رسم على وجهه إبتسامة صفراء, ومسح دمعة نافرة سالت على خده الذابل . ظل يحملق في وجوه الأشخاص الحاضرين , كانت الموسيقى تصدح هادرة , وصوت المغني الشعبي الناشز يحطم السكون ..وكانت الفتيات وكذا بعض النساء يرقصن بانتشاء ظاهر ..أحيانا يتسلل الى جانبهن بعض الشبان وحتى الرجال ليشاركوا في الرقص ..بدا له كل شيء أشبه بالحلم ..حاول استرجاع شذرات من الماضي الآفل ..قالت له زوجته وقد أحست بشروده :
-ألست سعيدا بحق السماء , ها قد عشت حتى زوجت آخر بناتك
رد عليها وهو يبتسم :
-بقدر ما أنا سعيد ، بقدر ما أنا حزين ؛ لأنها ستفارقنا كأختيها ونبقى وحيدين.
قاطعته ضاحكة:
-هذا شيء جميل ، سيصبح لنا بيت جديد ، نأوي إليه متى شئنا .
إنها تحاول التخفيف عنه بكلماتها هذه ..الأمر بالنسبة له يعلن عن اكتمال مهمته في الحياة ..لقد أدى واجبه ,وأصبح عليه الآن أن يقف مع صف المنتظرين..وتلك قصة أخرى.
سمع رجلا من الحاضرين يقول لزميله: هذا حال الدنيا .".شي طالع شي نازل.".أحس بأن قوله يعبر عن حاله ..
كانت النكافة *، قد بدأت تردد لازمتها المعتادة في كل الأعراس , انطلقت الزغاريد وصلى الجميع على النبي..قال لنفسه ..ليفعل الزمن ماشاء ..فالله موجود ..المهم أن تكون الصغيرة سعيدة ومرتاحة..الديون لا تهم والإقتطاعات المنتظرة من الراتب الهزيل محتملة..فقد أصبحت له حصانة ضد الفقر وضيق ذات اليد ..يساعده في ذلك تدبير زوجته و حسن تصريفها لأمور البيت..
هما يشتغلان معا ..ويكافحان معا ..الحياة بالنسبة لهما شغل ولا شيء غير ذلك..لحظات المتعة والحب و كل تلك الأشياء الجميلة التي يمكن أن يعيشها زوجان ظلت غائبة بالنسبة لهما.
لحظاتهما الحميمية كانت نسخا كربونية متشابهة ..أحاديثهما هي دوما عن المشاكل المادية, ومتاعبهما في العمل , ومصاريف البنات ولا شئ غيرذلك..الحياة بالنسبة لهما حساب وميزانية شهرية , وتخطيط يجب احترام بنوده .
ثاب إلى نفسه عندما عادت زوجته لتقطع عليه لحظات استرجاعه لفصول حياته , وهي تهتف به :
-هيا ..هيا بنا لنأخد صورا مع ابنتك وعريسها
رد بصوت خافت:
-هيا هيا الله يكمل عليها هي وزوجها.
محمد محضار2004
*سيدة تقوم بزف العروس