العدو بداخلي

موضوع: العدو بداخلي 4/11/2011, 12:03 am

العدو بداخلي

خالد الصلعي

*********
العدو بداخلي ، انه معي ، انه صورة طبق الأصل مني ، الاختلاف الوحيد بيننا ، هو اختفائي وراء أقنعة لاعلاقة لها بواقعي ، أو تأويل نكوصي لتلك الأقنعة وان كانت تحثني على الدفاع عن جميع حقوقي ، بما فيها حق الوجود الذي لم يمنحه لي أيا كان .
العدو بداخلي ، انه أنا ، لكنني أخبئه ، لأبدو أمام المرآة شكلا آخر ، رهان تزييف الأنا ، ولى زمن العدو الخارجي ، منذ زمن بعيد ، لكن وبدافع العادة ، وبنقص حاد في الوعي الهادف لمثقفينا ، تعلمنا فن الحفاظ على العدو الخارجي والتشبث به . بل واستدعائه ، كلما افتقدناه .
العدو بداخلي ، بعد أن زرع عينه في حقولي لحراسة قمحي وآباري ، كلما آن أوان الحصاد ، قام الأعوان بتقديمه للعدو البعيد البعيد، وكلما امتلأت الآبار سيق ماؤها الى العدو الأبعد ، من قبل العدو الأقرب ، المفترض فيه أن يحمي رفاهيتي وعزتي وشبعي .
هل استفقنا فعلا مع هذه الثورات المباركة على حقيقة العدو ؟ ولم استمر أكثر ما يقرب من نصف قرن وهو يمعن في اذلالنا وتفقيرنا وتجهيلنا وتعميق أميتنا ؟ لم أخرجنا من مدار الحضارة الانسانية ، وتركنا نجر ما نعجز عن استرداده ، وان كنا قادرين على تجاوزه وابداع حضارة أكثر حداثة وعصرية ، لم أخفق المثقفون في احداث تغييرات جوهرية في منظومة العقل او الذهن او الوجدان العربي ؟ هل كانوا مشاركين في لعبة تغييب الشعوب العربية عن واقعها ، وعن رهانات العصر ؟ هل كانوا بعيدين عن همومه الحقيقية التي كان بمقدوره التفاعل معها والانخراط الجدي في حلحلتها ، وايجاد أنجع الحلول لها ؟ أم أنهم ببساطة ليسوا مثقفين ،بل هم نساخ ونقلة ، وأولئك لايمكنهم نسخ الواقع ان لم يعمقوا جراحه وأوجاعه ، لأن المنسوخ ينتمي الى ثقافة مغايرة وواقع مغاير ، فبقيت الشروخ قائمة الى يومنا هذا ؟.
العدو بداخلي ، لأني ببساطة لم أتعلم ، ولم أعلم نفسي فن المساءلة ، انطلاقا من الذات وانتهاء بالميتافيزيقا ، مرورا بالأصدقاء والأقرباء والحي والمدينة والوطن والأمة والعالم . هل نعجز فعلا عن طرح مثل هذه الأسئلة ؟ هل نعجز عن مواكبة التحولات الكونية والأحداث الدولية ، واستقراء نتائجها ، واستخلاص ما وجب استخلاصه ؟ هل فعلا نحن بهذه الدرجة من العجز والخصي ؟ . فلنعلن للعالم هذه الحقيقة ، وكفانا التمسح بالأسلاف والأجداد ، والتعلق بنرجسية فاقعة ، لنكن واضحين وصادقين مرة واحدة . لنجرب تيمة الصدق مرة واحدة .
العدو بداخلي ، لم أضطر للكذب ، ولأجل من ؟، ولأجل ماذا ؟ ولأي غاية أو هدف ؟ هل يعيش ويحيا من يمتلك كل هذا الفراغ الداخلي ، ويفتقد لنعمة الوجدان ، و لقيمة الاحساس ، والاستمتاع بلفظة "أنا " كوجود انساني راج وضاج في زوبعة الحياة التي لا تهدأ ؟ نعم "أنا" هذا الضمير الثلاثي الأحرف ، الذي يغطي مخارج الحروف من عمق المعدة ، كداخل أصيل ، الى ما خارج الشفتين ، كاندياح ميتافيزيقي خارج الذات ، وحده الكفيل باشعارنا بقيمتنا ، لكننا ، ونحن الفاقدون لفلسفة الخطو الواثق والرؤية التلقائية ، والحديث الانسيابي ، والتفكير الصافي ، نعجز فعلا عن تمثل كل دلالات لفظة "أنا " .
العدو بداخلي ، ما لم نقهر هذا العدو الداخلي ، مالم ننتصر عليه ، لن تقوم لنا قائمة . ولو قمنا بألف ثورة ، ولو طردنا كل الحكام ، سيأتي من يبيد الأطفال في الأرحام ، وسننتخبه نحن ، وليس غيرنا . لأن الاشكالية الأكبر والأعمق هي الداخل الملتبس والغائب عن المساءلة والنقد والانتقاد والمراجعة والمحاسبة . نخرج للشوارع ، كهياكل جسدية ،ثم نعود الى بيوتنا لنرتاح كحيوانات . لأن الذات لم تسأل نفسها لم انا خارج الى العمل ؟ لم انا ذاهب لزيارة أصدقائي وأقربائي ؟ خرجت للعمل لتأدية ما تعتبره ضريبة الحياة ، لتقديم جهدحيواني من أجل كسب ما يسد به رمقك كحيوان، زرت أصدقائي لمؤانستهم وتبادل الحديث الفارغ . لا أحد سأل يوما لم لا تتطور شركاتنا ، وتطور انتاجاتها ، وتشاركنا في بناء جمعيات توعوية ، ومدارس تعليمية ، أو لم لا أجتمع مع عائلتي لطرح القضايا الكبرى للعائلة وتطوير مداخلها وتحسين نمط عيشها ،والرفع من شأنها .
العدو بداخلي ، لأن داخلي تركته فارغا وكل فراغ يستدعي امتلاء ، فكان الامتلاء بلاء .

موضوع: رد: العدو بداخلي 26/6/2012, 5:56 am

شكرا للأستاذ خالد الصلعيْ , مقال في الصميم و ولا يستطيع أحد منا أن يقول غير كلمة واحدة ( صدقت وأحسنت التشخيصْ ) لكنك صرحت بما في مكنون صدرك للناس , والآخر ارتعب وارتعد , وجامل وخبَّى,,

فبقدر وجود العدو المتربص بيْ وبك .. إلا أن داخليْ وداخلك أعظم الأعداء ,, ولقد سئل الإمام علي بن أبي طالب ذات مرة ؟؟ كيف تنتصر على عدوك , فتهزمه,, فقال كرم الله وجهه (( أكون أنا ونفسه عونا عليه ))

خرجنا لشعب الى الشارع , فما الذي تغير ,, كان يحكم البلاد طغاة ,, والآن ولوا الأدبار , فهل ولت معهم المصائبْ ,,,,

كلا , كلا, فلا تزال الأمة تتردى من سيءٍ إلى أسوأ ,, فلا حول ولا قوة الا بالله , والعاقبة للمتقين