الإهداء إلى الحائط الوردي, إلى الوعي المنسي في دار المسنين...... الأديب سهيل الخالدي.......
لم يعد لديك مزاج للمزاح ولا مزاج للبكاء جردتنا من فروق اللغة والجنس والعصر لتلخص الوجود بالحوادث المارة بنا. سأرسم لك بيتا من أهدابي وهى تطفح بالدموع سأعتزل الغناء وأنا ألحن آخر قصائد الوجع لطيور البجع. تتعانق المدن على جبينك, تحتفل الكلمات الضالة في صدرك المهزوز وأنت تخفى ما فعله بك السعال والهزال. عندما ينزل إليك السقف في خجل وأنت في حالة تصالح مع الأمكنة والسماوات تقذفني السنوات التي لا تعود إلى شواطئ المنفى اغتسل بالملح وأنا أحلى العمر المارد بالهجاء. هل مازلت بحاجة؟ إلى فصادة معنوية لنحي معا سهرات مع الموتى وكأن جبران يقول لك مرة أخرى في فمي حجر صلد.
الكلمة موجودة في قلبي مجنحة وحية ولبد من قولها لتزيل بوقعها ما أوجدته ثرثرتي من ذنوب.
تلتقي الألفاظ المقطعة في الضباب تشق طريقك إليها في صمت وعناد تجمعها لتتجمع قوى إكتئابك عميقة ومرهفة وأنت وحيد في هده الدنيا التي لا وطن لها. عند الشفق تلتقي الأرواح وتتجمهر كأنها تتداول في إنشاء عوالم جديدة وأنت كما أنت تنتظر الوجوه الأليفة وتفتح نوافذ البصيرة ثم تتقمص صور المتصافين.
ما أضيق غرفتك بل ما أضيق الحياة عندما لا تتحملك. لم تهزمك الجدران الثقيلة ولا لحظات التعارف والنسيان كيف لك أن تملك نفاق البشر وأنت لا تمتلك عفشا وعرشا مازال لديك عشا وقلما لا يغش .أدخلني من بوابتك الخلفية أجلسني وراء الوجوه المجعدة علني أقول لك الذي لا يهمك .وجدت خريطة الكنز فلنسرق مراكب الوقت المصلوب ولنبحث عن مدينتك الفجائية لنأكل معا الكبة والفلافل ثم نهجرها وأنت تعيد صياغة الكون واللون.. أيها السهيل من أقعدك بعيدا عن أعراس الشمس وكلل تنهيداتك بالغدر تبا لهؤلاء الذين لا يرون الريش يتساقط من جناحيك ولا يلمحون قلبك الذي أغلقته على الفراغ والوحشة. أحاول دون إذن منك أن اعتصر ثمار عمرك كدت أ نهار وأنهدر فاستنار ذهني لأعود بدوني لأقص عليك حكا يا أقوام البرزخ وأنا اصف لك أفراحهم المجردة من الجسديات والمدسوسات وعن حياتهم التي لم يعد تمزقها المقاومة والنزاع.
كيف أفسر لك غاية الألم؟ كيف أحنطك بالسخافات؟ وأنا لا أعرف ما هو لون دفتر مدخراتك. أتركني أكرس لك بعض الدقائق السخية لنتصوف معا ونعترف بخطايا الزمن دون أن يسمعنا أحد حتى لا نسجل في الأوراق الرسمية بأننا نشوش على الوقت الذي هو ضدي وضدك. قد نموت ولا أحد يعرف بأننا متنا فالأحياء أيها السهيل لا يعنيهم فنائنا في شيء فالشهيق والزفير والتأوه المزمن لن يحركهم من
عليائهم فلنقتسم رغيف اللحيظات الرخيصة عندهم دون أن نفترق ودون أن نردم الأسماء المقلوبة والمقهورة معا سنفرغ الأجساد من محتواها ونحن نحمل بيوتنا على ظهورنا دون تعب لندون شواهد القبور المسلوبة على أوراقنا الممنوعة. يقلقني ألا أراه مرة أخرى تواعدنا ككل مرة على كسر العادة والزمن ..هل يمكنني أن أتخيلك وأنت ممدد تحت عجلة كبيرة لم ترحمك ككلهم أبا إلياس لماذا تختم
حكا يا الهامش بعيدا عن أعين المرفهين؟ عندما حاولت أن أجفف دموعي الفقيرة وأنا محاصرة بجدران دار المسنين بسيدي موسى أحسست بان العمر قد تقدم بي كثيرا ولمحتك كعصفور النافذة تقتلع قلبي لتمسح به زجاج المنسين .هكذا ارجع إليك مكفن بالعذابات وبجسمي المبنج لأبني لك بيتا من الورق المقوى وأوقع لك شيك مزورا لأقنعك بان لي رصيدا في بنوك خارج الجغرافيا والتاريخ. ما أحلكها من أيام تلك التي لم نتذوق فيها طعم الإنسان ولم نلتحف فيها الوجدان إننا هكذا نطرح من أعمارنا الشوق للجمال والنعيم في كنف الزهد والإبداع
كم عمرك هذه السنة كم شمعة أطفأت من اجلهم؟ علمتهم كيف يحبون ويتقدون بالصدق وعلموك كيف تموت دون أن تزعج أحد.
أريد أن اخزن لك ما طاب ولذ من الكلام أريد أن أحقنك بالفرح القاتم وأنا أحاور معك عصر الاسمنت الخالص. أيها السهيل في مساحات البياض يمكننا أن نفضفض على الطريقة الدمشقية
أو على الطريقة العاصمية ونحن نحترق قبل الأوان نتزين بالرماد ونفترس التوحش برقتنا القاتلة وعفتنا الزائدة. هل يعنى لك قصر علاء الدين شيئا؟ هل علينا أن نوهم أنفسنا في الليالي المريطة بان النجوم تتغزل بنا ونحن حفاة كالسلحفاة
تصغر أشيائنا وتتقلص بداخلنا فعالمنا يقزم أمثالنا ويفرض علينا الانتحار. مازال هناك وقت لنقوم ببعض الدروس الخصوصية وأجرنا على الله سندرب عيون الفارين منا كيف تلتهم كرامة المبدع وكيف تزوده بالذل وهو لا ينحني إلا عندما يكتب أناه على سطر الحزن الملون بالشقاء. هل تريد شقفة تمر واحدة تزودك بالكبرياء أم انك لا تشتاق إلى أكل ما هو حلو لأنك تعلم بان المر هو حكمة الوجود فقل لهم بان أهل الجبان لاتهمهم العراجين المعلقة فيي رقاب من ماتوا...
أيها السهيل سنفتح صناديق الصدقات الجارية ربما سيكون لنا نصيب فيها أو ربما سيقال بأننا لا نملك ما يسد الرمق وعلينا أن نحصل على القوت قبل أن نموت من الجوع اعرف بأنك لا تجوع ككل البشر واعرف بأنك تغامر بالأوقات الغريزية من اجل فكرة تخلدك كعقل تفتق على الرسالات السامية .لن نأكل شيئا و لن نمد أيدينا مازال عندنا الكثير من الورق والأمل هل علينا أن نقترف الجرم نفسه ليقال بأننا أبرياء من الكتابة ؟هل علينا أن نخاطر ونحن نتسلق نفس العذابات ليقال بأننا لاشيء لدي شعور بان الموت هي أحسن طريقة للنجاة وبان حياتنا هي أسوأ طريقة لكسب الوجع علينا أن نرتد قبل أن يحين الأجل. أيها السهيل لن تعود فصول القطاف ولن يعتذر منا أحد إننا ككل الذين مروا من هنا لم يتذكروهم إلا عندما أرادوا أن يذكروا الناس بأنفسهم وهم يتمسحون بالتوابيت وبالنعوش المعذبة تحت أقدامهم.
لا أحب أن أكون سخيفا أريد أن امتلأ برحلات الزهد والمسميات التي اختلف حولها القوالون والمذنبون فالجرأة عندنا أن نحترم حواسنا وأشلاء الآخرين .اننا نستطيع تحمل ضعفنا وعجزنا وأن نقول لسنا ملائكة و الخطيئة الأصل هي عندما تنعى الضمير وتجوعه وتنسى بان للكتابة قلوع لا يحتمي بها إلا متعفف ناطق بالفضيلة فاعذرينا أيتها المدن المائلة علينا أن نؤثث قلوبنا الواسعة بقيم الإنسان المنقرض ونحن نفتح مجالات للكآبة صد قينا أيتها التائهة في عالم القصارى.
أننا لن نموت من الجوع ولا من البكاء ولكننا قد نموت من الضحك أو القرف و آخرون يموتون من الترف. مازلت أحاول أن اخترقك وأنا افتح فوهة في العيون اللحوحة لا رسم لك وجها على مقاسك لن يكلفني الأمر كثيرا كي امحوا تلك التقاسيم الكئيبة وأمنحك أكاليل الغار لنشرح صدورا تشبه القفار.
أيها السهيل سأكرر معك نفس اللعبة التركيبية ربما سنشكل بيتا كبيرا وعائلة وأحلام جاهزة للموت. اللعب بالغد يورطنا يجعلنا أكثر حماقة علينا ألا نحترس وان نغامر بالشيء الوحيد الذي نمتلكه.. أعمارنا الزهيدة.
ما أروع أن نجن وان نبقى على سجيتنا نفتش عن متاهات جديدة في ذاكرتنا الحديدية.
مازلت أحلم من أجلك ومن أجلي وأنا أعجن الحروف وأخفيها في حلقي حتى تعتقد بأنني الموناليزا بشحمها ولحمها جاءت عبر آلة الزمن لتفشى لك أسرارا خطيرة تهدد وجودك في هذا القبو ا وتمنحك فرصة جيدة لتبتسم بالطريقة السحرية نفسها دون أن تكون الدونجوان .
أيها السهيل علينا ألا نفترق و أن نخرج من المغارة وننحت أشياء أريدها أن تكون لك وحدك لا أريدك أن تدخن أنفاسك تعالى إلى حيث تتجلى الأرواح المهاجرة إليك ستنتصر عندما يعود الوعي إلينا عبر جسورك فلا تدخن ما تبقى من العمر وتنفسني حتى لا تختنق.