خربشات الثقافية
جوهر الفعل الشعري ...قراءة في مجموعة (سماء لا تعنون غيمها)...د. جاسم خلف الياس Eniie10

خربشات الثقافية
جوهر الفعل الشعري ...قراءة في مجموعة (سماء لا تعنون غيمها)...د. جاسم خلف الياس Eniie10

خربشات الثقافية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
Kharbashatnetالبوابةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولتسجيل دخول الأعضاء

 

 جوهر الفعل الشعري ...قراءة في مجموعة (سماء لا تعنون غيمها)...د. جاسم خلف الياس

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
المخربش العام

المخربش العام


ذكر
المواضيع والمشاركات : 471
تاريخ التسجيل : 17/05/2008

جوهر الفعل الشعري ...قراءة في مجموعة (سماء لا تعنون غيمها)...د. جاسم خلف الياس Empty
مُساهمةموضوع: جوهر الفعل الشعري ...قراءة في مجموعة (سماء لا تعنون غيمها)...د. جاسم خلف الياس   جوهر الفعل الشعري ...قراءة في مجموعة (سماء لا تعنون غيمها)...د. جاسم خلف الياس Uhh1024/7/2012, 2:46 am


جوهر الفعل الشعري ...قراءة في مجموعة (سماء لا تعنون غيمها)...

د. جاسم خلف الياس

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]



ربما لا نختلف في أن الشعرية العربية ـ منذ المدونات التراثية وحتى الراهن الشعري ـ قد أسست إبداعها على متكئات حافظت عليها في كل تحولاتها وتجاربها، وتحديد ملامح هويتها الإبداعية ومن أهمها ( الإيقاع، واللغة، والصورة) فضلا عن اشتراطات تقانية يعمد هذا الشاعر أو ذاك إلى توظيفها في إنتاج تلك الشعرية؛ لتقديم رؤية، أو فكرة، أو إضفاء جمالية أو تفعيل كيفية ما في إنتاج المعنى، من مثل (تقانة السرد والقناع والحوار والمفارقة والتناص والدراما وغيرها). ويبدو أن مقولة الجاحظ التي تداولها واحتفى بها النقاد القدامى والمحدثين قد أجملت هذه المتكئات وأقرتها في وعينا الشعري وذائقتنا القرائية على حد سواء (( المعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والعربي، القروي والبدوي، وإنما الشأن في إقامة الوزن، وتخير اللفظ، وسهولة المخرج، وصحة الطبع، وكثرة الماء، وجودة السبك، وإنما الشعر صياغة وضرب من التصوير)) ([1]) فالإيقاع الموسيقي منذ الشعر القديم وحتى مرحلة الإحياء كانت تعطى له الأولوية في ترتيب هذه المتكئات، وبعد مرحلة الرومانسية، ومرحلة التفعيلة أخذت الصورة الشعرية تنافس الإيقاع من حيث الأولوية، في مختلف أنماطها (ذهنية أو حسية، بصرية أو شمية أو ذوقية، استعارية أو تشبيهية أو كنائية، أحادية أو مركبة أو كلية، و...الخ) . وحتى في (قصيدة النثر) التي أسقطت الموسيقى العروضية نهائيا، ظل الإيقاع الداخلي ينافس اللغة والصورة في تقديم جوهر الفعل الشعري.

في مجموعته ( سماء لا تعنون غيمها) للشاعر جاسم محمد جاسم تتعالق تلك المتكئات والتقانات في تشكيل شعري يتوسل بأدق التفاصيل التي شاغلت جوهر فعلها المتصالح مع ذات الشاعر أولا، وذوات الآخرين ثانيا. وقد شاكس هذا التعالق النموذج المتآلف في القصيدة التقليدية والمتعارف عليه، وقاده إلى نموذج يتسع للتصادم والإدهاش. فانحازت حساسية انتماء هذه المجموعة إلى (قصيدة الشعر) في فضاء أكثر مراوغة، وأشد رغبة في حضنا إلى سؤال إبداعي وجوهري في حلم الحداثة الشعري وهو: هل ينبغي أن يكتب الشاعر بطريقة مختلفة ليفرض جوهر فعله الشعري؟.

ويبدو أن الجواب بـ(نعم) سيكون جوابا تلقائيا، وربما مطلقا. وليس هذا ما أردته من هذا التساؤل، وإنما أردت التوغل في كيفية تقديم ذلك الجوهر، وهذا لا يتأتى إلا من خلال كشف آليات الشاعر في رسم هذا التشكيل الشعري، وارتياد مجاهيل التشكيل وكشف إسراره، والوصول إلى مكمن جمالياته في كيفية إنتاج الدلالة وليس في الدلالة ذاتها.

إن مجموعة (سماء لا تعنون غيمها) قد ارتكزت في هذا الفعل الشعري إلى دعامتين مهتين:

الأولى: تتلخص في ترويض اللغة وتفجيرها في طاقاتها الإيحائية وقدراتها المجازية، والاجتهاد في انحرافها عن مساراتها المعتادة، لاستبطان الرؤى وتجليها في إيقاظ حساسية جديدة تعمل على خلق شبكة متداخلة من المضامين والأفكار.

والثانية: براعة الاشتغال في فاعلية الصورة الشعرية، وتوظيفها في تشكيل مغاير ومبتكر؛ لأداء دورها في تجسيد تلك المضامين والأفكار في مستويين متعالقين هما: المستوى الدلالي والمستوى النفسي. فالأنسنة والتجسيد والتشخيص آليات تعمل على تعويم الدلالات كي يكون اللبس الدلالي عنصرا مهما من عناصر المغامرة الجمالي حسب تعبير أ.د بشرى البستاني في تقديمها للمجموعة. إذ تتخير مشهدها الصوري في قدرة متفردة على التخييل وهي تحتشد بعاطفة تتصدر رؤيته المنفعلة والمفعمة بالحيوية . ولأن مسارب مقاربتنا قد يصيبها الشلل فيما لو تتبعنا كل البروزات الأسلوبية في المجموعة، فقد اخترنا التوظيف اللغوي بوصفه دالا جماليا على جوهر الفعل الشعري الذي وضعناه عنوانا لهذه المقاربة. على الرغم من وجود أكثر من دال في هذا الاتجاه.

التوظيف اللغوي

إن من يتأمل مجموعة(سماء لا تعنون غيمها) يتوصل إلى أن الشاعر يحاول تطويع لغته في انزياحاتها عن مساراتها المألوفة ، فيعمد إلى تعالق الرؤى وارتباطها بالتوظيف اللغوي من جهة، والحالة النفسية من جهة أخرى. وهذا الاشتغال الشعري الشفاف/ الغامض أدى بالضرورة إلى الخروج الأسلوبي عن الوتيرة اللغوية، فتجلت الدلالات في فضاء ينسجم والمنحى الفكري للشاعر بشكل مباشر تارة، وإيحائي ورمزي تارة أخرى . ويبدو أن سياقات الفضاء الخارجي التي احتدمت فيها شعريته، قد فرضت على الشاعر التعويل على لغة تنسجم مع المظاهر المعيشة التي تشكلت منها رؤاه وأفكاره، إذ يرصد التفاصيل التي تصدر عن تلك المظاهر وهي تأتي بتلقائية وانسجام مع السياقات الشعرية ودلالاتها. فالتطويع اللغوي الذي لا يتأتى لكل لشاعر، والاجتهاد في الصيغة الصوتية والإيقاعية وتشذيب التراكيب، وتقديمها وتأخيرها، بما يتوافق ومشاعره بهدف ترتيب الألفاظ والمعاني في ذهن القارئ، والحصول على الأثر الجمالي، كل ذلك خلق التصادم الإحساسي عند القارئ، والإثارة الإدهاشية، إذ أن (( مهمة المسنن هي خلق سمات أسلوبية غير متوقعة وعندما يفاجأ هذا بادراك هذه السمات يكون المسنن عندئذ قد حقق هدفه بإيصال المقصدية والتأثير الأسلوبي في آن واحد)) ([2]).

تجليات التوظيف

وقد تجلى التوظيف اللغوي في هذه المجموعة في ثلاثة مهيمنات اسلوبية هي:

أولا : التجلي الذي أثار القارئ في أول عتبة نصية وهي عنوان المجموعة (سماء لا تعنون غيمها) . فإذا كان التنكير كما هو متعارف عليه يدل على التعميم، والتعريف يدل على التخصيص من جهة، والإنكار والنقض بواسطة النفي من جهة ثانية، فإن المفارقة اللفظية انوجدت في مسربين:

الأول: إن النكرة (سماء) هي تخصيص لذات الشاعر أو ما يتعلق بها وليس تعميما.

والثاني: إن النفي لم يحقق العدم في ذهن المخاطب، بقدر ما حقق الوجود.

