قصة قصيرة جدا:
حساء
عبد الرحيم التوراني
أمضي يومي في قتل الوقت. أعود إلى بيتي كل مساء ملطخا بدم الوقت. تعبت. فكرت في تقديم نفسي إلى السلطات والاعتراف لها بسلسلة الجرائم التي تقع بالبلد من غير أن يتوصل البوليس إلى فك لغزها. قلت لهم إني والله لصاحبها. أنا هو قاتل الوقت. وقمت أمامهم بإعادة تمثيل جرائمي المروعة. تبادلوا النظر فيما بينهم. تضاحكوا. التفتوا إلي وطردوني. اتهموني بالجنون. لما لاحظوا إصراري طالبوني بالإتيان بالدليل. أتيتهم بجثتي مبقعة برطوبة الأيام. نشروها على جدار. قالوا لي عد لتسلم عظامك الرثة بعد مغيب الشمس. لما عدت في الوقت سلموني كيسا مليئا بعظامي. أشاروا علي أن أصنع منها حساء لذيذا لاسترجاع طاقتي. سألتهم عن ماذا سيفعلون بي وكم تساوي جريمتي. كنت متحمسا. قلت لهم لن أقبل بأقل من إعدام. أريد أن أريح ضميري. قالوا لي لقد ألقي القبض على القاتل الحقيقي. وأشاروا إلى أعلى. لم أفهم. هل كانوا يعنون رئيسهم أم السماء أم المصباح الخافت الذي كان يتدلى كمشنوق من السقف. جمعت عظامي الباردة. في البيت قدمتها لزوجتي لتهيئ لنا منها حساء لذيذا. نظرت إلي وعانقتني وبكت. بكيت معها من دون أن أعرف سببا لبكائنا. لم أسألها عن ما يبكيها. خرجت لأقتل الوقت في انتظار انتهاء زوجتي من إعداد الحساء