خربشات الثقافية
قراءة في رواية الشبيهة للروائية السورية ماري رشو - ريم العيساوي Eniie10

خربشات الثقافية
قراءة في رواية الشبيهة للروائية السورية ماري رشو - ريم العيساوي Eniie10

خربشات الثقافية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
Kharbashatnetالبوابةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولتسجيل دخول الأعضاء

 

 قراءة في رواية الشبيهة للروائية السورية ماري رشو - ريم العيساوي

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
ريم العيساوي

ريم العيساوي


انثى
المواضيع والمشاركات : 22
الجنسية : تونسية
تاريخ التسجيل : 28/07/2012

قراءة في رواية الشبيهة للروائية السورية ماري رشو - ريم العيساوي Empty
مُساهمةموضوع: قراءة في رواية الشبيهة للروائية السورية ماري رشو - ريم العيساوي   قراءة في رواية الشبيهة للروائية السورية ماري رشو - ريم العيساوي Uhh1010/8/2012, 1:30 pm

قراءة في رواية
"الشبيهة" لماري رشّو.
ريم العيساوي

رواية "الشبيهة" المصنّف الثالث عشر، طبعة 2004م ، والصادرة عن دار الحوار للنشر والتوزيع-اللاذقيّة-سوريا.جاءت بعد المؤلفات التالية والمرتبة تاريخياً:
1 -وجه وأغنية (قصص) عن دار قوس قزح - 1989 م .
2 -قوانين رهن القناعات (قصص) اتحاد الكتّاب العرب - 1991 م .
3 -هرولة فوق صقيع توليدو (رواية) عن دار الحصاد - 1993 م .
4 -عند التلال بين الزهور (رواية) عن دار الحوار - 1995 م .
5 -الحب في ساعة الغضب (رواية) عن دار الأهالي - 1998 م .
6 -توليدو ثانية (رواية) عن مكتبة بالمير للتوزيع - 1998 م .
7 -أجمل النساء (قصص) اتحاد الكتاب العرب - 2000 م.
8 -أول حب آخر حب (رواية) دار الحوار - 2000 م .
9 -الحبّ أوّلاً (قصص) وزارة الثقافة - 2002 م.
10-الدفلى (رواية) اتحاد الكتاب العرب -2002 م.
11-أوراق حلم (قصص) مخطوط .
12-الجدة والحفيد (قصص) مخطوط .
تتضمن هذه الرواية 224 صفحة وزعتها الكاتبة إلى38 مقطعاً رقمتها ولم تضع لها عناوين وبنيت بشكل دائري ينطلق بوفاة الأب ثم زوجته ويختم بالعودة لزمن الوفاة وبين هذا الخط الزمني ،تقص الكاتبة العديد من الأحداث ،تبدأ بزمن الطفولة فسن الشباب وتنتهي بسن الزواج وما بعده . تناولت الكاتبة سيرة أسرة مسيحية تفكّكت بسبب سلوك الأم وخيانتها لزوجها بوشاية أحد الأفراد ثمّ رحيل الأسرة عند الجدّة وقرار الكاهن الهجر وتحليل الكاتبة لهذا القرار مبرزة آثاره السلبية على أفراد الأسرة وخاصة البنات اللاتي انحرفن وفقدن مكانتهن وشرفهن وموت الوالدين .
تعبّر الكاتبة في رواية "الشبيهة" عن الحلم بحياة جديدة خالصة ،سويّة ،مطهّرة من الخطيئة والشر .وهي رواية تلح فيها صاحبتها على نشدان الطهارة وتسلك فيها مسلك الاعترافات بالخطايا تطهّراً من الذنوب .وإن أوهمتنا صاحبتها أنّ النص سيرة الذات الأنا الفرد فهي سيرة الجماعة والمجتمع ولعلّ هذا الأفق يؤكّده تخلّص الكاتبة من الإطار المكاني الذي اكتفت بالإشارة إليه بالمدينة البعيدة أو مدينة الأب وأشارت إلى البلد المجاور الذي دخلت إليه الأسرة طلباً للتجنّس وهروباً من الفضائح التي حلّت بها بسبب سوء تصرّف الأم .
وما يثير انتباه القارئ أن الكاتبة راوحت بين ضمير "الأنا" وضمير"نحن " مراوحة لم ينفصل فيها الضميران بقدر ما انصهرا كليّاً في التحام يشي بالدلالات ومن أهمّها الإشارة إلى مبرر الكتابة الذاتيّة والتي من دوافعها الاعتبار بأنّ الكشف عن خبايا أنفسنا يساعدنا على فهم أنفسنا بكل ما تضمره من خير وشر وعلّة وعافية .
الرواية وإشكالية الجنس الأدبي:
