مشاكل وحلول
عبد الرحيم التوراني
دخل الجحش الصغير يبكي. استقبلته أمه الأتان خائفة منزعجة من أن يكون قد حصل لصغيرها مكروه. مسحت دمعه. سألته إن كان ضربه جحش من أولاد الجيران.
قال الجحش وهو يجهش:
ـ لم يضربني أحد. فأنا متفوق على أقراني في رياضة الركل.
ردت الأتان:
ـ أعرف ذلك. كما أنك تحمر وجهي بين جاراتي وصويحباتي. ألست من تصدر نتائج خريجي المعهد البلدي للنهيق هذه السنة. أفتخر بك جحشي الجميل. يا لك من جحش رائع. طلعت لأخوالك وليس لأعمامك. ثم اقتربت منه وطبعت على خده قبلة طويلة.
سكت الجحش وتوقف عن البكاء. نظر إلى والدته وسألها عن والده. أجابته إنه في العمل.
قال الجحش إنهم يشتمونه ويعيرونه باسمه وباسم أبيه وباسم أمه..
ـ كيف يكون الاسم شتيمة؟ أي أسرة هذه معرضة للإهانة في كل وقت من لدن من هب ودب.. كفى.. نعم كفى وأكثر..يجب وضع نهاية وحد لهذه المهزلة...
ظلت الأتان منبهرة بفصاحة ما تسمعه من جحشها لأول مرة.. فرحت به. سيكون خطيبا سياسيا مفوها ولا شك، قالت في صدرها.
أضاف الجحش وهو يركل بقائميه الأماميين الأرض:
ـ سأقترح على بابا أن نغادر هذه القرية البئيسة وننتقل إلى المدينة الكبيرة. هنالك لن يسألونك من أين أتيت ولا ابن من أنت. وسأطالبه بأن يغير عمله. ليدبر له عملا أحسن من الإركاب وجر محاريث وحمل أثقال. لم لا يفتح مكتبة لبيع الكتب التي يحملها أسفارا؟
ـ ردت الأتان محاولة تهدئة صغيرها الثائر المتمرد:
ـ لقد ارتبطنا بهذه القرية ولا يمكننا مغادرة أرض أجدادنا والتغرب في مدينة غريبة عنا. ووالدك لا يتوفر على شهادات دراسية عليا ولا معارف لديه بالمدينة. اهدأ يا ولدي وكل لك لقمة.
وضعت أمامه سلة شعير رطب. رفض الجحش المدلل أن يأكل. نفسه مسدودة وحالته مقلقة.
ضرب سلة الأكل بقائمته اليسرى حتى انقلبت السلة. ونهق صائحا:
ـ إن لم يحصل هذا سأهرب أو أهاجر ضمن مهاجري قوارب الموت.
اتصلت الأتان باكية مرتجفة بالهاتف بزوجها الحمار أن يدركها فورا. وجدت هاتفه مغلقا. تركت رسالة صوتية :
"أسرع يا حمار إن لم تدركنا ضاع الولد منا".
في هذه الأثناء كان الحمار رفقة أتان أخرى في البار. لما انتبه إلى هاتفه واستمع إلى الرسالة الصوتية طلب من صاحبته أن يغيب عنها بعض الوقت. طلب لها بيرة جديدة وأوصى النادل بها خيرا وقصد بيته.
شمت الأتان رائحة الشراب في بعلها. عرفت أنه لم يكن في العمل. اقتربت من عنقه فشمت رائحة حمارة. سألته أن يصارحها مع من كان في البار يبدد فلوس الأسرة عليها. تلعثم الحمار وخاف من شر الأتان. أخبرها أنه كان في حفلة. سألته بمكر :
ـ وهل الحفلة ممنوع عليك أن تجلب حرمك إليها؟
رد الحمار مضطربا:
ـ لا، ولكني أعرفك لا تحبين الحفلات العمومية.
ضحكت الأتان حتى بانت أضراسها المذهبة. كذبت أن تكون هي لا تحب الاستمتاع بالحفلات والاختلاط بالمجتمع.
حاول تقبيلها لتهدئتها. دفعته وعيرته بالسكير المستهتر. نصحته أن يذهب ويبوس تلك التي كان معها.
جرى كل هذا وابنهما الجحش الصغير يتفرج عليهما. وقف ونهق بشدة أن يتوقفا.
ـ لم تبق هناك حياة عادية في هذه الدار. سأتركها لكما لتتخانقا فيها وفق ما تحبان.
انتبهت الأتان أنها نسيت صغيرها. كذلك فعل الوالد. مسحا رأس الجحش وحاولا التخفيف عنه. وعدته أنها ستمتنع عن الخصام مع أبيه من أجله. وعده أبوه أنه سيوفر له ما يطلبه. حرن الجحش. رفض وعودهما. عرض على أبيه فكرة الهجرة إلى المدينة وتغيير المهنة. ركل الحمار الأتان متهما إياها بإساءة تربية الجحش. متسائلا من أين أتى الصغير بمثل هذه الأفكار الغريبة. هدد بعدم أداء اشتراك الانترنيت. تذكر صاحبته تنتظره. تذرع بالغضب وخرج متوجها إلى البار. جمعت الأتان حقيبتها وجرت صغيرها متوجهة إلى دار والديها.
في الغد طلعت الصحف المسائية بالعناوين التالية:
ـ انتحار أتان في ظروف غامضة.
ـ حمار يقتل خليلته في بار.
ـ البحر يلقي بجثة جحش كان يحاول الهجرة السرية ضمن قوارب الموت.
وعلى القناة الثانية كان ببث برنامج "أسر ومشاكل وحلول".