العيد لم يأتِ بعد / محمد الصورباهري

العيد لم يأتِ بعد

محمد الصورباهري

رمى بجسده الذي أثقلته الهموم متهالكا على مقعد خشبي وأرخى القياد لخيالاته لتتجول في رأسه ...ففي كل عام يجلس على هذه الهيئة أكثر من مرة ...واحدة في عيد الفطر وأخرى في عيد الأضحى .
هذه المرة ماذا سيقول لأولاده ن بما يعتذر لهم ن أمهم التي كان يعتذر بها لمرضها قد رحلت إلى الدار الآخرة ....لقد مضى على رحيلها سنوات على اثر مرض عضال أحالها إلى كومة هشة من اللحم والعظم ....الآن يسألونه ......
أين ذهبت ماما ؟؟؟

يصفعه السؤال ن فيعجز عن الإجابة ن وتملأ الدموع عينيه مثل نهر متدفق ن لقد كانت تملأ عليه البيت ....والقنديل الذي يضيء له عتمة الطريق وبرحيلها خبا القنديل ....
أجابهم قائلا :
لقد ذهبت لتحضر لكم ملابس العيد ....
ويردد الأطفال وهم في شوق لرؤية أمهم :
ومتى يأتي العيد يا بابا ؟؟؟
بعد شهرين أو أكثر ....لا أعلم بالضبط ولكنه سيأتي ....
ها هو العيد ...والمدينة قد تزينت بأبهى حللها ..الشوارع ...الناس ، أطفال يتضاحكون ويتحدثون عن ملابس الفرحة وبدأ السؤال يلح عليه ويطرق على ذاكرته طرقا عنيفا...ماذا سأقول لأولادي عندما يسألونني:
ألم يأت العيد يا بابا ؟؟؟
بماذا أجيبهم ....كيف اختلق لهم الأعذار ...لم يبق عذرٌ إلا واحتلت به ..ولم تبق حجة إلا وقرأتها على مسامعهم .
كان يجلس على ذاك المقعد الخشبي عندما دخلت عليه ابنته الصغرى ضاحكة مستبشرة ....صرخت ..بابا ....بابا ...
بابا ....رفع رأسه
الرأس الذي حُرم عليه أن يرتفع في وجه هذه الصغيرة الطاهرة جاء صوته خفيضا مرتعشا :
ماذا تريدين يا بنيتي ؟؟؟
قالت بابتهاج : العيد قد جاء ...جاء العيد ...المعلمة قالت يا أبي إن العيد سيأتي غدا وأن المدرسة ستكون في عطلة رسمية ....هل هذا صحيح يا أبي...هل العيد جاء ؟؟؟
كانت تتفاعل في داخله كل الأشياء...والذكريات ،عن الطفولة والوطن والناس وليالي الحصاد ... قال لها والدموع تتساقط من عينيه ....
هذا العيد يا سعاد ليس لنا ....إنه للناس الذين يملكون أوطانهم ...أما عيدنا ...فلم يأت بعد ....
ومتى يأتي يا والدي : قالت سعاد
سوف يأتي يا سعاد ...عندما تصبح أختك ثائرة في عمر رعد ...
نظرت إلى صورة أخيها معلقة على الحائط .

انتهت

فعلا العيد لم يأت بعد ,, كيف
العيد والوطن سليب , كيف يكون العيد والحرب محل الحب , كيف يكون العيد ,
ولا أحد يدرك الأوطان وهي على شفا هاوية
شكرا لك ايها الكريم الشاعر محمد الصورباهري , فالعيد لم يأت بعد ,,

لاعيد دون بسمة ترتسم على وجه الوطن الحزين..
لن نقبل اليتم..العيد لنا والوطن لنا..
وسيأتي العيد ليطرق بابنا..وسنهدي فرحنا لكل من كان معنا..قلباً لقلب ..وروحاً لروح