رسالة إلى صديق تائه
رشيد فجاوي
أخي و صديقي
أنت الآن هنا، وبعد لا زلت على سفر، لم تعد كما ذهبت أول مرة. ضعت في الطريق، عاد شرخك فقط ، عاد منك إنكسارك و بقيت متشظيا في اللامكان.
يوسف ذاك الولد المتشيطن في السؤال ذات مائدة مستديرة، المقيم في الإستعارة غداة حديث في العقيدة و الإيديولوجيا، ذاك الطفل الكبيرحين تهرب عيناك من نظراتك لتفضحك لحظة إعجاب أو دعابة، يوسف الذي كنته، المتأنق اللبق، خصمي الصعب في جولات الشطرنج، قارئي الأول ، رفيقي في دور الشباب و مائدة المقهى.
أتذكر حين كنت تقول : لا حاجة للحديث الثقيل عن الشيوعية فنحن نمارسها معا في لفافة تبغ و شطيرة و حين نتبادل الكتب و الجريدة، و أنت المجاز في الدراسات الإسلامية. حين كنت تتحدث عن الكومونات و العمل و الحاجة، كنت تعرج على الفاروق و أبي ذر الغفاري . و كنت أغيظك حين أدعوك بالمتأسلم الشيوعي و كنت تغضب ، نتجادل فيعود إليك الهدوء. كانت دعابات لا أكثر.. لكني إستشرفت التلخبط القادم في الطريق ولم تقبل يوما إشارة.
أولى الإعتصامات مع المعطلين، كنف النقابة الراعية، تيارات اليسار و اليمين؛ كانت بوادر التذبذب و كنت أغضب منك: إختر مسارك إتخد خيارك لا مفر.
كان لي طريق شاق خضته عن إختيار وكان نصيبي منك الغضب. و كنت تقول لا ، أنا الأدرى ، و كان لي نصيب معك من التيه ؛ لا أزال أذكر لفافات الحشيش و النبيذ و سجالات ليلية طويلة عن السلطة والإقتصاد و التشغيل و القمع والتضليل ، نقاشاتنا عن فرج فودة و المهدي عامل ،و كنت تسكر إذ أقرأ لمحمود درويش و معين بسيسو، وكنت تفحمني في مقاصد الشريعة وأسباب النزول و التنزيل.
كنت، يوسف، رائعا و بهيا إلى أن نخرتك العطالة و تهت ما بين الدياليكتيك و الجماعات الإسلاموية. تقضي وقتا في النضال مع المعطلين مسكونا باليسار، و تقضي وقتا آخر متربصا و معسكرا و معتكفا في الظلام.
أين ذاك اليوسف الذي كنت ؟ إفتقدته إذ إستعاض عن الصحو بلفافة حشيش و كأس نبيذ و غرفة مقفلة.
آسفي 04/08/2012