لم يكن وجها يدعو للتأمل.. لولا إشراقة للسعادة لحظتها في نظرة مرتبكة تحاول الإفلات من حدود حزن رصين مد ذيوله على كل الجسد.. أغرتني انفعالاتها المضبوطة بالخجل.. كانت بمثابة فداء غامض لأقترب أكثر ولما كانت آخر المراجعين عصر ذلك اليوم. دعوتها للجلوس بادرتها قائلة: ظروف عملي اليومي والحالات التي تعترضني جعلتني أنقل مثل هذا الخبر إلى أصحابه بآلية أوتوماتيكية تبدو خالية من أي تعبير.. لكن، تأتي أحيانا مواقف عابرة في زمن مناسب تجعلنا ربما نتوقف.. نمعن في أنفسنا قليلا ونرى كم اختصرنا من الدهشة والفرح في حياتنا.. هنيئا من جديد، منذ متى تنتظرين مثل هذا الخبر..!؟ أجابت وهي تنظر في عيني نظرة جسورة منذ عمري وأكثر.. استفزتني إجابتها.. تمنيت أن ألامس وجعها عله يؤنس أوجاعي.. سألتها: كم عمرك..!؟ لم أحتج أن أتكلم كثيرا حتى تقترب واحدتنا من الأخرى، الأمر ببساطة أنها كانت بحاجة للبوح وكنت بحاجة للإصغاء، خدمتنا لحظة وجدانية ملائمة. أجابتني مسترسلة في ذاكرة الماضي والمستقبل: بصراحة.. أنا الآن في السابعة والثلاثين، تزوجت قبل خمس سنوات وأحلم بأولادي قبل ذلك بكثير.. تأخرت في الزواج لأني رفضت الارتباط إلا بمن أحببت، أردت أن يكون أولادي ثمارا لحب صادق كبير.. بدأت أفكر فيهم مذ بدأت أعي الحياة، عشت أوقاتاً عصيبة كان يهتز فيها يقيني وأشعر أنني لن أصل إلى مستقبلي المشتهى رغم ذخيرة الإيمان في قلبي لكن.. لا أدري ربما قلقنا الباطني واستهلاك الحياة لنا بقسوة تجعلنا نشعر أحيانا أن القدر بكل طاقاته سيقوم ضد كل ما نتمسك به ونحث الخطا في ملامسته.. فينتابنا الشك وتغزونا الوساوس.. هل نحن أصغر من أحلامنا؟ هل توجد أصناف من الأحلام لنا وأصناف لغيرنا.. حتى هذا الحلم، حلم الأمومة المتاح لأغلبية نساء الأرض خفت ألا يكون لي. قلت لها: ربما لأنك جعلته مشروعك الوحيد في الحياة وكرست جل تفكيرك له في وقت يشعر فيه الآخرون أنه أمر طبيعي يعيشونه بشكل أو بآخر. ربما.. لكنني تعاملت مع حلمي هكذا لأني أريد لولدي أن يكون مشروعاً كبيراً أقدمه لوطني وللحياة.. أجل.. سأربيه على أغاني فيروز وموسيقا الأوطان، سأحكي له تاريخ الشعوب وكيف يدفع الإنسان في كل مكان عمره وراحته ثمنا لفكرة أو مبدأ. سأعلمه كيف نتطور مع الحياة.. لا كيف نتغير نظرت إلى هذه المرأة المتدحرجة من زمن القضايا والايديولوجيات الكبرى. كل شيء فيها كان قد تشكل بخجل، باستثناء عينيها الرافضتين ورأسها المليء بالأسئلة والأحلام.كانت تلج أكثر في أمنياتها وألج أكثر في ذاكرتي.. لم أقل لها إني كنت أشبهها يوما لم أقل لها إني أم لثلاثة أولاد، ربيتهم وحيدة بعدما ترملت.. ربيتهم بدمي ودمعي ونزف أيامي.. حتى كبروا ونالوا أكبر الشهادات ثم سافروا.. نعم سافروا لبلاد بعيدة.. لم أقل إني البارحة في اليوم الوحيد الذي يسمى عيد الأمومة، أهدتني تصاريف الحياة الوحدة والبرد والحزن وجهاز هاتف لا يصرخ مهما صرخت أعماقي، لم أقل لها أي شيء. فقط نظرت في عينيها ثم إلى السماء متضرعة بقلبي وجوارحي لله أن يرعى أحلامها..
أعجبتني فنقلتها لكم
دمتم بخير
نور الشام
حسام الحميد
المواضيع والمشاركات : 777 تاريخ التسجيل : 27/04/2009
موضوع: رد: حلم أكبر من المقاس 24/12/2009, 1:08 am
نور الشام
دمت متألقة دائماً
اختيار مميز لموضوع مميز يحمل وجع كثير من النساء
تقبلي مروري
فاطمة بلغازي مشرف
المواضيع والمشاركات : 777 تاريخ التسجيل : 21/05/2008