خربشات الثقافية
مقدمة لمسرحية مكبث Eniie10

خربشات الثقافية
مقدمة لمسرحية مكبث Eniie10

خربشات الثقافية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
Kharbashatnetالبوابةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولتسجيل دخول الأعضاء

 

 مقدمة لمسرحية مكبث

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
ازهر سليمان

ازهر سليمان


ذكر
المواضيع والمشاركات : 453
الجنسية : عراقي
العمل/الترفيه : استاذ جامعي
تاريخ التسجيل : 16/02/2012

مقدمة لمسرحية مكبث Empty
مُساهمةموضوع: مقدمة لمسرحية مكبث   مقدمة لمسرحية مكبث Uhh1019/2/2012, 6:23 pm



المقدمة

ان مسرحية مكبث تمثل في ظني الزخم الشكسبيري الثر؛ الكلمة والجملة هما الفكرة، والفكرة هى اللغة. وانت تقرأ النص الانجليزي تلتصق الجمل والكلمات في ذهنك التصاقاً حتى لتحس انك قد صرت جزءا منها في خضم الحدث. ان لغة النص الانجليزي شعرا يحمل انماطا من البلاغة لاتجد مكانا للحشو والاطناب فيه. ويتفاعل التكثيف المجازي واللغوي تفاعلاً صميميا ليولد نصا مسرحيا معبرا. وكأي شاعر فأن شكسبير يستخدم اللغة بأسلوب لايبدو متكلفا او مألوفا لاستعمالات الجملة النثرية المباشرة. ويطغي المجازسيّما بنوعيه التشبيه والاستعارة على لغته.
ان التشبيه هو عبارة عن مقارنة مباشرة بين موضوع المقارنة وبين الصورة التي يستحضرها هذا الموضوع. ويجب ات تكون المقارنة بين شيئين مختلفين باستعمال (مثل) أو (كـ). ففي نهاية المسرحية يواجه مكبث عدوه في ساحة القتال ويشتبك معه اشتباكا دمويا مريرا فيقول:
لقد ربطوني الى خشبة، ولا استطيع الافلات،
كالدب لابد ان أقاتل حتى النهاية.
يقارن مكبث نفسه بدب مربوط الى خشبة حيث تهاجمه الكلاب لتنهش منه، ويظل الحيوان يذود عن نفسه دونما كلل فيدور ويدور حول الخشبة الى ان يلتف الحبل بكامله حول رقبته ولايبقى له مساحة للمناورة فتنقض عليه الكلاب الشرسة لتقتله. وكما الدب فليس لمكبث خيارا الا القتال حيث وصل الحبل الى مداه. وهذه كان يتسلى بها الناس انذاك.
يشير المجاز احيانا الى تطابق شيئين تطابقا تاما وليس الى مجرد تشابههما دون استخدام (مثل) او (كـ). يقول بنكو:
بل انا من سيصبح جذراً وابا لملوك عديدين
هذه جملة مجازية فيها يقارن بنكو نفسه بجذر شجرة؛ ومن الجلي ان الجذر وبنكو هما شيئان مختلفان تماما لكن وجه الشبه هو ان بنكو سيمسي مثل الشجرة التي اصلها جذورها. وتينع الشجرة باوراقها وغصونها بسبب هذه الجذور. وان بنكو سيكون له اطفال يصيرون ملوكا ويينعون كاوراق واغصان الشجرة، وان اصل وجذور هولاء هو بنكو.
تستمر هذه اللغة المجازية بصورها الرائعة من بداية المسرحية حتى نهايتها رابطة اجزاء الاحداث معا كما تفعل الحبكة تماما. فهنالك صور مجازية تعبر عن اللباس وستر الجسم بالملابس. فحينما بدأت قوى مكبث تخور في نهاية المطاف، وحينما بدأ الناس يدركون ان ما حصل عليه مكبث من جاه ومال وسلطان ماكان الا بالخيانة والغدر والظلم والجريمة. وقد وصف انكس، نبيل من النبلاء، مكبث بالابيات التالية:
يحس الآن
ان حقه في العرش فضفاض كثوب عملاق
على جسد لص قزم
يبدو مكبث قزما تحت ثوب عملاق (الملوكية). وبذات المجاز تخاطب الليدي مكبث قوى الظلام قائلة:
تعال ايها الليل
