زوّار الليل
مشهد سابع
لن يزول المشهد من ذاكرة حسن، لقد رأى إنعكاسا مشوها لموته، كان هو المقصود لو لم يغير موقعه ببضع أقدام و ببضع ثوان.
وحين يصلان للمصحة، أيرافقها للغرفة32 ويصطنع الدهشة لعدم وجود إبراهيم، أم يصحبها مباشرة لمستودع الأموات؟ أينعيها و يعزيها أم ينعي و يعزي نفسه التي ماتت هناك على ظهر السفينة "عشتار"؟
كانت نوبة الصيد الأخيرة لهذا الموسم؛ يرفعون ما تبقى من حصتهم من أسماك، يغلقون العنابر المبردة ويقفلون فورا صوب الميناء. تنتظرهم عطلة طويلة خططا لها بكل عناية كالعادة. يقضيان الأسبوع الأول مع العائلة و يلتقيان بعدها في أغادير. يقبضان ما تبقى من أجرتهما و يذهبان في جولتهما البرية المعتادة: حامات سيدي حرازم و مولاي يعقوب، منتجعات راس الماء و باب بودير، شفشاون، الناظور، مليلية، طنجة، أصيلا. كانا مولعين بالسفر، و كل عام يحددان مسارا جديدا، جولة العام الماضي بدأت من تارودانت و انتهت بالراشيدية عبر الواحات و الكثبان. يالله نحن نريد و أنت تفعل ما تريد.
أرخى الصمت الثقيل ستارا جنائزيا على السيارة، والسائق المرهق بالطريق و الوجوم و الوحدة، لم تطرد السجائر خدر أطرافه و فتور جفنيه؛ كان مسافرا تماما، و عيناه على الطريق.
ثمة موعد محدد سلفا لخادم السماء، و هو الآن قادم، كما ود في نفسه العم حسن،رقيقا كالنسيم، سريعا كرصاصة، مسكرا كرشفة أفيون. إمتطى الخادم شاحنة كبيرة، وبلا نفير، كانت الحادثة. و كصفعة فجائية استيقظ الركاب في العالم الآخر.
يقال أن الغيبوبة برزخ بين الحياة و الموت، حياة داخل الموت و موت داخل الحياة، لاحدود للزمكان، لا علاقة بالشخوص، لاقرابة و لا صداقة، لا حب و لا كراهية، فقط أرواح عارية مشرعة البصيرة على المطلق، هنا و هناك في اللحظة ذاتها، لا هي هنا و لا هناك.
اقشعرت أحلام ورحلت، خلفت ورائها الطريق و حطام الأجساد و المعدن. لماذا لم يبعث البحر أي نذير؟ لماذا لم تطلق الشاحنة النفير؟ أم أنه لم يكن لهم أن يدقوا جدران الخزان؟