تندرج هذه الرواية ضمن نصوص الترجمة الذاتيّة التي توصّل لها "جورج ماي" بدراساته لمئة نص إذ استنتج أنّ دوافع الكتابة عند أصحاب تلك النصوص تصب كلّها في المعنى الذاتي ورواية"الشبيهة"تتكئ فيها صاحبتها على فنيّات السرد الروائي من ناحية كما تتكئ على فنيّات النص السير ذاتي من ناحية أخرى وتمثّل هذه الازدواجية إشكاليّة في تحديد هويّة الجنس الأدبي وتفرض تعدّد آليّات الدخول إلى حضرة النص .
ولعلّ دوافع كتابة هذه الرواية السيرة من الأسئلة الّتي تقتضيها قراءتها ،هل دافع الكتابة هو الاعتراف؟هل هي الشهادة على الآخرين؟هل هي إدانة الواقع والمجتمع؟أم للدرس والاعتبار من تجارب الناس؟أم الدافع لمجرد متعة الكتابة؟كما يبدو من الرواية أنّ هذه الدوافع تظافرت مجتمعة لتبرير دوافع الكتابة .
وضمن هذا السياق لعلّنا نتساءل عن الميثاق السير ذاتي الّذي اتّفق على أنّه العقد بين المبدع والقارئ يأتي مباشرة أو ضمنيّاً في بداية النص أو في نهايته أو أحيانا يرد مبثوثاً يتخلّل النص.
إننا لا نجد ميثاقاً صريحاً وعهداً تعلن فيه الكاتبة عن نيتها في ترجمة حياتها أو حياة أسرتها،لكنّنا نجد إشارات تشبه الميثاق .تقول الكاتبة على لسان الراوية:
"هل سأستطيع نقل تفاصيل قد تؤدّي بمخيلتي إلى الاتهام.ليس هذا أمراً هامّاً، طالما يؤكّد على الحقيقة التي عشناها والتي لم تكن وهماً أو تأليفا وكانت نبضاً وواقعاً قد يصدق ذلك أو لا يصدق لكنّه محفور في الذاكرة".
دلالة العنوان:
إنّ الميثاق والعنوان من الثوابت لهذا الجنس الأدبي ،جنس السيرة الذاتية أو رواية السيرة .
إنّ من الخصائص الفنيّة لهذا الجنس الأدبي من الكتابة أن يوحي العنوان بالمضمون وبأنّ كاتبها يروي قصّة حياته ،أو يتضمن العنوان معنى السرد أو يجمع بين الاثنين معاً .
في أيّ فئة يقع عنوان "الشبيهة" ؟
العنوان لا يستجيب في الدلالة على جنسه ولا يجمع عنصري الزمان والمكان ،ويندرج العنوان ضمن العناوين الروائية على سبيل الجزء الدال على الكل "فالشبيهة"عنوان ذو دلالات فهو صفة أطلقتها الكاتبة على العاملة أم سلمى التي تساعدها على أشغال البيت ثمّ وصفت أمّها بأنّها شبيهة الشبيهة ومصير الراوية شبيه بمصير الفتيات اللواتي غرّر بهن أخو زوجها، ولعلّ العنوان يفصح بمعنى الشبهة في تصرّف الشخصيّة وانزياحها عن السلوك السويّ .
إنّ حياة أمّ سلمى ومتاجرة زوجها بها هي حياة الراوية ومتاجرة سالم بها،حياة كلّ واحدة منهنّ شبيهة بالأخرى .مصير سمر هو مصير شبيه بمصير الراوية ومصير صفاء كذلك .ولعلّ مصير المرأة في الرواية هو مصير الأمة التي تفكك أفرادها .
أسلوب الاسترجاع سمة ملازمة للنص :
لعبت الذاكرة دوراً هاماً في رواية الشبيهة فالكاتبة تروي أحداثا مرت عليها سنوات ،وهي تسرد أحداثا عاشتها في طفولتها فصباها إلى أن بلغت سن الزواج ونهجت الكاتبة بين الترجمة الذاتية المباشرة وبين الإبداع الروائي وتماهى الأسلوبان معا مثل السدى واللحمة.
وبرز أسلوب الاستذكار في الرواية كضرب من تطهر الذات من معاناتها وذلك بحمل النفس على الغوص في داخلها والتأمل في وجودها فالذكرى ضالة الكاتبة تخلصها من مأساة الحاضر وأزماته تقول :"لعل الحلم في نسج حياة مختلفة هو الذي يدفعني للتذكر لنعيش حياة جديدة"
(ص11).
وارتباط الذكرى بالحلم إلحاح على ضرورتها للخلاص من ثقل الواقع وعذاباته :"يجعلها تعيش حلما جميلا في بتر السنوات من تلك الحياة القاسية خيطها طويل خيط معتم لا ينتهي" (ص12).
تردد فعل التذكر أو مرادفه عبر نسيج الرواية حوالي أربعين مرة وعن طريق الذكرى تتخلص الكاتبة من وطأة الحزن الساكن في أعماقها،وتسرد حادثة وفاة والدها مخنوقا بقارورة

الغاز ، و وفاة أمها من بعده ، و صورة الصراعات والقطيعة بين والديها ، ومعاملات الأم والإخوة لجدتها وتتذكر جدها لأمها وأعمامها ،وانهيار أختيها وأخيها ووفاة جدتها ومواقف مؤلمة كثيرة.
والذكرى تستبد على الكاتبة رغبة في التغيير رغم إنها منطقة معتمة،ولكنها رحلة مؤلمة تستعيد زمن السقوط في الرذيلة،وسقوط أفراد أسرتها فردا بعد فرد:
"كنا نتساقط واحدة إثر أخرى،في وقت لم تستطع إحدانا الاستفادة من تجربة سابقتها،ربما لصغر سننا ونحن نقع فرائس الاستغلال،وحين دخلنا في مراحل الوعي،كانت كل منا قد فقدت كرامتها وأحلامها وسقطت في بؤرة وجع لا ينتهي" (ص13).
تسترجع علاقتها بسالم ، وكيف غدر بها، وكيف تزوجها واستغلها بفظاعة مؤلمة وحياة الفتيات المغرّر بهن مثلها .
لقد تلونت الذاكرة بالحزن والأسى وتسربلت بغلالة سوداء تتحدث عن والدها:"غير أن أبي توقف فجأة وغادرني تاركا في سمعي صوت نحيبه الذي رافق ذاكرتي طويلا" (ص70) .
وامتزجت الذكرى بشعور الخوف من طلاق والديها ذلك الخوف الذي ظل مستمرا بمثابة ناقوس الخطر.
مسحت الذكرى أيام زواجها وحضور الفتيات الصغيرات بصحبة سهيل أخو زوجها للتغرير بهن وتربطها بتغرير زوجها بها:"لا أدري لماذا تهاجمني ذكرى اليوم الذي اغتصبني فيه سالم" (ص101).
والذكرى ناصعة لا يعتريها النسيان فيما يخص استغلالها وقد تحقق إحساسها بالمهانة والقهر من هذا الفعل اللاأخلاقي : "لماذا يدخلون علي وكأنني أهم النساء؟كم كنت أشعر بالتفاهة،كم جئت سالما أرجوه وأتوسل إليه،وكم قبلت يديه وأعلنت له كل فروض الطاعة إن أبعد عني هؤلاء الأشباح فيصفني بالمعتوهة" (132).
"أذكر الكثير عن أولئك الرجال،وأتاني اعتقاد بشذوذ في تفكيرهم أو في طباعهم،فقد تعددت أساليبهم واختلفت بين واحد وآخر.شعرت بالقهر.وكأننا حيوانات نجترّ أنفسنا وحيواتناوكنت أرى هذا كلما نظرت إلى المرآة،أو كلما فكرت بجيراننا وهم يهربون من إلقاء السلام علينا وكلما سمعت صرير أبوابهم وهي تفتح بسرعة أو تغلق على عجل" (ص132).