مكفنا باحلك دخان السعير
ومن الامور الشيقة في لغة المسرحية هو حالة تداعي الصور الشعرية صدى للاحداث والتي تشارك بدورها في البناء الدرامـي للمسرحية. يناجي مكبث نفسه واصفا فعلته الشنعاء لقتل الملك:
ستهب الشفقة عليه كالطفل الرضيع
يمتطي صهوة الريح، او كملاك يمتطي
ريح السماء الخفيــة
سينثر تلك الفعلة الفظيعة في كل عين
يشحذ مكبث خيالنا بصور حسية للجريمة الشنعاء وكيف ستنتشر كصوت ابواق السماء. يتناول مكدف نفس المعنى البلاغي حين يقول:
في كل صباح جديد،
ينحن ثكالى اخريات، ويصرخ ايتام آخرون،
ويصفع وجه السماء احزان وليدة، فيدويّ صداها
كأنما السماء تحس بالآم اسكتلندا فتصرخ
منتحبة مثلها
وتتداعى نفس الصورة الشعرية عند روس حينما يحاول ابلاغ مكدف خبر فاجعة عائلة الاخير. فيقول:
لكن فـيّ كلمات
ينبغي لها ان تنطلق نحيبا في فضاء الصحارى
حيث لا يطالها سمع
قلما نجد بعدا مكانيا واسعا لمثل رجع اصداء الاعمال الشريرة كهذا البعد.
اما البعد الرمزي في المسرحية فأنه يلازم الحدث. فنجد الضوء، مثلاً، يمثل الحياة والفضيلة والشرف؛ اما الظلام فيمثل الشر. تتألق الملائكة بينما الساحرات يكتنفهن الغموض ويلفهن الظلام. تتميز هذه الرموز بالديناميكية والتطور لتولد معنى ايحائيا عاليا. حينما يمنح الملك دنكن ابنه شرف وراثة العرش، لاينسى الملك ان يكافئ الآخرين:
ان هذا الشرف لن
يكون حكرا عليه، فأوسمة النبل نجوم ستتلألأ
على صدر كل ذي حق.
ولا تكاد تمر لحظات على هذا القول حتى يهيم مكبث في مناجاته النجوم من ان العرش لامحالة حائل الى ابن الملك ولذا فملكولم هو الآن العقبة الكبرى في طريق طموحه للأسئثار بالعرش لنفسه.
ايتها النجوم اخف ضيائك
كيلا يُرى مايجول في اعماقي من مطامع سوداء.
ومن هذه المناجاة صعودا يتلازم اقتران التفكير والفعل الشرير بالظلام. تخاطب زوجة مكبث الظلام قائلة:
تعال ايها الليل
مكفنا باحلك دخان السعير
كما يتطرق مكبث في مناجاته للظلام قائلاً:
اقبل ايها الليل
يامن دجاه يغمض العيون، وأعصب
العين الحنون من النهار العطوف.
كما اننا نجد نفس الصورة الرمزية لتلازم الشر والظلام في حوار شخوص آخرين. يقف بنكو وابنه على شرفة القصر في حراسة الملك ليلة مقتل الاخير. يلف الظلام والقلق كل ذرة في ذلك الليل. يتأمل بنكو السماء المدلهمة ويتمتم:
ما من شــئ يضـئ السماء
قناديلها كلها مطفأة
نحن نعلم ان هذا المشهد هو مشهد ارتكاب الجريمة الآثمة بحق الملك دنكن. وعليه فان استكمال الصورة الرمزية في اليوم الثانـي للجريمة يكون على لسان روس حين يصف كسوف الشمس:
الليل الداجي يخنق الشمس
أهو سلطان الليل ام عار النهار
أن يدفن الظلامُ وجه الارض
حين ينبغي للنور الحي أن يقبله؟
كما يمثل المرض بعدا رمزيا آخرا في التركيب الدرامـي للمسرحية. يسـأل مكبث طبيبه كـي يشخص (مرض) أسكتلندا العليلة:
ايها الطبيب ان يكن في استطاعتك
ان تفحص ماء بلادي لتشخص علتها
وتطهرها لتعود الى سابق عافيتها
سأصفق لك حتى يردد الصدى تصفيقي...
أي راوند أم اي سنامكي او دواء مسهل
بقادر على أخراج هولاء الانجليز من هنا؟
ويصف ملكولم بلاده بالجريحة والنازفة وان الشعب جزء من هذا النزيف الدامي، فيقول لمكدف:
لنتخذ من ثأرنا العظيم دواء لنا
نًشفي به احزاننا المميتة.
