خربشات الثقافية
تأثير الثقافة العربية في الثقافة الغربية الحديثة Eniie10

خربشات الثقافية
تأثير الثقافة العربية في الثقافة الغربية الحديثة Eniie10

خربشات الثقافية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
Kharbashatnetالبوابةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولتسجيل دخول الأعضاء

 

 تأثير الثقافة العربية في الثقافة الغربية الحديثة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فايزة العمر

فايزة العمر


انثى
المواضيع والمشاركات : 987
الجنسية : الجزائر الخضراء
تاريخ التسجيل : 11/03/2010

تأثير الثقافة العربية في الثقافة الغربية الحديثة Empty
مُساهمةموضوع: تأثير الثقافة العربية في الثقافة الغربية الحديثة   تأثير الثقافة العربية في الثقافة الغربية الحديثة Uhh1012/9/2010, 2:40 am

تأثير الثقافة العربية في الثقافة الغربية الحديثة
للأستاذ الدكتور شوقي ضيف
***********************

ورثت الثقافة العربية في القرون الإسلامية الأولى الثقافات العالمية الهندية والفارسية واليونانية، وابتدأ ميراثها للثقافة الهندية الرياضية في زمن مبكر؛ إذ أخذت عنها أرقام العدد، وأضافت إليها الصفر وكان لذلك أثره البعيد في نظام العدد العالمي إذ عُرفت فيه العشرات والمئات والآلاف ، ونقل الغرب النظام العربي للعدد عن الأندلس؛ إذ نزل بها جربرت الذي تقلد البابوية باسم سيلفستر الثاني في القرن العاشر الميلادي وعرف نظام الأرقام العربية الإسبانية ونقله إلى الغرب وأدخله في مدارسه. ونقل الغرب النظام العربي للعدد، وشاع في كل بلدانه، ودفعهم إلى إنشاء بنوكهم وأسواقهم المالية، ولولا العرب وما أخذه الغرب من أرقامهم ما كانت بنوك ولا أسواق مالية في العالم إلى اليوم.
وقدم وفد هندي في خلافة المنصور العباسي في منتصف القرن الثاني الهجري وفيه رجل ماهر في معرفة حركات الكواكب وحسابها وسائر أعمالها على مذهب كتاب هندي لهم يسمى جزؤه الأخير "سيدهانت" فأمر المنصور بنقل الكتاب إلى اللغة العربية، ليتخذه العرب أصلاً في حساب حركات الكواكب وظل العرب يعملون به إلى أيام المأمون؛ إذ نُقل إليهم كتاب بطليموس في الحساب والجداول الفلكية المسمى المجسطي فعملوا به. وأمر المنصور بنقل كتب أرسطو إلى العربية ونقل كتاب الأصول لإقليدس وهو في الأشكال الهندسية أمهاتها ومركباتها.
ومنذ هذا التاريخ أكبَّ العرب على ترجمة الثقافة اليونانية وجميع ما تحمله من علوم وفلسفة.وأسس المأمون دار الحكمة ووظف بها طائفة كبيرة من المترجمين وخاصة لكتب الثقافة اليونانية وجُلبت كتب كثيرة من بلاد الروم وعمورية وأنقرة.
وتبلغ هذه الموجة الحادة للترجمة أقصى غاياتها في عهد المأمون وعرف أن في جزيرة قبرص مكتبة تحتفظ بنفائس الكتب الفلسفية والعلمية اليونانية. فالتمس من حاكم قبرص أن يرسلها إليه، فأرسلها، وعهد المأمون إلى طائفة كبيرة من المترجمين فنقلوها إليه .. واستأذن ملك بيزنطة في أن يرسل إليه وفدًا من كبار المترجمين ليحملوا إلى بغداد روائع الكتب اليونانية، وأجابه إلى ذلك. وأقام المأمون مرصدًا كبيرًا لعلم الفلك وزيجاته، فازدهر هذا العلم الهندي لعهده، وكان من القائمين عليه محمد بن موسى الخوارزمي واضع علم الجبر الذي يفتتح به في بغداد عصرًا جديدًا في الرياضيات، وعُني علماء العرب حينئذٍ بعلم الكيمياء واستعانوا فيه بالترجمة عن اليونانية، وظلوا يزدادون فيه علمًا حتى نبغ فيه جابر ابن حيان ، فخلف فيه كثيرًا من النظريات في الإكسير وخواصه، وهو المؤسس الأول لعلم الكيمياء عند العرب. وكان يوحنا بن ماسويه يعكف على تشريح القردة. ويعد المؤسس للأبحاث الطبية عند العرب، وكانوا قد أكبوا على ترجمة ما لأبقراط وجالينوس من بحوث طبية ونقلوها إلى العربية.
ونمضي بعد المأمون فنجد الخلفاء يغدقون على المترجمين من اليونانية إغداقًا كبيرًا ويكفي أن نذكر ما أغدقه المتوكل على حنين بن إسحق كبير المترجمين من اليونانية حتى سنة 264 للهجرة، وقد أهداه ثلاث دور وحمل إليها كل ما تحتاجه من الأثاث والفرش وأقطعه بعض الإقطاعات، وجعل له راتبًا شهريًّا خمسة عشر ألف درهم.
ووراء الخلفاء أثرياء كانوا يعدون أنفسهم حماة للترجمة والمترجمين وينفقون عليهم أموالاً طائلة مثل ثلاثة أخوة من بني شاكر، وكان اثنان منهم يشغفان بالهندسة وكتبها ويشغف الثالث بعلم الحيل (الميكانيكا).
وكوَّن حنين بن إسحق مدرسة كبيرة للترجمة كان من تلاميذها ابنه اسحق وابن أخته حبيش وغيرهما.
ويذكر لحنين أنه ترجم من اليونانية نحو مئة كتاب ورسالة، وكان يعنى أشد العناية بالكتب الطبية اليونانية لجالينوس وغيره ، وكان مثله ابنه، بينما كان ابن أخته حبيش يعنى بترجمة الكتب الفلسفية لأرسطو وغيره. وجعل المتوكل لحنين طائفة من شباب المترجمين يكتبون بين يديه، ويمرنهم على إتقان الترجمة الدقيقة، ومنهم أصطفن بن باسيل اليوناني الأصل مترجم كتاب ديسقوريدس في النبات والصيدلة لزمن المتوكل.
وتكاثر المترجمون في القرن الثالث الهجري = التاسع الميلادي عن اليونانية كثرة مفرطة، وأكبوا على المأثورات الإغريقية العلمية والفلسفية ينقلونها إلى العربية وكادوا لا يبقون كتابًا لليونان بدون ترجمة أو بدون شرح أو تلخيص حتى ليظن أن جميع كتب اليونان المهمة ترجمت إلى العربية في القرنين الثاني والثالث للهجرة.
ومن يرجع إلى كتاب طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة تهوله الكثرة الغامرة مما ترجم من عشرات الكتب والرسائل اليونانية.
ولما أوشكوا على الانتهاء من نقل التراث اليوناني العلمي والفلسفي أخذوا يراجعون نقل أسلافهم له ، وما وجدوه يستحق المراجعة وإعادة النقل أعادوه ، وهذا هو السر في أننا نجد بعض الكتب يذكر لها أكثر من مترجم ، حتى عند بعض المترجمين الكبار لدى الأسلاف مثل ثابت بن قرة المتوفى سنة 288 للهجرة، فقد نقح ترجمة كتاب أرسطو في النبات من عمل إسحاق بن حنين ، ونقَّح نقله لكتاب أصول إقليدس في الأشكال الهندسية، ويقول ألدومييلى صاحب كتاب العلم عند العرب : "إن هذا التنقيح يصلح الأصل اليوناني في غير موضع". ونلتقي بعده مباشرة بخاتمة هذا العصر من المترجمين: متَّى بن يونس، وكان من أصل يوناني ونقَّح جميع الكتب المنسوبة إلى أرسطو في المنطق وغيره.
وبذلك ينتهي عصر نقل التراث اليوناني العلمي والفلسفي المزدهر إلى الثقافة العربية،بحيث أصبح جزءًا لا يتجزأ منها، وبحيث يتم العرب ما كان لـه مـن ازدهار في ديارها إذ كان قد أخذ منذ القرن الثالث الميلادي في الانهيار والتدهور ولم يعد شيء منه معروفاً إلا في ركن منعزل في أوربا ببيزنطة وفي مصر بالإسكندرية، وكان يعاني فيهما مما أصابه من التدهور الشديد،أما في أوربا فقد كانت الثقافة اليونانية مجهولة جهلاً تامًّا،فلم يكن يعرفها الإيطاليون والفرنسيون والإنجليز والألمان ولا أحد من أوربا الغربية والشرقية مما وراء بيزنطة يعرفها، إنما يعرفون فقط ما يستمعون إليه من التعاليم الدينية المسيحية على لسان الرهبان والأساقفة، وما قد يقرؤونه عندهم من كتب الإيمان المسيحي وحياة القديسين، وليس لهم أي صلة بالثقافة اليونانية وعلومها وفلسفتها التي بلغت غاية الازدهار عند أرسطو، بينما كان العرب ينقلون إلى ثقافتهم في القرنين الثامن والتاسع للميلاد الثقافة اليونانية، بكل أصولها وفلسفتها وعلومها، وهو أول فضل للعرب على الغرب المسيحي واحتفاظهم له بالثقافة اليونانية وأضافوا إلى هذا الفضل فضلاً ثانيًا بما زودوا الفلسفة اليونانية والعلم اليوناني به من زاد وَفْرٍ في النمو والتطور مما يعد معجزة للعرب بجانب المعجزة اليونانية، وانتفع الغرب عن طريق المعجزتين، فبنى عليهما ثقافته وحضارته الحديثة.
ونقف أولاً عند الفلسفة ، فقد احتفظ لها أصحابها باسمها اليوناني، وهو الفلسفة، وأضافوا إليه صفة عربية تميزه، هي الإسلامية، لأنها تمزج بين الفلسفة والإسلام.
وأول فلاسفة العرب الكندي يعقوب بن إسحاق وهو عربي أصيل من قبيلة كندة ، وعاش في القرن الثالث حتى أواخر العقد السادس. وله كتب ورسائل تعد بالعشرات، وتبلغ في كتاب الفهرست لابن النديم نحو مئتين وأربعين ، وتتناول الإلهيات والعلوم الرياضية والهندسية والفلكية والجغرافية والطبيعية والمنطق. وهو أول فيلسوف إسلامي وفق بين الفلسفة والإسلام وله في إثبات النبوة كتاب. وكان يرى أن العالم محدث مخالفًا بذلك أرسطو القائل إنه قديم ، وأهم نظرية فلسفية له نظريته في أن العقل مصدر المعارف وتقسيمه إلى عقل فاعل هو الله جل جلاله، وعقــل بالقوة في داخل الإنسان، وعقل بالملكة هو عقل الإنسان بعد حصول المعلومات فيه، وعقل مبين يؤدي للغير معقولاته.
ويقول ألدومييلي إن دى كريمونا الإيطالي كبير المترجمين في إسبانيا بالقرن الثاني عشر ترجم للكندي كثيرًا من كتبه ، وإن لها تأثيرًا عميقًا في الشعوب اللاتينية الأوربية.
ونلتقي بعد الكندي بفيلسوف إسلامي كبير هو الفارابي المولود في فاراب من بلاد الترك وراء خراسان ويقال إنه فارسي، وتلقى في نشأته علوم الأوائل. وشغف بها في بغداد، وأكبَّ على كتبها واستوعبها، وأخذ يحاضر فيها عن فهم دقيق وبصيرة، وعُنى بشرح كتب أرسطو في علم المنطق وغيره وقارن بين الفلسفة والإسلام وذهب إلى أن كل موجود إما واجب الوجود وإما ممكن، والله وحده هو واجب الوجود وما عداه ممكن الوجود ، ولا جنس له ولا تركيب فيه ولا يمكن حدّه إذ لا يتحيز في مكان. ونوَّه بالعقل طويلاً، وقال إن الله فيض عنه منذ الأزل مثاله وهو العقل الأول الذي يفيض عنه الفلك. ولروعة أعماله سماه معاصروه المعلم الثاني بعد أرسطو. ومن كتبه البديعة فصوص الحكم، ولخص في أوراق منه فلسفته واتخذه ماكس هورتن موضوع دراسة ضخمة، وعني بوضع موسوعة للعلوم في عصره سماها "إحصاء العلوم" ترجمها إلى اللاتينية ديتريشي ودي كريمونا الذى ترجم له رسالته في المدينة الفاضلة وفيها يحاول وضع نظام دولة مثالية. وللدكتور إبراهيم مدكور عنه دراسة قيمة، وكانت وفاته سنة 339 للهجرة.
