محاوره مع الاديب سعيد بودبوز ..... من المغرب
........سعيد بودبوز
........................................................................البنوة والدراسة (2)
في الدراسات الأنثروبولوجية هناك شيء اسمه (منظومة المواقف). أي أن أحاسيسك تجاه شخص معين، هي أحاسيس محدودة، قد يستحيل رصدها مع ذلك، ولكن لها إطار عام يسمى "الموقف". مثلا: لديك موقف محدد من والدك، ولا يمكنك أن تحس بما يتجاوز هذا الموقف. وقس على ذلك في شأن كل شخص يمكن أتصادفه. إن النظام السياسي يمكن أن ينعكس في منظومة المواقف هذه، حيث يمكن لتطور البنوة، في إطار علاقتها بالأبوة، يكون مرضيا، أي لا ينمو كما تنمو الخلية، بل كما ينمو الفيروس. وتبدأ منظومة المواقف تنحرف وتنجرف شيئا فشيئا إلى أن يتحول الأب إلى رب، ومن ثم إلى شيطان وفق علاقات سيكو-سوسيولوجية معقدة. لكن إذا كانت جدلية البنوة والأبوة بمثابة موضوع مجهري، فإن البنية السياسية تعتبر موضوعا ماكروسكوبيا. وفي ضوءه يمكن قراءة واقع العائلة بشكل أفضل. إن الاستبداد + الزمان = تطورا فيروسيا (مرضيا) للمجتمع. لأنه ليس مستقرا على واقع مريض ثابت، بل على واقع متعفن متحرك في اتجاه المزيد من التعفن. فكيف يتجلى ذلك في المستوى الدراسي للطالب؟. يتجلى في تنحي الذات عن واجهة الشخصية شيئا فشيئا إلى أن يصبح الإدراك نفسه مستعارا، والتحليل مستوردا. فحين يقول الطالب "أعرف"، فهو يستحضر بينه وبين "المعرفة" مجموعة من الشخصيات المبهمة. هذه الشخصيات هي التي تأخذ منه ذاته، وتقوم بتغييبه عن أناه (His Ego). إذن، يمكن أن تتحرك كلمة (نحن) من مستواها التعظيمي إلى مستواها التحقيري. فالله تعالى يقول (نحن) لأنه ببساطة "جبار". والإنسان الذي يؤمن بنفسه، أو بعض الثقافات التي يؤمن أصحابها بأنفسهم يطلق فيها ضمير الجمع (نحن) على الفرد تعظيما. لكن في المجتمع الذي يحتقر نفسه (دون أن يشعر بالضرورة) يأتي فيه استعمال ضمير (نحن) للدلالة على تحقيرين ذاتيين؛ الأول صريح لكنه مقبول كقولك (نحن نعتقد ذلك) وأنت تحاول أن تستنهض أحد السلف الصالح أو الطالح ممن شاركك في هذا الاعتقاد، أو جعلك تعتنقه. أما الثاني فهو يأتي على سبيل التلميح كقول أحدهم (قل لنا ماذا تريد). فهذه الجملة الأخيرة تتضمن إشارة إلى احتقار الذات من خلال تفخيخها البلاغي (القلب) كقوله تعالى (ذق إنك أنت العزيز الحكيم). إذا كانت واجهة نفس المتكلم مشحونة بالإشارة إلى تحقير المخاطب، فإن باطنها مشحون باحتقار الذات لا أكثر ولا أقل.
.............................................................
.............................................................
ينبعه تعليق ......