ومن الجدير بالذكر ان كل الصور الشعرية لمكبث هي رغبات هائمة تبحث عن دواء وكلها توق الى الراحة والاستقرار مما يعطي انطباعا عميقا لدينا على مدى شوق وتلهف مكبث صوب السكينة وراحة البال من عناء التعب والصراع الذهنـي المضطرم في عقله وجسده وروحه جراء جريمتـه.
ومن الصور الدرامية الرائعة والتي تلتصق بالذاكرة تكمن في تصوير اغتراب مكبث وزوجته ، ذلك الاغتراب الذي يأخذ بعدين: سايكولوجيا وحسيا. لقد امتزجت عناصر الاغتراب مع الحدث امتزاجا دراميا يصعب فصله الى الحد الذي انه لو تم فصله وعزله عن الحدث ذاته لفقدت الشخصية مبرر وجودها ولفقد الحدث عنصرا مهما الا وهو الشخصية المكونة له.
يمثل حرمان مكبث من نعمة النوم جزاء لما ارتكبه بحق الملك قتله نائما بسلام قمة الاغتراب الساكولوجي. يمثل النوم عند شكسبير حالة الاسترخاء التام والهدوء والاستقرار بعد كدح النهار. فتجرع مكبث ذات السم الذي سقاه لغيره، لن يعرف طعم النوم مادام قد أغتاله بخنجر الغدروصارت غفوة العين ولو لبرهة حلما لديه بعيد المنال. وظل مكبث يصارع الارق القاتل حتى مقتله. ولو تأملنا في مشهد اغتيال الملك لرأينا ان صوتا مجهولا يخترق سمع مكبث ينذره بعاقبة ما تجنيه يداه:
لقد خيّل الي اني سمعت صوتا يصيح:"لن تنام بعد الآن!
مكبق قد اغتال النوم"، النوم البرئ،
النوم الذي يحوك خيوط الهموم ببعضها،
النوم هذا الموت القصير اليومي، حماما بعد كدح،
بلسم العقول في اذاها، الطبق الثاني للطبيعة،
والطبق الرئيسي في مأدبة الحياة.
كما ان الليدي مكبث قد حرمت النوم فغربت عنه. فهي تمشي في نومها وتتحدث عن ادق تفاصيل الجريمة بشكل مباشر حينا وحينا بشكل رمزي. فصار النوم لها اسثناء واليقظة في النوم قاعدة. وبالتالي فهي لاتركن الى الراحة الجسدية والذهنية التي من المفترض ان يوفرها النوم للجسد.
ان مكبث بطبيعته التلقائية هو انسان يشده الخيال وتملؤه الشجاعة، لكن واقعه يدفعه الى منزلق الخطيئة. وبعد ارتكاب الجريمة يتداخل عنصرا الخير والشر بداخله في صراع اهوج يكاد يقوده الى الجنون، صراع بين مكبث الانسان ومكبث القاتل. ان الجريمة تحرمه وتغربه عن طبيعته الانسانية فيعيش ليكون وقودا لهذا اللهيب المدمر. فحينما يحاول مكبث ايجاد المبررات لقتل الملك لايجدها، وكل مايجده هو اسباب تدين وتردع هذه الجريمة.
تعصم الملك من امري عصمتان:
اولهما: انا قريبه ومن رعيته،
وكلاهما يردعاني عما انا فاعله، ثم اني انا مضيفه،
الذي ينبغي ان يوصد الباب في وجه قاتليه،
لا ان احمل الخنجر بنفسي. ناهيك ان دنكن هذا
حليم في ادارة دفة الحكم – فطهارته تدعو له
كالملائكة وتهتز الدنيا على
اللعنة العميقة لمصرعه.
ان هذه الاحاسيس الرادعة للعمل الشريرلايمكن لها ان تنبع الا من نفس مغروس فيها بذور الانسانية لكن كل هذا كله يقع ضمن محيط وحشي تأكله رغبة القتل والطموح. ومن هذه النقطة بالذات يبدأ ويتكون الصراع الدرامي.
ان امورا حسية جمة ينفصل عريها عن بعضها فتتغرب في المسرحية. فالليدي مكبث محرومة من انجاب الاطفال مما يدفعها الى الاغتراب عن بنات جنسها وعن انوثتها وانسانيتها كأم فتناجي قوى الشر والظلام مستمدة منها العزم والقوة لفعل الجريمة:
تعالي الى نهديّ
واحيلي حليبي علقماً.
ثم تحاور مكبث حول الجريمة وكيف يتوجب عليه ان يكون راسخ العزم شديد البأس لهذا الفعل:
