هل يمكن أن نختزل الحقيقة في لحظة؟الحقيقة التي تمثل ذاتاً تجمع في دواخلها الشيء ونقيضه،ذاتاً تشكلت في زمن ممتد لسنوات،زمن مرّت عبره كل اللحظات،نختزله في لحظة.وحين يمكن اختزال حقيقة الذات البشرية في لحظة،فمن أين تبدأ هذه اللحظة التي تظهر فيها حقيقة الفرد؟من اعترافه أمام نفسه بما هو عليه،لحظة يكون فيها المرسل والمتلقي لكل الرسائل التي تبثها ذاته،أم من اعترافه أمام جمهور من الآخرين بكل ما يمثله ككائن بشري يمرّ في الحياة وتمرّ به.
كل هذه الأسئلة حضرت أمامي وأنا أشاهد مساء الجمعة برنامج (لحظة حقيقية) الذي يقدّمه الفنان السوري عباس النوري والذي تعرضه قناة mbc 4 ،حيثُ استضاف البرنامج الفتاة الجزائرية سماح التي قَدِمتْ للبرنامج برفقة زوجها وأمها،حيثُ كان على سماح أن تجيب أمام الجمهور عن أسئلة يحرص كثيرون على الإجابة عليها بشكل مدروس يجعل صورتهم أمام الآخرين مصقولة ولامعة ومناسبة وفق مايتخيلونة عن الشخصيات اللامعة المصقولة،أسئلة من النوع الذي يجعل الآخرين يفكرون ألف مرة قبل أن يجيبوا عليها،أسئلة ليست مُحرجة كما يصفها عباس النوري حين يلمس إرتباك ضيفته قبل الإجابة أو بعدها بقدر ماهي أسئلة صعبة؛ لكونها تتطلب أن يكون الإنسان صادقاً مع نفسه دون النظر لكل مايمكن أن يقال عنه نتيجة هذا الصدق،لأنه في المحصلة يمثل الحقيقية التي قد لايحبها الآخر،الحقيقة التي لايحبها إلا قلة من البشر.
أسئلة مثل هل كذبتِ على زوجكِ يوماً؟ هل تكرهين أحد من عائلة زوجك؟هل تسامحين والدكِ لتركه لكم صغاراً؟ لو أتيحت لك فرصة الإنتقام لأمكِ من والدكِ فهل ستنتقمين؟
كانت هذه بعض الأسئلة التي تمثل إجاباتها مدى تسامحنا ومدى إنسانيتنا وهذا مايحرص الإنسان عادةً على إظهاره أمام الآخرين،هذا الشائع ذلك إنّ الناس تمجد الكذب في سبيل الوصول للصورة اللائقة والصورة الأمثل،فسؤال يتعلق بكذبنا على الزوج ستحرص فيه أغلب المتزوجات للإجابة بلا، فهنّ لم يكذبنّ على أزواجهن في أي شيء إنهن ناصعات هكذا لأن المجتمع يطلب أن يكنّ كذلك ودون تحديد موضوع الكذب إذا لايهم أن يكون الموضوع تافهاً أو عظيماً الأهم أنهن لم يكذبنّ فوافقنّ الصورة لمايجب ،الصورة الأمثل للمرأة المتزوجة
سؤال يتعلق بقدرتنا على مسامحة الآخرين على أخطائهم،ستكون إجابته الأكيدة نعم يمكننا أن نسامحهم،لأنّنا ووفق اللازمة التي يُرددها أغلب الناس (ننسى كل شيء ولاننشغل بمثل هذه الأمور)،إننا مُنطلقين للقادم من الأيام دون ماضٍ من الغضب أو الإستياء من الناس. وقس على ذلك كل الأسئلة التي ستكون لها إجابة واحدة يجتمع عليها البشر،رغم إنهم قلما يجتمعون على فكرة أو مبدأ،الأمر الذي جعلهم يخترعون (اختلاف الرأي لايفسد للود قضيّة)ليكرسوا به مبدأ الإختلاف بينهم.ألا يعني هذا شيئاً؟أن تكون إجاباتهم أمام لحظة حقيقية-لحظة واحدة- إجابة واحدة؟
وفي حين يجتمع الكل على إجابة واحدة لم تكن ضيفة البرنامج سماح التي كانت أمام هذه الأسئلة تُطلق إجاباتها لتجتمع مع الآخرين على الإجابة الأمثل،بل كانت تجيب بما يوافق ذاتها،إجابات تخرجها للعالم بشيء من الخجل والدموع ولكنها إجابات قالت بها إنها حقيقية،إنها بشر يمكن أن لايسامح أحد جرحه،بشر يكذب، بشر وليس صورة مصقولة نرفعها في وجه العالم لنشبه بها الملايين ولانشبه فيها أنفسنا.
ثمّة جهاز يقيس مدى صدق سماح،يحدد ما إذا كانت إجابتها صحيحة أم لا،جهاز يحدد مقدار ماستكسبه من المال مقابل لحظة الحقيقة،جهاز يمكن أن ينخدع ربما،ولكن المكسب الحقيقي أن ثمّة ذاتاً تمكنت من أن تكون كما هي بحقيقيتها،ذاتاً تمثلت في الجزائرية سماح في لحظة حقيقية.فهل لايزال هناك بشر يهمهم أن يكونوا بحقيقتهم أكثر من أن يكونوا صور مصقولة أمام العالم؟
موضوع: لحظة حقيقة 
24/5/2011, 7:42 pm
