khalid salai
المواضيع والمشاركات : 86 الجنسية : مغربي تاريخ التسجيل : 16/06/2011
| موضوع: حالة عامة 27/11/2011, 7:52 pm | |
|
حالة عامة
قصة : خالد الصلعي
مزقت تلك الورقة التي كانت تكتبها ، قبل أن أدخل المقهى . فعندما دخلت وجدت رأسها منحنيا على الطاولة ، و يدها اليمنى ممسكة بقلم "بيك" يأخذ مسارا يمينيا ، ثم يعود الى نفس الخط الأولي ، لم أكترث اليها كثيرا ، قلت مع نفسي أنها ربما كانت تكتب رسالة على استعجال لشخص ما . لم أنتبه اليها الا لحظات ، عندما وقف أمامي النادل اللعين ، بهندامه البني الغامق ، وبحركات رأسه المفتعلة ، لم يسألني ماذا أشرب فالمقاهي الجديدة ، التي تحاول أن تقلد حداثة التصميمات الغربية في التصميم والذوق والمعاملة ، لن تستطيع تغيير ذهنية عمالها وروادها ، لابد من التغيير أن يكون انسانيا ، وثقافيا ، وليس فقط عبر نسخ المباني والبنايات واستيراد الديكورات . كعادتي عندما أريد شرب أي شيئ في مقهى ما ، لا أستطيع أن أطلب غير قهوة صغيرة ، مضاف اليها قليل من الحليب ، وقليل من السكر ،فبين مذاقها المر ونكهة السكر ، ولونها الضارب الى لون لباس النادل ،الأقرب الى السواد ، عادة لا أدري من أين اكتسبتها ، لكنني أصبحت أدمنها . قهقهة حسناء وصاحبها الشاب ، لم تزعجني ، لكنها ناوشت سمعي فاستدرت نحوهما، كانا متناغمين ومنصهرين في حديثهما المضحك . حولت عيني نحو الفتاة المنزوية وحدها في ذلك الركن الفسيح ، وأنا أحرك ملعقة السكر التي وضعتها في فنجان القهوة الصغير ،وتمنيت لو انضممت اليها لنؤنس بعضنا ، ونتبادل الحديث بيننا ، لكن انشغالها بالكتابة ، كان بمثابة جدار عال يفصل بين معرفتنا ببعضنا . كان يبدو أن ما تكتبه هام للغاية ، فهي ما تكاد يدها تقف عن الكتابة، حتى تعلو وجهها مسحة من الجدية والتفكير العميق ، لدرجة أنها لاترفع عينيها عن الورقة التي تكتبها ، وكأنها تستخرج منها الأفكار ، أو تخاف أن تهرب منها الحروف التي كتبتها . شعر بني فاتح ، رطب ومنسرح ، وجه أقرب الى البياض تعلوه حمرة آسرة في الخدين ، شفتين مكتنزتين حمراوتين بلون الكرز ، ترتدي قميصا برتقاليا مفتوح عند باب الصدر المنتفخ ، بعض ملامحه الطرية تراقب وجوه الزبناء .تمنيت لو كان صدرها الممتلئ بثدييها الطافحين عينيها ، ربما كانت قد لاحظت اعجابي بها ، لكن عينيها لا يرتفعان من على الورقة ، والرغبة في الاقتراب منها تزداد اشتعالا بداخلي . فجأة وضعت القلم جانبا بطريقة عصبية ومزقت الورقة ، بانفعال ظاهر ، خمنت أن الموضوع يتعلق برسالة غرامية ، أو ما يشبه ذلك ، ربما كانت تكتب عتابها الأخير لحبيبها المفترض ، أو ربما كانت تكتب استفسارا ما عن شيئ ما حدث بينهما . وضعت مزق الرسالة في جيبها ، أخذت معطفها الذي كان على ظهر مقعدها ، لبسته ، وعندما همت بالانصراف ، نسيت أن تأخذ القلم الذي رمته بعنف فوق الطاولة .شيئ خسيس في داخلي دفعني الى تنبيهها ، سيدتي لقد نسيت أن تأخذي القلم ، نظرت الي نظرة عدوانية وقالت لي ،تركته لك ، وما شأنك أنت بي ، لتراقب تحركاتي ،وما أخذته وما تركته . لم أكن أنتظر هذا الرد العنيف ، كما أنني عجزت عن الرد عليها ، بقيت ثواني وأنا مصدوم من ردة فعلها ، وعندما استعدت رباطة جأشي كانت قد غادرت المقهى والقلم مازال فوق الطاولة . قلت في نفسي معها حق وأنا ما شأني . | |
|