فالسماء والغيوم مفردتان تنتميان إلى وجود فيزيقي قابل للتغير حسب التغير الزماني والمكاني، فلا السماء ثابتة ألوانها (زرقاء صافية،رمادية ملبدة، سوداء مرصعة ...الخ) ، ولا الغيوم ثابت تواجدها وألوانها، (رمادية ، بيضاء ، سوداء ...الخ)، في حين أن العنونة وجود ميتافيزيقي ثابت لكل ما هو معنون. وهنا يتضاد الثابت/ المتغير في بنية عميقة يشكلها ذهن القارئ أو السامع لتشكيل مطابقة في عدم وجود العنونة، من خلال أداة النفي (لا) التي نفت هذا الفعل، فمنحته الشمولية والاطلاقية والانطلاق نحو فضاء احتمالي يستوعب عملية توحد لحظة الإبداع بلحظة التلقي. فالجمالية الشعرية ترتكز في مراوغة القارئ وإرغامه على المجاهدة الذهنية والنفسية. وإذ كان التركيب اللغوي يضم المفردات المتصلة والمنفصلة، فإننا في الاتصال نتوخى العلاقة المضمرة التي ينتجها الترابط بين المفردات، وفي الانفصال تنتج الدلالة بالاعتماد على استقلال المفردة الإنتاجي، وفي كليهما ـ أعني الاتصال والانفصال ـ فيما يخص العنوان استطاع الشاعر أن يفلت من قبضة الدلالات القارة، وينحاز إلى ضبابية الواقع والملابسات التي احتوتها النصوص وعبّرت عن اشكالياتها حسب تعبير أ.د. بشرى البستاني في المقدمة ذاتها. وبالاعتماد على ما تقدم نستنج أن دلالة السماء ضمن الدلالة الكلية للعنوان في حالة اتصاله بالمتن هي الشاعر ذاته، (السماء بعلوها وامتدادها الذي يحوي كل الغيوم، والشاعر بكبريائه ومعرفياته التي تستقطب الناس اليه) لذا ليس من المعقول ـ حسب تعالق الجزء بالكل ـ أن يعمل الشاعرعلى تشخيص الغيوم وتحديدها، وإنما يبقيها بدون عناوين لتظل عائمة إلى الأبد.

ثانيا : التجلي في توظيف الجملة الاعتراضية التي تتخلل البيت الشعري، وقد شكلت بدورها مهيمنا أسلوبيا واضحا في المجموعة:

((وأفرح إذ تزور يداك شعري / كأني ـ رغم ثلج الشيب ـ طفل ....المجموعة ص21)).

(( لك الأشعار أنعمها حروفا / وعمر ـ إن أنا ولّيـت ـ يحـلو ....المجموعة ص25)).

(( هل للستائر ـ وهي خيطان ـ هوى؟ / كي تعتريها غصة وفتور....المجموعة ص59)).

(( كأني قد خلقت بلا زمان / أو ان العمر ـ كل العمر ـ أمس .....المجموعة ص110)).

وتمتد هذه الجملة الاعتراضية أحيانا لتشمل البيت الشعري بأكمله دون أن يضع الشاعر شرطتين ( ـ تركيب لغوي ـ ) تميزان هذا الفعل، إذ سرعان ما يكتشف القارئ ذلك وهو يبحث عن تكملة المعنى في البيت الذي يليه:

((أتيت، وثوبي ثري الذنوب / وفقري إلى الله مستصحبي

ذليـلا، فهبني ولو ومضـة / لطرد الخفافيش عن غيهبي .....المجموعة ص11)) .

فبين مفردة (أتيت) ومفردة ( ذليلا) جملتان هما (وثوبي ثري الذنوب) و (وفقري إلى الله مستصحبي) ، وقد سبقت كل جملة (واو) الحال، لتكشف للقارئ الكيفية التي يتمتع بها صاحب الحال. ويبدو أن الشاعر قد أراد في توظيفه الجمل الاعتراضية التدخل المباشر في تقديم المعنى لا بشكل تقريري يؤدي إلى الركاكة، وإنما بشكل شعري يضفي على البيت الشعري جمالية ما. وبهذا يكون عدم إغفال الشاعر الجانب ألإمتاعي هو الدافع الحقيقي إلى مثل هذه المهيمنات الأسلوبية بوصف الإمتاع (( سعيا حثيثا نحو جعل الكلام قناة تعيره المواصفات التعاطفية ، فينطفئ عندئذ الجدل المنطقي العقلاني في الخطاب، وتحل محله نفثات الارتياح الوجداني)) ([3]).

ثالثا : التجلي الذي جاء في التقديم والتأخير، إذ يعد هذا الفعل البلاغي من البروزات الأسلوبية التي فعلت رؤية الشاعر، فمن خلالها تجلت قدرة الشاعر في فرض عملية استرجاع التركيبات اللفظية ودلالاتها، وإعادة ترتيبها في ذهنه، ويعد هذا الفعل تدخلا تفرضه ذائقة الشاعر في اختبار ذائقة القارئ، إذ يتنازعها ((شعوران نتيجة عملية التقديم والتأخير هذه هما: لذة التقبل وخيبة الانتظار، لذة التقبل متمثلة بالشحنة التي تسلط على المخاطب نتيجة كسر الوتيرة اللغوية بطريقة تربك ذهنه، ثم خيبة الانتظار الناتجة عن إعادة الترتيب الذهنية التي يفاجأ بأن لا طائل منها )) ([4]). ففي هذا البيت الشعري:

((سنينا أغذ إليك المسير / فلمّا وصلت، وجدتك بي ......المجموعة ص12)).

لو قال الشاعر (( أغذ المسير إليك سنينا )) حسب ما تقتضيه أساليب البناء النحوي، لأصبحت الجملة تقريرية، وفقدت مفردة (سنين) الثقل والتركيز كما لو أتت في بداية الجملة، فعلى الرغم من احتواء الجملة المفردات في مادتها وحروفها، ألا إن البيت الشعري يفقد سماته الجمالية وتأثيره الأسلوبي في هذه الصيغة، ويصبح التوصيل فيه اعتياديا؛ مما جعله ينحى هذا المنحى الأسلوبي في التوظيف اللغوي. أما في قوله:

(( دمي لمـواسم التفـاح حقل / وعمري حنطة ويـداك نـمل ....المجموعة ص20)).

فالقارئ / السامع ينتظر من الشاعر المسند إليه بعد أن قرأ أو سمع المسند (دمي)، وعمد الشاعر إلى هذا التأخير لوضعه ـ أي القارئ / السامع ـ في حالة انتظار، من خلال تأخير مفردة (حقل) ليمارس نوعا من الاستفزاز أو المراوغة أو التوريط سمه ما شئت.

إن الشاعر جاسم محمد جاسم في هذه الاشتغالات اللغوية يقترب من مشهد شعري اتخذ من القصيدة الكلاسيكية اشتغالا تجريبيا له، فهو ينتمي إلى مشغل (قصيدة الشعر) الذي يوظف الرغبة في التحديث مع المحافظة على الشكل التقليدي في حساسية جديدة وتحول في فضاء كاد أن يغادره الكثيرون في ظل إرغامات قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر. وأقول ـ وبكل تأكيد ـ إن ارغامات الشاعر على الناقد كثيرة في هذه المجموعة، لذا لابد من عودة أخرى لها لتناول الصورة الشعرية والإيقاع الموسيقي لإيفاء تلك المتكئات ـ التي ذكرناها في البداية ـ حقها . لعلنا نستطيع أن نقترف التمرد على تلك الارغامات ونغادرها. ولا بد من التنويه إلى أن الذاكرة عند الشاعر جاسم محمد جاسم خطاب معرفي قبل كل شيء، لذا فإن تجاوزها يشكل عائقا في التواصل مع هذه المجموعة الشعرية التي غامرت في الثبات والتجاوز في الآن نفسه. وسنفرد لها مقاربة في قابل الأيام مع الإيقاع والصورة بعونه تعالى .



(1) الحيوان، الجاحظ، تحقيق عبد السلام محمد هارون، مطبعة عيسى البابي الحلبي، مصر 1938 : 131 .

([2] ) أبحاث في الأسلوبية المعاصرة، ميكائيل ريفاتير، ترجمة: د. حميد لحميداني،دار النجاح الجديدة، البيضاء، ط، 1مارس 1993 :6.

([3] ) الأسلوب والأسلوبية ، عبد السلام المسدي، الدار العربية للكتاب، تونس، ط2، 1982: 82.

([4] ) ذو الرمة، شمولية الرؤية وبراعة التصوير، الدكتور خالد ناجي السامرائي، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 2002
:39.





الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
جوهر الفعل الشعري ...قراءة في مجموعة (سماء لا تعنون غيمها)...د. جاسم خلف الياس
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
خربشات الثقافية :: خربشــــــــــــــــــــــــــات أدبية :: بقعة ضوء-
انتقل الى: