خربشات الثقافية
نظرة جديدة في معنى الموت / نوري الوائلي Eniie10

خربشات الثقافية
نظرة جديدة في معنى الموت / نوري الوائلي Eniie10

خربشات الثقافية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
Kharbashatnetالبوابةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولتسجيل دخول الأعضاء

 

 نظرة جديدة في معنى الموت / نوري الوائلي

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
ماهر حمصي

ماهر حمصي


ذكر
المواضيع والمشاركات : 1138
تاريخ التسجيل : 09/04/2008

نظرة جديدة في معنى الموت / نوري الوائلي Empty
مُساهمةموضوع: نظرة جديدة في معنى الموت / نوري الوائلي   نظرة جديدة في معنى الموت / نوري الوائلي Uhh1018/5/2010, 3:32 am




نظرة جديدة في معنى الموت
بقلم نوري الوائلي



الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، الخالق المصور، المبدع المكون، الذي خلق الإنسان من طين، وصوره في الأرحام كما يشاء ويختار، ونفخ فيه من روحه ، وكرمه على مخلوقاته، وجعله خليفة في الأرض.

الحمد لله الذي خلق الإنسان من علق، خلقه بدنيا ونفسيا ووظيفيا وشكليا في أحسن تقويم ، وسخر له ما في الأرض جميعاً، فكان الإنسان جميلا في خلقه، متوازناً مع الطبيعة، متوافقاً مع البيئة، معتدل القامة، واضح الرؤيا، سميعاً بصيراً، فتعالى الله أحسن الخالقين.

وعندما خلق الله آدم جعل له زوجة ونسلاً لكي يستمر الجنس البشري في الوجود الحياتي. فخلق الإنسان من طين، وصوره ثم نفخ فيه من روحه , فخرج كائناً حيا له ذات ونفس وتفكير وإحساس. وجعله الله الخليفة في الأرض، وقدر له رزقه وجعل له أجلاً وهو الموت. فلكي يستمر الجنس لابد من النسل.

وعملية تكوين النسل غاية في الدقة والروعة، عظيمة في الإتقان والحكمة، متواصلة ذات مراحل مختلفة لا يزال العلم يكشف المزيد والمزيد من المعلومات المهمة عن كيفية خلق الإنسان ومراحل النمو الجنيني حتى الولادة وهي إحدى دلائل قدرة الله عز وجل في ما أبدع وقدر وصور. ولكي نخوض في موضوع مهم لكل إنسان وهو الموت لابد أن نعرف ما هي الحياة.

ما هي الحياة وما هي دلائل الحياة؟

هل النمو والتنفس والحركة تعني الحياة؟ هل الحركة وحدها أو النمو وحده تعني الحياة؟ لقد تعقد المفهوم العلمي لمعنى الحياة بعد الاكتشافات العلمية الضخمة فيما يخص علم البايولوجيا والفيزياء والكيمياء. فما تراه العين لا يتعدى القليل القليل مما هو موجود ، وما تدركه أحاسيس الإنسان من حركة المخلوقات إلا قليلا قليلا. فالصخر الذي نسميه جماداً فيه الحركة الضخمة لمكوناته الأساسية مثل الذرة والنواة والإلكترونات، فلا يوجد سكون في كل المخلوقات وإن كان هناك سكون فهو سكون نسبي اعتمادا على ما ندركه أو نحسه. والنمو يشمل المخلوقات كافة , فكل شيء ينمو نحو الزيادة أو ينقص نحو التحلل. فالشجر يكبر، والكون يكبر، والأرض تنمو وتكبر، والأمثلة لا عد لها ولا حصر فيما يتعلق بتشابه الصفات بين المخلوقات , وما هو الحي منها. فإذا أخذنا الخلية مثلاً فنقول بأنها خلية حية لأنها تتحرك أو تتنفس أو تحتوي على تفاعلات كيماوية أو بايولوجية ولكن هذه الصفات موجودة أيضاً في مخلوقات أخرى نسميها جامدة أو ميتة. وإذا كانت الخلية حية فهل لديها ذاكرة أو إحساس بأنها حية. هل لديها ذات وشعور ، هل تدرك وجودها ودورها، وإذا كان المخلوق لا يملك ذاكرة تشعره بأنه موجود فما معنى أن يكون حيا. وإذا كان الإنسان حياً بدون ذاكرة تشعره بوجوده فما معنى حياته.

إذن هناك مقاييس مهمة جداً يجب أن تميز الكائن الحي من غير الحي وهي الذاكرة والإدراك والإحساس. أي الإحساس والإدراك ثم التذكر. وبدونها لا يمكن أن يتم التفكير الذاتي , وليس المسير فيما كتب له من خواص داخل الأحماض الأمينية إذا كانت ضمن المملكة الحياتية أو خواص تكوينه إذا كان داخل المملكة غير الحياتية. لذلك الحي معناه أكثر من دلائل الحياة التي نعرفها ليشمل دلائل ملزمة وهي ما أسميه مثلث الحياة الذي يولد التفكير الذاتي. إذن المخلوقات غير الحية لا تعني أنها جامدة، لا تنمو، ولا تحس يل يمكن أن تكون متحركة ويتغير حجمها وشكلها وتتفاعل مع المحيط والبيئة وتتحول من حال إلى حال. فالماء يتحول إلى بخار، ثم ضباب، ثم غيوم وسحب، ثم برد، ثم مطر.وهذا يتم عندما يتعرض إلى محفزات. والخلايا مثلاً أو المخلوقات الخلوية تتحرك بحثاً عن غذاء أو عندما تتعرض إلى مؤثر خارجي. إذن هي تسير كما يسير الماء معتمدة على خصائصها الداخلية المحكومة في الأحماض الأمينية وعلى المؤثرات الخارجية.