وجاء بعده الفيلسوف الإسلامي العظيم ابن سينا المولود بالقرب من بخارى سنة370 هـ / 980 م والمتوفى بهمذان سنة 428 هـ.
أكبَّ في فواتح حياته على إيساغوجي وإقليدس في الهندسة والمجسطي في الفلك ، واستغلقت عليه الإلهيات حتى قرأ فيها كتابًا للفارابي فاتضحت له. وتمتزج الفلسفة عنده بالروح الإسلامية، ولقب بالشيخ الرئيس. وينحو في فلسفته نحو الفارابي. ويتفق معه في الإلهيات وتفاريع علم المنطق، وكان يرى – مثله – أن المادة لا تصدر عن الله ، لأنه منزه عن كل مادة وجسم. وكان يرى أن الله لا يصدر عنه إلا عقل واحد، وعن هذا العقل يصدر عقل يدير الفلك. وخطا بفلسفته الإسلامية خطوة نحو التصوف.
وأهم كتب ابن سينا الفلسفية كتاب"الشفاء"وهو دائرة معارف كبرى في المنطق والطبيعيات والميتافيزيقا أو الإلهيات، ويذكر ألدومييلي ترجمة له. وترجمت أقسام منه إلى اللاتينية في العصور الوسطى. وبالمثل عنوا بترجمة كتاب "النجاة" ودراسته،وهو تلخيص كامل لكتابه"الشفاء"، وأيضا بكتابه الإشارات والتنبيهات وترجم إلى الفرنسية سنة 1892م. ومما شغل به الغربيون من كتبه كتابه في الرمد باسم "علاج العين". ولم يكن ابن سينا فيلسوفًا إسلاميًّا فقط، بل كان أيضًا طبيبًا عظيمًا، ومعجمه فيه الذي سماه "القانون" شاعت طبعاته في المدن الغربية شيوعًا كبيرًا حتى ليقال إنه طبع بالغرب في القرن الخامس عشر ست عشرة طبعة، وطبع في القرن السادس عشر عشرين طبعة. وأول مترجميه دي كريمونا في القرن الثاني عشر، وتشغل ترجمته ومؤلفاته وترجماتها عند ألدومييلي ثلاث عشرة صفحة.
ونضم إلى الفلاسفة الإسلاميين الثلاثة السابقين فيلسوف الأندلس في إسبانيا "ابن رشد" أهم فلاسفتها ، وقد وضع شروحًا مطولة ومتوسطة وموجزة لكثير من مؤلفات أرسطو. وكل شروحه ترجمت إلى اللاتينية، وترجم إليها أيضًا كتابه "تهافت التهافت" الذي يرد فيه على كتاب الغزالي "تهافت الفلاسفة" مدافعًا بحرارة عن الفلسفة وأرسطو، كما ترجم كتابه "فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال"، ويريد بالحكمة الفلسفة، ومن قوله فيه:"الحكمة أي الفلسفة صاحبة الشريعة وأختها الرضيعة، وهما مصطحبتان بالطبع ومتحابتان بالجوهر والغريزة. والفلسفة تخاطب الخاصة والدين يخاطب العامة". وحاول أن يوفق بين أرسطـو وعلمـاء الإسلام بالقول بقدم العالم وحدوثه، فقال إن قدمه بالقوة وحدوثه بالفعل وهو قديم محدث معًا. ومنذ نقل دي كريمونا الإيطالى وميشيل سكوت الإنجليزي ( 1235 م ) وهرمان الألماني ( 1272م ) أعماله أخذت تدرس في الجامعات الأوربية بإسبانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإنجلترا وانتشرت أفكاره الرشدية على الرغم من مقاومة رهبان الدومينيكان. ولفلسفته وتعاليمه أنصار كثيرون وكان لأفكاره أثر كبير في قيام حركة التحرير والإصلاح الديني في النهضة الأوربية، وهو يعد بحق خاتمة الفلاسفة الإسلاميين العظام.

