قصة قصيرة :
خطوبة بهيجة
عبد الرحيم التوراني
نظر إليه وقاطعه:
ـ لتهنأ. لن أجد زوجا لابنتي أحسن منك. نحن ناس لا يهمنا غير الشرف والمعقول. أعرفك. وأعرف والدك الله يرحمه. كان لطيفا. يوم انتهى تحت آلة المصنع نمت من دون أن أتعشى. لم أقدر على الأكل. بل نسيت، الله يسمح لي، لم أنم ليلتها. كنا قريبين من بعض. كلما شفتك تذكرت صاحبي أباك. رحمه الله.
لم يترك للشاب مجالا للكلام. ودعه طالبا أخذ رأي البنت أولا.
ـ إذا وافقت البنت فلن أزيدكما غير الدعاء الصالح.
ركب دراجته النارية ومضى تاركا يد الشاب في الهواء. لم يتعمد ذلك. كان مستعجلا للوصول إلى البيت. لقد تأخر.
بقي الشاب يشيعه بنظرات مبتهجة حتى غاب عنه في زحام الطريق المكتظة بالدراجات وعربات الحمير والبغال والخيول والسيارات والشاحنات والراجلين. طريق متربة ضيقة.
أخبر الشاب أقرب الناس إليه بفوزه. وذهب إلى المقهى ليحتفل بنفسه. في المقهى أكثر من مقابلة حائطها المغلف بالمرايا. وفكر في حل السكن بالإقامة مؤقتا عند صهره. والد امرأته. بدأ يعتبرها في حلم يقظته زوجته. وقف. تساءل بصوت مسموع: ولم لا؟ لن يجدوا أحسن مني.. هو قالها بلسانه.
وصل الرجل إلى بيته متعبا. هو يسكن في أقصى القرية. استقبلته أم بهيجة. ساعدته على ركن الدراجة تحت السلم. غطست رجليه في ماء فاتر. دلكتهما. لاحظت استرخاءه. ابتسامته المكتومة. هي تحفظه. معاشرة عشرين سنة. بل أكثر. ضغطت على أصابع رجله اليسرى وتغنجت. سألته أن يفضفض.. قال لها ليس عندي شيئ يا ولية. توقفي عن تغنجك. كبرت على ذلك .. وأتبعها بضحكة مسترسلة. تصنعت الغضب وابتعدت. ردت عليه أنه هو الأكبر.
ـ أخذتني وأنا طفلة لا زالت تصنع العرائس وتلعب. اغتصبت طفولتي يا كافر..
ذهبت إلى المطبخ. نادى عليها أن تأتي إليه. سيخبرها. جاءت مسرعة. مستعجلة.
قال: زغردي. بهيجة جاء إليها عريس.
كان ينتظرها أن تفرح. لكنها عقدت حاجبيها. وصمتت.
استنكر رد فعلها. عقد حاجبيه الكثين الأشيبين. وقف. صدته مستنكرة. كم بنتا لدينا غير بهيجة؟ كيف نسيت.. بل لماذا تنسى ولم يمض سوى شهر أو أقل على حفل خطوبة بهيجة؟ هل سنزوج ابنتنا لرجلين؟ كيف تسمح لك نفسك بأن تعيرني بالتقدم في العمر أيها العجوز الخرف.