1\2
اما اذا اردنا ان تكون كل هذه الاساليب مجتمعة بواحد فخير مثال لنا هو شعر محمود درويش كنموذج للتحولات التي تتسع لكل هذه الأساليب التعبيريّة، فقد بدأ من الأسلوب الحسي الذي خرج فيه من تا ثير نزار قباني فيه لانه يعتبره معلمه الاول ، ومثّل على ذلك قصيدة (بطاقة هوية ) حيث تتميز ببنية بالغة التحديد في التنظيم المقطعي تمثل الواقع الواقع الحسي الملموس بحيث تتحول انماط الكلام فيها الى وقائع ذوات قوام فعلي وقانوني وتشتمل على كثافة وجودية محددة في مقابل تهويد الارض العربية في فلسطين وتهويد انسانها الجديد او المستقبل في الاقل وطمس الهوية العربية في فلسطين وتاتي تحقيقا يتسم بالكفاءة والفعالية والخصوصية لاسلوبية تقتضي نقل الحدس الشعري بجمالية وواقعية مبينة . اذ يقول فيها :
سجل انا عربي
ورقم بطاقتي خمسون الف
واطفالي ثمانية
وتاسعهم سياتي بعد صيف
فهل تغضب
_____________
سجل
انا عربي
واعمل مع رفاق الكدح في محجر
واطفالي ثمانية
واسل لهم رغيف الخبز
والاثواب والدفتر
من الصخر
ولا اتوسل الصدقات من بابك
ولا اصغر
امام بلاط اعتابك
فهل تغضب
وانتقل إلى الأسلوب الذي اجتمعت فيه الحيوية والدرامية، كما هو الحال في قصيدة كتابة (على ضوء بندقية ) وانتهى الى اسلوب الرؤيا الشعرية الذي تمثله قصيدة( أرى ما أريد ).
وربما تكون التجريدية تقتصر على أسلوبين فقط يتداخلان فيما بينهما هما: التجريد الكوني الذي تتضاءل فيه درجات الإيقاع والنحويَّة إلى حدٍّ كبير، مع التزايد المدهش لدرجتي الكثافة والضياع، ومحاولة استيعاب التجربة الوجودية الكونيّة باستخدام بعض التقنيات السيريالية والصوفيّة الدنيويّة .
الثاني : التجريد الإشراقي الذي ربما يقع على خط الاتجاه السابق معترضا اياه في سلم الدرجات الشعرية، مع التباس أوضح بالنظرة الشعرية والنزوع الصوفي الميتافيزيقي، والامتزاج بمعالم ورؤى ايجادية تختلط فيها الأصوات المشتركة والرؤى الحالمة المبهمة، مع نزوع روحي بارز يعمد إلى التراث الفلسفي بدلا من الضياع في التراث العالمي ..
ولعل الإسراف في الحداثة والمعاصرة بشكلها الشعوري الحالي هذا الشعور الذي تحمل موادّه دلالات عميقة موروثة، قد يميل الشاعر إلى تشكيلها من جديد فإن وجودها الظاهر في هذا التشكيل الجديد يحيل إلى موروثها بوصفه غائباً يحضر لدى المتلقي لمجرد وجوده في النص، فيشعر او يحس بعداً أيديولوجياً ، وان أهم الملامح الأسلوبيّة في شعر هذا الاسلوب متمثلا بضياع القناع، والأسلوب الصوفي في شعر الصوفيين،
على الرغم من إيراد هذا التعريف للأسلوب التجريدي لم يرد لحد الان تمثيل صريح له وهذا ما يجعل تصنيف الأساليب الشعريّة الموغلة في التجريديّة معلقاً في الهواء، فالناقد يطرح فرضيّة جديدة لم تأخذ حقها من التطبيق فيما يتعلق بالشعر التجريدي الإشراقي. هذا ما لاحظناه في شعر قصيدة النثر او قصيدة الشعر الحر بعد ان تم فك الشعر من عقاله التقليدي وهب قائما يتخطى بخطى وئيدة كيفما يشاء ويتلمس الامور كيفما احب الشاعر اواراد .
فالح نصيف الحجية
( دراسات في الشعرالمعاصر)