وقد جعل ألفونس السابع ( 1126 – 1157م ) طليطلة في إسبانيا المركز الذي تنتشر منه الثقافة العربية في أنحاء إسبانيا وأوربا، وقد دعا إلى مدينته المترجمين من أنحاء الغرب، وأدخل الثقافة العربية في مناهج المدارس المسيحية يساعده في ذلك أسقف طليطلة رايموندو، الذي حفز مدرسة المترجمين الطليطليين على نقل المؤلفات العربية في الفلك والرياضيات والطب والكيمياء والطبيعة وما وراء الطبيعة وفلسفة أرسطو وشروح الكندي والفارابي وابن سينا وابن رشد. وترجمت مؤلفات إقليدس وبطليموس وأبقراط وجالينوس بشروح أعلام العرب وبلغت طليطلة الذروة في عهد ألفونس الحكيم ( 1252 – 1284 ) وهرع إليها المتعطشون إلى مناهل العلم اليوناني والعربي من أمثال سكوت الإنجليزي الذي ترجم بعض كتب أرسطو وابن سينا والبطروجى وكتب ابن رشد وشروحه على أرسطو إلى اللاتينية، ومثله هرمان الألماني في كثرة الترجمة لكتب الثقافة العربية إلى اللاتينية، وقد نقل إليها كتب ابن رشد والفارابي.
وبجانب طليطلة ومدرستها الكبيرة في ترجمة الثقافة العربية مدرسة سالرنو في جنوب إيطاليا،وقد نشأت في القرن العاشر الميلادي، وأتيح لها في القرن الحادي عشر الميلادي قسطنطين الإفريقي من قرطاجة التونسية، وكان قد ثقف العربية وعلوم الأوائل، وعرض على روجار الأول ملك صقلية ترجمة الكتب العربيـة فشجعه، فرجع إلى تونس واختار له أنفس ما كتبه أطباؤها، كما اختار له روائع ما كتب العرب في الفلك والرياضيات، وكان قد أصبح أسقفًا، فأسس له ديرًا في جبل كاسينو بالقرب من سالرنو، فأغرى رهبان الدير بتعلم العربية وترجمة ما حمله من الكتب العربية، واشترك معهم في الترجمة، ودُرس ما ترجموه في مدرسة سالرنو ومنها نقل إلى الجامعات الأوربية، وبذلك أصبحت مدرسة الترجمة في سالرنو مركزًا كبيرًا لنقل الثقافة العربية إلى الغرب منذ القرن الحادي عشر الميلادي.
ونقل الغرب عن العرب علوم اليونان والأمم القديمة وما أضاف العرب إليها من نظريات علمية قيمة، وأبدأ بالرياضيات وبعلم الفلك من علومها، فقد صاغ لهم الفزاري في القرن الثاني الهجري ما للهند فيه ولم يلبثوا أن نقلوا إلى لغتهم ما ذكره بطليموس الإسكندري من نظريات الفلك وتنشأ عندهم مراصده منذ عهد المأمون وزيجاته وآلاته. ومن كبار علماء الفلك في منتصف القرن الثالث الهجري ابن كثير الفرغاني. ويقول ألدومييلي إن لكتابه أصول الفلك ترجمات كثيرة إلى اللاتينية وأثر تأثيرًا محسوسًا في الغرب وله كتب متعددة في الأسطرلاب، ومن الفلكيين بعده أبو معشر البلخي المتوفى سنة 272 للهجرة وله تأثير واسـع عند مسيحيي الغرب في العصور الوسطى. ومن كبار الفلكيين في المشرق بعده البتاني في أوائل القرن الرابع الهجري، وكان له مرصد على نهر الفرات وترجم زيجه إلى اللاتينية وضمنه أرصاد النيرين وإصلاحه لحركاتهما في كتاب بطليموس، ولنالينو كتاب عنه.
