أطربتني طقطقة أصابع ساقيّ فكرّرت التوقيع المتاخم لتشتت أفكاري . أثّثت للصّمت داخلي شقّة فرشت تكتّما ملغزا . بسطت أرضيّتها ذكرى ملوّنة ،فتّحت نوافذها لتهويتها فلم أبصر غير كتيلات غبار تلفح خياشيمي .تزكمني رائحة الماضي الذي تاهت ومضاته في الأين ...ارتددت إلى الوراء وكأنّني صعقت لهذا الجوّ المضيّق الخناق حولي .تملّصت من قرع التّسآل.
انتشلتني دقّات خفيفة على سطح قلبي المجمّد عند الدّرجة الأمس الباردة .تتبّعت خفق قلبي ،تفرّست في الفراغ المربك الرّؤيا أمامي ،دمعت عيناي ،تراءى لي شبح يجلس على إحدى قطع الأثاث المرتدية لحلّة من غبار الذّكرى المتكوّرة كقطع الثلج القديمة .أنست لتقوقعه حول هامته المتثنية وكأنّه يغلق جسده على كنز خطير الظّهور...
نشب نظراته فيّ ،تلمّضت سحنته ارتشافي. وانساق يقصّ عليّ غربته المتغلغلة في صمت قلبه. غاضّا اهتمامه عن وجودي وحالتي المعدمة
تلك. ثم نطق :" كانت جميلة مثل ما رسمتها تماما ،تعشق الليل ،تعيش الّنهار بعينين حالمتين ،وتوقد الأمل في هذا الوجود الملغز ...نشأت بيننا حياة بسيطة .تطفّلت من خلالها على حياتها المغمضة الأبواب دوني قبل أن أخترق عالمها .ولجت تفكيرها .وزيّنت لها أسباب المستقبل .ألهيتها عن آلامها ...عن يتمها ...عن وحدتها ...عن شحّ الدّنيا في وجهها ...ركضت نحوي.عشّش حبّها بين ضلوعي .سددت كلّ الأفواه الفاغرة خلفها ...إخوتها اليتامى ...جارها الهرم الميسور الجيب،والذي يتتبّع تكوّر ردفيها واحمرار وجنتيها عند الخروج وآن الرجوع ...
لفظت الحيرة بين أحضاني ,واعتراها شغفي الجنونيّ بها .لكنّها تناولته بالتّقسيط المريح والمريح للغاية .بينما ظلّ قلبي غير مرتاح، لكنه لم يبخلها بركاته ،بل أشبع عطشها لحبّه وحنانه لتنهض ذاتا ، وفي حين تتبخّر من أمامي كالغيمة الذائبة في الفضاء..."
سكت الرجل وذاب ،بينما بقيت أتأمّل الفراغ و كلّ ما يكدّر صفو الوحدة والتّفكير .لم يعقّب ذهني على قصّة الشّبح .ذلك أنّ ذاتي مجهّزة بأعباء الوقت المشتّت بين الانتظار والانكسار...
زفرت من أعماق التسآل
فتطاير الغبار إلى عنان الأوجاع ...
- المرفقات
- 41491_100001500189321_5950_n.jpg
- لا تتوفر على صلاحيات كافية لتحميل هذه المرفقات.
- (15 Ko) عدد مرات التنزيل 5