغيير هذا الترتيب ليستطيع إحضار أي كتاب يحتاج إليه وهو يحفظ مواضع الكتب تماماً ) وتصليح المظلات ( الشماسي ) و تقشيش الكراسي وتصليح الساعات والأقفال والنجارة وأعمال الحدادة وغيرها من الأعمال اليدوية التي أتقنها ولله الحمد والمنة أكل من كسب يميني ( كما كان عارفاً بالنسب من الطراز الأول ورأيت الكثير يرجع إليه في النسب )
(( ومن معاصريه وأقرانه :
1- الشيخ عبد الوهاب الرواي رحمه الله تعالى
2- الشيخ محمد سعيد عبد القادر المفتي رحمه الله تعالى .
3- الشاعرالكبير والفقيه محمد الفراتي رحمه الله تعالى
4- الشيخ عبد الله الرواي رحمه الله تعالى .
5- الشيخ مصطفى اليساوي رحمه الله تعالى .
6- الشيخ طه الحسون رحمه الله تعالى .
7- الشيخ عبد الجليل النقشبندي رحمه الله تعالى .
8- الشيخ محمد ملانهري رحمه الله تعالى
9- الشيخ عبد الله الحمزاوي رحمه الله تعالى
10- الشيخ جعفر الرحبي رحمه الله تعالى
11- الأستاذ الشاعر عبد الجبار الرحبي رحمه الله تعالى
12- الشيخ أمين الحساني العدس رحمه الله تعالى
13- الشيخ عمر النقشبندي رحمه الله تعالى .
14- الشيخ محمود المشوح رحمه الله تعالى .
15- الشيخ عبد الغفور عبد القادر ( ملا غفور ) رحمه الله تعالى
16- الشيخ قطب الدين الحامدي رحمه الله تعالى
17- الشيخ أحمد السراج رحمه الله تعالى
18- الشيخ حسين السراج رحمه الله تعالى
19- الشيخ عبد الرزاق حسين رمضان الخالدي رحمه الله تعالى
20- الاستاذ محمد سعيد الشبيب رحمه الله تعالى
21- الشيخ صالح اليساوي رحمه الله تعالى
22- الشيخ عبد الجبار المفتي رحمه الله تعالى وغيرهم ممن عاصر أو كان قريناً له .
كما كانت علاقات قوية مع شخصيات إجتماعية وسياسية وعسكرية كثر منهم ، حج فاضل والدكتور عبد الخالق النقشبندي وراغب البشير وحسن الشيخ وتوفيق الفنوش وجلال السيد وابن عمه اللواء صلاح الدين الأشرم والدكتور مروان عطية ومحمد الخطيب ( وزير أوقاف سابق ) وعدنان السليم وتركي مانع الفرج وغيرهم ..........
وقد أجاز عدة من تلاميذه وهم :
1- رفيقه وابن أخيه جمعة الأشرم .( خريج شريعة ولغة عربية ومدرس )
2- الشيخ محمد ححود التمسماني المغربي ( طالب علم مغربي )
3- الأستاذ صقرمحمد شفيق الشوا ( مهندس زراعي وخريج جامعة الأزهر )
4- الأستاذ عبد الباسط أبو كامل ( كتب رسالة ماجستير عن حياة الشيخ العرفي )
5- الشيخ إياد النقشبندي مدير أوقاف ومفتي سابق لمحافظة ديرالزور
6- الأستاذ عبد العزيز النقشبندي ( صيدلي وخريج جامعة الأزهر )
7- الشيخ قتيبة النقشبندي ( مدرس مادة التربية الإسلامية وخطيب وإمام )
8- الدكتور أحمد مظهر النقشبندي ( رئيس مركز إسلامي في رومانيا ) ( أجازه شفاها )
9- الشيخ محمد معتز السبيني الصالحي الدمشقي ( أجازه شفاها )

انتقل إلى رحمة الله يوم الأربعاء 22 ربيع الثاني 1431 هـ الموافق 7 نيسان 2010 م ودفن يوم الخميس الساعة الخامسة عصراً وشيعه أبناء مدينته التي كان يحبها بموكب مهيب ودفن في مقبرة العائلة عن عمر 86 سنة قضاه مجتهدا مجدا قانعا صابرا محتسبا عند الله تعالى رحمه الله تعالى وغفر له وجعله مع الأنبياء والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ))