سقف الثورات العربية

موضوع: سقف الثورات العربية 24/7/2011, 11:47 pm

سقف الثورات العربية

**************

انها قراءة لثلاث كتاب عرب لهم وزنهم ومكانتهم العلمية والفكرية على الصعيدين العالمي والعربي.وهم على التوالي الأستاذ الطيب تيزيني،والأستاذ فهمي هويدي والأستاذ سمير أمين ،مضاف اليهم مقال صادفته عند أحد الاخوة أظن صاحبه اسمه حميد الحريزي. وهم جميعهم لا يجمع بينهم الا رابط الموضوع،كمحاولة لمقاربة الحالة العربية الراهنة.أما الرؤية ،فحميد الحريزي يقترب كثيرا من سمير أمين ،أما الطيب تيزيني فهو يحاول أن يحتفظ لنفسه بمكان وسطي ،عكس فهمي هويدي الذي ينحاز لليمين .ونحن لن ننحاز الى أي واحد منهم بقدر ما سنعمل على ربط مقارباتهم والعمل على الوقوف عند نقط الالتقاء التي يجتمعون عندها ،دونما اخلال بنزوعاتهم الفكرية ،أو تعسف على قراءتهم لموضوع الساعة الذي لم يأخذ بعد حقه من جانب الدراسات العلمية الموضوعية .وهو خلل فادح لا يغتفر.
ان الثورة العربية التي دخلت شهرها الثامن ،لم تحظ بعد بدراسات أكاديمية متعمقة وقادرة على تبويب فصولها وتحولاتها ،ثوابتها ومتغيراتها،سلبياتها وايجابياتها .مع ان الهامش الزمني يسمح بذلك .فالكل مجمع على أنها ثورة ضد تشييئ الانسان ،ضد اعتباره كتلة من المادة ،خاضعة لشروط السوق بين حدي العرض والطلب،بين حدي الاشباع والتجويع ،ورهنها في معادلة بافلوف ،بين المثير والاستجابة.أو بمعنى أصح ؛سجنها ضمن سياج الحاجة والعوز ،لتبقى رهينة السيد المالك الرأسمالي الجشع ،كأداة تمتص جهودها
ونتاجاتها وكفاحاتها.ولعل احدى الأمثال المغربية الدارجة تعبر عن وضعية تسليع الانسان وذله خير تعبير"جوع كلبك يتبعك"،وهومثال يقربنا أكثر الى الآلية التي اعتمدتها الطبقات المتحكمة في مصائر الشعوب العربية ،ولعلها توضح بجلاء وبشفافية هذه الهجمة غير المسبوقة في تاريخ الانسانية ،من نظام كان حاكما على شعوب تمردت على حكمه.وهومفهوم اقرب الى العبودية أو القنية ،بمعناه الاستحواذي الامتلاكي .هنا نفهم تعليل سمير أمين حين يقول:"وهذا هو السبب الذي يجعل النظام الرأسمالي ،أي رأسمال الاحتكار المسيطر على المستوى العالمي ،لايتساهل ازاء تطور هذه الحركات".لأنها ستخرج من دائرة التبعية تلك الأنظمة التي نهضت على العمالة بالأجر للأنظمة الامبريالية المحتكرة لجميع منافذ الحياة ،ومنها منفذ الحكم في الدول العربية،التي استقر فيها ما يسميهم الطيب تيزيني الفئة الثرية نازعا عنهم أي صفة سياسية أو ايديولوجية ،وهي رؤية صحيحة لم ينتبه اليها مفكرونا .الذين بهرتهم تتبع ما ينتجه الغرب من أفكار ،واستووا في ذلك بالطبقات المستلبة اجتماعيا و حضاريا بالمعروضات السلعية الغربية.
قامت الثورات العربية بطريقة عفوية ،صدمت كل التوقعات والقراءات الاستراتيجية ،واستطاعت أن تقصي رئيسين من سدة الحكم ،لكن عفويتها لن يشفع لاستمراريتها ،وترسيخها زخمها الجماهيري ،والتفاف جميع الحساسيات حولها ،ومباركة كل الطبقات لانتفاضتها.وهذا ما دفع فهمي هويدي الى الاعلان :"وحدها الشعوب التي يمكن أن تقول ان بشائر الربيع العربي حلت في أوساطها اذا ارتفع صوتها بالاحتجاج والغضب....معلنة عن رفضها للذل والاستبداد والفساد".ذلك أن رأسمال الاحتكارات المسيطرة على المستوى العالمي ،المتحالفة مع الفئات الثرية ،التي يصدر عنها "تعبير عن التصور العقلي والسياسي والقانوني ،الذي لايرى في الفئات الشعبية ،غير غوغاء وهمج،ليس لها الحق في المطالبة بحقوقها .وهي لازالت قاصرة عن الدخول في رهان تأسيس مجتمع ديمقراطي تشاركي.يؤهلهل لفهم فلسفة"السلطة للشعب"،وبناء ديمقراطية تخدم المجتمع العربي كوحدة لها تنوعها الطبيعي،وكتنوع تحكمه وحدة الانتماء لوطن واحد ولمصير واحد،داخل فسيفساء ثقافي واجتماعي وسياسي خصب.
فعندما يدعو الطيب تيزيني الى عقد اجتماعي بين مواطنين متساوين أمام القانون ،وينظمون شؤونهم في ضوء دولة مدنية تنشط فيها حياة سياسية قائمة على التعددية الحزبية ،وعلى هيآت دستورية قانونية"،فهو لايحيلنا الى مرجعية فرنسية أو انجليزية،،بقدر ما ينبهنا الى هذا الفراغ السياسي الذي باتت تعيشه دول عربية ،حتى تلك التي لم تنهض فيها الثورات او الاحتجاجات الاجتماعية.وهو ما نتج عنه "فراغ في السلطة"،كما يذهب الى ذلك حميدالحريزي.الذي يرى بحق أن هذه الشعوب لم تدرك للآن أنها الحاكم الشرعي لهذه السلطة"ومالكها ،ومنها تنهض واليها تعود.بنص الدستور ،وبنص المعاهدات الدولية التي جعلها الدستور المغربي الأخير فوق القوانين الوطنية.
لكن تحرك هذه الثورات خارج أي اطار فكري أو ايديولوجي،يؤطر حركتها ويقنن مطالبها ،ويوضح أهدافها الكبرى ،قد يدخلنا في قراءات أخرى .فهي اذا لم تكن للآن قد وصلت بعد الى درجة المازق ،فانها ،الآن وصلت الى سقف التساؤلات الكبرى ،فالشعوب العربية أصبحت الآن أمام تحدي حقيقي ،أمام تساؤلات ملحة تنبع عنها ،أي من طبيعتها،تسائل مداها وبنيتها .أي أهداف تروم؟وأي بدائل تطرح؟"ان التحدي الحقيقي الذي يواجه حلول الربيع العربي ،هو كيف يمكن توفير الظروف والآليات التي تمكن الشعوب العربية من ان تصبح شريكة في صناعة مصيرها "كما يقرر فهمي هويدي .واذا كان ما أكسبها امكانية التواصل والتراص،وعدم الاختلاف " هو "عدم وقوعها تحت تأثير أي ايديولوجية او مذهب ديني ،انما وقعت تحت تأثير الضغط الاجتماعي والسياسي والأمني،وهو ما افقدها الاطار الفكري والمحرك الاجتماعي"كما يرى حميد الحريزي.واذا كانت هذه "الانتفاضات العربية ما تزال تسير في طريق التصاعد "كما يذهب الى ذلك الطيب تيزيني ،فان أي تصاعد يفترض علميا اوجا ما ،أو الوصول الى النهاية أو الخلاصة.وهو ما يفترض بلورة ما ،أو تكوينا ما.غير أن المتتبع يلاحظ بلورة معاكسة ،أي بداية تطاحن حول من الأقوى تواجدا في الساحة؟ومن الأصلح لقيادة المرحلة؟ومن تعود له أولوية الحديث باسم الشعوب؟ومن يمتلك شرعية ومشروعية القيادة والوجود؟وهذا مؤشر خطير ،تنحدر اليه الثورات والانتفاضات العربية.وهنا وجب التذكير على الاجماع الكوني على أنها ثورات وانتفاضات جماهيرية .وليست فئوية أو مذهبية أو عقائدية .مما يستوجب العودة الى رهان العقد الاجتماعي ،الذي نادى به الطيب تيزيني ،أو البحث عن الآليات التي تمكن الشعوب العربية من أن تصبح شريكة في صناعة مصيرها ،كما رأى فهمي هويدي.أو تمكينها من اطار فكري وايديولوجي يوضح مسارها كما رأى حميد الحريزي.