نص وقراءة ... د. جاسم خلف الياس / صحوة البتول العلوي
صحوة / البتول العلوي
آهات محمومة
توقظ الحلم الغافي
بمرافئ الذاكرة البكماء
المتبتل في محراب الشجن
بكبرياء روح
داعبتها أزمنة معتقة بعبير الوجد
يخلخل حروف الملل
يفض بكارة الصمت العنيد
المسكون بنغمات الغياب
ينفلت من كثبان الرمال العطشى
يمتطي خيله المسرجة بالأمل
المزهر بين أحضان الصبار
كل معاني الفقد تتهاوى
فوق سطح العدم
بشموخ غيمة ماطرة
يهدهد نرجسية المشاعر
المتوارية خلف أفق النسيان
يطعمها رحيق الحنين
متوجة بالاشتهاء
يحملها صوب الانعتاق
مضمخة برذاذ الشوق
يزفها إلى لياليه العجاف
====
أقف هذه المرة أمام نص أنثوي مؤثث بإيروتيكية ساحرة يخلو من ضميرالـ(أنا) . ذلك الضمير الذي يحاول بلوغ اعلى المستويات في التفعيل والتصوير . وهنا يفرض علينا الاقتراب من هذا النص أن نتساءل : كيف استطاعت الشاعرة البتول العلوي أن تموضع التمركز الأنوي دلاليا ومكانيا في قولها الشعري دون تمظهر ضمير الـ(نا) بتشكيل بصري في النص، أو تمظهر الافعال التي تدل عليه؟وبعيدا عن فاعلية العنونة التي تمركزت في مفردة واحدة (صحوة) وما لها من تضاد يمنحها حق التواجد في (سكر) أو (سكرة) ، لا بد أن نتساءل من أي شيء تولدت هذه الـ(صحوة)؟ وحسب ظني المتواضع ، إن مقاربة النص ستجيب عن ذلك . إذ تقدم لنا الشاعرة البتول قصيدتها مكثفة وملغومة وحادة في نقل الخاص إلى المتلقي بوساطة العام ، وذلك بشكل مباغت وجريء لتتضع سؤال الأنثى بشكل عام أمام التمركز/ التشظي الذكوري الذي حاولت الشاعرة تصويره في الآن نفسه.تستهل الشاعرة قصيدتها بتوصيف لإسم يشكل هاجسا أنثويا في صيغة الجمع (آهات محمومة)، وهي بذلك تزج القارئ في استنتاج شعوري مباغت ، يترتب عليه تداع للأفكار وتوليد للدلالات المطلقة وهنا يتقاطع الذاتي بالموضوعي ، وتؤدي المخيلة دورها في التسلل إلى ما وراء الأشياء. هل ستبقى هذه الـ(آهات) في فضاءها المطلق أم انها ستتعامل مع فضاء نسبي يسعى إلى الاختراق والتجاوز؟ من المؤكد ان الشاعرة ما زالت في الإستهلال وانها لم تكمل فكرتها بعد ، لذا علينا الاصغاء إلى ما ستقول ( توقظ الحلم الغافي بمرافئ الذاكرة البكماء/ المتبتل في محراب الشجن)) .إن البتول في رسمها لهذه الصورة التي تجترحها بتعبير إستعاري طالما عشقته الانثى (الحلم الغافي) عملت على انفلات الـ(آهات) من سكونيتها لتفعل من حركية النص وانثيال دلالاته في حميمية تغوي القارئ في تتبعها بشغق وقلق وهي توصله إلى مكان المكوث المرهون بزمن قصير وهو ( مرافئ الذاكرة البكماء) . ولا تكتفي الشاعرة بما تحمل الذاكرة من دلالات ، لاسيما بالنسبة للأنثى التي تعتمد في معظم اشتغالاتها على التذكر والاسترحاعات فتعطي صفة لذلك الحلم ( المتبتل في محراب الشجن بكبرياء روح) في تجسيم استعاري جعل للشجن محرابا، لتستمر الشاعرة في إعطاء نعت آخر للروح التي (داعبتها أزمنة معتقة بعبير الوجدن) ويظل التعبير الإستعاري متواجدا في كل سطر من القصيدة ، لذا لن نعمد إلى تكرار ذكره ثانية أوثالثة . ولا تتوقف الشاعرة عن ممارسة تورط القارئ في نص متشابك التراكيب، فلا ندري هل تعود الأفعال (يخلخل، يفيض، ينفلت، يمتطي، يهدهد، يطعم، يحمل، يزف) إلى الحلم أم إلى كبرياء تلك الروح الموصوفة؟ وسواء أكانت عائدية الأفعال واقعة تحت هيمنة الحلم ، أم كبرياء الروح ، ففي كلا الحالين تتمظهر أفعال الأنوثة في تفاعلها الايروتيكي/ الكتابي الذي منح الجسد النصي شعرية عالية ((داعبتها أزمنة معتقة بعبير الوجد/ يفض بكارة الصمت العنيد / ينفلت من كثبان الرمال العطشى / المزهر بين أحضان الصبار/ بشموخ غيمة ماطرة / يهدهد نرجسية المشاعر / يطعمها رحيق الحنين / متوجة بالاشتهاء / مضمخة برذاذ الشوق)).. وعند تفكيك هذه الجمل سيميائيا لن نحتاج إلى جهد ووقت وطاقة تأويلية مضاعفة ، نومع ذلك سنعمل على إرجائها لمقاربتها في دراسة قادمة، وأحدد الوقت لو سمحت لي الشاعرة البتول، عندما تصلني بقية قصائدها، ضمن مجموعات منشورة أو منفردة؛ لغرض دراسة تجربتها في كتابي الذي أنهيت منه فصلين متخصصين في الشعر الأنثوي .. شكرا للشاعرة بتول التي منحتني فرصة الغوص في عالمها الشعري أتمنى لها دوام الإبداع..
الدكتور جاسم خلف الياس
__________________