الأمر أصبح أكثر وضوحاً ولكنه أوسع تعقيداً وهذا يعود إلى ما اكتشف من مخلوقات تملك صفات مشتركة ولكننا نعرف هذا حياً وذلك غير حي.

لقد بحث العلماء من مختلف التخصصات ماهية الموت وأسباب الموت ولماذا يموت الكائن الحي. ولكن هل الموت هو الفناء؟ هل للموت وجود؟ هل هو مرحلة موجودة وعالم مستقل بذاته؟ هل هو فناء وانتهاء؟ هل بعد الموت حياة؟

إذا كان لا توجد حياة بعد الموت فإن الموت يعني نهاية الوجود. إذ لا وجود للموت. أما إذا كان بعد الموت حياة أو وجود فلابد أن يكون الربط بين وجود ووجود , ووجود أو الانتقال من وجود إلى وجود بواسطة وجود. فلا يمكن أن ننقل شيئاً موجودا في وجود ما إلى وجود ثان بواسطة العدم. في هذا المفهوم لابد أن يكون الموت وجوداً لأنه مرحلة انتقال من وجود إلى وجود آخر. وقبل أن نذهب إلى الإنسان دعنا نتحدث عن الأشجار. فالشجرة موجودة وهي كائن حي، ولكنها سوف تموت ويكون موتها على صورتين: 1- تموت بعد انحلالها في التربة وتلاشيها أي خروجها من وجود الأحياء إلى الموت. فإذا كانت الشجرة سوف تنمو وتظهر من جديد في وجود آخر فلابد أن يكون الموت موجودا. 2- تموت ذاتها في حبوبها، فالحبة موجودة في وجود الأموات. وتبقى كذلك إلى أن تحفز فتبعث من جديد في وجود جديد هو الحياة مرة أخرى وبذات جديدة.

فماذا تعني الحياة هنا. هل هي ما نعرفه من حركة وتنفس وأكل وشرب. أم هي فكر وعيش وتوازن في الخلق وتنظيم لعيش الإنسان في الأرض وإسعاده وإدراكه لفهم الخلق والوجود.

دعنا نلقي نظرة أخي القارئ على عملية تكوين الأجنة. يتكون الجنين من خلايا خاصة ذات قدرة على اختزال عدد الكروموسومات تسمى الخلايا الجنسية. الخلية تتكون من نواة وسايتوبلازم وغشاء الخلية. النواة تحتوي على عدد ثابت من الكروموسومات. الكروموسومات عبارة عن خيوط حلزونية فردوية تحمل الصفات الوراثية للكائن الحي. أي أن جميع خواص الكائن موجودة في عدد معين من الكروموسومات. لذلك الكروموسومات هي الكائن الحي بجميع صفاته التركيبية والوظيفية. أي أنها كمبيوتر يحمل جميع مميزات الكائن. له القدرة على العمل وإعطاء الأوامر للخلية بالانقسام وقيادتها لتكون مخلوقاً مشابها تماما للمخلوق الذي يحمل هذه الكروموسومات. إذن الكروموسومات ليست فقط مخزناً للمعلومات بل القيادة العليا لسير جميع العمليات البايولوجية التي تؤدي إلى تكوين الجنين إذا كانت الكروموسومات موجودة داخل الخلايا الجنسية أو حتى الخلايا غير الجنسية إذا تعرضت إلى حوافز معينة. أما إذا كانت الكروموسومات موجودة داخل الخلايا غير الجنسية فإنها تقود جميع التفاعلات الأيضية والانقسامات الخلوية والوظائف الفسيولوجية للكائن الحي. فالإنسان يحوى نوعين من الخلايا الجسمية والخلايا الجنسية؛ الخلايا الجسمية للعمل والبناء ,والخلايا الجنسية للتكاثر ولها القدرة على اختزال عدد الكروموسومات إلى النصف.

الخلية البشرية تحوي على 46 كروموسوم، لكن الخلية الجنسية تحوي على 23 كروموسوم بعد الانقسام الاختزالي. هذه الخلية عند الرجل تسمى الحيمن وعند المرأة تسمى البيضة. لا يمكن لأي منهما أن يكون جنيناً إلا بعد أن يتم الاتحاد بينهما ويصبح عدد الكروموسومات في البيضة التي اتحد معها حيمن كاملٌ , أي 23كروموسوم +23 كروموسوم من البيضة = 46 كروموسوم في البيضة الملقحة بالحيمن. ويقدر لها فترة زمنية بساعات أو أيام اعتمادا على نوع الكائن الحي يبدأ فيها سيناريو تكون الجنين. إذن البيضة الملقحة هي مشابهة للحبة والنواة التي تخرج من الأشجار تمثل موتاً إلى أن يبدأ الانقسام بمحفز.