وينشط علم الفلك وكل ما يتصل بالرياضيات في جميع البلاد العربية. وخير من يصور ذلك في مصر أبو كامل شجاع بن أسلم في أواخر القرن الثالث الهجري ويشتهر بتنقيحه لعلم الجبر، ويذكر ألدومييلي أن له رسالة في المضلع ذي الزوايا الخمس ترجمت إلى الإيطالية والألمانية، مما يدل على أنه كان حاذقًا في الرياضيات والهندسة. ومن كبار علماء الفلك المصريين ابن يونس، ويقول ألدومييلي : كان راصدًا للفلك عالمًا رفيع المنزلة للظواهر السماوية، وبدأ يعمل زيجًا في عهد الخليفة العزيز الفاطمي وأتمه في عهد الخليفة الحاكم، وكان كبيرًا ويشغل أربعة مجلدات ضخام ، ويدل على زيادة النشاط الرياضي بمصر والدراسات الفلكية والهندسية والفلسفية حينئذ أن عالما رأى خزانة القصر الفاطمي سنة 435هـ وكان بها في تلك الدراسات ستة آلاف وخمسمئة جزء وكرة نحاس من عمل بطليموس الإسكندري. واشتهر في عهد الأيوبيين قيصر بن أبى القاسم المتوفى سنة 649 للهجرة وكان مهندسًا كبيرًا. وأقام لأمير حماة في الشام نواعير نهر العاصي، وتنحدر إليها المياه من علو شاهق إلى اليوم، وأنشأ كرة سماوية عظيمة وهي محفوظة إلى الآن في المتحف الوطني لمدينة نابولي بإيطاليا.
ويؤلف البيروني سنة 421هـ كتابه القانون المسعودي في الفلك والتنجم، ويقال إنه يتفوق على كل كتاب فيهما. وترجم إلى اللاتينية.
ويزدهر علم الفلك في الأندلس منذ مسلمة المجريطى في أواخر القرن الرابع الهجري ، ويفتتح سلسلة الرياضيين العظام هناك وترجم إلى اللاتينية شرحه لقبة الفلك لبطليموس ورسالة له عن الأسطرلاب. ومن كبار علماء الفلك هناك الزرقالي المتوفى سنة 472هـ ، وله زيجات أو جداول فلكية، واخترع للأسطرلاب أجهزة دقيقة وابتكر في الفلك نظرية جديدة عن الكواكب السيارة والحركات الدائرية للنجوم ، وأعماله مترجمة إلى اللاتينية.
ويشتهر بعده جابر بن أفلح الإشبيلي بكتابه في علم النجوم الذى سماه "إصلاح المجسطي" وترجمه دي كريمونا إلى اللاتينية. ويتألق اسم البطروجي في النصف الأول من القرن الثاني عشر الميلادي بكتابه في علم الهيئة الذي قوَّض فيه نظرية بطليموس في كتابه عن الكواكب السيارة ذاهبًا إلى أنها تتحرك في مدارات إهليليجية أو بيضاوية حول الشمس، وكانت نظرية بطليموس قد ظلت تنتقل قرونًا بعد قرون وجيلاً بعد جيل إلى أن هدمها البطروجي. وترجم ميشيل سكوت كتابه إلى اللاتينيـة سنة 614 هـ / 1217 م وبذلك أدخل نظـرية البطروجي الفلكية مبكرًا إلى العالم الغربي ، وبدون شك اطلع عليها كبلر الألمانى ( 1571 – 1630 م ) وصاغ على أساسها نظريته الفلكية المشهورة في مدارات الكواكب السيارة وعُدَّ بها أبًا لعلم الفلك الحديث ، وهو ليس أباه الشرعي ، فأبوه الشرعي البطروجي الإشبيلي العربي.
ويلقانا في الهندسة الفضل بن حاتم وله شرح على كتاب الأصول في الهندسة ترجمه إلى اللاتينية دي كريمونا وله شـــرح على كتاب بطليموس في الفلك.
وكما عُني الغربيون بمباحث الهندسة العربية عنوا بعلم العدد وحساب المثلثات. ومن العلوم اليونانية التي نهض بها العرب نهضة كبيرة الطب، وقد نقل العرب عن اليونان لبقراط وجالينوس كل ما ألفاه فيه من كتب ورسائل ، وازدهرت دراسة هذا العلم عند العرب ازدهارًا عظيمًا، ومن أكبر أطبائهـم محـمد ابـن زكريـا الـرازي المتـوفى سنـة 320 للهجـرة رئيـس بيمارستان بغداد وأهم كتبه في الطب كتاب "الحاوي" وهو موسوعة طبية ضخمة، وتُرجم إلى اللاتينية، واستخرج منه مايرهوف 33 ملاحظة إكلينيكية مهمة وفيه وصف لكثير من الأمراض، ومن أشهر مؤلفاته رسالة في الفروق بين الجدري والحصبة، وهي بحث طبي عالمي وترجمت إلى اللاتينية واليونانية واللغات الحية. ويلي كتابه "الحاوي" في الشهرة كتاب المنصوري الذي ترجم مرارًا في العصور الوسطى وعصر النهضة، وطبع الجزء الأول منه الخاص بالتشريح طبعة فرنسية، وترجم بروند القسم الخاص بالرمد.
