أعزاء علينا أذلاء.. هناك

زائر

لا يوجد نفاق مثل أن يقول الإنسان ما لا يفعل، خاصة إذا كان هذا الإنسان برتبة رئيس أو وزير، فقد أبان انقلاب الشعب على الرئيسين التونسي والمصري أن الشعب ليس وحده من لا يثق في الحاكم، بل إن الحاكم أيضا لم يثق في حياته أبدا في الشعب....

فهو يعيش ببدنه فقط في بلده، بينما روحه وماله في بلدان أخرى يزعم ويتباكى بأنها تأوي أعداء البلاد وورّدت له السموم ويمنحها عن طيب خاطر ثروات البلاد نقدا حتى يقيها تعب الهضم، ولا نظن أنه توجد خيانة عظمى مثل أن يهرّب الرئيس وحاشيته أموالهم وأموال الشعب إلى بنوك الغرب، ويمتلكون هناك المصانع والقصور وحتى الجواري، فهم يتقمصون الأدوار الوطنية على مدار حُكمهم، ويشحتون الإستثمار الأجنبي ويلقّبون مهربي أجسادهم وعقولهم نحو المهجر بالخونة، بينما يهرّبون هم أرواحهم وأموالهم إلى الخارج، ولكل منهم حساب بالملايير في البنوك السويسرية والإنجليزية......

وبقدر ما نفتخر كعرب ومسلمين أمام العالم بالشباب المصري والتونسي الذي أحب بلده فأوصله إلى الخير بطرق سلمية راقية، بقدر ما نخجل والعالم يُحصي معنا أرقاما مليارية لرؤساء ورجال مال وأعمال كنا نمنحهم الولاء والعصمة، وكانوا مقتنعين بأنهم سيموتون على كراسي الزعامة أعزاء على بلدانهم أذلاء هناك، وهم يملأون البنوك العالمية بملياراتهم التي أنقذت الكثير من المصارف من الإفلاس أمام طوفان الأزمة الاقتصادية العالمية.....

كلهم يعلمون الآن أن الغرب يغلق أبوابه في وجوههم عندما تنتهي صلاحياتهم، وكلهم يعلمون أن البنوك التي تقدم لهم الفوائد وتوفر لهم السرية في كنز القناطير المقنطرة من الذهب والفضة هي التي تكشف خياناتهم لبلدانهم، وليت الأمر توقف على عتبة الزعماء، فقد كشفت ثورتا تونس ومصر أن لكل بلد عصابة أشبه في حجمها البشري بدولة داخل دولة، حتى أن إسم طرابلسي تداوله الإعلام أكثر من بن علي، وأحمد عز أكثر من حسني مبارك، مما يعني أن الفساد لم يتوقف كما في زمن شاه إيران أو الإمبراطور بوكاسا أو فرعون الزمن القديم عندما كانوا يدّعون الألوهية بمفردة "الأنا" قبل أن تتحول إلى ضمير "نحن" تقولها عصابة بحجم شعب.....

لماذا ينتقد الزعيم هجرة الأدمغة التي صرفت الدولة "ممو" العين لأجل تكوينه وهو الذي لم يوفّر له ظروف الإبداع حتى لا نقول ظروف العيش؟ لماذا يدشن المصحات ويضع حجر أساس المستشفيات ويسافر هو للتداوي في الخارج بمجرد أن يشعر بدُوار أن نخر في أسنانه؟ ولماذا ينصح بالإدخار في البنوك المحلية والاستثمار في ما يسمى مجازا بلاده، ويدخّر هو ما يسمى مجازا أمواله في دول أجنبية؟

نصيحة رائعة قدمتها دويلة اللوكسومبورغ التي تقل مساحة وسكانا عن أصغر ولاية جزائرية للإتحاد الأوروبي عندما طلبت منه تجميد أرصدة الرئيس المصري المخلوع.. والنصيحة الأروع لو طالبت الشعوب العربية جمعاء من الإتحاد الأوروبي تجميد أرصدة كل الرؤساء والملوك والأمراء والوزراء، والذين لا أحد يعرفهم، وتعدادهم للأسف بتعداد أمة.......عن الشروق