كيف تكون البيضة الملقحة ميتة وهي تتغذى وتتنفس. قد يكون الموت عدم وصول المخلوق إلى صفاته التي تميزه ككائن مستقل بعد تكامل نمو وانقسام خلاياه التكاثرية. فالبيضة الملقحة هي إنسان ميت إلى أن يبدأ بالانقسام لتكوين الجنين. عند بدء الانقسام تبدأ الحياة. أي يخرج الإنسان من طور الموت إلى طور الحياة.

إذن فالخلايا الجنسية تؤخذ من وجود وهو الحياة (كائن حي) ثم تندمج لتدخل وجوداً جديداً وهو الموت وبعدها يؤذن لها بالعمل لتنتقل إلى وجود جديد وهو الحياة. إذن عند هذه المرحلة يكون الإنسان قد مر بمرحلة حياة وموت ثم حياة. أي أن الإنسان المخزون على شكل كروموسومات فهو يعيش وجود الحياة في آبائهم وأمهاتهم كخلية له القدرة على الانقسام والعيش كباقي الخلايا بدون الآباء والأمهات. ولكن بعد أن تتحد لتكوين البيضة داخل وجود جديد. أي أن الإنسان كان يعيش في ذات أبيه وأمه. ثم يؤخذ من أبيه وأمه لتكوين ذات جديدة بعد التلقيح ويكون وجودهما كوجود الأموات إلى أن يؤذن لها بالانقسام لتدخل وجود الأحياء. الإذن بالانقسام معناه بدء تصوير الإنسان , فإذا اكتمل تصوير الإنسان فمعنى ذلك أن الإنسان قد دخل وجوداً جديداً حياً منذ أن بدأت البيضة الملقحة بالانقسام. وإذا لم يكتمل تكوين الإنسان فإن الخلية الملقحة تبقى في وجود الأموات حتى بعد الانقسام.

بعد أن يؤذن للبيضة الملقحة بالانقسام يبدأ تصوير الإنسان داخل الرحم اعتماداً على ما فيه من صفات وخواص مخزونة داخل الكروموسومات وليس بالضرورة أن تخرج جميع الصفات الموجودة في الكروموسومات. فيخرج قسم منها ويختفي قسم آخر. أي توجد عملية انتقاء للصفات عند تصوير الإنسان داخل الرحم.

وبعد أن يولد الإنسان ويعيش الحياة تبدأ عملية معاكسة بالضبط لما حدث. فيبدأ جسم الإنسان بالانحلال والصغر والوهن وتقل خلايا جسمه عدداً ووظائفاً وتتناهشه العلل والأمراض إلى أن يخرج من هذا الوجود ويموت. والموت هنا هو خروج الإنسان وظيفياً من الحياة على مستوى الخلوي والعضوي والجسمي. ونحن

هنا أمام حالتين:

1- الإذن بخروج الروح من الجسد إلى وجود جديد. إذن الروح كانت في وجود داخل الجسد لتكون في الوجود المادي الذي نعرفه ثم تخرج إلى وجود آخر. فالموت هو خروج الروح من الجسد حتى لو بقيت خلايا الجسد تعمل. لذلك في هذا المفهوم لا يعني الموت توقف خلايا الجسم عن العمل. فالخروف يموت عندما يذبح لكن تبقى خلاياه حية لفترات زمنية. بل يموت الإنسان ولكن يبقى قلبه يدق في صدر إنسان آخر. 2- عندما يموت الإنسان يبقى قسم من خلاياه حيا لفترات معينة ويتوقف عن العمل بفقدان مستلزمات استمرار الحياة من الغذاء والأوكسجين ويبدأ بالتحلل. وهناك خلايا جسمية تتوقف عن العمل قبل موت الإنسان ومع الموت مباشرة. الجسم الميت موجود ويبدأ بالتحلل ليتحول إلى مكونات الأرض ويبقى قسم منه لا يضمحل إلى مكوناته الأساسية.

لذلك فإن الجسم الميت يبقى موجودا:

1- خلال مكوناته الأساسية التي انتقلت إلى التربة أو الهواء أو كائن حي آخر. 2- بقاء جزء معين منه يحمل كروموسوماته التي تحمل جميع صفات الإنسان كاملة. الكروموسوم هو إنسان من حيث التركيب والوظيفة وله القدرة على قيادة الخلايا لتكوين الإنسان مرة أخرى. يبقى الكروموسوم غير نشط , أي أنه ميت في الأرض أو في مكان آخر إلى أن يؤذن له بالعمل مرة أخرى فيبدأ بالانقسام ويدخل الإنسان مرحلة جديدة ووجوداً جديداً , حيث تدخل له الروح مرة أخرى. في التصوير الأول يكون الرحم هو المكان. أما إعادة التصوير فيكون في الأرض والله أعلم.

