تتمة..قراءة أولية في الشعر الثوري العربي-ج-1-
********************************
وما دام الأمر كذلك، فاننا عندما نجترح وصف شعر الثورة؛فاننا لا نروم كل الشعر الذي قيل الثورة ،أو بعدها، الذي لم يأت بعد . وانما ذاك الذي خرج من صيحتها ،أو كان بعض صيحتها ،أو تنبأ بها .؛وتشكل في خضمها،وانداح منه الى الآفاق .فالزخم الواقعي يفرض على الشاعر الاشتغال على الواقع ،ليس بنسخه،أو تذكره وتمثله .بل عبر تخييله انطلاقا من رؤيا تستطيع منحه جمالية وشعرية يرحب بها المتلقي . ان الشاعر العربي المعاصر عموما،والثوري خاصة؛ليس عبثيا ،وليس عدميا،وشعره ليس مجرد عملية اشباع ثقافي ومعرفي ،أو ترف سياسي كما يذهب الى ذلك محمد مفتاح .انه شاعر قضية آمن بها ؛وهي قضية ليست فردية ،أو قطرية ،بل تخص أمة بكاملها .ان الشعر المعاصر قلما تجده مسلوبا الى فردانية فجة ،بل ان زخم الواقع يجره بقوة الى التفاعل والمشاركة مع غيره ،دون أن يذيب ذاته في الآحرين .بل هو ينفتح فردا بضمير الجمع .
انه جزء لا يتجزأمن هذه الثورة المعلوماتية والتقنية،فهو اذ يتعاطف مع مأساة"التسونامي" ،لاينسى دعمه ومساندته للشعب العربي في اليمن وليبيا وسوريا ،وباقي الأقطار العربية ؛وذلك بتبني قضاياها باعتبارها قضية واحدة،وليست قضايا متفرقة ،كما يهدف الى ترسيخ ذلك السياسيون. مختزلا في نفس الآن مأساته الراسخة في وجدانه؛فلسطين؛ ثائرا على وضع عربي ،في مجمله مترهل ،أفسده القائمون عليه ،وضع ذيلي ، ذليل ،حسير . ان حمولة الشاعر المنصهر في الثورة العربية؛حمولة ثقيلة ،والمسؤولية الملقاة على عاتقه ضخمة.فهو يجر وراءه تاريخ طويل ،وتتملكه نوستالجيا كئيبة الى ماض تليد ،وعليه أن يحلم حلم أمة بكاملها ،ويتحدى عجرفة متوحشة لمختلف الايديولوجيات المهيمنة ،والحضارات الأخرى التي تحاصره من كل جانب . لكن ورغم كل هذه الحمولة الثقيلة وهذا التحدي الكبير ، استطاع أن يقبل بكل أريحية حمل هذا الثقل والوقوف في وجه هذا التحدي.فكما يقول نيتشه:"الانسان العظيم هو المفجوع بكثافة وقوة".
فنحن ازاء مفترق طرق خطير ،في لحظة انقشاع الغيوم،وانتساب المنتسب ،كل الى حقيقته ،الى اختياراته ،الى ما يطمئن اليه .وان كان الشاعر الحقيقي لا يطمئن الا الى الشعر،الى السؤال/القلق .وعندما يقتر هذا الوهج ،أظن من منظوري الشخصي المتواضع ،على الشاعر أن يستقيل من عالم الشعر ،ويتخذ له مسارا كتا بيا آخر.
أظنني الآن لست بحاجة الى طرح سؤال عن مميزات الشعر الثوري ،فالتسمية كفيلة بالرد على السؤال .غير ان هذا لا يعفينا من النبش والحفر في خصائصه الداخلية الشكلية وغيرها .وبما أننا بصدد دراسة أولية لهذا النوع من الشعر؛فسوف نؤجل قراءة خصائصه الجوانية في دراسة مستقبلية .وحسبنا الآن أن نتساءل ؛كيف قيل هذا الشعر ؟؟وكيف عبر عن نفسه ؛وهو سؤال مشروع يقع في صميم محاولة التقرب من فهم رسالته . وهنا لابد ان نقر مع أحمد المعداوي بأن "عظمة الشعر في كل زمان ومكان لاتتحقق بمجرد ثورة الشعراء على القوانين العروضية ،قديمة كانت أو حديثة ، وانما تتحقق تلك العظمة بما تزخر به ابداعاتهم من شعرية" . فهل استطاع شعر الثورة أن يصل الى مستوى الشعرية في تعبيره عن الثورة العربية البهية؟.
سؤال ستجيب عنه هذه القراءة التي تروم اكتناه العلاقة بين رؤية النقد،لرؤيا الشعر ،في أرقى تجليات الشعر،وليس لرؤية الشعر في اعتدال مناخات النظم ،أو لتنظيم لفظي في أدنى مستويات الشعر .فالذات الشاعرة في تركيبها النفسي ،تشبه ذات الانسان العادي ،الذي نراه متمردا ،ساخطا على أوضاعه ، أو باردا مستسلما لضغط الواقع وتكبيلاته . وهنا لابد من الاشارة الى أن الثورة ،كما هي مبثوثة في لاوعي الانسان المشروط بشروط المواضعات الاجتماعية ،فانها أيضا مبثوثة في لاوعي ووعي الشاعر ،الذي يخرق هذه الشروط؛برؤيته النبوئية ،او الشعورية ،فتنسلخ صفة الانسان الشاعر عن الانسان العادي .فالقدرة على التعبير عن حالة معينة ،أو عن وضع معين ،بلغة ذات كثافة جمالية ؛هي الميزة التي تميز الشاعر عن الانسان العادي ؛بل قل عن الكاتب السياسي وعن المفكر المثقف.
فهل توفق شاعر الثورة في تكثيف خطابه الشعري ،ومده بشحنات جمالية تستحق الالتفات الى نتاجه الشعري ،أظن أن أمة كان الشعر يعتبر ديوانها الأوحد ،لن تعدم شعراء ؛وان على قلتهم ،حاولوا التعبير عن الثورة العربية بلغة شعرية راقية .