khalid salai
المواضيع والمشاركات : 86 الجنسية : مغربي تاريخ التسجيل : 16/06/2011
| موضوع: غنائية الموت 16/11/2011, 10:28 pm | |
|
غنائية الموت
خالد الصلعي *********
الغرب هذا الند العنيد ، يبقى حاجتنا الحضارية ، وشرطنا الوجودي ، انه المرآة التي ننظر فيها الى ذاتنا الحضارية ، به نقيس مدى تخلفنا ، وهو المعيار الذي نعين به قيمتنا الدونية ، ونزن به ثقلنا ،،لا ثقل لنا . تصدمنا المسافات التي تفصلنا عنه ، مسافات ذات بعد عمودي ، بينما يبقى البعد الأفقي قادرا على استيعاب المساحات الفاصلة ، ورتق الفجوات بيننا . لماذا تقدم ، وكيف تأخرنا ، مع ضرورة قلب او ابدال صيغ السؤال ، بقلب وابدال أداة الاستفهام . لماذا تجاوزتنا أمم كانت وراءنا قبل ثلاثين سنة ، وكيف عدنا الى الوراء بقدر تقدمهم الى الأمام ؟ أين مكمن العلة ، وأين موضع الداء ؟ . فيم يختلف الانسان عن الانسان ؟ ما معنى أن يتقدم الأمريكي والألماني والياباني والصيني والماليزي ، والتركي والبرازيلي ، ويبقى العربي متشبثا بتخلفه ؟ الانسان هو الانسان ، نفس الحروف ، ونفس النغم الصوتي ،ونفس الجرس الموسيقي !!!!! لكنهما مختلفان في الوضع و في الدرجة . الانسان الغربي اكثر تحررا ، وأكثر انتاجية ،ـ وأكثر انضباطا ، وأقرب الى الحساب والمحاسبة ، بينما العرب أقرب الى المحسوبية ، وأكثر كبتا ، يعشق عذابه وجلاده ويحن الى سجنه ، مشتت وممزق ، الى حد التشبث والدفاع عن تشرذمه وانفصالاته . العدم هو شيئ نتصوره ونتمثله ، رغم لا وجوديته ، والانسان العربي أيضا عدم ، أو هو في أحسن تقدير أقرب الى العدم ، رغم تعينه ووجوده . لاشأن للمعنى في تحديد المفهوم ،.يأخذ المعنى هنا بعد الحياد ، لأن المعنى مرتبط بالدلالة ، والعدم دلالة مجردة ، معناها ذاتي غير انسيابي . لايأخذ انسيابيته الا عندما يتداوله الفلاسفة والشعراء . فيصبح احالة ذات تكثيف مضاعف ، لكن نعجز عن اثباتها ، حتى في حالة عرض نقيضها . ليصبح العدم أهم تحديات المنطق الخالص والمنطق الجدلي الدياليكتيكي . لكن الانسان العربي بتخلفه الذي ناهز عشرة قرون ، دخل منطقة العدم الاستعاري ، فأصبح يقع على حافة المجاز ، بين حقيقته واحالته . نحن أمة عدم ؛ حقيقة قاسية ، لكن الواقع لايرتفع ، ولا بد من نقد ذاتي قاس ، نحن امة عدم تلامس الاستعارة القريبة ، باستعارتنا شروط الحياة المعاصرة دون ولوج حداثتها الفاعلة .نستورد كل ما ينتجه الاخر ، أصبحت المنطقة العربية بؤرة استيراد لكل المنتوجات ، ومن كل جهات العالم ، ولم نعد نكتفي بالغرب فقط ، كما كان الشأن قبل ثلاثين سنة ، أو عشرين سنة خلت . بل أصبحنا المركز الذي يستجلب كل تقنيات ومنتجات العالم الغربي ومنتجات الشرق الأقصى والأدنى . بل والأنكى من ذلك ، أصبحنا نستورد التعليمات والوصايا والأوامر من الغرب!!!!!! ما هي الأسباب الحقيقية لهذا التشيؤ والتعديم ؟ والجواب بقدر بساطته ، هو أعقد من السؤال . لأننا أهملنا الداخل الانساني ، النفس البشرية ، الوجدان العربي ، والعقل والروح العربيين . فالعربي كائن فارغ المحتوى النفسي ، مشرد النواة الروحية . انه مرآة تعكس صورة الانسان ، وليس انسانا بالمعنى الوجودي الفاعل ، فالموجود هو ما يدل عليه أثره ن،ومن لاأثر له لاوجود له . انه بلغة أخرى نور الشمس ، وليس شمسا ، اذا كسرنا المرآة وهشمناها ، صار وجودنا ظلاما ، وعدنا الى زمن الجمال والرمال . اني افترضت قبلا ، بعد الثورات العربية المباركة ، وبعد هذه النكسات الغربية في أنظمة رعتها أكثر من نصف قرن ، أن العالم العربي بدأ يدخل تاريخه التفاعلي ، من خلال انتاج أفعاله ، من داخل ذاته ، رغم بؤس هذا الداخل ، ورغم النتائج التي أسفر عنها . لقد خفف العالم الغربي بفعل ضغوطات اقتصادية واجتماعية وحضارية ، من وضع اليد على رأس العرب لتظل أبدية الانحناء . الدول العربية من أغنى دول العالم . لكنها من أفقره وجودا وفعلا وتفاعلا . انها لاتضيف للانسانية غير زيادة في الولادات وفي النفايات . ولا تضيف اليها ما قد ينفع الانسانية ، وان أضافت اليها رفاهية الرأسماليين الكبار ، بالنفخ في حساباتهم البنكية ، لاأكثر . الدول العربية تصدر ما تنتجه الطبيعة ، ولا تصدر ما يتنجه العقل ، واذا ما حدث وصدرت منتوج العقل فانها تصدره بلحمه وشحمه كاملا ، ليستفيد منه الغرب ، استفادة كاملة غير منقوصة أو مجتزأة . الدول العربية دول رعوية بمنطق العصر ، اذ تعتمد على الطبيعة في بكارتها ولم تستطع للان أنسنة الطبيعة والدخول معها في تشارك وجودي . وبذلك كانت الدول العربية بدائية ومتخلفة في تغييبها لمنتجات العقل . لكنها تمتلك ثروة ضخمة ، وهذه الثروة مالية وليست انسانية أو رمزية ، انها تدمر الانسان والرمز معا . لتحتفظ بالنسبي والزائل ، وتتعرى من المطلق والخالد . الانسان العربي لا يشبه أي شيئ في الوجود ، هو الكائن الوحيد الذي يستوعب ويطلب امتلاء دون ان يعطي شيئا بالمقابل . كل موجودات الطبيعة تخضع لمبدأ تبادلي ، ولو في حده البدائي ، المقايضة . الا الانسان العربي أحادي البعد والوجود ، كائن مستهلك بامتياز . حتى الحيوان يستهلك ليقوم بوظيفة انتاجية ، والحمار سيدهم . لكن الانسان العربي هو كائن فارغ . انه مجرد ماكينة أو آلة ناسخة ، مجردة من كل قدرة على الابتكار والابداع والاضافة . التاريخ العربي منذ قرن ، لاشيئ . مرحلة استعمار خارجي . ثم مرحلة استعمار داخلي . اللهم من محاولة محمد عي باشا في مصر ، أواخر القرن التاسع عشر ، وبداية القرن العشرين ، وتجربة سوريا اواخر الخمسنيات من القرن الماضي ، وهي تجربة لا يكاد يذكرها التاريخ الحديث . كشهابين سرعان ما خمدا وانطفآ لعوامل داخلية في سويا ، وداخلية وخارجية في مصر . صورة العالم العربي اذن صورة حافظت على لونيها التقليديين ، الأبيض والأسود ولم ندخل بعد عصر الألوان ، وهو الى اليوم يعيش القمع والاستجداء . بل تفجر على القتل الوحشي خارج أي منطق انساني ، وخارج منطق الدولة . هذا هو تاريخ العالم العربي منذ قرن ، في نصف سطر . | |
|