لذلك مر الإنسان بهذه الوجودات: 1- الموت عندما كان بيضة ملقحة 2- الحياة بعد الانقسام ودخول الروح. 3- الموت الجسدي وخروج الروح. 4- الحياة والبعث.

الموت خلق كما خلقت الحياة، كما يقول الباري تعالى (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ) والحياة وجود والموت وجود. الحياة عكسها الموت، والحياة وجود. فلابد أن يكون عكس الوجود وجودا. فعكس النور الظلام, وعكس الصحة المرض، فلا يعقل أن تقول لشئ مخلوق له وجود بأن عكسه فناء غير موجود أو مخلوق. والموت كما ذكر القرآن موجود بأشكال مختلفة كالنفس الميتة، الأرض الميتة، البلد الميت، والحبة والنواة الميتة. فعندما تقول بأن الأرض ميتة فماذا يعني، الأرض كوكب يسير بنظام دقيق ومخلوق ضمن منظومة الكواكب السيارة ويحوي على الماء وحتى الجماد منه فإنه جماد نسبي لأنه لا يوجد شئ جامد. فكل شئ متحرك. فلو نظرنا إلى الصخرة فهي جامدة ولكنها في الواقع متحركة ضمن حركة الكون ولها حركة داخلية في مكوناتها الذرية. فالذرات والإلكترونات تدور وتتحرك وتنتقل من مدار إلى آخر ومن نواة إلى أخرى. ولكن ذكرت الأرض على أنها ميتة في كتاب الله (وَاللّهُ أَنزَلَ مِنَ الْسَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) وقال تعالى: (وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) . وقال تعال: (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا، أَحْيَاء وَأَمْوَاتًا) . الأرض ذكرت في شكل آخر , فعندما تكون ميتة فهي موجودة كما هي موجودة عندما تكون حية. لذلك فإن الموت وجود وخلق كما أن الحياة وجود وخلق. والفاصل بينهما ذكر في القرآن الكريم وهو الماء (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) فالأرض الميتة والبلد الميت (حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه إلى بلد ميت) .

فالماء يحول الأرض أو البلد أو البذرة الميتة بإذن الله إلى أحياء. إذن يخرج الله عز وجل الحي من الميت، قال تعالى : ( ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها) . أي أن الله قادر على إخراج الحي من الميت كما هو الحال أيضاً في النواة أو البذور الميتة (إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من ا لميت) .

كما أن الله تعالى يخرج الحيمن من الرجل الحي ويخرج البيضة من المرأة الحية ثم يتكون البيضة الملقحة التي هي حالة موت كما شرحنا إلى أن يأذن الله عز وجل لها بالانقسام وهذا الإذن قد يكون ما أعطاه الله عز وجل من خصائص بايولوجية للبيضة الملقحة للبدء بالانقسام لتصويرالإنسان الكامل.

الإنسان كان ميتا ثم أحياه الله. قال تعالى: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ، وقال تعالى: (قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيبَ فِيهِ) .والمخاطبة هنا للإنسان في وجود الأموات قبل أن يخرج إلى وجود الأحياء. أي أن الإنسان كان ميتاً ثم أحياه الله. وهنا كما شرحنا فإن الإنسان يكون في وجود الأموات عندما يكون مخزوناً بالكروموسومات للخلايا الجنسية في أصلاب الآباء والأمهات وأن الله قادر على أن يحييكم أي يخرجكم من وجود الأموات هذا إلى وجود الأحياء بعد أن يأذن للبيضة الملقحة بالانقسام المقرون بالروح. وبعد الموت الثاني للإنسان فإن الله عز وجل سوف يجمع الأموات وهم على شكل كروموسومات باقية في أديم الأرض أو في مكان شاء الله أن يكون إلى يوم القيامة وعندها يبعثهم الله من جديد بعد أن يأذن للكروموسوات بتكوين الإنسان الحي من جديد.

فالموت الأول الذي يشمل تكوين البيضة الملقحة لا يمكن أن يتم إلا بإذن الله كما هو حال الموت الثاني بعد الحياة. قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله) .

إذن الإنسان خلق ميتا أول الأمر ثم أحياه ثم أماته ثم أحياه (وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) . لذلك فإن هناك أربع وجودات يمر بها الإنسان:

1- الوجود الأول الموت الأول 2- الوجود الثاني الحياة الأولى 3- الوجود الثالث الموت الثاني 4- الوجود الرابع البعث أو الحياة الثانية

ولكن الله عز وجل وصف الموت الثاني بالموت الأول، قال تعالى: (لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى) ، الذوق يحتاج إلى أجهزة وإلى ذاكرة حتى يبقى إحساس وشعور الموت ملموساً. والموت الأول عند تكون البيضة الملقحة كما شرحنا يتم ضمن مستوى الخلايا التي لا تملك ذاكرة , أما الموت الثاني فيتم عند الإنسان الكامل الذي يملك الذاكرة والأحاسيس والمشاعر والتفكير الذي يؤهله لحفظ وتذكر لحظات الموت وكيفية انتقاله إلى عالم وجودي آخر، قال تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ) ، العالم الوجودي الثاني وهو الموت الثاني يكون أيضاً بدون ذاكرة ويبقى الإنسان في وجود الموت إلى ما شاء الله أي إلى يوم القيامة. فلا يتذكر الإنسان في وجود الموت هذه الفترة الزمنية ويصفها عندما يسأل يوم القيامة عن الفترة الزمنية التي قضاها فتكون الإجابة: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ. وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)

