قصة
حفيظة طعام*
على حافة الأرصفة كان يسير... حافي القدمين... متلعثم الخطى، متشقق الشفاه، بارد الملامح، ساخن النظرات... أسير الأفكار التي لم تستطع أن تستوعبها نفسه فبدت من خلال جرات قدميه المتثاقلة المرتبكة... هو لا يدري أين يتوجه بغربته التي تسقط كاهله فتحني ظهره إلى أسفل السافلين، وحيد هو، وحيد هو و الأشياء الأخرى... لا شيء يرافقه إلا هزيمته النكراء، لا شيء يرافقه إلا مدينة خالية، نامت تحت وطأة الخمرة تحدث شخيرا رهيبا تكون سحابات من الدخان تحجب عنه الرؤية، فراح يفرك عينيه بيديه...
عيناه لؤلؤتين ذريتين انطفأتا فشاع منهما ظلام الحزن و الألام...
يتوقف لحظة بل يسقط متعبا يحاول أن يلملم أشلاء جسده المتناثرة، يتكور على نفسه، يتستر بالقمامات، ينام كطفل صغير.
وسط الأحزان يرى أحلاما جميلة يحلم انه داخل حديقة جميلة امتلأت أزهارا و ينابيع هواءها منعش، وريحها مسك، وماءها عذب... كان هناك جالسا على مقعد حجري، بجانبه جلست حورية حسناء راحت تمرر أناملها على رأسه وتعزف على أوتار شعره أجمل سانفونية في الحياة...
فجأة تتحول الأحلام إلى كوابيس، يصحو مرعوبا على أصوات مخيفة فإذا به تحت القمامة وحديدا من جديد، تحيط به شلة من المتشردين يزعمون امتلاكهم للمكان، يطاردونه، يضربونه...يهرب منهم ويسير دامي القدمين في دروب المدينة البلهاء التي لا تعي ماذا يمارس على ظهرها.
يواصل وحدته في ظلمة الليل...وأنامل الحورية عالقة في ذهنه يعيد تلمس نفسه من جديد، وسرعان ما يلعنها ويلومها، يلعن واقعه وأحلامه يضرب رأسه ضربات متواليات على جدار اصطدم به ثم راح :
يصرخ كيف تسول لك نفسك أن تحلم يا مسكين....؟ وتوارى بعيدا، بعيدا في الظلام...
وفي الصباح تجمع الناس حول جثة هامدة، بائسة وحيدة، نائمة وسط حديقة أحيطت بأحد المنازل الفاخرة، كانت نائمة وتطبق على شفاها أجمل ابتسامة ابتسمت لها القلوب بكاءا مريرا...
حفيظة