حــــــــــــــلم معاق
عاش جنين في جوف رحم أمه الشهور المعدودات، قبل خروجه للحياة. فرحا مزهوا يتململ في جلسته ويتنطط في حركاته. ولا تمر لحظة إلا ويتخذ فيها وضعا جديدا يجدد به حلمه الذي ينوي تحقيقه على أرض الواقع، فور رؤيته لنور الحياة وبلوغه مرحلة الشباب التي ستساعده على تحقيق حلمه الذي يراوده.
كان يحلم:"أن يصبح في المستقبل شابا وسيما، قويا وذكيا. ينال من العلم درجات عليا، تساعده على أن يصبح حاكما لبلده. عندها سيعمل على إيجاد طرق يخلص بها العالم من جبروت المادة وسيطرتها، وسيعمل على إرساء قوانين أمن وسلام وسيعيش الجميع في كنف حكمه سعداء مكرمين معززين ..."
فهو يؤكد أنه فهم العالم، من خلال تجسسه على الأخبار التي ينقلها والده الشاب إلى أمه الشابة- والذي يعتبر هو أول حملها-فهو قد أحصى من خلالها كل الأخطاء التي وقع فيها غيره من البشر لذلك سيتفاداها .
وذات يوم، وبينما هو في جوف رحم أمه يحلم كعادته، سمع حديثا دار بين أمه وجارتها الحامل هي الأخرى. عدل من وضعه. وبدا يفكر في طريقة يتكلم فيها مع جنين جارتهم ويسأله إن كان هو الأخر يشاركه نفس الأحلام أم لا؟؟ مد رجله اليمنى وبدا يضرب بها جدار رحم أمه وكرر العملية أحست الأم بحركته غير العادية. وسألت جارتها التي تفوقها تجربة، إن كان ما تتعرض إليه الآن طبيعيا أم لا؟؟
اقتربت الجارة منها وتلمست بطنها وضحكت قائلة:"إنه أمر طبيعي يا عزيزتي. فالجنين يتحرك يبدو أنه ولد مشاكس.."
وضحكتا معا
في تلك الأثناء، همس الجنين لجاره ألقى التحية وسأله عن ما يختلج فؤاده من أحلام، وإن كان هو الأخر يحمل نفسها؟؟
فأجابه صاحبه متثائبا:"ما أجهلك أيها الرفيق وما أتعس أحلامك... لقد مررت بهذه المرحلة مثلك. لكنني سرعان ما تراجعت، عندما اصطدمت بواقع إخوتي. فالفرق بيني وبينك أنك وحيد وأن لي إخوة سبقوني للحياة من خلال تجاربهم رصدت العالم وعرفت أنه مجرد زيف وخراب.... عندها أدركت لا جدوى الأحلام في الزمن الموحش كما نعته أخي الأكبر فكل آمالي وأحلامي كانت باطلة... من يومها لا أفعل شيئا سوى النوم والأكل "
فقاطعه صاحبه:"في ذهني صورة جميلة لمستقبل سيكون رائعا.... لا أستطيع شرحها لك بالألفاظ ربما ستجمعنا الحياة يوما ما شبابا ونعمل على إرساء خططها معا...."
- يا صاحبي لا أريد أن تشرح لي شيئا.... قلت إن العالم زيف عكس ما تحلم به والكبار منافقون، لملم أحلامك الجنينية وارض بما يصل إليك من أكل وشرب ونم فإن في النوم راحة.
وبينما هما يتجادلان أحسا بحركات تنبئ بأنهما سيفترقان وأن الجارة ستغادر بيتهم.
-المعذرة يا جنين الأحلام يبدو أن أمي مغادرة سأوصيك من جديد بالراحة والنوم وابتعد عن الأحلام... إلى أن نلتقي في الحياة
-إلى اللقاء
ومن ذلك اليوم تغيرت حياة الجنين الحالم، غارت الابتسامة من وجهه، وقلت حركاته ونشاطه، وافتقد السكينة والراحة. توالت الأيام، إلى أن جاء اليوم الموعود لخروجه، فاستعجل مغادرة عشه، وقد بدا يشعر بالاختناق، استأذن أمه طارقا أبواب جدار رحمها في دقات متسارعة أحست الوالدة بحدتها وجعا.... تعالت صيحاتها وارتفع صراخها الذي استجاب له الزوج مسرعا بنقلها إلى المستشفى في حالة يرثى لها.
هناك حجزت لها غرفة خاصة. طال انتظار الزوج وكثرت ابتهالاته ودعواته وقد امتلأت مسامعه بصراخ زوجته وتأوهاتها. وبعد ساعتين خرج الطبيب من غرفة الولادة مقطبا حاجبيه مبشرا بنجاة الأم متحسرا على مصير الطفل الذي ولد معاقا....
حفيظة