رشيد فجاوي
المواضيع والمشاركات : 11 الجنسية : مغربي العمل/الترفيه : قطاع الخدمات تاريخ التسجيل : 05/07/2012
| موضوع: زوار الليل 6 و يستمر الحكي 27/7/2012, 9:13 am | |
| و قام العم حسن متثاقلا" لاعليك، سأرافقك، جهزي نفسك و سأذهب لإحضار سيارة أجرة كبيرة.. ظلت أحلام محلقة، تسترجع ذكرياتها البعيدة وأعادتها وخزة الألم لرحلة والدتها الطويلة. لكنها هناك في الأعالي، كانت ترى كل شيء ، العم حسن و النسوة الثلاث، كانت ترى نفسها وتسمع هسيس الأرواح المكتوم ، ترى و تسمع كل شيء ، حتى الخواطر الدفينة.و كأنها تتابع شريط الحياة في صالة سينما ، رأت الرحلة الطويلة . وصلت سيارة الأجرة،أخدت الأم مقعدا خلفيا فيما ظل العم حسن جالسا قرب السائق.صمت مطبق و حزن طافح، يضغطان بقوة تمتص كل ذرة هواء؛ وحدها الأشجارعلى جانبي الطريق، كانت تمرق سريعة، مزمجرة، طاردة السكون، قبل أن تتوارى في الظلام.. النافذتان الأماميتان، تدخلان لفحات البرد القارس و تطردان سحب الدخان المنبعث من سيجارتين سرمديتين لا تنطفئان إلا لتستعرا من جديد.. ليس للعم حسن من ملاذ سوى سجائره، وليس للأم سوى التخبط في الوساوس و القلق. كان مثقلا بالحزن و الذنب والحيرة، تضطرم الأفكار و الصور في أتون نفس محطمة متعبة. لم يَهُدﱠهُ البحر يوما بكل أنوائه و زوابعه، كما هزﱠته هذه الحادثة، ولم يضعف يوما أمام امرأة كما حدث اليوم مع النسوة، ولم يضطر يوما ليقسم يمينا كاذبا كما صار معه الليلة ، وهو البحار الصلد المتوحد مع الموج و الصخر.. أيعقل أن يخطئه الموت؟ هل المنايا خبط عشواء من تصب تمته ومن تخطئ فإلى حين؟ أيكون إبراهيم هدفا أصابه القدر خطئا في لحظة شاردة؟ هل يعيد القدر التصويب على طريدته المحظوظة؟ وليكن إذا، لكن ما ذنب إبراهيم وما ذنب زوجه و ابنته؟ كانوا في عرض البحر، على بعد عشرات الأميال عن اليابسة. وهم يستخرجون الشبكة الضخمة، والنوارس تحيط بهم صادحة من كل صوب؛ على مشارف الشباك، فوق العوامات الحمراء الصغيرة، على الصاري و السطح وقمرة القيادة، والبحر ساكن في زرقة شفافة ساحرة؛ هو فأل حسن بصيد وفير، أججته سيمفونية البحارة و النوارس و هدير آلات السحب و المحركات. وللبحارة المتمرسين مواقع و مهام محددة: الربان يراقب الشبكة و السطح عن كثب على باب القمرة، مساعده يمسك دفة القيادة، الميكانيكي يتحكم بسرعة ساحب الحبل الرئيسي، مساعده في غرفة المحرك، مبارك يشغل دولاب سحب الشبكة، العم حسن مسؤول عن الحلقات الفولاذية، إبراهيم يرتب حبال الحلقات الصاعدة من الماء، محمد على متن الزورق المساعد و باقي البحارة قسم منهم يصفف جانب عوامات الشبكة في مؤخرة السفينة و الآخرون يصففون جانب الثقالات الرصاصية جانب قمرة القيادة على مقربة من إبراهيم و حسن. وبحركات متمرسة متناغمة، كانت الأوركسترا تصدح بالمواويل البحرية في همة و نشاط. فجأة، طارت كل النوارس دفعة واحدة، و لم يهتم أحد..كان حسن منهمكا في فك حبال الحلقات الفولاذية عن حبل الثواقل الرصاصية، وعدها بصوت جهوري عال، حين أحس بقوة جذب قاهرة من أعماق البحر، و قبل أن تزمجر آلة السحب ، طفق يصيح:" إنتبهوا. ثمة تيار قوي في القاع. عدلوا سرعة الساحب" وانطلق مسرعا صوب الميكانيكي ، وفي اللحظة ذاتها، دوى صوت قوي كهزيم الرعد، ومر الحبل الرئيسي المقطوع كومضة برق، مر بالمكان ذاته حيث كان حسن واقفا قبل قليل، وكالقذيفة إرتطم بالصاري. عم الذهول سطح السفينة و تسمرت أقدام الجميع، لم يحسوا حتى بإضطرام البحر و تمايل السفينة العنيف..كان إبراهيم مسجى فوق الحلقات و الدماء تسيل من أطرافه السفلى..لعله سمع طرطقة عظامه قبل أن يسمع أو يرى الحبل الضخم المنقطع، وسقط مغشيا عليه. لم تعر الأم ولا حسن إنتباها للطريق، كأنها أحست بالفاجعة و حاولت أن تصدق ما رواه حسن، لكن هيهات أن تبرد نارها إلا إن رأت زوجها بأم العين. وحسن لا يكاد المشهد العنيف يفارق ناظريه. هو من كان الموت يتربص به لا إبراهيم، هو من كان في موقعه بالذات سيشطر قسمين، ويموت بدون ألم. اللعنة على هذا القدر الأعمى؛ أخطأ مرتين؛ حين غافل إبراهيم و حين لم يسدد له ضربة مريحة. مسافة متر شكلت فارقا رهيبا، بضع درجات في المسار المقوس للقذيفة، تشكل فرقا بين الموت الآني القاطع كسيف الساموراي، و الموت البطيء كعضة تنين سومطرة، حيث تتكالب الغرغرينا مع سطوة العاصفة، أوتشكل فرقا بين النجاة الكاملة أو إصابة بسيطة . لن يزول المشهد من ذاكرة حسن، لقد رأى إنعكاسا مشوها لموته، كان هو المقصود لو لم يغير موقعه ببضع أقدام و ببضع ثوان. و أحلام،الطيف المحلق المتجرد المتوحد، يرى كل شيء، هي البداية لاغير..
| |
|
الشاعر محمد الوزير المشرف العام
المواضيع والمشاركات : 405 الجنسية : يمني العمل/الترفيه : شاعر ومحام - بوزارة الصناعة والتجارة تاريخ التسجيل : 10/05/2012
| موضوع: رد: زوار الليل 6 و يستمر الحكي 29/7/2012, 2:37 pm | |
| [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] من روائعنا الأدبية الرفيعة ,, أحسست وانا أقرؤها ,, أنني أما نجيب محفوظ ,, أو إحسان عبدالقدوس , أو رفيق العلايليْ ,, وربما غدة السمان ,, نص قصير يحمل عناصره ,, والإدهاشات المتلاحقة ,, وتعيش القارئ في الإستنتاج ,, ماذا وكيف وهل,, وأين ورب ,, وأظن ,, إلى أن ترد النهاية وليتها لم ترد ,, قلت رغم قصر النص فإن الحبكة الدرامية والتصور الفرضي , والخيال العائش مع النص كان جميلاً أبدعت أيها الأديب الروائيْ رشيد فجاوي ,, وشكرا لك وللكتابة الرصينة الهادفة , ودمت متالقاً ,, | |
|