وهنا يطرح سؤال هل إن خلايا الجسم البشري أو المخلوقات الخلوية الصغيرة تملك ذاكرة؟

الذاكرة تساعد الكائن الحي على التحرك والعمل ضمن إرادته، أما التحرك والعمل الذي لا يحتاج إلى ذاكرة فهو مخزون في الحامض النووي. فالإنسان مثلاً يقوم بالأعمال اعتماداً على:

1- الفعاليات والوظائف التي يتحكم بها الحامض النووي وعادة تكون أعمال غير إرادية.

2- الفعاليات والوظائف التي تأتي عن الذاكرة وتكون عادة أعمالاً وتحركات إرادية.

إذا كنت مخلوقاً غير مخير فلا تحتاج إلى الذاكرة التي من خلالها يتم التعليم والتطوير وهنا لا أقصد القدرة على التكيف التي هي من خواص الكائن المخزونة في الحامض النووي. إذن لكي يكون الكائن حياً لابد من الذاكرة، فبدون الذاكرة لا يعرف أو يشعر الكائن بأنه حي. لذلك لا تعني الحياة فقط الحركة أو الانقسام أو الاندماج أو التحول من صورة إلى أخرى بل القدرة على التذكر والإحساس والتفكير.

فالكون في حالة توسع ونمو وزيادة فهل هو حي؟ والفلزات والمعادن وغيرها من مكونات التربة فإنها تتحول بفعل الظروف إلى مواد أخرى فهل هي حية؟ والطاقة التي تتحول من شكل إلى آخر فهل هي حية؟ والأميبا التي تتحرك وتجري فيها أعداد كبيرة من التفاعلات البايولوجية والكيماوية هل هي حية؟ وخلية الإنسان هل هي حية أم حياتها مقرونة بوجودها ضمن كائن حي؟

إذا كنا نعيش في الأرض ولكن بدون ذاكرة فهل نحن أحياء؟ هل نستطيع التفكير، التطوير، التخطيط، الأكل والشرب، التفاعل الاجتماعي، وغيرها؟ بدون الذاكرة لا يمكن للإنسان أن يحيا كما هو الآن فيكون محكوماً بخصائصه التصويرية والتكوينية وليس له القدرة على أن يعبر عن ذاته، لذلك بدون الذاكرة تصبح مثل الأميبا. فالحياة تعني القدرة للتعبير عن الذات وإدراك الوجود والمحيط، والتفكير في المحيط والظواهر، وأن يكون لك ماض في التعليم والخبرة لكي تحيا اليوم والمستقبل.

النفس البشرية لابد أن تدخل وجود الأموات (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) فالنفس إذن هي الجسد وما يملكه الجسد من شعور وإحساس وعمل وفكر وكل هذا سوف ينتقل إلى وجود جديد هو الموت الذي يعتبر مرحلة بين وجودين للحياة. الموت لابد أن يكون بإذن الله تعالى (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً)

وكما قلنا بأن الموت الأول يكون عند تكوين البيضة الملقحة ولا يمكن أن يتم هذا إلا بأمر الله. وكم هناك من بيض لم يلقح رغم وجود الظروف المناسبة للتلقيح ولكن إرادة الله تظهر بوضوح في التقاء الحيمن بالبيضة. أما الموت الثاني فالجميع يعلم بأنه لا الحوادث ولا الأمراض المهلكة ممكن أن تدخل الإنسان إلى عالم الموت إلا بإذن الله.

والموتى موجودون فعلاً كوجود، قال تعالى: (وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) . وعندما يأذن الرب لنطفة المرأة الملقحة بالبدء بالانقسام يتم التصوير وتبدأ رحلة من أروع وأبدع ما يمكن أن يتصوره عقل أو فكر أو خيال. مراحل متتالية من العمليات البايولوجية والتكاثر الخلوي المنظم الدقيق المتزن وتوزيع للأدوار وكل خلية تذهب إلى مقرها ومستودعها لتكون نسيجاً مميزاً بالشكل والتركيب والوظيفة والموقع والعمر والأنسجة , تكون الأعضاء الجبارة بالعمل والوظائف , ويتكون الإنسان مرحلة بعد مرحلة كما في باقي الكائنات الحية , فيكون التصوير للأنسجة والأعضاء وجسم الإنسان تحت إرادة خارجية، فليس كل ما محمول من صفات في الحوامض الأمينية يمكن أن تظهر بصورة الإنسان فالاختيار يقع بيد المصور. قال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ) ويتم خلق الإنسان بتلقيح البيضة، (وهي مرحلة الموت الأول). وبعدها تبدأ الحياة بعد انقسام الخلية وفي هذه المرحلة توجد احتمالية أن ينفخ الله الروح في الإنسان المخلوق الميت (البيضة الملقحة) ليبدأ تكوين الصور ؛ وهي صور الأنسجة والأعضاء والجسم بصورة عامة، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء) . وهناك صور كثيرة للإنسان محمولة على حوامضه الأمينية ولكن اختيار هذه الصور تكون بيد الله عز وجل. قال تعالى: (فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ)