لقد أرضعت يوما واعلم
ماأرق الحنان الذي احسه للطفل الذي ارضعه
لكنني لو اقسمتُ كما اقسمت انت
لانتزعت حلمتي من فمه الطفولي الغض،
وان كان يبتسم في وجهي،
ولهشمت رأسـه.
ليس هنالك امرأة تنكرت لحنانها وحليبها الامومي التي ارضعت به وليدها كما تنكرت هذه السيدة هنا. اي انثى رقيقة تطلب من زوجها يتصف بمثل هذه القسوة العاتية. فهي تخبر مكبث بحكمة ودراية القتلة المحترفين ان عليه ان يتحلى بوحشية بالغة لاتقف عند حد. فلو هي اقسمت على قتل وليدها لقتلته دونما تردد حتى وان كان في احضانها يرتشف الحنان بكل دفء وبراءة. فعليك يامكبث اذن ان تمتلك ذات القدر من الشراسة والحيوانية كي تفلح في مسعاك البائس.
تستمر سلسلة الانسلاخات هذه واغتراب الاشياء عن بعضها خلال المسرحية.يُقتل الملك ويهرب ولداه الى انكلترا وايرلندا، ثم يُقتل بنكو ويهرب ولده كذلك. كما ينسلخ مكدف حسيا عن عائلته بهروبه الى انكلترا؛ ثم يُجرد الضابطان من منصبيهما في الماضي، وينسلخ مكبث حسيا وسايكولوجيا عن زوجته في النصف الثاني من المسرحية مقارنة بعلاقته الحارة والحميمة معها في النصف الاول منها. واخيرا يُقتل مكبث ويُفصل رأسه عن جسده في نهاية المسرحية.
ان بذور الشر والطمع والجريمة جعلت عرى الاشياء تنفصل عن بعضها وتفقد توازنها وامتداداتها مع بعضها، فيُقتل الآباء ويهرب الابناء خوفا من ان تطالهم نصال القتلة؛ ويهجر الازواج زوجاتهم واطفالهم ليلتحقوا بالثوار لمقارعة البغي والظلم. كل هذا يحدث بسبب الخلل الذي احدثته جريمة قتل الملك. فالملك يمثل محور الاشياء وناموس النظام وقتله لايمثل الا تدنيسا وتشويشا للوجود وهذا ماحدث فعلا بعد مقتل دنكن.
الساحرات:
لم تكن ظاهرة السحر والساحرات في عصر شكسبير مزحة يُقصد منها ترويع واخافة الاطفال ومحدودي الادراك والتفكير، بل كانت المسألة مسألة ايمان وأيّما ايمان حيث لاجدل ولاشك فيه. ولقد وصل الامر الى ان الملك جيمس الاول امر بحرق كتاب ريجنالد سكوت الذي هاجم فيه السحر والساحرات ومن يؤمن بهم وكتب بدلا منه كتابا يفند فيه ماورد في كتاب سكوت.
لقد اضفى شكسبير على ساحراته كل ميزات وصفات الساحرات المتعارف عليها آنذاك. فهن يربين الحيوانات من ضفادع وقطط مساعدات لهن في أداء سحرهن. وهن يتقابلن في اجواء عاصفة راعدةلقدرتهن في التحكم بالانواء. كما ان هنالك اشارات واضحة للبوم الذي كان يعتقد انه من المساعدين الاساسيين للسحرة.
وكان يعتقد ان سبب الكوابيس والهلوسة التي تعتري البشر في حالات لا وعيهم انما سببها الساحرات. وقد اعترى مكبث من الكوابيس والهلوسات ما اعتراه, فصار ضحية لهن ولكن برضاه. وقد يتسائل القارى من اين تستمد الساحرات قواهن السحرية وما هي قابليتهن بهذا الصدد كما كان يعتقد سابقا؟ كان الناس يتصورون الساحرات انذاك بشكل نساء عجائز منحتهن الشياطين قدرة خارقة فبعن انفسهن لاولاء الاسياد الشياطين الذين بدورهم استعملوا اجساد الساحرات لاغراضهم الشريرة.
في الواقع ان ساحرات شكسبير هن خليط من مفهوم الساحرات الفكلوري ومن الاساطير الكلاسيكية. فهن يسمين(اخوات القدر) خلال المسرحية ما عدا نعتهن بالساحرات في مكانين: اولهما من قبل زوجة الملاح والثاني حين يذكرن في الارشادات المسرحية(stage directions) فهن يسحتضرن الارواح ويدعوهن بالاسياد.واستعمالهن للقدر(بكسر القاف) الذي يحضر السحر به مأخوذ من الاساطير الكلاسيكية للجنيات.
