الثورة المصرية : سيكولوجية التاريخ والمجتمع

الثورة المصرية
سيكولوجية التاريخ والمجتمع

خالد الصلعي

*******************************
كنت قبل خمسة شهور كتبت عن نجاح الثورة المصرية ، ونبهت المجلس العسكري أن التاريخ لا يعيد نفسه ، لأننا لانستحم في النهر مرتين ، وبما أني لا أحب تكرار نفسي وكتاباتي ، قد أشرت الى قراءة التاريخ تحت ضوء القراءة النفسية ، كأحد المباحث المعاصرة ، والتي لفت اليها "سارتر" في روايته " الغريب " كما نبه اليها محمد أركون في كتابه "الفكر الاسلامي ، نقد واجتهاد" ، وهو ما دعى اليه المؤرخ البريطاني " موزيس فينيلي " في كتابه "ابتكار السياسة " .
ان نجاح الثورات ، لايعني قيام نظام جديد ، بمجرد سقوط رأس النظام القديم ، وهذا ما علمته لنا الثورة الفرنسية والثورة الاسبانية ، الأقرب الينا ؛ ومجموع الثورات الحديثة التي عملت على احداث تحولات عميقة في جوهر المجتمعات التي قامت بهذه الثورات . نظرا لعامل متغير الظروف وطبيعة البنى الفوقية ل"الثورة " ، مما يتطلب قراءة انثروبولوجية ، ونفسية ، وتاريخية ، وتقريب المستويات العلائقية بين جميع الشرائح المكونة لمجتمع ما .
والمجتمع المصري هو المجتمع الأقرب الى الشعوب العربية جميعا ، وله موقع خاص بين جميع المثقفين العرب ، لأسباب عديدة ، وان بطريقة عكسية .
وعندما انتقلت الثورة الى المجتمع المصري ، من تونس ، بكل ذلك الوهج الاجتماعي والتفاعل الجماعي مع هذه الثورة ، فقد أحدثت صدمة ليس فقط في كيان وصلب الدولة المصرية ، بل انها تجاوزتها الى الدول الداعمة لديكتاتوريات المنطقة ، سواء دول المنطقة العربية ،وبالأخص دول الخليج العربي ، أو الدول الغربية وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية . وكلنا يتذكر ذلك الارتباك الكبير الذي سقطت فيه الادارة الأمريكية ، بين الموافقة على تنحية مبارك وبين التردد . لكن ضغط الشارع المصري ، والتصعيد المضاعف الذي مارسه الشعب عموما ، وانخراط جميع القطاعات العمالية في فعل الثورة ،وانضمام الأحزاب اليها ، مما مكنها من زخم شعبي يصعب قهره أو الانتصار عليه ، وان تدخلت جميع أجهزة الدولة لكبح الهيجان والزلزان الجماهيري الهادر .
ان انخراط جميع مكونات المجتمع المصري في فعل الثورة ، عموديا وأفقيا ، كان الحاجز الأقوى الذي منحها دعما معنويا ، يتفوق على كل آليات وأدوات الجيش وقوى الدولة في أي تشابك بين الطرفين ، ويعجل بالقضاء نهائيا مع نوع الدولة المصرية وهويتها التي ترضى عنها وترغب فيها الولايات المتحدة المريكية والغرب عموما .
وهذا ما فرض نوعا من المعادلات الصعبة ، وأفرز شكلا هجينا من التوازن بين هرم الدولة الصوري ، وبين قاعدة المجتمع الحقيقية . فلا أحد يريد الدخول في صراعات قد تتسبب لمصر كوطن في خسارة هو في غنى عنها -الوطن - .
لكن ما غاب عن الاستراتيجيين الأمريكيين التي يبلور أهدافهم وخططهم المنسق الأمريكي في مصر ، السيد "وليام تايلور" ، أن الثورة المصرية هي ثورة اجتماعية ،وليست فئوية ، أو نخبوية ، أو قطاعية ، كمثيلتها سنتي 1952 و 1919 ، حيث كان من السهل الالتفاف عليها وسرقتها . بمعنى أنها جمعت جميع اطياف وألون نكونات المجتمع المصري .
ويبقى متغير الزمن ، ومتغيرات الأسباب والدوافع والنشأة ، أهم العوامل التي تجعل من ثورة يناير المصرية ، محطة تاريخية واجتماعية يستحيل تجاوزها ، نظرا لسيكولوجيتها الجماعية .
.
وهو ما سنعمل على توضيحه في المقال الثاني .

مما يتطلب قراءة انثروبولوجية ، ونفسية ، وتاريخية ، وتقريب المستويات العلائقية بين جميع الشرائح المكونة لمجتمع ما
الاخ العزيز خالد .. بدايتا الشكر الجزيل لتلك الكتابات التي تشد الانسان كي يبقى في حالة تفاعل مع المواضيع السياسة التي اصبح الانسان العربي يملها ويبتعد عن محاورها ومفاهيمها حتى لو لبست حلة وثوب جديد ..

السؤال اخي العزيز هو .. قد لا يجوز السبب لما تفضلت به طبيعة الفرد المصري بل ظهور تيارات وطنية حقيقة لاتقبل الالتفاف على الثورة او التلاعب بقيمها .. فكانت صاحبة القيادة الثورية المستمرة لوطني الشعب المصري الكبير

اكرر شكري وتقديري لكتاباتك وتقبل مني المرور