سكتت وأخذت من علبة السجائر سيجارةً وأشعلتها وسحبت نفساً عميقاً بكامل انوثتها كأنها تأخذ منه الحياة حينما تقتله في داخلها وتحبسه طويلاً طويلاً حتى يذوب في أعماقها زمهريراً من الحب والعشق وشبق الحياة وجمالية الذكريات التي تحضرها ولا تفارق ذاكرتها
ظلت تحاكي صمتها طوال الوقت وتنظر الى دخان سيجارتها المتصاعد الى أعلى وتمسح بيدها عن زجاج النافذه لترى شكل المطر في الخارج ، ثم عادت ونظرت اليّ ومدت يديها ومسكت يدي ، وتنهدت ووضعت رأسها على كتفي ونامت ، كأنها تحلم من وحي الذكريات في الزمن الحاضر وفوضى المكان ، كادت تقتلني بصمتها حتى بكت ومن شدة بكائها وحرقتها أبكتني وصرخنا معاً في فضاء المكان حتى صار صوتنا أعلى من صوت المطر كأحدى حالات التمرد على تشرين ،شهر الحب والمطر وعودة الذكريات.
على عجل سار اللقاء ، وقد أصطدم كثيراً مع الزمن المتسارع في دورته الإستثنائية على غير عادته ، وعقارب الساعة التي زادت من سرعة دقاتها ولم تنتظم طوال الوقت كعادتها في اللحظات الجنونية التي نعشقها ونحب أن نعيشها بتجرد دون أي إختلاف شكلي طارئ أو عابر يقتحم عالمنا بلا إستئذآن ويفرض سلطته علينا ويأخذنا معه الى متاهات الحياة من جديد .
إقتربنا وتعانقت أرواحنا فوق صفصافة مقدسية، بعدما طال بنا الغياب وانتظرنا زماناً غيرَ الزمان واستبقنا القدر الى نقطة الفراق ، بدموع وأمل ، وآهات ملأت مساحة الأمنيات ، وجعاً لذكريات الماضي فلا وقت للبكاء الآن أو ذكريات عبثت بنا زمناً طويلا دون خجل وبلا استحياء تفردت وأخذتنا تائهين وصمتنا في الزمن المنكسر واتشحنا بالسواد ، وانتظرنا طويلاً وتلهفنا بعضنا بعضاً باشتياقنا الغجري وأجسادنا العطشى، وعدنا بذكريات لم تدفنها نيران الحرب وحزن التراب على من دفنوا دون أن يحتفل بهم الآخرين بموكب جنائزي يعزفون فيه لحن الرجوع الأخير، اهو الرجوع الأخير أم العودة الى بداية قد لا تنتهي
.