ذاكرة الوطن..!

ذاكرة الوطن..!



البقعة الساخنة
الثلاثاء 16/4/2007
علي قاسم

لم تكن حصيلة النضال الوطني ضد الاستعمار الفرنسي, تحقيق الجلاء فحسب, بل أيضاً أسست لوقائع مابعد الجلاء,

حين خطت العناوين العريضة لسورية باستقلالها ودورها, وهي التي لم تهدأ يوماً, ولم يمر يوم دون أن تقدم فيه من أجل انتزاع هذا الاستقلال.‏

والاستقلال حين يتحقق بدم الشهداء الذين رووا أرض الوطن, يكون صعباً ومستحيلاً التنازل عن ثوابته الأساسية, والأصعب, بل الأكثر استحالة أن يقبل منقوصاً, أو مجتزأ أو غير كامل في معادلة أتقنت صنعها سورية, اتقانها للكفاح الوطني المتواصل, وأضحت عبر السنوات المعيار والمقياس في التعاطي مع الأحداث والتطورات.‏

بهذا المفهوم يكون استقلال سورية وبتلك الحصيلة, قد أطلق مفهوماً لم يعتده الآخرون, ولم يدركه الكثيرون بالمساحات الكبرى التي يعكسها في مفهوم الدور الذي تضطلع به سورية والذي حتم على مدى عقود ستة ونيف أداءً سورياً, ازدادت ملامحه, وفي العقود الأخيرة ومنذ الحركة التصحيحية كان متوهجاً, وحول سورية إلى دولة قادرة على التأثير بفاعلية في مجمل الأحداث.‏

ولعل الفاقد السياسي لدى أولئك العاجزين عن ادراك هذا البعد في المكون الطبيعي لسورية,قد فوت عليهم فهم عوامل قوة سورية, وفي السياق ذاته تندرج تساؤلات العديد من مراكز البحوث عن مغزى وملامح القدرة السورية على الممانعة إلى حدود تعجز عنها دول كبرى, وبالتالي تضطر الكثيرمن القوى على تغيير المعادلات القائمة وفق نسق جديد من الحسابات التي يفرضها ذلك الدور.‏

من هنا وبعد واحدوستين عاماً, يكتسي الاحتفال بالاستقلال أبعاداً اضافية في هذه المرحلة التي لايغيب فيها عن ذهن أحد المخاطر المحدقة, ولاحجم الاستهداف الذي تتعرض له سورية, بأشكال وسائل تتعدد بتعدد المحاولات, وتزداد بتزايد الصمود الذي تبديه سورية, وهذا بحد ذاته يضفي أهمية خاصة لايمكن تجاهلها أو تناسيها.‏

ومن هنا يبدو الجلاء بمعناه الوطني, وبطيفه الحامل لكل اتجاهات الوطن.. ذلك السياج الآخر الذي يزنر الأرض ويصون الوطن, ويستعيد التفاصيل التي طالما كانت موضع حرص وطني لما تحمله في طياتها من دلالات ومعانٍ, تشكل الذاكرة الكبرى للوطن.‏

وفي عيد الجلاء مرة أخرى يقف المشهد بكل جلالته وعمقه,ليزرع غرسة أخرى نحو تحقيق الجلاء الأكبر في استعادة ماتبقى من أرض محتلة, ولتبقى سورية شامخة تحاكي بكل ما تختزنه من تاريخ وحضارة.. المستقبل القادم بكل اشراقاته.‏