يوجد احتمال بأن الروح تنفخ عند بدء الخلية بالانقسام وبالتالي تؤدي إلى اكتمال تصور الإنسان. أما إذا لم تنفخ فيها الروح فتبقى ميتة حتى ولو تكاثرت وانقسمت فتكون مجموعة من الخلايا دون تصوير فيحدث الإجهاض.

البيضة الملقحة الكاملة العدد من الكروموسومات تنقسم لتكوين صور الإنسان بإذن الله في رحم الأنثى.هناك حديث عن الرسول (ص) يشير إلى أن الروح تنفخ في الإنسان بعد إكمال تصويره. في قصة العذراء مريم عليها السلام ذكر الله تعالى في القرآن الكريم بأن الله أرسل لها ملكاً فنفخ فيها من روح الله ليكون النبي عيسى عليه السلام. وتساءلت العذراء مريم كيف يكون لها غلام ولم يمسسها بشرا. أي أنها كانت لا تعرف بأنها حامل عند قدوم الملك عليها لنفخ الروح.

المفروض عند اكتمال تصوير الإنسان يكون عمر الجنين 120 يوما. وهذه الفترة الزمنية تكون كافية لكي تعرف الأنثى بأنها حامل لظهور أعراض كثيرة للحمل. لذلك يرجح بأن الملك جاء بأمر الله لينفخ الروح في بيضة العذراء التي خلق الله منها عيسى عليه السلام. والبيضة عند الأنثى تحمل كروموسوم الأنوثة x وتحتاج إلى كروموسوم آخر لكي يكتمل تركيبة الكروموسومية لتحديد الجنس. فإذا حصلت علىكروموسوم x آخر فإن المخلوق يكون أنثى بإذن الله وإذ حصلت على كروموسوم Y فإن المخلوق يكون ذكراً بإذن الله. هذا ما يعرفه العلم حالياً وما هو مخفي الله أعلم به.

لذلك نجد هنا المعجزة الإلهية الضخمة في خلق عيسى عليه السلام وقد قارنه الله عز وجل بخلق آدم الذي خلقه من تراب. ففي آدم لم يخلقه من بيضة وحيمن حامل كروموسوم Y ، بل خلقه وصوره في الأرض وخلق فيه الكروموسوم Y ليكون في ذريته الذكور. فلا عجب أن يخلق الله عز وجل كروموسوم Y داخل بيضة العذراء ليخلق عيسى كما خلق آدم. قد تكون المعجزة الإلهية في خلق عيسى أعظم مما أتصوره في هذه الكتابة وربما يكتشف العلم بعضاً من هذه المعجزة الضخمة في المستقبل. وما كتبته فقط لتقريب الصورة إلى ذهني وذهن القارئ بما ينطبق في القرآن الكريم.

قال تعالى: (قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا، قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا، قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا، فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا) .

في يوم القيامة ذكر الله عز وجل بأنه ينفخ في الصور وأعتقد والله أعلم بأن هناك نوعين من النفخ في الصور: 1- نفخ الصور أي الصوت المدوي الهائل الذي يأذن بحضور يوم القيامة. قال تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ) . ويتم النفخ فيه قبل إعادة تصوير الإنسان وبعد إعادة تصويره أيضاً ينفخ في الصور قال تعالى: (وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ) وقال تعالى: (يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا) وقال تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ) . فهذا النفخ يكون بإذن الله بعد أن يعيد الله عز وجل تصوير الإنسان ويخرج للبعث، قال تعالى: (ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)

2- نفخ الصور أي نفخ في الصور أي نفخ في بداية تكوين صور الإنسان كما كان في خلق الجنين. قال تعالى: (يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا) ، وقال تعالى: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ)

ويمكن رسم المنظومات أو الحالات التي يمر بها الإنسان كما يلي

1- خلق الإنسان (النطفة الملقحة)

2- التصوير (تكوين الجنين الكامل)

3- الولادة (ليعيش في الحياة الدنيا)

4- الموت

خروج الروح موت الجسد

حوامض أمينية محفوظة في الأرض أو ما شاء الله

5- يوم القيامة (الإذن بإعادة تصوير الإنسان)

6- الحشر

المرحلة الأولى: الموت

المرحلة الثانية والثالثة: الحياة

المرحلة الرابعة: الموت

المرحلة الخامسة: الحياة

الجانب الثاني من الموت هو خروج الروح بإذن الله عز وجل، وموضوع الروح فعلمها عند الله عز وجل (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) .

