أيكم أحسن عملا

قصة قصيرة:

أيكم أحسن عملا
(إلى ليلى ابراهيم عيسى المرأة السودانية المحكوم عليها بالرجم حتى الموت)
عبد الرحيم التوراني

كانت منهارة. لم تقو على الوقوف. لقد تم تعذيبها في المخفر. تهمتها الزنى. وشريكها في
التهمة هارب. لم تعطهم أوصافه ولم تذكر اسمه. أحاط بها ثلاثة محققين شداد. حاولوا إرغامها على الاعتراف والتوقيع على أوراق تدينها. لم يفلحوا.
أمرهما أعلاهما رتبة أن ينصرفا. وشوش في وجههما إن هو بقي معها لوحدهما سيعرف كيف يسل منها الاعتراف الثمين. خبرته في اصطياد اعترافات المتهمين مشهود له بها على مستوى المحافظة. أحنيا رأسيهما بعد تأدية السلام العسكري وانصرفا يدقان الأرض بأحذيتهما الثقيلة.
أقفل المحقق الباب وأحكم إغلاقه. تقدم صوب المتهمة. ارتعدت فرائصها. تواترت دقات قلبها. عاد إلى الطاولة في ركن الغرفة. جلب كأس ماء بارد وناوله للمرأة. غير من نبرة صوته. بدل كلماته البذيئة. طلب منها أن تعذره. هي إكراهات الوظيفة تتطلب منه إبداء الغلظة والشدة. ومن معه قد يبلغون عنه لو اكتشفوا إنسانيته القصوى. قال وهو يقترب من جسدها أكثر: أنا أيضا إنسان.. إنسان له قلب ومشاعر وإحساس.. إنسان له قدرة على تمييز الحسن والجمال.. وعرض على المسكينة أن يساعدها إن هي أرادت مساعدة نفسها. بإمكانه إخراجها من ورطتها. ولمس صدرها بيد غليضة متشققة. دفعت يده. قالت إنها لا تعرف اسم من زنى فيها. ولا عنوانه. وأنها لم تكن متواطئة. "لقد اغتصبني يا سيدي.. أحلف لك بالقرآن وبسيدنا محمد.. اغتصبني والله..".
مرر أصابع يمناه على شاربه. شم عنقها. أخرج لسانا أحمر من بين شفتين غليضتين. حركه كمن يزغرد بلا صوت. ووشوش لها: أنا متأكد من براءتك يا جميل. من غيري يشهد ببراءتك. لست متواطئة ولم تكوني.. لكن كوني لمرة واحدة وتعالي نتواطؤ معا نحن الاثنان.
خلع سرواله ووطئها كذئب. بل فاق كل ذئب. لما قضى وطره لبس سرواله. أقفل عليها غرفة التحقيق. تركها مكومة كشيء مهمل. عاد إلى بيته ونام جنب زوجته المصون.
في الغد داخل مكتبه الأنيق. تتصدره صورة ولي الأمر ولوحة مؤطرة كتبت عليها آيات قرآنية بالخط العثماني. جلس ووقع على قرار رجم الزانية حتى الموت.
دخن سيجارة. واستغفر الله. وأطال التحديق في "الرجم والموت" وصورة المرأة. قام وغير "الرجم" بكلمة "الجلد" ثم حذف كلمة "الموت". كان الراديو يذيع حصة تلاوة القرآن الكريم بصوت مقرئ سعودي: "تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير، الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا، وهو العزيز الغفور". قرأ مع المقرئ محاولا تقليد ترتيله. فجأة انقطع الإرسال ثم تواصل من جديد. لنسمع المذيع يقول: "أيها المواطنون إن الرئيس سيدلي بخطاب إلى الأمة".
فكر هو في القيام بزيارة عملية بعد سماع الخطاب إلى المتهمة قبل الجلد ليبلغها تنفيذه لوعده علها تشكره وتجازيه.