وتطل وجوه أخواتها في مخيلتها باستمرار.
ولا تنسى ذاكرتها أدق التفاصيل التي مرت بها.المرة والحلوة منها نستعيد : "تلك الأيام الرومانسية التي عايشت فيها قراءة القصص وهي الأيام الأجمل من ذلك العمر الذي بين قوسين"(ص27)"وأيام انفتاحها على حبّ الحياة وهي في الثانية عشر من العمر" (ص12) .
وكثيراً ما تكون الذكرى مخيفة لما فيها من عذابات"كانت الذكرى تخيفني وكأنني أرفع جدارا فاصلا بيني وبين تلك السنوات،كي لا يتسرب صوت أو صورة إلى ذاكرتي" (ص201) .
الصراحة والكتمان :
إنّ قضية الذاكرة والنسيان تصطدم بمسألة الحقيقة والصدق إذ الحياء رقيب على جوهر الإنسان وكيانه الروحي ، والصراحة التامة مهما بلغت شجاعة الكاتب أمرمستحيل وخاصة في التراجم الذاتية العربية لكن الكاتبة في رواية "الشبيهة"دفعها إحساسً بالمرارة والدونية إلى كسر حواجز الكتمان وبلغت بصراحتها إلى جملة من الاعترافات ، والبوح الصادق بتفاصيل تقرب نصها من الترجمة الذاتية الغربية ، لما فيها من صراحة وتعرية للذات : "يحق لي استقبال الذكريات كما ترد خاطري كما حدثت بصدق ودون لف ودوران"باحت بذنوبها وخطاياها إلى حدّ الإحساس بالذنب وخاصة في قضية العاطفة التي أضعفتها وأدت بها إلى الانهيار .
"تتابعت الأفكار في رأسي المثقل بمشاعر القهر والتقهقر فحين تشعر الأنثى بأنّها كائن مشاع ،تصبح بلا انتماء ،لا بيت ،لا أبناء ،مفلوشة لكيس قمامة على قارعة رصيف ،هذا أنا الآن ،هذا الجسد الذي يترهل في يوم ولا يبقى منه سوى بصمات كتبت في ساعة خفاء،بعيداً عن الضوء والجرأة،بعيداً عن النقاء،عن الصدق والجمال" (ص119) .
"ها أنا أعرف حقيقة عملي فهي كما وصفتها تلك الجهة أعمل في الدعارة ،وأنا في حكم القانون والعرف امرأة عاهرة،أبيع جسدي للغرباء،أما من يقبض الثمن؟فهو الوسيط أو السمسار"(ص131).
"لم يستثن أحد في بيتنا كي يبتعد عن الخطأ والخطيئة أو الرذيلة التي باتت وصمة على جبيني وجبين أخواتي" .
صورة الأنا : المؤلف-الراوي-الشخصية :
لم تظهر صورة"الأنا" المؤلف في رواية الشبيهة ولم تسفر الكاتبة عن وجههابصفتها مؤلفة لترجمتها ولكن حضور الأنا الراوي استمر في كلّ مراحل النص و تشكّلت صورته نتيجة حضوره المكثف وفق الملامح التالية : فالأنا الراوية تسترجع الماضي وتفسّر أسباب حدوثه تعلق على الأحداث وتتفاعل مع العديد من المواقف الأليمة .
ونتبين ملامح الأنا من خلال المواضع التي ينهض فيها الأنا بصنع الأحداث أو المشاركة في صنعها وهذه ملامحها متأثرة بهجر الأب لأمها،متعلقة بوالدتها في سن الطفولة متحاملة عليها بعد النضج،معجبة بأختها سمر، غيورة منها مشفقة عليها،حالمة تعيش أحداث القصص التي تطالعها وتبرز رومانسيتها "فقد أكون الحبيبة أو العشيقة،فقد أكون الأم أوالابنة.أحزن،أفرح وأشعر بالألم وأروح في رحلة إثر أخرى،أتسلق الشجر وأنزل الوديان،ألتقي بنسمة أو أسابق الريح،أمشي مع الغيم أو ألاحق القمر ،أسمع زقزقة عصفور أو نقيق ضفدع أجلس عند ساقية أو قرب نبع رقراق" (ص27).ٍ
وفي كشفها لغيرتها من أختها سمر :"انتظر اكتمال أنوثتي بفارغ الصبر،كنت أعود إلى سمر لتدب الغيرة فيّ وأحلم ألاّ يستفيق عندها ذلك الجانب الغافي ، وتبقى بعيدة عن الحياة التي تريدها أمي،فألحق ركب الجمال وأسبق سمر في تحقيق ذاتي" (ص33) .
وتبدو الراوية باحثة عن حقائق تخص أمها وأباها وأخواتها متأملة في التغيرات الطارئة على حياة كل فرد من أفراد أسرتها تعيش حيرة وتمزقاً بين الشك واليقين وخاصة فيما يتعلق بتدبير والدها قتل نفسه وزوجته بقارورة الغاز .