تتكون النفس البشرية من دخول الروح الى الجسد. وعندما تخرج الروح فأن النفس سوف تشعر بخروجها وتتذوق الموت. ومن خصائص النفس هو القدره على الآحساس وأدراك المحسوس وتذكرهه وقد تفهم المحسوس أن كان ضمن مقدرتها أو ذاكرتها. لذالك يكون الموت محسوسا فهو موجود. وكذالك الروح محسوسة عند خروجها. أذن يمكن للنفس في حياتها أن تحس بالروح. ,الله أعلم.وبعد الموت من المؤكد أن الروح سوف تخضع إلى عالم آخر فيه الحساب الأول للإنسان والذي سوف يعرف معنى الوجود الآخر ويرى النار والجنة وهناك الأحاديث الكثيرة في هذا المجال. فالذي يموت لا يعني بأنه سوف يكون في سبات وراحة إلى يوم البعث، قد يكون هذا من ناحية الجسد صحيح ولكن من ناحية الروح فهناك السؤال والحساب والله أعلم بالغيب.

أريد أن أؤكد على أن ما أفسره من ناحية الحياة معاكس تماماً لتعريف الحياة عند علماء البايولوجيا والحياة والأطباء، فالخلية حية مادامت تتحرك وتتحول إلى شكل آخر أو خلية أخرى ولها وظائف وتقوم بفعاليات كيماوية وفيزيولوجية. والخلية ميتة إذا لم تحمل هذه الصفات أو بدأت بالاضمحلال والتفكك. ما أعتقده والله أعلم بأن كل شيء حي يجب أن يملك الذاكرة، الإدراك، والإحساس. وهذه تؤدي إلى التفكير والشعور بالذات. أما الصفات الكيماوية والفيزيائية الموجودة في الأشياء التي تسمي حية موجودة أيضاً في الأشياء التي تسمى ميتة. هذه النظرة الجديدة لمعنى الحياة جسدتها الآية الكريمة (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ) . فالحياة هنا واضحة لا تعني التنفس والنمو والحركة بل تعني والله أعلم وجود الإنسان في الدنيا كفكر وكإدراك وإحساس وتفكير مقترناً بالكرامة والعيش السعيد.

لذا أرى بأن الكائن الحي أكبر وأوسع مما يعتقده علماء البايولوجيا أو الأطباء وأن الموت أوسع أيضاً مما تتصوره من أنه فناء وتوقف وجمود بما فيه المجال الجسدي الذي علمنا الله منه الشيء الكثير وفي المجال الروحي الذي لا نعلم منه شيء. إذن على الأرض ما نشاهده هو إما مخلوقات حية أو مخلوقات ميتة. فالحي موجود والميت موجود وكلاهما يعملان ويتفاعلان ويؤثران ويتأثران. قد لا تقبل هذه النظرة الجديدة من قبل علماء الحياة ولكني أطرحها للمناقشة فقد تكون صحيحة وقد تكون غير ذلك والله أعلم.

والنوم هو حالة سبات للكائن الحي وليس موتاً لأنه لا يزال يملك الذاكرة والإحساس والإدراك. ويتجلى ذلك في الأحلام التي تعمل فيها الذاكرة والإحساس والإدراك. ففي بعض الأحيان نتذكر الأحلام بصورة واضحة وطليقة لقوة إدراكنا لها. فالذاكرة لا تتولد إلا بعد أن تدرك ما نحسه. والطفل الرضيع لديه ذاكرة ولكنها غير قادرة على العمل بوضوح , لأن الطفل لا يدرك ولا يعرف بما يحس , ولكن بمرور الوقت يبدأ بإدراك الأشياء ويتعلمها ثم يتذكرها.

(اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) . إذن فالنائم ليس ميتاً بالرغم من أن الموت هو وفاة والنوم كذلك؛ أي استوفى رزق يومه والميت استوفى عمره ورزقه . ولكن الميت فقد خواص الحياة وهي الذاكرة والإدراك والإحساس ثم التفكير.

وتوجد حالة في الطب تسمىَ الموت الدماغي وهي أن الشخص تعمل جميع أعضائه بما فيها القلب , ولكن الدماغ قد توقف عن العمل , وأن الأجهزة الرئيسية كالقلب والجهاز التنفسي تعمل بالأجهزة. وهناك جدل وعدم اتفاق فيما إذا كان هذا الشخص ميتا , ويجب إزالة الأجهزة عنه أم لا. الموضوع أيضاً من وجهة نظري لا يمكن الحكم عليها على الرغم بأن هذا الشخص فاقد الإحساس والإدراك والذاكرة والتفكير في مقاييس الأطباء ولكنه قد يملكها ونحن لا نعرف. وأن الشفاء ممكن في كل الحالات الميؤوسة وهذا يحتاج إلى موضوع مستقل بذاته.