بالرغم من ان الساحرات لهن القدرة على التشوف وقراءة المستقبل, فالمغزى العام للمسرحية لايحملهن تبعية جريمة مكبث كاملة، بل ان مكبث هو من يتحمل وزر اثمه اولا. فهن قد يغرين الانسان بالانحراف عن الطريق السوي, لكنهن لا يستطعن اجباره قسرا على فعل ذلك. ان احساس مكبث بالذنب قد قاده في الواقع الىاحساسه بالقلق والخوف وعدم الطمانينه, مما جعله يقترف جرائم اخرى معتقدا انه سيحقق من جرائها تلك السكينة والطمانية اللتين طالما تاق لهما. ان قرار قتل زوجة مكدف واولادهما كان قراره هو وليس قرار الساحرات ظنا منه ان هذه الجريمة ستنقذه من عواقب الجرائم السابقة. وعلى النقيض, فان هذه الجريمة كانت من الامور التي قادته الى حتفه.
نجد في مسرحية مكبث رغبة الاختيار الحر للشخوص. فزوجة مكبث تتضرع الى قوى الظلام الشريرة لمساعدتها في قتل دنكن. ان اختيارها هذا هو اختيار واع حر بديلا لقوى الخير التي يفترض ان تناشدها لانقاذ روحها. كما ان مكبث لم يلم الساحرات باختياره درب الجريمة, لكنه وجه اللوم اليهن فقط في وقت لاحق من المسرحية لخداعهن له بوعود زائفة. لقد اغرين مكبث بالعمل الشرير وقدنه الى الياس والخنوع وضياع الذات, وذاته هو ملكه وهو صاحب القرار في الاحتفاظ بها او بيعها للشيطان.
ومهما يكن, ان كنا نؤمن بالساحرات وبوجودهن او عدمه في وقتنا الحاضر, فالساحرات يبقين في مسرحية مكبث هدفا لبناء درامي يرمز الى قوى الشر والظلام. وقد نسال سؤالا اخيرا:من منا يرضى ان يكون ملكا على اسكتلندا شريطة ان يخسر روحه وطمانينته ونومه؟
آن الاوان لان نتكلم حول ماهية الدافع الرئيسي الذي حفز مكبث لقتل الملك. وقبل التعرض لهذا الموضوع يتوجب ان نفهم ان المأساة تعني بأبسط صورها موت البطل في النهاية. فضلا عن بعض العناصر الدراسية الاخرى والتي ذكرها ارسطو طاليس في كتاب "الشعر" ترسي دعائم المأساة بشكلها الرصين. من ضمن هذه العناصر هو الخطأ المأساوي. فلا بد للبطل من خطأ مأساوي يرتكبه او يكون جاثما في طبيعته وتكوينه يقوده الى حتفه. فخطأ عطيل المأساوي هو غيرته الشديدة وثقته بالناس من اول وهلة؛ وخطأ هملت المأساوي هو تردده كثيرا في القيام بتنفيذ خططه. أما خطأ مكبث المأساوي فهو طموحه الكبير لان يكون ملكا بطريق غير مشروع مما جعله يرضخ لايحاءات الساحرات والى ضغط زوجته لارتكاب الجريمة. ومن الجدير بالذكر ان مفهوم الطموح في العصر الايزابيثي يختلف عن مفهومنا وتصورنا له في الوقت الحاضر تماما. فبينما يعتبر الطموح الان امرا مشروعا بقدر مشروعيته حاجة انسانية, فقد اعتبره الاليزابثيون امرا شائنا ومدانا, وعليه فأن مكبث يعتبر رجل خطيئة لانه فكر بالحصول على العرش قبل ان يلتقي بالساحرات. لقد كانت بذور هذا الطموح مغروسة في روحه وعقله فاينعتها رقى الساحرات وازهرها تحريض زوجته له. ومع هذا فيمكن القول ان الجريمة واغتصاب العرش والقسوة هي جرائم عامة. بينما يبقى الطموح خطيئة ذاتية ولا يهم مدى ومقدار اساها. وقد عوقب مكبث بسبب تلك الخطيئة كما فهمها الاليزبثيون انذاك.