وكانت مصر تعنى بالطب منذ عصر الفراعنة،وعنيت به في مدرسة الإسكندرية لعهد البطالسة، وظلت عنايتها متصلة بعد احتراق مكتبة الإسكندرية، أجيالاً بعد أجيال، ونرى عمر بن عبد العزيز حين صار خليفة يستدعي منها طبيبه ابن أبجر، ويَلْزمه، كما نرى هارون الرشيد يستدعي منها طبيبًا مشهورًا لعلاج إحدى جواريه هو بليطيان وكان بطريركًا لها في القرن الثامن الميلادي، وكانت كثرة أمراض العيون في مصر سببًا في نبوغ أطبائها في الرمد ولخلف الطولوني في القرن الثالث كتاب "النهاية والكفاية في تركيب العينين وأدويتهما"، وتألق اسم عمار بن علي طبيب العيون في عهد الخليفة الفاطمي الحاكم ، واشتهر بنجاحه في إجراء عملية ماء العين (الكاتاراكت) وابتكر لها الإبرة المجوفة التى تمتص ماء العين كما يقول ألدومييلي، وله المنتخب في علاج أمراض العين. ومن الأطباء الكبار في مصر علاء الدين أبو الحزم بن نفيس القرشي المصري في العصر المملوكي طبيب الظاهر بيبرس المتوفى سنة 687 وكان رئيسًا لأطباء مستشفى قلاوون واكتشف لأول مرة الدورة الدموية الثانية مسجلاً بذلك كشفًا طبيًّا مهمًّا. ويقول ألدومييلي: "إن سرفيتو نقله عنه في القرن السادس عشر كلمة كلمة. ومما يدل على شهرة مصر في الطب أن نجد السلطان العثماني يرسل في سنة 795 إلى السلطان برقوق المملوكي رسالة يسأله فيها أن يرسل إليه بطبيب مختص بأمراض المفاصل وأرسل إليه رئيس الأطباء ابنًا صغيرًا ومعه أدوية كثيرة لعلاجه.
ويزدهر علم الطب في الأندلس منذ عهد عبد الرحمن الناصر في النصف الأول من القرن الرابع الهجري ، ولا يلبث هذا الازدهار أن يتوَّج بالزهراوي أبي القاسم خلف بن عباس طبيب ابنه المستنصر المتوفى سنة 404 للهجرة وهو أعظم الأطباء الجراحين من العرب ، وله موسوعة طبية في ثلاثين جزءًا سماها "التصريف لمن عجز عن التأليف" وجعلها ثلاثة أقسام : قسمًا في الطب العام والأمراض ، وقسمًا في الصيدلة، وقسمًا في الجراحة أرفق به صورًا كثيرة لآلاتها. وتُرجم جميعه وأجزاء منه إلى الغرب مرارًا، وانتشرت ترجماته في البلدان الأوربية، ويقول ألدومييلي إنه نال أسمى درجات التقدير في أنحاء أوربا، وظل يدرس في جامعاتها من القرن الحادي عشر الميلادي إلى القرن السابع عشر كما ظل الأطباء في الغرب يعدونه إمامهم في جراحة العظام وحصاة المثانة وتفتيتها وعمليات الفتق والدوالي وبذلك يعد أبًا للجراحة العالمية كما عد البطروجي أبًا لعلم الفلك وابن رشد أبًا لحركة التنوير الفكري في الغرب.
ومنـذ القـرن الخـامس الهجـري تشتهـر أسـرة بني زهر بأطبائها ، مثل عبد الملك الذي طبع كتابه "التيسير" في الغرب مرارًا. ويقول ألدومييلي: "يعد عبد الملك أعظم طبيب إكلينيكي عند العرب". ولابن رشد في الطب كتابه "الكليات" وفيه يعرض التشريح ووظائف الأمراض وأعراضها والأدوية وعلاجها ، وطبعاته تكررت في الغرب.
وكما ازدهر الطب عند العرب ازدهرت الصيدلة منذ ترجمة كتاب ديسقوريدس في الحشائش والأدوية، ويشتهر كتاب فيها لسابور بن سهل في النصف الأول من القرن الثالث الهجري،وتكثر الصيادلة شرقًا وغربًا، وتشغل الصيدلة القسم الثاني من كتاب الزهراوي السالف،ويشتهر فيها بالقرن السادس الهجري كتاب الغافقي الأندلسي عن الأدوية المفردة في العقاقير وقد ترجم إلى اللاتينية. وأهم صيادلة العرب على مر العصور ابن البيطار الأندلسي الذى جعله السلطان الكامل الأيوبي رئيسًا للصيادلة بمصر، وأهم كتبه "الجامع لمفردات الأدوية والأغذية" وبه(330) دواء عن اليونان والعرب وزاد عليها 300 دواء، وترجم إلى الفرنسية والألمانية.
وترجم مبكرًا إلى العربية كتاب الأصول لإقليدس في الأشكال الهندسية ودفع إلى نشاط كبير في علم الهندسة. وللكندي فيه كتاب ترجمه دي كريمونا إلى اللاتينية، وله ترجمة فرنسية، ويقول ألدومييلي: "إنه أثر تأثيرًا ملحوظًا في: بيكون ووايتلو". ومن كبار الرياضيين وأهمهم أبو الوفا البوزجانى المتوفى سنة388هـ، ويقول ابن خَلِّكان: "هو أحد الأئمة المشهورين في علم الهندسة، وله فيه استخراجات عربية لم يسبق بها" ويقول فيه ألدومييلي : "شارح إقليدس وبطليموس عالم أصيل رفيع المنزلة ويقترن اسمه بتنمية حساب المثلثات والمسائل الهندسية". وأعظم المهندسين الرياضيين عند العرب الحسن بن الهيثم البصري نزيل القاهرة والمتوفى بها سنة 430هـ وقد ظل بها ثلاثين سنة ، وفيها ألف كتابه "المناظير في علم الضوء والعدسات" وفيه يذهب إلى أن الضوء ينشأ من المرئيات لا من العين ، كما كان يظن سابقوه ، ويدرس ظاهرة الانكسار الجوي والرؤية المزدوجة بالعينين ، وهو أول من استعمل الغرفة المظلمة. وتحدث ألدومييلي عن ترجماته وعمَّن تُعَدّ مؤلفاتهم مقتبسة من كتابه البصريات أو مأخوذة منه.
وفى القرن الحادي عشر الميلادي استدعى الملك روجار الثاني ملك صقلية من غرناطة إلى بالرمو عاصمته الشريفَ الإدريسيَّ ليؤلف له كتابًا جغرافيًّا، ويقول ألدومييلي إنه من علماء العرب الذين اشتركوا في نقل كنوز العلم العربية إلى الغرب واستجاب لروجار، وظل عنده، وألف له كتابه الباهر: "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق"، وألحق به كرة فضية تزن ثمانمئة أوقية رسم عليها خريطة الأرض وأقاليم شعوبها المعروفة، مثبتًا عليها خطوط الطول والعرض لأول مرة في الخرائط العربية ويقوم الكتاب من الخريطة مقام الشرح والتكملة، وهما بحق كما يقول ألدومييلي عملان علميان باهران نقلا إلى الغرب كما نقلت الأعمال الباهرة السابقة لأعلام العرب في العصور الوسطى، وانتفعوا بها انتفاعًا عظيمًا.
ولعلي في هذه الكلمة الموجزة أكون قد أوضحت تأثير الثقافة العربية في الثقافة الغربية الحديثة، وما أتمت للعلم العالمي من اكتمال دوره الثاني إذ رعته ونمته صورًا متنوعة من النمو وطورته أطوارًا شتى، انطلق الغرب بها ينشئ للعلم العالمي دوره الثالث للنهوض بالثقافة الغربية الحديثة.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تأثير الثقافة العربية في الثقافة الغربية الحديثة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
خربشات الثقافية :: خربشــــــــــــــــــــــــــات أدبية :: بقعة ضوء-
انتقل الى: