الكتابة الابداعية

موضوع: الكتابة الابداعية 17/6/2011, 9:38 pm

الكتابة الابداعية

************

خالد الصلعي

الكتابة الابداعية ، هي فعل انكتاب . ان ما يؤسس للكتابة فعلها هو ابداعيتها ،هو فيضها الذي يفيض ذاتيا ،ربما لهذا اكتشفت منذ عشرين سنة ،عبارة "انتفض كي تفيض" ،وهي في الحقيقة ،عبارة أنظر اليها اليوم ،على ضوء تجربتي في الكتابة ،على أنها انخراط في كون الكتابة من باب آخر .لايهم البحث فيه الآن . لأنه ليس موضوعنا .

ان الكتابة الابداعية ،هي كتابة فكرة جديدة ،أو مقولة جديدة ورؤية جديدة .انها رؤيا تنبعث من حلم موغل في الخصوصية .انها جريان أو تدفق نهر جديد لم يكن .يقول جيل دولوز في معنى قريب مما نذهب اليه:" يتمتع مفهوم ما دائما بالحقيقة التي ترجع اليه تبعا لشروط ابداعه " .ان شروط ابداع اي جنس كتابي هي التي تحدد سقفه وأرضه ومجال امتداداته .فكلما كانت الكتابة ابداعية ،كلما خرقت تلك الشروط ،لتؤسس شروطا خاصة بها ،لأنها انبثاق ،من مجالات لامحدودة ،ولا متناهية .قد نطلق عليها او نحاصرها بمفاهيم هلامية ،أكثر تجذرا في اللاتحديد ؛ كالوحي او الالهمام .لنعود الى نفس مفهوم الخرق .فالذات المبدعة هنا تصبح ،رهينة جدلية الاختراق ،فهي اذ تخترق الموضوعات ،فان الموضوعات تخترقها أيضا ،ويبقى الاختلاف في كيفية الاختراق .لتنفتح العملية على اللامتوقع .بعكس الذوات الكاتبة الأخرى الخارجة عن حد الابداع ،التي تخرق مجالات امتياحها المعرفي ،أو تحديدا الكتابي كالنصوص والشخوص ؛والشروط الذاتية والموضوعية ،بطريقة آلية ،تشبه الى حد ما النسخ، والاجترار .

الكتابة الابداعية راهنية ومضية ،بطريقة جد مكثفة ،وحسب درجة تكثيفها تستمر في التفاعل ،لتمتد في الزمن بعد ان تكون كثافتها ،قد أمدتها بأسباب الامتداد ،والتمدد والتنوع والتعدد .هذه الخاصيات هي التي تضمن لها بعد الزمنية ،بعد أن كان مجرد راهن ،أو ومضة .فلا بد من بذرة أصيلة ،كي تتفرع نبتة جديدة لاتشبه النبتات الأخرى المتزامنة او الماضية او اللاحقة .هنا تثوي فرادة الابداع بكونه ،"لا على مثال "شيء خاص بذاته ،قد يظلل أكوانا اخرى ،وقد يحيل الى دلالات وعلاقات جديدة ،لكن أصالته تكمن في كونه "لا على مثال " .

الكتابة الابداعية كما يقول المتصوفة في فهمهم المحايث للقول الصوفي ،"حالة اشراقية " ،والاشراق هو حالة خاصة ، لا يتذوقها الا من عايشها ،وقد يستلذها ويستمتع بها من حاول مقاربتها والتقرب اليها ،فعنصر العشق هنا كامن في الحالتين ،والاختلاف قائم في الدرجة وفي النوع .من هنا يصبح الابداع قضية متعالية ،أو كي لا نسقط في فهم منطقي لمصطلح "قضية " ،مفهوما متعاليا ،يتعالى عن الزمكانية ،فهو لاحيز له ولا زمن له ،واذا كان الزمن محددافي مدياته الثلاثة ،زائد مدى البرهة ،باعتبارها لحظة تعاش عند الشاعر او المبدع بصيغتها العامة بحمولة جد مكثفة ؛فان الابداع غير محدد ؛بمعنى أنه يستعصي على تخصيص زمن معين أو مكان معين .وأولئك الذين يكتبون في لحظات بعينها وفي أمكنة بعينها ،انما لم تسعفهم مقاربتهم للموضوع في تحديد زمن الابداع الحقيقي ،فكثير من الكتابات والأعمال الابداعية تكون قد انكتبت في المبدع قبل رسمها على الورق حروفا .وبفعل العادة ينتظر اللحظة التي تأنس فيها نفسه رسم ابداعه على الورق .ليس أكثر .يقول البرتو مانغيل الكاتب الأرجنتيني عن خورخي بورخيص :"انه يكتب وحسب ،دون التفكير في جنس الكتابة " ويقول عنه أيضا :"يكتب وهو يقرأ ،ويقرأ وهو يكتب ،وربما هو القارئ الذي انتهى كاتبا ،والكاتب الذي انتهى قارئا ". ان هذا التداخل وهذا اللاتحديد بين فعل الكتابة والقراءة .هو ما يؤسس للابداع الحقيقي .فالكتابة بهذا المعنى تأخذ شكل الوجود ،والابداع هو تجسيد لهذا الشكل .قد يلمع في لحظة ما ،في مكان ما ،قد ينبثق في هذا النوع ،وقد يولد في نوع آخر .وكثير من الكتاب والمبدعين كتبوا ابداعاتهم وهم نيام ،وكنت قرأت قبل عشرين عاما عن هذه الحالة ،اذا لم تخني الذاكرة في كتاب لمصطفى سويف عن الأسس النفسية للابداع الشعري ،كما أوردها أيضاالدكتور عز الدين اسماعيل في احدى دراساته .فالنص موجود سلفا في ذات ما ،ولا ينتظر الا تمظهره في لحظة ما .

ان الكتابة عن الابداع لازالت موضوعا غلفا ،وأرضا بكرا ،ومساحات مجهولة .وكان على الكتاب ،وخاصة منهم المبدعين ،أن يمدونا بتجاربهم ومعايشتهم لحالات ابداعهم نوليس لتجربتهم الحياتية فقط .

موضوع: رد: الكتابة الابداعية 17/6/2011, 11:55 pm

الاستاذ العزيز خالد ....

نعم ...قد تكون حالة الإبداع غير مرهونة بالمكان أو الزمان ...وقد تخرج للعلن على شكل الحرف أو الخط أو اللون أو ...معلنة حالة تذكي الفكر وتشحذ الخيال ....
وبالمقابل لا ننسى ( في حالة الكتابة ) كما جاء على ذكرها " الجاحظ " : المعاني موجودة في طباع الناس ، يستوي فيها الجاهل والحاذق ، ولكن العمدة على جودة الألفاظ ، وحسن السبك وصحة التأليف " . لذلك لا بد للكاتب المبدع من إكساء المعاني الجليلة والجميلة بَرْدَة زاهية من اللفظ يجلو بها المعنى ويزهو ، وتحمل في طياتها حيوية ومشاعر ودلالات لا يمكن إغفال توظيفها في مخاطبة العقل والقلب ليحقق الكاتب التفاعل الحي والمتجاوب مع القارئ .

أشكرك كل الشكر على إضافتك الفكرية القيمة .

مع فائق التقدير والاحترام