وتعمق الراوية وصف الألم الشديد الذي تحس به هي وأخواتها بسبب الشجار بين والديها:"ها أنا أرى طفولتي من جديد أرى أمي وأبي قي أول شجار لهما،أسمع الاتهامات،أسمع الصراخ،أبي حزين،أمي تنتظر،تتمرد أمي،يستكين أبي،تستسلم أمي،أنا وإخوتي في ذلك المد والجزر ننتظر ما قرره الكبار" (ص9) .
إن صورة الأنا تنصهر كليا في صورة النحن الأسرة وهذا الانصهار معبر عن الرغبة في التوحد والالتحام هذا الشيء الذي تفتقر إليه هذه الأسرة:"كنّا كالغرباء لا نسأل ولا نجيب ،كنّا أنا وإخوتي في رعب ووجوم عن أمنا البائسة" (ص16)وكثيرا ما كانت الراوية متعاطفة مع والدها وخاصة في أيام انكساره "بكيت مع أبي،كان يغمض عينيه" (ص37).
ولا يفتر الإحساس بالذنب عند الراوية وخاصة بعد موت الجدة:"ليلة أكملت الخامسة عشر من عمري ماتت جدتي،وضعنا الموت مواجهة أمام الحقيقة،فجسدها المسجى وضع حدا لكل ما فعلناه بها من إساءة،فلنكفر عن أخطائنا بالبكاء والنحيب" (ص43) .
"نحن من سبب موتها،نحن من عذبها واستغل ضعفها أمام آلام أبي لنمارس عليها أبشع الشنائع...كنت أرى الدمعة تموت في عينيها...كم كانت رفيقة وتحبّنا"(ص44).
لقد كان وعي الكاتبة بعظمة الخطيئة كبيراً والشعور بقيمة الشرف كان أعظم في حديثها عن نفسها:"أنا أتعثر وأسقط وأدمغ بأبشع ما يقع لفتاة في مثل عمري" (ص69).
ولا يدل سهولة الوقوع في الخطيئة إلا على انعدام تجربتها في الحياة ويؤكد هذا عزلتها وانغلاقها على نفسها بقدر انفتاح الأم على فئات متنوعة من المجتمع فأفراد الأسرة معزولون مهمّشون ،الأب قابع يجتر آلامه والأم في انشغال عن تربية أولادها بسهراتها وزينتها وصداقاتها.
وعزلة الذات لدى الراوية مكثفة فهي نفسية مكانية اجتماعية:"غريبة لا أصدقاء لي..المدينة لا أعرف الشوارع والحوانيت أو الحدائق أعرف حيّنا وشرفات بيتنا"(ص62) .
وفي ذاتها بصيص من أمل تجلّى في حبل النجاة الذي هو سالم والذي قدمت له ذليلة العديد من التنازلات:"أصلي كي يعود،سأكون له الزوجة والخادمة، ولن أخالف له رأياً،سألبي طلباته واحتياجاته،سأغسل قدميه وأقدم له عمري وحياتي" (ص68 ).
تصف الكاتبة حياة أسرة سكنها الوجع والشر والشيطان،لم يسلم فرد من أفرادها في الوقوع في الخطيئة أو في الرذيلة التي باتت وصمة على جبينها وجبين إخوتها يغلب على الأفراد الإحساس بالمهانة .
كل فرد يعيش محنته غريبا بذاته منفرد:"أصبحنا كلنا في واد خاصة أمي التي تعيش حياتها بعيدة" (ص25) .
إنها حياة تحمل الترقب وانتظار المجهول والطلاق جرس خطر يدق من حين إلى حين وتتعمق غربة الأفراد في تبرؤ الناس منهم لسوء السمعة.حالة من الصمت الرهيب يخيم على البيت،واقع مأساوي وأحداث مؤلمة تستمر سنوات تنتهي بموت الوالد منتحرا تتبعه زوجته ولا يحقق الاستقرار النفسي ،إنها حالة من الضياع تقول الكاتبة على لسان الراوية :
"مهما عشنا من غربة رافقتنا طويلا،إن كان في تلك المدينة أم بعد عودتنا إلى المدينة أبي التي ولدنا فيها" (ص11) .
"أسرة أفرادها صغار وقعت في فرائس الاستغلال،وحين دخلنا مراحل الوعي،كانت كل منا قد فقدت كرامتها وأحلامها وسقطت في بؤرة وجع لا ينتهي" (ص13) .
إنها حياة مضطربة يخيم عليها الشر الذي تؤكده عبر أسلوب الاستفهام:"أمر غريب أن تستوطن الشر في أسرة بكاملها دون استثناء؟شر وجد المرتع الخصب له فأقام،لم يسلم أحد من مصير الشؤم"(ص12) .
السرد - الحوار - اللغة - الوصف :
لقد طغى السرد على نص الرواية معتمدة فيه الكاتبة على تكثيف الجملة الفعلية مما أكسب الرواية إيقاعا لاهثا يشبه الجري فكأنها أرادت أن تجسد حالة النفس اللاهثة الفارة من العذاب الباحثة عن الأمان بعيدا عن الخطأ والخطيئة،إيقاع الجمل يوحي بدلالة المخاطر المحيطة بالإنسان،واعتمدت في الوصف على الجمل القصيرة:"جلست باستسلام،سخن وجهي وعيناي،تمتم بأنه يحبني،تضاعف نبضي،سألني إن كنت أحبه،ازددت تدفقا وهززت رأسي
(ص61) .
وما يلاحظه القارئ سلاسة العبارة وانسيابيتها فلا ثقل ولا ضجيج مما برز قدرة في القص وبراعة في بناء الأحداث وتسلسلها،فالجملة تستلم الجملة بلا تفكك ولا خلل وتتلاحق متناغمة غايتها الصدق في الإبداع والغوص في أعماق الذات.ويظهر الحوار في حالات قليلة منها حالات التوتر القصوى وهو قليل بالمقابل إلى الحديث الباطني المونولوج والأسئلة المتواترة الكاشفة عن تمزق الشخصية وتلاشيها.
ظهرالحوار في مواطن قليلة في وصف الصراع بين الأب والأم كاشفا القطيعة والبغض بين الوالدين .ص33.وفي صراعهما في ترهب أختها سمر .(ص54) (ص212) .
(حوار مع سمر حول الراهبة) (ص170 ) .
"تدخل الخادمة عند اختطاف الفتاة صفاء" (ص166).
عمدت الكاتبة في الرواية إلى وصف المشاعر والأحاسيس وحاولت النفاذ إلى أعماق النفس فكشفت خباياها وما تكنّه من كره وحب ومن قلق وحيرة ،من لهفة وشوق،من محبة وغيرة،من فرح وحلم،من مكابدة وصبر،من غضب ورضا،إنها المشاعر الإنسانية العفوية التي لا ترضخ للكتمان .
رسمت مشاعر الشخوص رسما فنيا دون مراوغة ولا زيف إنه ضرب من التطهر عن طريق الصدق في الإحساس،تصف فرحها :
"كان قلبي يتقافز من ضلوعي،استرجع كلماته وكلّ لفظة تفوه بها،فتدغدغ مشاعري لمساته المسروقة" (ص59) .
ملامح الشخوص :
لقد برعت الكاتبة في نحت ملامح الشخوص براعة واضحة ورسمتها رسما متكاملا وأحاطت بكل جوانبها الجوانب الحسية والجوانب المعنوية فكانت شخصيات نامية مع الأحداث
برزت ملامح الأب على شكل من الضعف والانهزام بسبب العار الذي ألحقته به زوجته،نفس منكسرة سلبية منزوية يعتريها البكاء في حالات كثيرة أتت على ملامحه الجسدية بعد الفضيحة:"تبدلت هيئته خلال وقت قصير،ابيض شعره وجحظت عيناه،ولاحظت تغضن بشرته ولونها الباهت" (ص19) .
وظيفته سائق شاحنة ثم سائق حافلة مدرسية مع عمله الإضافي في المساء،كما كان ميالا إلى العنف كان يصفع زوجته و ابنته .
إنها صورة الأب المغلوب على أمره وقد بلغ به اليأس في الإصلاح اللجوء إلى الانتحار .
لقد برعت الكاتبة في وصف سلبية الأب:"كان لا وجود له في حياتنا نحن أفراد أسرته كان سلبيا في جميع المواقف خانعا مستسلما للذل،يحاول الحفاظ على أخلاق بناته لكن الزوجة تعيقه وكثيرا ما يلاقي العنف من المجتمع كثيرا ما يعود مهزوما وآثار لكمات فوق جبينه ودمعة متحجرة في عينيه" (ص74) .
أما الأم فتصرفاتها تنبئ عن جهل وسلوكها موضع شك سببت لأسرتها العزلة والتفكك شكلتها الكاتبة تشكيلا فنيا بارعا فهي متمردة صامتة ذات استقلالية نادرة واثقة من نفسها،تهتم بمظهرها وزينتها قبل عنايتها بتربية بناتها،تظلم الجدة وتشوه صورتها في عين أحفادها وتلوث أفكارهم كي ينفروا منها،تصادق الكثير وتتساهل في القضايا الأخلاقية "لم تكن متعلمة أو مهتمة بالثقافة" (ص32) "تهدد زوجها ولها طريقة في إسكات صوته" (ص36) .
متناقضة مذنبة في حق الجدة "تصلي علّ الجدة تموت" (ص40) .
أوقعت نفسها في الخطيئة وأوقعت بناتها فيها.قوية رغم سوء سلوكها فكلمتها هي الأولى والأخيرة .
رواية الشبيهة وإن كانت من جنس الأدب الذاتي فهي رواية استطاعت فيها المؤلفة أن تعبر عن قضايا إنسانية وهموم تخرج عن تفاصيل الذات الضيقة وتلامس هموم الوجود العامة-وجود المجتمع بكل فئاته وشرائحه ولهذا فأن الأبعاد الفكرية والسياسية تدعو القارئ والمتذوق إلى قراءة أخرى للوقوف عند رمزية عناصرها والوصول إلى طاقاتها التعبيرية .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حفيظة طعام

حفيظة طعام


المواضيع والمشاركات : 79
الجنسية : جزائرية
العمل/الترفيه : قاصة
تاريخ التسجيل : 14/05/2008

قراءة في رواية الشبيهة للروائية السورية ماري رشو - ريم العيساوي Empty
مُساهمةموضوع: رد: قراءة في رواية الشبيهة للروائية السورية ماري رشو - ريم العيساوي   قراءة في رواية الشبيهة للروائية السورية ماري رشو - ريم العيساوي Uhh1017/8/2012, 3:25 am

القراءة اعادة لانتاج النص من جيد
وقد قرات دراستك هنا سيدتي ووجدتها متميزة سلطت الضوءعلى زوايا كثيرة في الرواية
دمت
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ريم العيساوي

ريم العيساوي


انثى
المواضيع والمشاركات : 22
الجنسية : تونسية
تاريخ التسجيل : 28/07/2012

قراءة في رواية الشبيهة للروائية السورية ماري رشو - ريم العيساوي Empty
مُساهمةموضوع: رد: قراءة في رواية الشبيهة للروائية السورية ماري رشو - ريم العيساوي   قراءة في رواية الشبيهة للروائية السورية ماري رشو - ريم العيساوي Uhh1017/8/2012, 12:14 pm

العزيزة حفيظة باقة ورد لتفاعلك ومرورك أسعدني .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قراءة في رواية الشبيهة للروائية السورية ماري رشو - ريم العيساوي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
خربشات الثقافية :: خربشــــــــــــــــــــــــــات أدبية :: بقعة ضوء-
انتقل الى: