khalid salai
المواضيع والمشاركات : 86 الجنسية : مغربي تاريخ التسجيل : 16/06/2011
| موضوع: من وحي البياض 1/12/2011, 8:38 pm | |
|
من وحي البياض
خالد الصلعي
*********** أتأمل وجهها البريئ ، أتفحص بكل الود خطوطه ، أراقب بياضه الصافي ، أغازلها كما يغازلني بياضها ، أحاول اقتحامها ببصيرتي وبكل ما أحمله من طاقات الاستبطان المحفوف بكثير من الاستيهامات والوهم . أدرك أنها تراقبني هي أيضا ، تسخرمن دهشتي وخجلي ، تهزأ من تبتلي أمام وجهها البريئ ، تبادلني تمنعا وهي الأدرى برغبتي الجامحة تهتاج وتغلي في حشاشتي للانقضاض عليها بفكرة بكر ذات قوام ساحر يغري نهم القراءة المجللة بحلم الروح الشفاف . ثم ما ألبث أتراجع ، أتأملها للمرة الخامسة أو يزيد ، تطيل النظر في عيني الحائرتين ، هي تعلم أن العيون هي قنطرة العبور الى الدواخل ، وجسر المروق الى البواطن ، مهما تمرس أمهر الجواسيس على اخفاء نواياهم الحقيقية . تراقب حركة حنجرتي وهي تبتلع ريقها قبل أن يغزوها جفاف الرغبة وهي تكبر وتتضخم . انها كالمرأة ، كلما تعودت على نفس الرجل كلما ملت نفسها قبل أن تمل الرجل . تكره جسدها الذي داهمته وظيفة واحدة ، للحيوان تنويعات مبتكرة على مورفولوجية الجسد . على الرجل أن يختلف أبدا مع نفسه ، وأن يغير دائما نظرته الى الجسد البض ، ويجدد صفاته وطبعه ، كي لاتمله المرأة /الورقة . عندما تنضج الفكرة في الأقاصي أو عبر السفوح والسطوح ، مشتقة كانت أو بفعل توليد مائي ، أو تكون بكرا بتولا ، يحق لها غنج السحر وكبرياؤه ، للبكارة قدسيتها وقيمتها الجمالية والوجودية ، فان تغنجت ذات البياض الطاهر بعذريتها المحرمة /الحلال ، واستوت أوراق الفكرة كانفتاح أوراق جورية ، أعلن فروسيتي ، واستعدادي الكامل لفض بكارة بياض الورقة ، بلا استحياء أو مقدمات قد تفقدني شهوة الانقضاض على بهاء الفكرة وعذرية الورقة . لا أشاكس العبارة ، ولا أحتمل مراوغة الذات ،ما يهمني هو نضج الفكرة ، وقذفها كأرقى حالات النشوة الروحية . لا أدري مدى عمق التقابل والتماهي بين اللحظات الايروسية الجنسية ولحظات الكتابة ، كل ما أعرفه أن للايروس ولجنس سحر النقطة العليا في امتلاك انصهار الوجود باللاوجود ، والحلم بالواقع ، والصخب بالهدوء المطلق ، وللكتابة وهج الكشف والانخراط في تجليات الأقاصي واللعب مع الغوامض والمغالق حسب ما تقتضيه أسرارية الرؤية والرؤيا . الوجود عصي على الاختطاف ، والورقة تعشق الفارس المغامر ، فارس يقطع مسافات الزمن والجغرافيا ليصل الى ما يعشقه هو ، دون سواه ، وبلا غير . كلما اقتحمت خدر الورقة ، لعنت امرؤ القيس وهو يفصل بين الطفل وأمه ، وأدركت أنه شاعر لعين ، كيف تقتنص لذة من زمن طفل بريء ؟ ، كلما ارتميت في حضن البياض الناعم بجنون العشق المقدس للحروف ،كلما انسابت أمام مداد القلم ، وتعرت بكل تفاصيلها ومنحنياتها . هل تفكر الورقة ؟ هل يهب الكاتب بياضه كما تهب الحبيبة عشيقها أغلى ما تمتلك ، حرية جسدها ، لتسافر عبره نحو الهنالك ، أسأل فقهاء الكتابة منذ أزل الخط والتدوين . الكتابة على الورق ، كالكتابة على الجسد كلما امتلأ العاشق صدقا وعشقا، منحه الجسد حرية الحرث والقلب والبذر والزرع ، فاحصد أيها القارئ ثمرات رحلة سرية بين روح الكاتب المسافر ، وبين روح الورقة /الجسد السادرة في خدرها الأميري . للحرف سحر الوجود ، والوجود لايمنح سره الا للخاشعين في البحث عن جمال اللفظ ، وألق العبارة وبهاء المعنى ، ونور الفكرة . اذا تفجر الماء حجرا ، ألن تتفجر الورقةغناء ورقصا ؟ ألن تمنحنا أرواحنا أفكارا وابتكارا ؟ هي مسألة غاية في البساطة ، وشديدة التعقيد في آن ، كلما تجاسرت على الأمور ببساطة وفسخت أو فككت تعقيدات الحياة والوجود والواقع ، وكلما راهنت على الصلاة في محراب التعقيد ، جاءتك البساطة ثوبا حريريا تلف به جسد الورقة الشفاف . كما تلف جسد الحبيبة بالإزار واللحاف . قلت لها من أين أبدأ ، قالت ابدأ من حيث أتيت ، لكني أتيت من حيث بدأت ، سيدتي ، لا يهم ، قالت ثم أشاحت بوجهها ، للمعنى ألف باب ، وللعبارة باب واحد . غضبت وانسحبت ، لن أكتب شيئا منذ الآن ، هو دوري في الغنج ، نفسي أيضا لها حق التدلل . وضعت قلمي في جيب سترتي الداخلية . وأشحت بوجهي عن وجهها . كأنها تستغيث بي ، أعد الي مائي وانسيابي ، قدم لي روائي ، بلل يباسي ، راقصني داخل هذا المحراب الأبيض . يخلخل انتباهي سؤال غامض ، هل تراود الورقة بذرة ابتهالاتي ، ونشوة غيابي الحاضر ؟ هل تعلن توبتها عن ذنب لم تقترفه مثلي ؟ ، حين جاءت الى الوجود بملء عدمها ، كان لها أن تكون عروسا مبجلة الجسد ، بهية الرداء . كم معتم وجه بوحنا نحن الاثنين ، أنا المنتسب الى رذاذ الافشاء والاعتراف، وأنت المنذورة لمصادفات اللغة ، قد تعودك وهي أغلى ما في الكون ، وفد تقتحمك وهي أرذل من نعل مستعمر همجي كان لقيطا ماغوليا ، يدمر ،ولايثمر .
| |
|