الإنسان كان فناء قبل أن يخلق , ولم يكن شيئاً مذكوراً. وعندما خلق الله آدم عليه السلام خلقه من طين وصوره ثم نفخ فيه من روحه. وخلقه الله في أحسن صورة وأجمل هيئة وأتم تكوينه. قال تعالى: (( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)) . فخلق الله عز وجل الإنسان من الأرض الميتة وصوره وكان مخلوقاً ميتاً إلى أن نفخ الله فيه من روحه فوهب له الحياة. أما ذرية آدم عليه السلام فخلقهم من نطفة أمشاج أي بيضة ملقحة وبعدها صوره في الأرحام كيف يشاء. قال تعالى: (أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا) . والله سبحانه وتعالى خلق الإنسان مرة واحدة وتمثل البيضة الملقحة إنسان كامل بكل صفاته ولكن بدون تصور وكذلك فإن هذه البيضة الملقحة تملك من الصفات الجمة للإنسان كاملة ولكن الله عز وجل يختار منها صورة الإنسان وظهور صفاته. والبيضة الملقحة تكون كما أشرنا سابقاً ميتة إلى أن يأذن لها بالانقسام لبدء التصوير حسب إرادة الله عز وجل.

وباختصار يمكن تقسيم الكائنات الحية إلى:

1- الكائنات الحية التي لها علامات الحياة المميزة بها وهي الإحساس، والإدراك، والذاكرة والتي لديها قدرة للتفكير وتملك الذات.

2- الكائنات الحية التي مميزاتها تتداخل مع مميزات الأموات أو الجماد.

فمثلاً الحبة أو النواة ميتة ولكنها تملك صفات الحياة مثل الحركة. وعندما توضع في الماء تبدأ بالنمو ثم تصبح شجرة ونموها أيضا من صفات الأحياء ولكنها تظل ميتة بالمقاييس الخاصة بالحياة.

إذن الحبة ميتة ولكنها تملك خواص الحياة. والشجرة حية ولكنها لا تملك مميزات الحياة الخاصة. فهناك تداخل بين صفات الموت وصفات الحياة. إن الشجرة تكون ميتة من جانب وحية من جانب آخر.

ما ذكرته لا يعدو تأملات في خلق الإنسان أبغي بها وجهه عز وجل وأحاول أن أدلل على قدرة الله عز وجل وكيف أن الله يعيد الخلق كما بدأه أول مرة وهو أهون عليه. قال تعالى: (إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) وقال تعالى: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ) وقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) .

إن القرآن الكريم يحوى من المعجزات الضخمة التي تنتظر الناس والعلماء للكشف عنها حتى يعلم الإنسان بأن القرآن الكريم هو الحق وأنه منزل من الله سبحانه وتعالى.

وذكر الله تعالى ذلك بأن تأويله سوف يأتي في المستقبل ويعرف الإنسان بأنه الحق. قال تعالى: (يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ) .

وتزداد البراهين والدلائل على وجود الله عز وجل وعلى قدرة الله في الخلق والتصوير , ويخرج علينا العلم يومياً بدلائل الوجود الإلهي الواحد , ودلائل القدرة العظيمة والرحمة الواسعة. قال تعالى: (أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) . وقال تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) .

صدق الله العلي العظيم وصدق رسوله الكريم. اللهم إنك الحق وكتابك حق ونبيك حق والموت حق والبعث حق والحساب حق والجنة حق والنار حق ولا حول ولا قوة إلا بك.

اللهم ألهمنا العلم النافع والرشد الواضح، والرؤيا السليمة، والقلب الخاشع، واللسان الذاكر، والوجدان المرتبط بكتابك يا أرحم الراحمين.


عدل سابقا من قبل ماهر حمصي في 21/5/2010, 4:19 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kharbashat.ahlamontada.com
فاطمة بلغازي
مشرف
مشرف
فاطمة بلغازي


انثى
المواضيع والمشاركات : 777
تاريخ التسجيل : 21/05/2008

نظرة جديدة في معنى الموت / نوري الوائلي Empty
مُساهمةموضوع: رد: نظرة جديدة في معنى الموت / نوري الوائلي   نظرة جديدة في معنى الموت / نوري الوائلي Uhh1018/5/2010, 6:36 pm

العزيز ماهر
شكرا على الموضوع
وعلى هذا الاختيار
كما عودتنا
مواضيع مفيدة
دمت متالقا
تقبل مروري
وتحياتي
فاطمة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فايزة العمر

فايزة العمر


انثى
المواضيع والمشاركات : 987
الجنسية : الجزائر الخضراء
تاريخ التسجيل : 11/03/2010

نظرة جديدة في معنى الموت / نوري الوائلي Empty
مُساهمةموضوع: نظرة جديدة في معنى الموت   نظرة جديدة في معنى الموت / نوري الوائلي Uhh1019/5/2010, 12:47 am

عودة ميمونة نحن دائما ننتظر منك المواضيع المثيرة للمناقشة



شكرا لك ابو سومر على هذا النظرة الجديدة ..............



الموت هو الكأس الذي لا بد أن يذوقه كل البشر



الموت هو نهاية حتمية لدنيا وزائلة و الانسان المؤمن يتقبله بارتياح



دمت لنا ........................تقبل مروري.....................

































الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
نظرة جديدة في معنى الموت / نوري الوائلي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
خربشات الثقافية :: خربشــــــــــــــــــــــــــات أدبية :: بقعة ضوء-
انتقل الى: