الجميع كان يعرف لغاية اليوم أن الإعلام هو السلطة الرابعة في المجتمع بعد السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية، ولكن الوسائط الإعلامية الحديثة منحت الشباب التونسي وشباب العالم سلطة لا تقل شأنا عن كل السلطات، بفضل الاستعمال المتميز والشامل للمواقع الإلكترونية والمدوّنات وصحف الفيس بوك واليوتوب وكل الشبكة الاجتماعية الحديثة للتواصل والتجنيد وتبادل الأخبار والصور، رغم الحظر المفروض على الإعلام والتكنولوجيات الحديثة للتواصل في تونس، فكان الممنوع مرغوبا وبفضل الممنوع حقق التونسيون ما كانوا يرغبون فيه. ولكن غياب المشروع البديل والنخبة الرائدة قد يفسد العرس ويرهن المكتسبات، وهو ما يقودنا إلى استخلاص الدروس في الجزائر التي اكتوت بنيران الفوضى والعنف والفراغ السياسي مرارا، وبرهن أبناؤها أن لديهم وعيا وتبصرا كبيريْن يجب استحضارهما والاستثمار فيهما قبل فوات الأوان…..
تكنولوجيات الاتصال الحديثة وسائل كانت تبدو بلا معنى، وتحولت إلى أدوات للتواصل والتعبير السياسي والتجنيد الاجتماعي بين الشباب والعالم بأسره، ولم يعد الغلق وتضييق الحريات يجدي نفعا أمام جيل يرغب في كل ما هو ممنوع.. جيل لم يعد له ما يخسره عندما وصل إلى درجة الانتحار بإحراق النفس كوسيلة جديدة للتعبير، بعدما وجد وسائل الإعلام الثقيلة والبلديات والولايات والوزارات مغلقة في وجهه، فراح يكتشف قدراته ويتحاور ويتبادل الأفكار والأخبار بطرق سهلة سريعة وحديثة لا تقل تأثيرا ومفعولا؛ أطاحت بالنظام التونسي ولا تزال تصنع الرأي العام ……
لقد حان الوقت للتعامل معهم كسلطة جديدة ليس لها لون سياسي، سلطة متحررة من كل العقد ومنفتحة على التكنولوجيات الحديثة للاتصال والتواصل التي زادتها قوة وتأثيرا، ونتعامل معها كقوة أبناؤنا صاروا يعيشون داخل قرية بفضل التكنولوجيات الحديثة للاتصال، وصاروا يعرفون أشياء كثيرة ويعرفون ما يحدث في كل دقيقة، وسلطتهم المعنوية علينا يجب أن نقر بها ونقدرها حق قدرها، ونتفاعل معها بالإصغاء والحوار قبل الاستجابة أو التوجيه، خاصة أنهم أوقفوا احتجاجاتهم الأخيرة بمحض إرادتهم بفضل تواصلهم المستمر عن طريق الفيس بوك واليوتوب والمواقع الإلكترونية بعدما سدت في وجوههم قنوات الاتصال التقليدية وضاقت صدورهم بكثرة المتاعب والمشاكل……
. كما ندعوا الإعلام التقليدي للعودة إلى ممارسة مهامه الأساسية، بعيدا عن التضليل والتزييف والتهويل والتطبيل وتقديس الأشخاص، ليستعيد مركزه وسلطته ويعود كل طرف إلى القيام بواجباته نحو الوطن قبل فوات الأوان..
عن جريدة الشروق (ملخص)