ولالقاء المزيد من الضوء على شخصيتي مكبث والليدي مكبث لا بد من فهم علاقة الحب بينهما لفهم مسار التطورات والانحدارات في ذاتيهما وماله من تاثير عميق على الحدث الدرامي. فحينما تبدا احداث المسرحية, نرى ان علاقة مكبث بزوجته هي علاقة نموذجية للزوج والزوجة. فهو يحبها حبا جما ويتبادلان كلمات الحب الصادق العميق.وحالما يسمع مكبث ما قالته الساحرات من تنبؤات، يكتب الى زوجته يخبرها بما حدث. وهذه اشارة الى العلاقة المتينة والتفاهم المتبادل بينها. فيرسل رسالة اليها يخبرها فيها: ((وما احسب الا اني فاعل حسنا حين اخبرك, يا شريكة مجدي, كيلا تضيع منك الفرحة التي بقيت بغير علم بالعز الذي انت موعودة به)) ونلاحظ بوضوح ان مكبث يخاطب زوجته بـ (شريكة مجدي), مما يعطي لهذه العلاقة بعدا قويا بين الاثنين لتاكيد الحب والامال المشتركة.
ان الليدي مكبث, وبدافع حبها لزوجها, تصر وتسعى حثيثا على ان يكون مكبث ملكا. لكنها تحس ان زوجها تملؤه الاحاسيس الانسانية والعطف مما يمنعه من اقتراف جريمة قتل دنكن والاعراض عنها. لذا فهي تقرر ان تقضي بشتى الوسائل على كل العوائق مهما كان نوعها والتي تقف في طريق تنفيذ هذا العمل. فمرة تتهم زوجها بالجبن ومرة بالتردد, لكنها في اعماقها لا تؤمن بهذه الاتهمامات وانما تقولها لا لشئ الا لتحريك شئ في اعماق مكبث لاقتراف الجريمة لصالحه, كما تظن هي.
وتستمر علاقتهما هذه الى ان تقع سخرية القدر. يتباعد الزوجان شيئا فشيئا عن بعضهما لا لكره بينها ولكن بسبب ذالك الحب الكبير. يحس مكبث ان زوجته بدأت تتعذب عذابا نفسيا شديدا تحت تأثير ووطأة وخز الضمير من قتل الملك. ولكي يبعدها عن ساحة الجريمة, يسثنيها من كل خططه المستقبلية الاجرامية, فلا يخبرها بخطته لقتل بنكو ثم يتحول تدريجيا الى العمل الفردي. وتتسع فجوة الانفصال بينهما ويعشعش اليأس والحزن والقنوط في قلب مكبث الى ان يصل الامر الى ذروته حينما تموت الليدي مكبث. ورغم ان حبهما كان صادقا وكبيرا الا انه لم يستطع الاستمرار والتواصل تحت ظلام الجريمة والشر والدم.
اما فيما يخص شخصية مكبث فيمكن القول انها شخصية درامية رائعة تثير اعجابنا لاسيما في بداية ظهورها على المسرح. فمكبث شجاع ومتمرس في فنون القتال يتبعه الفرسان اينما يمضي. ونلاحظ كذالك في المشاهد الاولى من المسرحية صراعا عنيفا يجول بين ضمير مكبث ونزعاته الشريرة فتفوز بعد ذلك تلك النزعات لتسود اجواء المسرحية. ففي البدء يتردد مكبث في فعل امر كهذا فيقول بعد ان التقى بالساحرات اول مرة:
لم يا ترى يستحوذني ذلك الايحاء
الذي يقف شعري له رعبا من صورته الفظيعة,
وصيرت سكينة قلبي طرقا على الضلوع
على غير طبيعته؟
في هذا الموقف يمكن اعتبار مكبث حياديا تجاه الجريمة وليس متبنيا لها تماما, وفي الامكان وبقليل من الجهد ان يتغلب على طموحه تجاه القوة والسيطرة على هذه النزعة المدمرة. لكنه فشل في ايجاد مثل هذا الجهد لعوامل ذاتية واخرى خارجية كما سنتطرق اليه.
ظن مكبث ان عملية قتل دنكن ستكون الكلمة السحرية مثل(افتح يا سمسم) لابواب مجد عظيم وطمانينة لا حدود لها. لكن ماحدث هو العكس تماما. لقد اصبحت هذه الجريمة بذورا ازهرت منها كل الجرائم اللاحقة, كما صارت ايضا الخطوة الاولى على طريق الجريمة الذي تنتهي به الى ماساته النهائية. وجاءت الجريمة الثانية لتضع مكبث في محنة اليأس ومرارته ليقول:

