عشق آخر

موضوع: عشق آخر 10/7/2011, 3:05 pm

عشق آخر

كم كانت جميلة تلك الصباحات التي تبدأ معه كان ينعكس جمالها على اليوم باكمله ,هي ايام قليلة ولكنها تشعر بانها اجمل ما مر بسنوات عمرها الواحدة والعشرين.
لم تعد تملك سوى ذكرى تلك الصباحات الجميلة وبعض الكلمات والحوارات المحفوظة الى الابد في ذاكرتها ,كانت تقتات على هذه الكلمات وكأنها وكلما قرأتها تمدها بطاقة لتكمل مشوار ابتدءاه معا وستكمله هي وحدها ,احيانا تتسائل لماذا يختارها القدر لتلعب هذا الدور المؤلم مع الحياة هل هي هبة من الحياة ام لعبة من الاعيبها.
هي صدفة جمعت بينهما هناك عند بائع الجرائد العجوز عند ناصية الشارع لم تكن تدري انها ستكون قصتها الوحيدة معه, وتكررت تلك الصدفة مرات عدة على فترات متقاربة ومتباعدة الا ان اصبحت صدفة مقصودة في ذلك المقهى البعيد عن الانظار على تلك الطاولة في زاوية يرى الجالس فيها ما يدور خارج المقهى .
كانت جلسات يدور فيها احاديث كثيرة ولكنها كانت تشعر في كثير من الاحيان ان هناك ما يخفيه وما لا يستطيع البوح به وهذا ما كان يزعجها احيانا فغموضه كان جميلا ولكنه مخيفا احيانا اخرى.
اصبح اللقاء معه بالنسبة لها سعادة لا توصف ولكنها كانت تستشعر بعدها بفاجعة الفقدان التي لا تعرف لها سببا .
الا ان جاء ذلك اليوم وبدأ فيه الحديث ليخبرها كم مرة نجا من بين براثن الموت المحدق به ليقع في براثن الحياة المؤلمة ليعيش اما مشردا في وطنه او مستقرا في بلد اخر ولكنه اختار الوطن لانه يعرف ما معنى العيش خارج الوطن وانه لا سعادة الا على تراب وطن يحتضنك صباحا ومساءا في كل يوم
اصبحت جلسات يدور فيها الحديث عن الموت كما عن الحب واحيانا كان يطبق الصمت فلا يبق لهما الا لغة العيون لقد اخبرها ان الموت يشبه الحب تماما فكلاهما يلاعبان لعبة المفاجئة والمصادفة فاصبحت بعد ذلك تشعر انها تفقد شيئا لم تملكه اصلا لتفقده وكلما افترقا وكأنها آخر مرة تراه فيها
في ذلك اليوم استيقظت صباحا واستعدت لذهاب الى ذلك المقهى كما اتفقا ,وصلت وجلست على طاولتهما لتنتظره كالعادة بشوق كبير وحب اكبر, كانت تقرأ الجريدة التي اشترتها من نفس البائع العجوز .
طال انتظارها ولم يأتي في ذلك اليوم مرت عدة ايام كانت تذهب في كل يوم الى هناك لتنتظره وفي كل مرة تحاول ان تقنع نفسها بحجة جديدة لعدم قدومه محاولة نسيان او تجاهل ذلك السبب الاكبر الذي يمنعه من القدوم اليها.
بعد ايام اقترب منها شخص وسألها ان كان يستطيع الجلوس لانه يحمل لها خبرا من شخص تنتظره جلس وناولها حقيبة صغيرة واخبرها انه هذه الحقيبة كانت بحوزته يوم استطاعت ايدي الغدر الوصول اليه لقد كان يشعر بما سيحصل لذلك اوصاني ان احمل لك هذه الحقيبة اذا لم يستطع هو ذلك. لم تكن تسمع ما يقوله ذلك الرجل لانها احست بان حواسها توقفت عند موته .
لا تدري من هو الذي اغتاله هل هم الاعداء ام الرفاق ام حبه لوطنه هو الذي اودى به في قبر يحتضنه تراب وطنه هناك ,من قال ان الاوطان لا تشعر بالغيرة فاحيانا يصبح للوطن احساسا يشعر بمن يحبه ومن يكرهه ,لقد احس الوطن ان هناك من دخل ذلك القلب ليشاركه حبا كان له, فاختاره الوطن له وحده لا يشاركه به احد.
فحب الوطن اخلاص ومبدأ وغاية ,تبصر به العيون وتنبض به القلوب مع قطرات الدم ليعبر الجسد عبر الشرايين والاوردة, وقد وصل هو الى غايته وهي الشهادة في سبيل الوطن.
فعندما يكون الوطن هو المعشوق لا يطيق القلب اي عشق يدخل اليه ,فعشق الوطن لا يساويه اي عشق اخر
ومنذ ذلك اليوم اصبحت تذهب كل يوم لتجلس هناك ومعها تلك الحقيبة التي وجدت فيها مجموعة من الاوراق وبعض الكتب ودفتر اليوميات الذي كان يكتب فيه مذكرات ايامه العصيبة, لقد تعلمت منه انه ليس ثمة موتى سوى اولئك الذين ندفنهم في مقبرة النسيان لا اولئك الذين نواريهم التراب وان غيابهم واختفاءهم من امام اعيننا لا يعني موتهم هم يعيشون فينا كما يعيش الوطن داخلنا ولكن لا احد يراهم سوى من يحبهم ولا ينساهم, هي كلمات حفظتها منه واصبحت تفهم معناها جيدا بعد ان عاشتها ,الان فقط فهمت تلك العبارة التي اقتبسها من تلك الرواية وكتبها بخط يده على تلك النسخة التي اهداها اياها "من الافضل ان تحبي رجلا في حياته امرأة على ان تحبي رجلا في حياته قضية فقد تنجحين بامتلاك الاول ولكن الثاني لن يكون لك لانه لا يمتلك نفسه"

موضوع: رد: عشق آخر 10/7/2011, 3:17 pm

المبدعة فداء ...

في البدء أرحب بك ...وأهلا في الشفافية بلا رتوش ...
نعم ...نص حمل الوصف بسهولة ، ويدفع بالقارئ على المتابعة وكأني به يحاكي النص الشعري لصدقه وسلاسته .

قصة جميلة ورائعة وشفافة .

مع فائق التقدير والاحترام

موضوع: رد: عشق آخر 10/7/2011, 3:25 pm

الاستاذ ماهر حمصي
يشرفني ان تضع بضع من كلماتك الرائعة على قصتي المتواضعة
ويشرفني ايضا ان اكون من اعضاء منتديات خربشات

دمت بكل خير

موضوع: رد: عشق آخر 10/7/2011, 3:29 pm

المبدعة العزيزة فداء ...
الشكر كل الشكر ...ويشرفنا ويسعدنا جدا أن تكوني فراشة في كوكبة الإبداع في ( خربشات ) ...
ولكم ياسمين الشام وعبقه .