حفل المساء جالسا في الفراغ ، في العدم العديم، في هزيع المساء، أتسمّع من شرفتي استغاثة المياه المفجوعة، خرير الأضواء الدّاكنة ، ونحيب الكلمات. أتسمّع إيقاع الأصوات المخنوقة وصياح الخليقة. أرى أشباحا ، أرواحا هوجاء تكنسها العاصفة، نايات مثقوبة تغرّد في الرّيح الصمّاء، وأناشيد مدماة من ثقل الحياة. أرى مرايا مسحورة ، جنازات الأحياء، جماجم..وهياكل عظمية متكلّسة.. شرائط ذكريات بعيدة .. أمطارا ثلجيّة وقبورا من الأحلام. أرى ملائكة أشرارا .. أربابا متعدّدي الألوان، رسائل بلا رسل، وشعراء منبوذين يمضغون اليأس. إنّها حفلة رعب ومساء حنظل بلون حشرجة الموت... أرى أنجم مفردات تسبح في سماوات نديّة بكماء، أرى حقيبة ولا أرى سفرا... أسمع في البعيد ضحكات أسلافي السّـاتيريّة وتصفيق الورود للكلمات... كانت حفلة أنيقة بل حلما مصابا بطعنة نوم طويل. مستنبتا أجنحة كنت أطير بين أسراب الحمام : رأيتني في غيبوبة ليل مشمس، رأيتني ولم أرني... وأنا أنزل الأوحال أبصرت فيّ سيمفونية غريبة ، وأصداء غامضة ، شرّا كامنا فيّ وهوّة عميقة في القلب. رأيت أيضا خلاّقا بديعا وملعونا تطحنه عجلات الخليقة.. ممسوسا بشيطان رجيم ، ممسوسا بالآثام، بآلهة الظـّلام ، أتطلّع إلى طهارة الأنوار.. أتطلّع بلا أمل إلى نافذة كي أخرج من سفر الحياة إلى الحياة. كان موتا بهيجا أو موتا في العشق .. كانت هي وكان أيضا هو وهما وأنتم .. كنتم.. وكان موسم خلقي بيد سكرى ممدودة للرّجاء.