لقد خطوت في الدم بعيدا,
حتى وان لم اخض فيه المزيد
فان العودة لا تقل مشقة من العبور الى الضفة الاخرى.
لكننا لا نرى هنا اي أشارة او تعبير يدل على ندم. يدرك مكبث انه قد تورط في الجريمة, وان هذا الادراك عجل بنهايته بأقتراف جرائما اخرى. ونرى مكبث ذاك الذي يؤمن بالقدر, يتحداه الان:
فتعال أيها القدر الى حلبة القتال
وناصرني حتى النهاية
ثم تزول كل الشكوك والوساوس من عقله ويدرك ان الساحرات ما هن الا وسائل شيطانية سخرن لخدمة الشر. وبرغم ان مكبث ينعتهن (بأسوا الوسائل), يقرر ان يزورهن:
سأذهب غدا مبكرا الى الساحرات:
سيخبرنني المزيد, لقد قررت الان
معرفة اسوأ الاشياء بممارسة اسوأ الوسائل.
يصف فيكتور هيجو مكبث على انه غضب غير واع مندفع صوب الشر. وبأتمام الخطوة الاولى يبدأ تدهوره القدري. انه يكبو ويثب من جريمة الى اخرى ادنى وأحط منها. ان انحداره هذا تجاه الهاوية قد سببه عاملان رئيسيان هما: ضعفه في مقاومة اغراء طموحه تجاه الجاه والقوة والحكم وعدم مقدرته على مقاومة تأثير زوجته عليه. ولانصاف مكبث يمكننا القول انه حاول احيانا مقاومة دعوات الشر, لكن مع كل انتصار لاغراء الطموح الشرير يضمحل جزء كبير من مقاومته وهكذا حتى انتهت تماما ليصير عبدا خضوعا للشر.
وكما اسلفنا سابقا فمكبث هو رجل ارتبط مصيره بالشر والظلام, ولقد سمعنا أراء الشخوص الذين حوله, وراينا اعماله وتصرفاته, كل هذا يثبت انه وغد بمعنى الكلمة: كيف اذن لنا ان نحس ببعض التعاطف والاعجاب تجاه مثل هذه الشخصية؟ ان الاجابة على مثل هذا السؤال تكمن في اعماق مكبث نفسه. فمن خلال مناجاته التي تنبع من اغوار قلبه نسمعه يتحدث عن طموحه, عن ضعفه, عن سوء تصرفاته, عن خداعه, وعن سم الشر الذي يسري في عروقه, كأنسان, فان مكبث ضعيف يجد في شروره شجاعة زائفة. كما نحس في حواره انتقالا مفاجئا وسريعا من لغة دبلوماسية منمقة وجوفاء الى لغة صاخبة,غاضبة, مملوءة بصيغ الاستفهام والتعجب والامر ولكنها تبقى لغة جوفاء ايضا. ويتعاظم تعاطفنا مع مكبث ايضا حينما يصور نفسه في نهاية المسرحية كالدب المربوط.بخشبة, تهاجمه الكلاب بعنف وضراوة لاحول له ولا قوة لكنه يثبت ولا يستسلم بل يقاتل قتالا عنيفا حتى الرمق الاخير.
د. ازهر سليمان
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الشاعر محمد الوزير
المشرف العام
المشرف العام
الشاعر محمد الوزير


ذكر
المواضيع والمشاركات : 405
الجنسية : يمني
العمل/الترفيه : شاعر ومحام - بوزارة الصناعة والتجارة
تاريخ التسجيل : 10/05/2012

مقدمة لمسرحية مكبث Empty
مُساهمةموضوع: رد: مقدمة لمسرحية مكبث   مقدمة لمسرحية مكبث Uhh1028/6/2012, 10:11 am

إنكم أيها الباحثون الكرام وأنتم تقدمون للقارئ العربيْ في مشرقه ومغربه زاداً نميراً قل أن يتمكن من الحصول عليه ,
أنتم الصورة الحية لمعنى المعارف , حيث تمنحوننا من وقتكم الثمين بعضاً نتزود به ليصل بنا إلى وادي المعرفة وروضة الثقافة الحبلى بأنواع شتى من العطاءات المختلفة

أنتم أيها الباحثون المتعمقون في دهاليز الفكر الإنسانيْ وأغواره , ومنه على الخصوص هذا المترجم من لغات أخرْ تقدمون لنا مادة عقلية نتغذى بها , ونتقوى لبلوغ الأسبابْ

شكرا للدكتور الباحث أزهر سليمان , ولك كل الود ,
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مقدمة لمسرحية مكبث
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
خربشات الثقافية :: خربشــــــــــــــــــــــــــات أدبية :: خربشات روائية ومسرحية-
انتقل الى: